مرت أمس الذكري السابعة والأربعين لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه البرلمانيين في 9-12-1965 بواسطة الجمعية التأسيسية. ووجدت للأسف أن الفهم الذي شاع عن الواقعة أن الحل كان استجابة لمطلب الجاهير المسلمة لقطع دابر الملحدين. وهو فهم رتبه التاريخ الرديء الذي استشرى في البلد لقرابة نصف قرن خلا من حرية التعبير والتأويل. ومما ضاعف من بؤسه أن المؤرخين الشيوعيين الرسميين لم يوالوا حصار هذه الأسطورة للأولين عن ملابسات حل حزبهم. "محقة" شيوعيين معلومة. لم يعد هناك من السياسيين إلا الأشقي من يَصلى واقعة الحزب الشيوعي في 1965 كمأثرة. ولكن ما يزال أمام السياسة السودانية أن تستكمل، بعد اعترافها بخطأ الحل، علمها بسياقاته ودروسه حتى تستدبر الواقعة عن بينة. أعرض سريعاً لبعض الاعتبارات التي ينبغي أن نستصحبها لهذه الغاية: 1-لم تكن المعركة بين مسلمين وملاحدة. فقد تحالفت مع الشيوعيين في محنتهم قوى سودانية من المسلمين في سائر النقابات والاتحادات وجماعات إسلامية مثل حزب الشعب الديمقراطي والأستاذ محمود محمد طه. وكانت هذه القوى في تظاهراتها باسم جبهة الدفاع عن الديمقراطية أغزر عدداً ومنشغلة أصلاً في الصراع لصون ثورة أكتوبر من القوى المحافظة. وكان الجمهور الأغزر لخصومهم، الأنصار، من ما تم تجييشة من الريف لتأديب المدينة الثائرة كما فعلوا مع الخريجيين في ناديهم في 1946 ولدى افتتاح البرلمان في أول مارس 1954. وفعلهم شبيه ب"الشبيحة" لأنهم مُحَرضين لم يصدروا عن أنفسهم وعياً وطوعاً. وبالطبع سارت عن فعلهم عبارة أستاذنا عبد الخالق محجوب "عنف البادية". 2-من سمع رواية على عبد الله يعقوب لندوة معهد المعلمين المشهورة (التي ساقت إلى حل الحزب) عرف أن الحركة الإسلامية ربما نأت بنفسها عن معركة حل الحزب الشيوعي لو التزمت ب"حداثتها وديمقراطيتها". فجاء علي عبد الله بخبر الطالب المنكر إلى عبد الرحيم حمدي، رئيس تحرير جريدة الإسلاميين، الميثاق الإسلامي، وعبد الله حسن أحمد، سكرتير الطلاب الإسلاميين، فقالا له إن الخبر منكر ولكنه مما تعودوا عليه في جدل المنابر. و"قنع" علي عبد الله منهما وذهب إلى المعهد العلمي وسيَّر حشداً منهم للزعيم الأزهري. وعرف علي، معلم اللغة العربية والدين، عن تجربة شخصية أن المعهديين هم جمهور صدقه لمظالم مهنية مشروعة ضد الحداثيين. كما جاء إلى الأزهري، الذي حصره الشيوعيين حصراً، بما فرج كربته السياسية. وجاء الإسلاميون بآخرة إلى المعركة وقد خانوا ميثاق ديمقراطيتهم وحداثتهم. وربما كان ذلك بدء هذه العاهة فيهم. 3-لم تكد تجري إنتخابات تكميلية للجمعية التأسيسية للدائرة الخرطوم شمال بوفاة مولانا المرضي حتى فاز أحمد سليمان عن الحزب الشيوعي. وكأن رسالة الجماهير المسلمة كانت: "طز!". وهل يعرف القاريء منزلة هذه الدائرة؟ إنها حيث يقع البرلمان القديم في الخرطوم وكان ما يزال يناقش قوانين حل الحزب الشيوعي. وتقول لي كمال ترباس مشلخ! Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]