بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: هل تقاس الدول بمدى عِظم مساحتها الجغرافية ؟! أم تقاس بقيادتها الرشيدة؟! أم تقاس بفاعليتها في محيطها العربي والاسلامي؟! ماذا لو كانت قيادة أي دولة انكفأت على ذاتها وقالت : أنا ومن بعدي الطوفان؟! ماذا لو صمتت عند المواقف التي تتطلب من الدول أن تتحدث وتجأر بالحق؟! ماذا لو بخلت ولم تخرج فلساً واحداً لشقيق؟! أترنى كنا سنصمت أم ننعتها بما لم يقله مالك في الخمر؟! أم إذا قدمت لأشقائها بدأنا بالهمز والغمز واللمز هنا وهناك؟! ثم بدأنا التأويل بخيالٍ شاطحٍ جامح عطائها بأنه لحاجة في نفس يعقوب، ولا أعتقد أن ما بنفس يعقوب لا يتعدى المودة في القربى. هناك من المتربصين بالكرام من المرجفين في المدن، فحينما لا يجدون ما يقولون ، لا نسمع إلا فج الحديث غير المؤسس ، تارة أنهم يدعمون الاخوان المسلمين وتارة إن ما يفعلون بإيعاز من إسرائيل وتارة لا يجدون ما يكيلونه من نقد إلا أن يقولوا للتفاح " يا أحمر الخدين" ، يحسبونه ذم وهو مدح لمن لا يجنح للمدح!! المتن: برأيي أن الدور الإيجابي الذي تعلبه قطر على الساحة العربية والاسلامية ناتجٌ عن شعورها والتزامها الأدبي والأخلاقي والاقليمي وانتمائها لمحيطها العربي والاسلامي حيث اعتل الجسم العربي عقب غزو صدام حسين للعراق فأصابه الوهن والضعف والاستكانة ولأن القيادة القطرية تميزت بالوعي والنضوج بالاحتفاظ مع الجميع بعلاقات وصل في حين قاطع بعض العرب بعضهم بعضاً وحتى مع محيطهم وجوارهم الاسلامي، وكانت هي وعمان تمثلان الوسطية السياسية ولا تميلان إلى التطرف السياسي والفكري الضيق ، وكانت القيادة القطرية سباقة في التوسط بين العراق وطهران، وكانت سباقة في التوسط بين سوريا ولبنان، وكانت سباقة في مد يد العون لثوار ليبيا، واحتضنت الأفرقاء اللبنانيون حينما استد الخلاف بينهما حيث عانى لبنان من فراغ دستوري، كما احتضنت الدوحة الأطراف السودانية في أطول مفاوضات شهدها التاريخ حتى تكللت مساعيها بحل مشكلة دارفور، ناهيك عن الجهد الذي بذل والمال الذي صرف!! لما لم يجد المردفون شيئاً لتغطية عجزهم في تقديم العون لأشقائهم لم يجدوا غير اتهامات تلقى جزافاً أو أحاديث شعبوية لا ترتكز إلى حقائق المنطق والعقل فمنهم من انبرى بكيل الاتهامات من باب خالف تعرف، وقد تعودنا أن نقرأ لبعض الأقلام اتهامات تلقى كعموميات دون تحديد حدث بعينه وهذه أسهل وسيلة يعتقد الضعيف أنه يستطيع النيل بها من خصمه فمنهم شباب لم ينضج حزبياً كما هو في قول أحمد خيرى المتحدث الرسمي بإسم حزب المصريين الأحرار حين قال :[ أن قطر صاحبة أدوار سلبية ، وأن قطر هي المشكلة الأكبر في سرقة الثورات العربية]، وبمنطق العقل أقول أن من يسرق هو إما محتاج أو نفسي أو صاحب "عين فارغة!! فهل أي من هذه الصفات تنطبق على قطر؟!!.. أترك الاجابة للقارئ العزيز. يبدو أن عين صاحبنا كليلة أو لا ترى الواقع والحقائق المجردة، ألم تمد قطر يدها لتحل الكثير من أزمات بعض دولنا العربية؟! ، دعونا وبمنتهى التجرد نستدعي القضية الفلسطينية وتحديداً بعد العملية الهمجية " الرصاص المصبوب" ضد قطاع غزة وحصار الصهاينة لها ألم تكن الدوحة هي في مقدمة الركب في مد يدها لغزة هاشم ؟!!، أليس من المعيب أن تشدد يومها مصر الحصار على غزة في عهد المخلوع ، بينما الدوحة واسطنبول والسودان على ضيق ذات يده وإيران والامارات، وكذلك بعض أحرار العالم يبحرون من شتى موانئ العالم لكسر الحصار وكثير منا قعود كالقواعد لا يجيدون إلا كيل الاتهامات هنا وهناك وهذا غاية ما يستطيعون تقديمه!! الحاشية: ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار كمبدأ من مبادئ العلوم السياسية في المجال الدولي، أن الدول الصغيرة لا بد وأن تتكيف مع المتغيرات لتؤمن بقائها وفي ذات الوقت تتقي شر التجاذبات الأقليمية والدولية لتضمن أمنها وبقائها وتتواءم مع المستجدات التي تطرأ من حولها . إن الديناصورات بحجمها المهول وبوحشيتها وقوتها المفرطة انقرضت من الوجود مثلما انقرضت كثير من الإمبراطوريات القوية المتجبرة والصلفة في العالم، وذلك لأنها لم تستطع التكيف من المتغيرات في محيطها، بينما بقيت حتى يومنا هذا حيوانات صغيرة أدركت أنها لا بد أن تتواءم مع محيطها لتبقى وتضمن أمنها ، وهذا ليس مصدر ضعفها بل هو مصدر قوتها!! يجب علينا أن نلحظ الدور القومي الذي تلعبه قطر في وقتٍ تشرذم فيه العرب وانكفأوا على ذةاتهم مما ترك الأمة في العراء تتحاذيها القوى الأجنبية لقد أصبحت قطر تمثل القوة الناعمة فقد أصبحت القوة الناعمة في تشكيل وإدارة العلاقات الدولية، سواء علي مستوي الدولة، أو غيرها من الفواعل من غير الدول، علي نحو قد يضعف أو يعزز سياساتها الخارجية، وأوزانها الإقليمية والدولية. ويمكن لمتابع السياسة الخارجية القطرية في السنوات الأخيرة ملاحظة الدور المتزايد والمؤثر الذي تلعبه القوة الناعمة في العلاقات الخارجية لدولة قطر علي المستويين الإقليمي والدولي، وذلك في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. وقد كان لقطر اسهاماتها في محيطنا العربي والإسلامي بشكل كبير، ونتيجة لهذا الدور الذي لعبته دولة قطر (والجزيرة) في دعم الثورات العربية، تتعرضان لاتهامات علنية بالتدخل في شئون هذه الدول وتقتصر هذه الاتهامات على أحزاب علمانية وشيوعية. الهامش: لقد وضعت دولة قطر لنفسها استراتيجية تعتمد على مرتكزين أولهما " المواءمة والبقاء وثانيهما الريادة في المجالين الاقليمي والدولي ، وهذان من الحقوق المشروعة لأي دولة في أن توظف مقدراتها لخدمة أهدافها، وهذه استراتيجيتها الواضحة التي اعتمدت على مواءمتها من أجل للبقاء بعيداً عن تجاذبات المحاور ، وقد نفذت هذه الاستراتيجية ببراعة!! وكما أوضحت سالفاً فإن قطر قد رسمت سياستها الخارجية ببراعة علي ضوء هذين المحددين من خلال الاعتماد علي نوعين من الدبلوماسية. أولهما دبلوماسية الوساطة، وقد هدفت من خلالها إلي تدعيم مركزها في الإقليم عبر رسم صورة الوسيط المحايد الذي يمكن الاعتماد عليه، والمهتم بالسلام والاستقرار في المنطقة. واستخدمت قطر هذه الدبلوماسية لتعظيم مصالحها وتأثيرها في بلدان ومناطق كانت تقع تحت نفوذ منافسيها في السابق، مثل السعودية في حالة لبنان واليمن، ومصر في حالة السودان، لتؤكد خروجها من عباءة الهيمنة والنفوذ للقوي التقليدية في المنطقة وعلينا أن نزعم أن النوع الثاني، فهو الدبلوماسية العامة من خلال الإعلام، حيث قدمت الجزيرة نفسها علي أنها صوت الشعوب والمنبر المفتوح لكل من لا صوت له. وقد تكامل هذان النوعان من الدبلوماسية مع بعضهما بعضا. فغالبا ما سلطت الجزيرة الضوء علي النزاعات التي تقوم قطر بالتوسط فيها لإبراز الدور المهم الذي تلعبه. وليس أدل علي ذلك من أن معظم الصراعات التي تدخلت فيها قطر كان مضمون هذا التدخل يرمي إلي نزع فتيل أزمة، أو تخفيف توتر، لينتج عنه حل صراع محتقن. قصاصة: إن الدول ليس بحجمها الجغرافي ولكن بثقل مواقفها السياسية ، فهناك دولة أصغر من قطر مساحتها عشرة كيلومترات وعدد سكانها عشرة آلاف كيلومتر وهي دولة ذات سيادة لها علم ونشيد وطني ولها حق التصويت في الأممالمتحدة وأحياناً يأتي عليها الدور في عضوية مجلس الأمن للأعضاء غير الدائمين إنها دولة (ميكرونيزيا) هل سمعتم بها؟! ، أما قطر فهي دولة عربية وعضو فاعل في الجامعة العربية ، وهذا بدوره يفسر حرصها علي الحفاظ علي علاقات مع مختلف الأطراف السياسية في المنطقة، خاصة المعادية للغرب، أو التي يتوجس الغرب منها ويجد صعوبة في التواصل معها، مثل القوي الإسلامية. كما أنه أصبح واضحا لقطر من خلال خبرتها في التوسط في النزاعات أنها تلعب أدواراً هامة في السياسة الأقليمية، وكذلك لوجودها علي أرض تعج بالصراعات وثورات الربيع العربي وذلك لأنها تتمتع بعلاقات قوية بمختلف القوي السياسية المؤثرة في مجريات الأمور، وهو الأمر الذي تحاول قطر بناءه من خلال علاقاتها مع التيارات الإسلامية الصاعدة، وهذا ما يحتمه عليها دورها الذي فوضتها به الجامعة العربية . كما أن د تصدرها للرأي العام العربي، كمدافعة عن الثوار الراغبين في الحرية والديمقراطية، هو في حد ذاته دليل على أن الدول تقاس بمواقف قياداتها وليس بمساحتها الجغرافية!! إن الذين ينتقدون الدور القطري هم كالنجس الذي لا يريد أن يتطهر ويريد في ذات الوقت أن يُنَجِّسْ الأطهار المتطهرين، هكذا نحن في عالمنا العربي إن لم تأت الأمور على أهوائنا فما أيسر من وصف الآخر الذي نختلف معه بالخيانة!! عوافي Abubakr Yousif Ibrahim [[email protected]]