بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس بقلم: د. أبوبكر يوسف إبراهيم* [email protected] توطئة: بعد الغزو التحالف الأطلسي بقيادة أمريكا على أفغانستان بدأت تظهر جلياً معالم الصلة العضوية بين وكالة المخابرات المركزية (CIA) ومافيا المخدر في أفغانستان ، المعتقد أن تكون أفغانستان واحدة من أفقر دول العالم حتي الآن نظريا علي الأقل (رغم انه جري الكشف في الآونة الاخيرة عن احتضان باطن الأرض الأفغانية لثروات معدنية قد تصل قيمتها الي أكثر من (ثلاثة تريليونات دولار)، الا ان هذه الدولة "الفقيرة" تتربح منها العصابات الدولية المنظمة (المافيا) بما قيمته مائتي مليار دولار سنويا، إذ تمثل أفغانستان المصدر الرئيسي لأكثر من تسعين في المائة من الهيروين في العالم. المتن: ما يهمنا هنا هو طرح تساؤل كبير وهام قد يطرح نفسه إن لم نطرحه نحن: هل كان الغزو الأمريكي لأفغانستان علي علاقة من قريب او من بعيد بكعكة المخدرات الضخمة في تلك الدولة التي يموج تاريخها بسلسلة من أشرس وأعقد الصراعات السياسية والعسكرية في التاريخ الحديث؟ الحكاية من البداية لم يكن القصف الأمريكي لأفغانستان غداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام الفين وواحد قصفا عاديا، فقد جري قصف جبال "تورا بورا" الأفغانية الشهيرة الواقعة في شرقي البلاد (والتي يعني اسمها الغبار الأسود) بأكبر سلاح تقليدي في العالم، وهو السلاح المسمى تندرا بقنبلة "الأقحوان القاطع" أو "Daisy Cutter"، لكن اسمها العسكري هو "بلو 82"، وهي القنبلة التي يبلغ وزنها حوالي سبعة أطنان. هذا القصف المروع لجبال صماء (حتي لو كان بزعم ضرب عناصر من تنظيم القاعدة) كان يحمل علي الأرجح في طياته رسائل كثيرة ليس فقط لكل من تسول له نفسه ويقول "لا" للإمبراطورية الأمريكية الجريحة بعد هجمات سبتمبر، وإنما كان يمثل ايضا بداية حسم معركة السيطرة علي واحدة من اهم مصادر الثروات غير المشروعة في العالم الا وهي تجارة المخدرات. ففي أعقاب ذلك القصف، عهد مجموعة الدول الثماني الكبرى الي بريطانيا بمهمة اعتبرت في وقتها "جليلة للغاية" آلا وهي قيادة المساعي التي تقودها القوي الكبري في العالم للحد من زراعة الافيون في أفغانستان، وذلك عبر برنامج يستهدف تقليص مساحات الأراضي المزروعة بالمخدرات في هذه الدولة المعدمة. وبدت فكرة هذا البرنامج مثالية للغاية إذ تمثلت في تشجيع المزارعين الأفغان علي التحول من زراعة الأفيون الي زراعة محاصيل بديلة. ولكن الذي حدث انه من عام ألفين وواحد الي الآن اي علي مدار عشر سنوات شهدت زراعة نبات الخشخاش او زراعات الأفيون زيادة صاروخية في هذا الجزء المضطرب من العالم. باختصار فان الاحتلال الغربي لأفغانستان لم يؤد إلي الحد من زراعة النباتات المخدرة وإنما علي العكس تماما رفعها الي عنان السماء. فكيف حدث ذلك؟ من هنا تظهر لنا جلياً الأجندة الخفية يقول البروفيسور ميشيل تشوسودوفسكي استاذ علم الاقتصاد في جامعة "أوتاوا" الكندية، ان المسألة ببساطة تتمثل في أن التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان كانت له "أجندة خفية" يتمثل أحد اهم اهدافها في رغبة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. ايهCIA ) في استعادة سيطرتها علي تجارة المخدرات في شتي أرجاء العالم وذلك عبر آليات أهمها التحكم في مسارات تلك التجارة الرهيبة. فخلال عام واحد فقط من الاجتياح الامريكي لأفغانستان، قفز انتاج هذه الدولة من الافيون من 185 طنا الي 3400 طن، ورغم زيادة الانتاج (اي زيادة المعروض) ارتفعت الاسعار بمقدار عشرة امثال مقارنة بما كان عليه الوضع ايام حكم طالبان اي قبل هذا الاجتياح العسكري الامريكي لهذه البلاد. وهناك من يتهم الرئيس الأفغاني حامد كرزاي (الذي انتخب رئيسا للبلاد في عام ألفين وأربعة بعد نيله خمسة وخمسين في المائة من إجمالي أصوات الناخبين) بانه كان الساعد الأيمن للاستخبارات الامريكية في ملف تجارة الافيون.باختصار فانه حسب هذه الاتهامات فانه تم استغلال كرزاي "كممر" للأموال التي كان الامريكيون يدفعونها للمخابرات الباكستانية وهي الاموال التي استغلتها استخبارات "اسلام آباد" في "صناعة" الصعود السياسي الصاروخي لحركة طالبان في تسعينيات القرن المنصرم. الهامش: ومن أجل فهم أعمق لملف تجارة المخدرات في أفغانستان، فانه قد يكون من المفيد الاطلاع عن قرب علي ما يعرف "بمنطقة الهلال الذهبي لتجارة المخدرات" وهي المنطقة المرتبطة ارتباطا عضويا بالعمليات السرية التي تردد ان (السي. أي. إيه) تقوم بها منذ التدخل السوفيتي في أفغانستان خلال الفترة ما بين عامي 1979 و1989. وفي عالم المخدرات يقصد بمنطقة الهلال الذهبي (باكستانوأفغانستانوإيران) أما منطقة المثلث الذهبي فتشمل (تايلاند ولاوس وميانمار).فقبل التدخل العسكري السوفيتي في الأراضي الأفغانية، كان يجري تهريب الأفيون المنتج في أفغانستانوباكستان الي أسواق إقليمية محدودة، ولم يكن هناك من يقوم باستخلاص الهيروين من هذا الأفيون في هاتين الدولتين.ولكن بعد تورط الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان، ومن ثم دخول الولاياتالمتحدة بقوة علي خط الصراعات السياسية في هذه الدولة، أصبح "اقتصاد المخدرات" في أفغانستان بشكل متسارع يمثل علي ما يبدو احد اكبر مشروعات الاستخبارات الامريكية في العالم وباتت كل شاردة وواردة في هذا المشروع يجري التخطيط لها بعناية فائقة. ومن هنا تبدأ فضائح الدولة العظمى وقد كشفت فضائح سياسية ومالية مدوية كان للمخدرات عنصر فاعل فيها مثل فضيحة (إيران كونترا) وفضيحة انهيار "بنك الاعتماد والتجارة" ان المساعي السرية التي استهدفت دعم المجاهدين الأفغان ضد السوفييت وغيرهم من الجماعات الموالية للأمريكيين في ذلك الوقت كان يجري تمويلها عبر غسيل اموال تجارة المخدرات. فالأموال القذرة كانت تجري اعادة تدويرها عبر عدد من المؤسسات المصرفية في منطقة الشرق الاوسط وفي العالم الغربي وعبر شركات مجهولة الهوية. فالمجاهدون في أفغانستان كانوا في حاجة الي كم هائل من الأسلحة، وعلي رأسها صواريخ "ستينجر" الأمريكية المضادة للطائرات والمحمولة كتفا، وهي الصواريخ التي شكلت تحولا بالغ الأهمية في المعركة ضد الروس ولعبت دورا محوريا في هزيمة السوفييت في هذه المعركة. ويقول البروفيسور الفريد ماكوي الأستاذ في جامعة ويسكونسن الأمريكية إنه بعد عامين فقط من دخول المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان في عام تسعة وسبعين من القرن الماضي، أصبحت المنطقة الحدودية بين أفغانستانوباكستان أكبر منتج للهيروين في العالم. بل وصارت هذه المنطقة المصدر الرئيسي لحوالي ستين في المائة من كمية الهيروين التي يجري تهريبها الي الأسواق الامريكية نفسها. وقد دفع المجتمع الباكستاني علي سبيل المثال ثمن هذا الامر غاليا إذ قفز عدد مدمني الهيروين من صفر تقريبا في عام تسعة وسبعين الي اكثر من مليون شخص في عام خمسة وثمانين اي بزيادة لم يسبق لها مثيل في شتي ارجاء العالم. من هنا بدأت مرحلة ما بعد الفضائح أي مرحلة الاعتراف بالذنب وفي عام خمسة وتسعين من القرن الماضي جاء اعتراف تشالز كوجان الرئيس الأسبق للمخابرات المركزية الأمريكية بهذه الدراما المروعة، حيث أقر بان الولاياتالمتحدة اضطرت اضطرارا الي التضحية بقضية مكافحة المخدرات من اجل مهمة اسمي الا وهي الانتصار في الحرب الباردة.! وشكلت "الحرب الأمريكية علي الإرهاب بابا ملكيا لعودة المخابرات المركزية بقوة لملف الهيمنة علي مسارات تجارة المخدرات العالمية، وتشير بيانات الي انه منذ الغزو الامريكي لأفغانستان في السابع من اكتوبر من عام 2001 قفز إنتاج الافيون بمقدار ثلاثة وثلاثين ضعفا ليصل الي اكثر من ثمانية الاف ومائتين وخمسين طنا. وفي الوقت الراهن يشكل انتاج افغانستان من المخدرات حصة هائلة من اجمالي تجارة المخدرات العالمية، وهي التجارة التي يؤكد بعض الخبراء ان حجمها اصبح يضارع في ضخامته تجارة النفط الدولية التي تبلغ قيمتها 2.5 تريليون دولار سنويا.اما تقديرات صندوق النقد الدولي فتقول ان ما بين 590 مليارا و 1.5 تريليون دولار قذرة يجري "غسيلها" سنويا، وهو ما يعادل ما بين اثنين وخمسة في المائة من قيمة الانتاج العالمي من السلع والخدمات البالغة حوالي ستين تريليون دولار. ويقول الصندوق ان شريحة ضخمة من هذه الاموال مرتبطة بتجارة المخدرات. كما ذكرت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية ان تجارة المخدرات أصبحت تحتل المرتبة الثالثة من حيث الحجم بعد تجارة النفط والأسلحة. وقد اعترفت الادارة الامريكية في فبراير من عام 2004 بان العصابات المنظمة تقوم ببيع المواد المخدرة المجلوبة من افغانستان بما يعادل مائة ضعف الاسعار التي يدفعونها للمنتجين البسطاء في حقول الخشخاش الافغاني. ولعل اغرب ما في هذه الدراما، فانه رغم ان الاحتلال الامريكي امضي في أفغانستان حوالي عشر سنوات وانفق هناك حوالي 177 مليار دولار. ورغم هذا كله، ورغم امتلاك هذا الاحتلال احدث ما توصلت اليه تكنولوجيا المراقبة والتجسس علي وجه الارض، فقد فشل الامريكيون في الحد من زراعة الافيون في هذه البلاد او في اكتشاف مخابيء المعامل الضخمة التي يجري فيها استخلاص مادة المورفين (وهي المادة التي يجري استخلاص الهيروين منها ومن ثم تعبئتها تمهيدا لتهريبها للخارج). ومما يجدر ذكره في هذا الصدد انه في امكان العصابات الدولية المنظمة انتاج 360 الف كيلو جرام من الهيروين الخام من كمية لا تتعدي 360 طنا من الافيون. ولعل هذه "الثروة" الشيطانية الهائلة كانت من بين اهم العوامل التي جعلت تجارة المخدرات عموما والهيروين خصوصا في افغانستان جزءا مما يسمي بالأجندة السياسية الخفية للولايات المتحدة في هذه البلاد التي قررت الانسحاب منها بعد ان ضمنت سيطرتها الاستخباراتية علي الممرات الاستراتيجية لهذه التجارة علي الأرجح. ولعل هذا ايضا ما دفع البروفيسور تشوسودوفسكي الي تأكيد ان ما يسمي بالحرب علي الارهاب لم تكن الا وهما كبيرا اختلقته الولاياتالمتحدة للسيطرة علي امور استراتيجية عدة في هذه المنطقة من العالم وفي مقدمتها تجارة المخدرات، وذلك كله من اجل فرض نظام سياسي عولمي جديد يهيمن عليه المجمع الصناعي العسكري الأمريكي بالتحالف مع صناعة المال الامريكية او هكذا قال. الحاشية: هذه هي أمريكا، أمريكا التي ثبت أنها أكبر مهرب وتاجر مخدرات في العالم، فأمريكا التي تحدثنا عن قيم الديمقراطية والحريات، هي من تدمر شباب العالم بأسره.. ها هي أمريكا التي تحدثنا عن حقوق الإنسان تعريها أفعالها.. ها هي أمريكا التي تشنف آذاننا بمحاربة الإرهاب ومحاربة مافيا المخدرات.. أمريكا هي أكبر تاجر مخدرات في العالم.. فهل هذه هي العولمة وحرية التجارة التي روّجت لها حتى تضمن التحرك بحرية لتنفيذ عملياتها القذرة.. ها هي أمريكا تقوم عبر كالة المخابرات بتمويل عملياتها القذرة من أموال تهريب المخدرات التي تدمر شباب العالم!!. هذه هي الدولة العظمى!! فأي خداع ونفاق تمارسه هذه الدولة على العالم؟! وهل يخدع العالم أمام هذه الحقيقة التي جردتها من ثياب الخداع والزيف؟! حفظنا الله وإياكم.. أقعدوا عافية!!