قبل فترة من الانشقاق في حزب المؤتمر الوطني"الحركة الاسلامية سابقا" في رمضان سمعت أن أحد الشيوخ ذكر أنه يعيش حياة الصحابة "رضوان الله عليهم" فضحكت لذلك وحزنت من الاستهانة بحياة الصحابة والجهل بحياتهم لأن الصحابة لو عشوا كصاحبنا وأمثاله لما وصل الاسلام إلينا .ثم سألت نفسي هل يوجد في زماننا من يمكن أن نرى في حياته من يحتذي الأنموذج الصحابي ومن يمكن أن نقول إنه يجسد صورة قريبة من حياتهم فخطر في ذهني صورة شخصيتين كلما رأيتهما تمنيت أن ارقى لما وصلا إليه فيما احسبه من حسن ارتباط بالله ومفارقة لدنيا الناس . أما الشخصية الأولى فمن الهند والثانية من السودان ولايمنع هذا أن نجد في البلدين من يقاربهما . الشخصية الأولى هي شخصية الشيخ ابي الحسن علي الحسني الندوي "بتسكين الدال" العالم المعروف "رحمه الله" بدات علاقتي به عام 1976عند ماكنت في الجامعة الاسلامية في المدينةالمنورة حيث عرفني به بعض طلابي في الجامعة مع انني كنت قارئا له ثم بدأت أقابله كلما حضر الى المدينة التي كان كثير الزيارة لها. كان الرجل زاهدا في الحياة مع أنه لم يكن فقيرا حيث كانت الدنيا في يديه وليس في قلبه ينزل المؤتمرون في الفنادق الفاخرة ويأبى هوذلك مع أن مكانه محجوز في الفندق فينزل في الملحقات التابعة لقصور بعض اثرياء المسلمين من الهنود وقد علمت من الطلاب أن هذه هي حياته في كل مكان يحل فيه الااذا اضطر لغير ذلك. في احدى المقابلات في المدينة وجدته يجلس على سرير عادي منسوج فإذا به يعتذر بأن الطبيب طلب منه أن ينام على مثل هذا السرير مراعاة لحالته الصحية وطبيعة مرضه ولم أتعجب من ذلك. سألني بعد أحداث عام1976 ونزاع الاسلاميين مع "جعفر نميري"اذا كان الشيوعيون قد احتضنوا انقلاب النميري وتعاونوا معه وانفردوا به فلماذا لم يعرض الاسلاميون انفسهم على "نميري"منذ أول يوم ويقدموا له الاسلام ويعرضوا تعاونهم؟لما ذا تركوا الساحة للشيوعيين؟أما كان ذلك سيجنب الاسلاميين كثيرا من المشكلات والسجون والاعتقالات وتضييع الفرص؟ كان رد فعلي لهذه الأسئلة هو الاستغراب مثل الاسلاميين السذج الذين لم تنضجهم التجارب ولم يتسموا بالحكمة ولم تكن حتى قيادتهم مدركة لأبعاد هذه المسالة وتداعياتها لأنهم كانوايفقدون الحنكة السياسية والخبرة في التعامل السياسي الذي يوازن بين الواقع والمآلات والممكن وغير الممكن في العمل السياسي وهذا ما فطن اليه الاسلاميون بعد أن ضيعوا الكثير وصقلتهم المعاناة وسخر الله النميري للإسلام والمسلمين فكانت المصالحة والمشاركة والمشاكلة وبذلك كسبت الحركة الاسلامية الكثير والجليل مما لم تحافظ عليه فانتهت الحركة وضاعت الآمال وافتقد الناس الثقة في المشروع الحضاري الاسلامي بل في الاسلاميين جميعا مخلصهم ومسيئهم مقتصدهم وسسابقهم. بعد سؤال الشيخ الندوي الذي استنكرته بسنوات طويلة ادركت كم كنا سذجا بلا تجارب ولاحنكة ولاحكمة حتى على مستوي القيادات التي كا ن يعمل فيه كل على شا كلته ومقاصده وطموحاته وقدراته. كان الشيخ الندوي"يتحدث العربية السليمة الخالية من لكنة الاعاجم وكان مجيدا لنحوها وصرفها وفقهها وعروضها وكان حب تلاميذه مثل محبة تلاميذ مشايخ الصوفية لمشايخهم كماكان كثير السؤال عن تلاميذه وتحصيلهم. الاسلاميون القدامى كانوا مغرمين بكتاب الشيخ "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"وهو من أعظم الكتب التي كتبت في القرن العشرين وهو الذي دعا لأبراز الأدب الاسلامي من خلال التصور الاسلامي للحياة والكون وقد كنت السوداني الوحيد الذي شارك في المؤتمر الأول للأدب الاسلامي عام 1981بمدينة "لكنو"في الهند ممثلا للجامعة الاسلامية في المدينةالمنورةببحث عنوانه"مفهومات في الأدب الاسلامي" وكان من نتائج ذلك المؤتمر قيام "رابطة الأدب الإسلامي العالمية"ومقرها في الرياض بالمملكة العربية السعودية. حياة الشيخ يحتاج الاسلاميون أكثر من غيرهم لدراستها وفهمها ومعرفة النماذج الاسلامية التي أعادت الاسلام من غربته في عصرنا وجد د الله بهم الاسلام وهم قلة ولكنها فاعلة ومؤثرة وقائدة ومخلصة لايتكالبون على الدنيا ولم يتخذوا الاسلام مطية للدنيا أووسيلة لحكم الناس باسم الاسلام .