دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول أصول سكان السودان 16 .. بقلم: د. أحمد الياس حسين
نشر في سودانيل يوم 07 - 10 - 2011

من هم سكان السودان قبل ظهور المسميات القبلية الحالية
د. أحمد الياس حسين
كلية التربية جامعة الخرطوم
[email protected]
من هم النوبة في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر (2)
الفتوحات الاسلامية في صعيد مصر
ذكرنا في مقالنا السابق (رقم 15) أن فهم موضوعي علاقة النوباتيين بالبيزنطيين والفتوحات الاسلامية في صعيد مصر قد يساعد على معرفة من هم النوبة في اتفاقية أهل مصر. وقد تناولنا في مقالنا السابق باختصار علاقات مملكة نوباتيا مع البيزنطيين، وسيتم هنا بإيجاز تناول حروب المسلمين في صعيد مصر.
يلاحظ أن المصادر العربية – كتب الفتوح والتاريخ – قد سكتت عن حروب المسلمين في صعيد مصر فيما عدا إشارات قليلة وعابرة لا تُمَكن من فهم وتتبع الفتوحات الاسلامية في تلك المنطقة. فالبلاذري (فتوح البلدان ص 218) قال: "لما فتح عمرو بن العاص الفسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمي إلي عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط، ووجه خارجة بن حذافة العدوي إلى الفيوم والاشمونيين وأخميم والبشر ودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك."
فالبلاذري اختصر كل حروب المسلمين في صعيد مصر في جملة واحدة، وليس من الواضح هل كانت هنالك مقاومة في صعيد مصر أم لا؟ وإلى أين وصلت جيوش المسلمين في الصعيد؟ فقد ذكر البلاذرى أسماء خمسة مناطق وصلتها قوات المسلمين ثم اختصر بقية حروب المسلمين بقوله "وقرى الصعيد" دون تفصيل. كما وضح البلاذري أن المسلمين وقّعوا مع أهل الصعيد صلحاً مثل صلح عمرو بن العاص مع أهل شمال مصر، لكنه لم يورد بنود الصلح، وأغلب الظن أن يكون هنالك أكثر من صيغة صلح واحد لأن الصلح أو الاتفاق يعقب كل معركة.
أما ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص 125) فقد جاء ما ذكره عن فتوحات المسلمين بصعيد مصر أكثر اختصاراً، فقد ذكر أنه "لما تم الفتح للمسلمين بعث عمرو جرائد الخيل إلى القرى التي حولها، فأقامت الفيوم سنة لم يعلم المسلمون بمكانها حتى أتاهم رجل فذكرها لهم ... ويقال بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد فسار حتى أتى القيس فنزل بها وبه سميت القيس فراث [أبطأ] على عمرو خبره فقال ربيعة بن حبيش كفيت فركب فرسه فأجاز عليه البحر وكانت أنثى فأتاه بالخبر ويقال أنه أجاز من ناحية الشرقية حتى انتهى إلى الفيوم"
فرواية ابن عبد الحكم لا تذكرشيئاً عن حروب المسلمين جنوبي الفيوم التي تقع بالقرب من القاهرة، والتي يبدو أن المسلمين اعتبروها أول الصعيد. وذكر أن المسلمين أقاموا في مصر سنة كاملة ولم يرسلوا قواتاً للصعيد، حتى أنهم لم يكونوا يعلمون بموقع الفيوم. وبالطبع فإن الرواية بهذه الصورة من الصعب قبولها، إذ لا يعقل أن يظل المسلمون سنة في الوجه البحري لمصر ولا يعلمون شيئاً عن مناطق الصعيد.
ومن الملاحظ أن المصادر الأخرى التاريخية والجغرافية والموسوعات لم تتعرض لفتوحات المسلمين في الصعيد. ورغم أن عبد الله بن سعد قضى عدة سنوات والياً على الصعيد حتى عام 25 ه قبل أن يخلف عمرو بن العاص والياً على مصر كلها، فالمصادر لم تذكر حروبه في الصعيد، وباستثناء ما ورد عن حربه للنوبة وما عدا ما أوجزه ابن حوقل (صورة الأرض ص 55) حيث ذكر أنه "فتح مدينة أسوان وكانت مدينة أزلية قديمة، وكان عبر إليها من الحجاز وقهر جميع من كان بالصعيد بها من فراعنة البجة وغيرهم"
ويلاحظ أن حروب عبد الله بن سعد لم توجه من الفسطاط عاصمة المسلمين في شمال مصر بل أتت عبر البحر الأحمر من شبه الجزيرة العربية مباشرة. ولا تتضح الحروب التي خاضها عبد الله بن سعد في الصعيد ما عدا ما ورد عن اخضاعه أسوان. ويلاحظ أن ابن حوقل تحدث عن ثلاث مجموعات حاربها عبد الله بن سعد وهم: 1. أهل أسوان 2. فراعنة البجة 3. وغيرهم. فهنالك مجموعتان إلى جانب أهل أسوان هما البجة وغيرهم، فهل غيرهم هنا إشارة إلى النوباتيين؟ ولماذا وصف البجة بالفراعنة وهو الوصف المفروض يصدق على أهل أسوان؟ يظل وجود البجة والنوبة في صعيد مصر في حاجة إلى المزيد من الاهتمام.
والمصدر الوحيد الذي تناول حروب المسلمين في صعيد مصر هو الواقدي (ت 207 ه/823 م) في كتابه الذي تحمل إحدى طبعاته اسم فتوح الشام. وفي واقع الأمر فإن الكتاب تضمن فتوح الشام والعراق ومصر. ورغم أن الكتاب طبع عدة مرات منذ منتصف القرن التاسع عشر إلا أنه يلاحظ عليه أنه يحمل طابع الملاحم وعدم تحري الدقة في الأخبار.
وقد اطلعت على ثلاث نسخ من الكتاب، النسخة التي ضمنها مصطفى مسعد في كتابه المكتبة السودانية، وهي نسخة مأخوذة عن الكتاب تحت اسم "فتوح مصر والاسكندرية" والنسخة الثانية نسخة موقع الوراق (warraq.com) وذكر الموقع أنه أخذها من طبعة مكتبة ابن خلدون بدون تاريخ. والنسخة الثالثة طبعة بيروت دار الجيل بدون تاريخ، وهي النسخة المستخدمة هنا، ورغم ان عنوانها "فتوح الشام" إلا أنها تناولت فتوح مصر. وتتفق الثلاث نسخ في المعلومات التي سنتعرض لها. غير أن مصطفى مسعد لم ينقل النص كاملاً في كتابه المكتبة السودانية.
أورد الواقدي (فتوح الشام، ج 1 ص 211) معلومات مفصلة عن الحروب الطويلة التي خاضها المسلمون في صعيد مصر، كما تناول أيضاً سكان الصعيد وأشار إلى وجود النوبة بالصعيد في قوله: "لما فتح عمر بن الخطاب مصر والاسكندرية والبحيرة والوجه البحري كله كان بالصعيد نوبة وبربر وديلم وصقالبة وروم وقبط." وذكر في أكثر من موضع (ج 2 ص 47 و55 و58) استنجاد البيزنطيين بالبجة والنوبة قبل المعارك الفاصلة مع المسلمين.
ورغم أنه ذكر أن البجة والنوبة لم يرسلوا قوات لمساعدة البيزنطيين نسبة للحرب التي نشبت بينهما. إلا أنه عاد (ج 2 ص 60) وذكر وصول جيوش "حليف" ملك النوبة و "مكسوج" ملك البجة، وتحدث عن مشاركتهم القتال مع البيزنطيين. وذكر أنه: "كان مع ملك البجة ألف وثلثمائة فيل عليها قباب الجلد بصفائح الفولاذ في كل قبة عشرة من السودان طوال القامة عراة الأجساد على أوساطهم وأكتافهم جلود النمور وغيرها، ومعهم الدرق والحراب والكرابيج والقسي والمقاليع والأعمدة الحديدية والطبول والقرون، وكانت عدتهم عشرين ألفاً"
ولم يذكر الواقدي (227 و 249 و 243) وَصْف أو عدد جنود النوبة كما فعل مع البجة، لكنه قدر عدد الجنود الذين حاربوا المسلمين في الصعيد ب"مائتي ألف فارس وخمسين ألف راجل من النوبة والبربر والبجاوة والفلاحين"
ورغم أن رواية الواقدي عن حروب المسلمين بالصعيد تعتبر - بصورة عامة – رواية ضعيفة إلا أنها قد تتضمن بعض الاشارات التي من الممكن التوقف معها قليلاً. فقد ذكر الواقدي عدد الاجناس التي كانت بصعيد مصر إبان الفتح الاسلامي بما فيهم النوبة والروم العنصران الذان تناولتهما شروط صلح عمرو بن العاص مع أهل مصر. ومن ناحية ثانية لو أخذنا ما ذكره الواقدي من مشاركة النوبة والبجة في الحرب إلى جانب البيزنطنين لأمكننا افتراض وجودهم في محادثات وشروط الصلح بين المسلمين وأهل مصر.
عودة إلى النوبة في اتفاقية الصلح
ومن خلال ما أمكن تسليط بعض الضوء عليه من علاقات البيزنطيين بالنوبة والبجة قبيل الفتح الاسلامي وما ورد عن إمكانية وجود النوبة في صعيد مصر إلى جانب البجة وما ورد عن حروب المسلمين المبكرة في صعيد مصر نعود إلى التساؤلات التي طرحناها عن النوبة في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر. فقد خاطبت هذه الاتفاقية ثلاث فئآت متميزة من النوبة هم:
- الفئة الأولى: النوبة الذين لا يساكنون أهل مصر (فقرة رقم 2)
- الفئة الثانية النوبة الذين دخلوا في صلح مع المسلمين (فقرات رقم 4 و7 و8 )
- الفئة الثالثة النوبة الذين لم يدخلوا في صلح المسلمين (فقرة رقم 5)
الفئة الأولى النوبة الذين لا يساكنون أهل مصر
ويلاحظ عدم وضوح وضع ما يتعلق بهذه الفئة من النوبة في الصلح. فقد خاطبت الفقرة الثانية من الاتفاق النوبة بصورة عامة ونصت على أن لا يساكنوا أهل مصر. فهل نفترض أنه على النوبة مغادرة مصر؟ أو نفترض قبولهم في مصر ولكن المطلوب منهم عدم مساكنتهم اهل مصر بمعني أن لا يعيشوا بينهم بل يعيشوا منعزلين؟ وهل هذا الانعزال في المساكنة فقط أم في الحياة الاجتماعية أيضاً؟
وإذا افترضنا أن منع النوبة من مساكنة أهل مصر في الاتفاق يعني عدم قبولهم داخل حدود مصر وينبغي عليهم مغادرتها، وجدنا أن هذا التفسير يتعارض مع باقي بنود الاتفاق الخاص بالنوبة وخاصة البند رقم 4 والذي ينص على أن من دخل من النوبة في اتفاق المسلمين يصبح وضعه كوضع أهل مصر، عليهم ما على أهل مصر من الواجبات ولهم ما لأهل مصر من الحقوق. أي أن هذا البند لم يفرق بين من قبل الصلح من النوبة وبين أهل مصر. فوضع النوبة هنا مساوياً لوضع أهل مصر الأمر الذي لا يتفق مع ما ورد من عدم مساكنة النوبة لأهل مصر بصورة عامة دون تخصيص لفئة منهم. فالبند الثاني يطلب منهم عدم البقاء في مصر والبند الرابع يعطيهم بعض حقوق المواطن المصري!
ويبقى البند رقم 2 الذي ينص على أن لا يساكن النوبة أهل مصر في حاجة للمراجعة من أجل الفهم الواضح، وأغلب الظن أن نص الاتفاق ربما تعرض لبعض التحريف أثناء تداوله في مراحل الرواية المبكرة، أو حدث ذلك أثناء نقله من مخطوط لآخر. وإذا قبلنا هذا الافترض يمكن استبعاد هذا النص من تتبعنا للنوبة في بنود صلح عمرو بن العاص مع أهل مصر حتى التحقق من صحته. ويبقى لدينا الفئتين الأخرتين من النوبة وهما من دخل صلح المسلمين ومن لم يدخل في الصلح.
الفئة الثانية النوبة الذين دخلوا في صلح مع المسلمين
جاء نص الاتفاق مع هذه الفئة كالآتي :
4. ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة، فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم
7. وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا
8.على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة
تناولت الفقرة رقم 4 الفئة التي اختارت الدخول في صلح أهل مصر، وأقرت الاتفاقية أن لهم مثل ما لأهل مصر وعليهم مثل ما على أهل مصر. وقد وضح البند الأول من الصلح ما لأهل مصر من الحقوق وهي: "الامان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم" ووضحت البند رقم 3 ما عليهم من الواجبات وهي أن يؤدوا ما فرضته عليهم الاتفاقية من الضرائب التي وُضّح مقدارها وكيفية دفعها.
ويبدو واضحاً أن ما ورد في البند رقم 4 والذي وضح أن للنوبة الذين استجابوا لصلح المسلمين لهم مثل ما للمصريين قصد بها الحقوق المتعلقة بالأمان على النفس والمال والكنائس، وما ورد في بقية البند رقم 4 والذي جعل للنوبة المصالحين ما على المصريين من الواجبات لم يقصد بها الضرائب التي فرضت على أهل مصر، لأن البند رقم 7 من الاتفاقية وضح ينبغي على النوبة دفعه من ضرائب وهي عدد محدد من الرقيق والخيل. وهذا يختلف عما فرض على أهل مصر.
ونظم البند رقم 8 علاقات النوبة بالمسلمين، تعهد فيها المسلمون بألا يغزوا النوبة ولا يمنعونهم من تجارة صادرة أو واردة. والتعهد بعدم الغزو هنا يوحي بأن هذا الاتفاق لم يتم مع قوم داخل حدود المسلمين. وبقية البند رقم 8 ينظم العلاقات التجارية بين النوبة والمسلمين، ونص على الأّ يمنع النوبة من تجارة صادرة أو واردة. وتجارة الصادر والوارد تكون عبر الحدود، فكأن شروط الصلح سمحت للنوبة بهذا النشاط عبر حدود المسلمين، والاشارة هنا تنصرف إلى حدود مملكة نوباتيا. فأغلب الظن أن الخطاب هنا لم يوجه إلى فئة داخلية بل موجه إلى كيان أو مملكة مستقلة.
فالافتراض المقبول أن هذان البندان رقم 7 ورقم 8 يخاطبان جماعة غير مستقرة داخل الحدود المصرية، والنوبة غير المستقرين داخل الحدود المصرية هم النوباتين على حدود مصر الجنوبية، وهم الذين أطلق عليهم العرب اسم النوبة. فهل النوبة المخاطبين في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر مقصود بهم النوباتيين؟ وهل شارك النوباتيين في حروب البيزنطيين ضد المسلمين فأتت الاشارة إليهم في الصلح؟
ليس من السهل إعطاء إجابة سريعة على ذلك، وقد حاول بعض الباحثين التعرف على أولئك النوبة. فمصطفي محمد مسعد (الاسلام والنوبة في العصور الوسطى ص 112) رأى أن النوبة هنا مقصود بهم سكان مملكة نوباتيا. وذهب إلى ان هذا النص (البندين 7 و8) يرجع إلي هدنة وقعت بين النوبة والمسلمين بعد المعركة التي وصف فيها النوبة برماة الحدق. ومن المعروف أن معاهدة أهل مصر مع عمرو بن العاص وقعت بعد هزيمة البيزنطيين مباشرة أي قبل حروب المسلمين مع النوبة التي يفترض مسعد أن الشروط التي وردت عن النوبة في معاهدة أهل مصر تعود إليها. ويبدو ذلك مستبعداً للفارق الزمني الكبير بين الحملتين، إلا إذا افترضنا مشاركة النوباتيين مع البيزنطيين في حربهم للمسلمين وهو الأمر الذي لم يرد في المصادر المعروفة لنا ولم يفترضه مصطفى محمد مسعد.
كما حاول بتلر أن يجد تفسيراً لورود اسم النوبة في معاهدة أهل مصر فذكر أن المسلمين عند دخولهم مصر كانوا يعتقدون أن النوبة جزء من مصر، ولذلك ضمنوهم في الاتفاق. ولا أرى أن ذلك مقبولاً لأن المسلمين كانوا حريصين على دقة بنود معاهداتهم، ولا أعتقد أن المسلمين يقعون في مثل هذا الخطأ الكبير فيضيفون قوما لا وجود لهم داخل مصر في نطاق الاتفاقية، بالاضافة إلي أن مصر لم تكن غريبة تماماً على المسلمين. ويظل السؤال قائماً من هم النوبة في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر؟
الفئة الثالثة النوبة الذين لم يدخلوا في الصلح
نص البند رقم 5 في صلح أهل مصر أن من أبى الدخول في هذا الصلح من النوبة والروم "واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه" أي يخرج إلى حيث يجد الأمان. وأضاف البند "أو يخرج عن سلطاننا" إي يخرج عن حدود سلطة المسلمين، ويعني ذلك يخرخ خارج حدود مصر. فالنوبه هنا عوملوا نفس معاملة الروم، واعتبروا أجانب في أرض مصر وعليهم الخروج ولابد أن خروجهم سيكون إلى مملكة نوباتيا.
وإذا ألقينا نظرة عامة إلى وضع النوبة في صلح عمرو بن العاص لأهل مصر نجد أنه من الصعب الخروج بخاتمة واضحة. فالبند رقم 2 يخاطب النوبة بصورة عامة أن لا يساكنوا المصريين، ثم يأتي البند رقم 4 ويخاطب من دخل من النوبة في الصلح ويعطيهم حقوقاً مساوية للمصريين "له مثل ما لهم وعليه مثا ما عليهم" ولكن البندين رقمي 7 و8 يحملان ما يرجح أن هؤلاء النوبة الذين عوملوا معاملة المصريين غير مستقرين داخل حدود مصر الأمر الذي يجعل فهم وضع النوبة من قبل الصلح صعباً. والوضع الواضح هو من لم يدخل في صلح النوبة فعليه مغادرة الأراضي المصرية. فوضع النوبة في صلح عمرو بن العاص لأهل مصر بفئاتهم الثلاث يحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث.
ahmed elyas [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.