سبق أن حدثتكم عن طرفة "كشكي". فيحكى أن رجلاً ترشح مرة لإنتخابات المجلس البلدي فسأله أحدهم عن برنامجه. قال "أولاً بالتبادي الأثبت كشكي". وكان للرجل كشكاً لبيع الصحف ظلت البلدية تحركه من شارع إلى آخر حتى بارت تجارته. و"كشكي" هي عاهة الصفوة السياسة الحاكمة والمعارضة الكبرى. فقد اختزلوا السياسة، التي هي النظر المحيط بالناس ومشكلاتهم، في مفردات ثوابت من تاريخ كل فريق منهم بها تصح السياسية وبها تفسد. وبانت لي "كشكي" هذه في حديث أخير للسيد محمد عثمان الميرغني (الأحداث 2-1-2011). وبعد القبول برضاء الله وقدر الانفصال قال إن مؤتمر حزبه سيناقش مشروعاً لإنقاذ السودان المنفصل. فسيتبنى قيام أسبوع لوحدة السودان ينعقد في السادس عشر من كل شهر نوفمبر يتبارى فيه الرياضيون في منافسة "ميرغني-قرنق" في ميدان عند ضريح قرنق وفي دار السيد على الميرغني في الخرطوم بحري. هل وضحت للقاريء معالم "كشكي"؟ فحتى داء الانفصال دواؤه "كشكي" أي اتفاقية الميرغني-قرنق (1988). لا عيب في الفكرة ذاتها. بل هي فكرة غراء. فالرياضة، وكرة القدم بالذات، فرقة ناجية من صراع السودان. فقد اندهشت دائماً لأنها ما تزال محتفظة بمركز لها في اتحاد الكرة القدم السوداني. فحتى القوات المسلحة، آخر كياناتنا المسلحة، انسلخ منها الجنوب ونافستها الحركات "المسلحة" في دارفور. وكنت استمع لأخبار الرياضة فأعجب لمباريات بين فريق من الجنينية يلاعب آخر من الحصاحيصا في استاد ملكال في دوري السودان. بل ربما لن يشطب الانفصال هلالية الجنوبيين أو مريخيتهم. فحتى في أتون الحرب الأهلية كان الجنوبيون قد "ختوه قرض" مع اليوغنديين ، أولياء لجوئهم السياسي، في مباراة للسودان ضد يوغندا. وتعامى جنوبيون الحدود وسوء علاقة الشمال والجنوب قبل شهور وعبروا إلى يوغندا لتشجيع الفريق السوداني. فكرة مولانا ضربة معلم في "البناء على التاريخ المشترك" بين السودانيين في قول ياسر عرمان. ولكنه "كَشكَها" وخرج بها من عمومها الجاذب إلى خصوصا الحزبي المنفر. ونبهني إلى هذا العيب في عرض مولانا كلمة قرأتها لأحدهم على الإنترنت يقترح على الرئيس البشير "أن يقدم الدعوة من الآن للجنوب حال الإنفصال أن يشارك فى الدورة المدرسية كل عام وستكون من أجمل المناسبات وستكون تنافسية ومشروع وحدة مستقبلية للأجيال القادمة" كما اقترح أن نتعامل مع الرياضي كمواطن في البلدين لضمان فريق قومي ينافس بلا قيود الاحتراف. واقترح كذلك أن تستمر منافسات "كاس السودان" وكأن شيئاً لم يكن. وميزة اقتراح كاتب الإنترنت على اقتراح مولانا أن الأخير قد ضيق واسعاً. فبدا التصالح الرياضي بعد الانفصال تابع لواقعة كشكية لا حدثاً في حد ذاته بجماله ورحابته. ولكن ما أخشاه أن لا يقع اقتراح الدورة المدرسية موقعه الحسن في الجنوب بعد إلغاء دورتها التي كان مقرراً أن تنعقد في واو قبل شهر ونحوه. وقد ساءني أن من الغاها وزير للسلام هو باقان أموم كفاحاً لم "يشاور فيها زميله" كما جرى بها لسان "فرسان في الميدان" التلفزيوني. ومثل هذا القرار الكبير مما يتخذه مجلس وزراء بعد المداولة أو جهة أمنية طالما ارتبط الإلغاء باتهام للقوات المسلحة السودانية بتهديد أمن وفود الدورة. واستكثرت أن يصدر القرار بالذات من وزير للسلام ا يستوجب عليه أن يستنفد سبل الخير كلها ويترك للمتجهمين الأمنيين الجهر بمثل قرار تعطيل مناسبة للشباب الذين هم نصف الحاضر وكل المستقبل. أي انهم رصيد الحركة الشعبية في سودانها الجديد الشامل للشمال في يوم قريب. لا تنسوا الرياضة والثقافة (الغناء) من تحوطات ما بعد الانفصال . . . والأكشاكاجية يمتنعون.