دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قومية البجا هل هي ثقافة.. أم جنس أو عرق؟؟ ... بقلم : جعفر بامكار محمد
نشر في سودانيل يوم 24 - 09 - 2009

الثقافة : يقصد بها الموروث الثقافى للقومية او الشعب شاملاً كل عناصر الثقافة وعلى رأسها اللغة ثم بقية العناصر الثقافية الاخرىمن دين وعادات وتقاليد واعراف وغيرها من عناصر الثقافة الكثيرة والتى تنتج عبر سيرورة طويلة من التاريخ ومؤثرات الوسط البيئى .
في هذا المقال سوف اعبر عن رأى الشخصى في الموضوع المذكور اعلاه راجياً مساهمة الاخوة بقومية البجا او بكلمات اخرى مثقفى شعب البجا لأن الموضوع شائك ومعقد ولم يسبق ان طرح للنقاش على اى مستوى وللاسف فاننا بقومية البجا قد تأخرنا وقصرنا كثيراً في دراسة مقومات شعبنا العريقة ولا يمكننا ان نأمل في اى نهضة لنا او لاجيالنا القادمة دون ان نمهد لهم الطريق بالدراسات الموضوعية في كل المجالات والتى تنير لهم الطريق وتمهد لهم الاساس الثابت المبنى على الحقائق العلمية ونحن الآن في عصر انفجرت وانتشرت فيه المعارف واصبحت اكثر بكثير مما كان متاحاً للاجيال السابقة لنا ولم يعد لنا اى عذر في التقصير والكسل وعليه فلنبدأ واول الغيث قطرة ومن المهم ان نعرف من نحن وما هو تاريخنا وما هو موروثنا الثقافى وكما ذكرت من قبل فإن البجا قومية واحدة وقد جمع بين قبائلها التاريخ والجغرافيا وإن ما يجمع بين هذه القبائل اكثر بكثير مما يفرق بينهما.
وان العلاقة بين هذه القبائل علاقة راسخة ومتجذرة ولكن كل هذا لايمنع من تحديد الامور وتوضيحها من قبلنا منعاً لسوء الفهم او الحساسيات وذلك حفاظاً على هذه العلاقات التاريخية.
(1) هل قومية البجا ثقافة ام عرق او جنس ؟
اننى اؤمن شخصياً ان قومية البجا ثقافة وليست عرقاً او جنساً ودليلى على ذلك ان معظم البجا الموجودون حالياً بالسودان او ارتريا ومصر يدّعون لانفسهم انساباً عربية والناس مؤتمنون على انسابهم ، ولا نستطيع ان نطعن في هذه الانساب او ننكرها والا فسوف نفتح على انفسنا ابواب جهنم ونجد انفسنا في جدل لا نهاية له ومضيعة للوقت في غير معترك ولذلك فلنقبل هذه الانساب دون نقاش ونستعرض بعضها ولنأخذ مثالاً من قبائل البجا وما يدعونه من نسب عربى .
1/ الاشراف – ينتسبون للدوحة النبوية الشريفة .
2/ الهدندوة – ينتسبون للعباسيين .
3/ الأمرأر – ينتسبون للكواهلة .
4/ العتمن أوالعتامنة– وهم الفرع الاكبر من الامرار وينتسبون للعبدلاب .
5/ الارتيقة – ينتسبون لليمن
6/ الحسناب- ينتسبون لليمن
7/ الكميلاب – ينتسبون للكواهلة
8/ البشاريون – ينتسبون للكواهلة
9/ النابتاب – وينتسبون للجعليين
10/ الملهيتكناب– وينتسبون للبكريين
11/ الحلنقة - وينتسبون لهوازن
وهكذا لانجد قبيلة بجاوية واحدة الا وتنتسب للعرب . بل منهم الكثيرون الذين ينتسبون للدوحة النبوية الشريفة،فاين عرق البجا او جنس البجا الاصلى؟ لماذا لا ينتسب احد لهذا العرق او الجنس التاريخى؟ هل انقرض جنس البجا الاصلي فجأة ودون اسباب واضحة او معقولة؟..
ان هذا الامر المحير والعجيب يذكرنى بالنكتة الشهيرة فيقال ان رجلاً اشترى كيلوجرام لحمة واحضرها لزوجته لتعمل وجبة غداء دسمة ولكن الزوجة اكلت اللحم كله وعندما حضر الزوج وطلب الغداء اشارت الي قطة في البيت وقالت ان القطة اكلت اللحم فغضب الزوج وذهب إلي السوق واحضر ميزاناً ووزن القطة فوجد ان وزنها كيلو غراماً وهو نفس وزن اللحم الذى احضره من قبل فصاح في وجه زوجته – هذا الوزن بالميزان هو وزن اللحمة التى احضرتها لك فاين القطة اذا ً؟
وهذه النكتة تنطبق على قومية البجا والسؤال هو اذا كانوا جميعاً ينتسبون إلي العرب فاين البجا الاصليون ولماذا لا ينتسب اليهم احد؟ وكيف اصبح البجا ورثة لتراث وثقافة وتاريخ اقوام لا يقرون بالانتساب اليهم بل ينتسبون لقوم آخرين لا علاقة للبجا بهم من حيث العرق والثقافة واللغة وهم العرب ؟
مساكين اجدادنا البجا كيف يمكننا ان نعبر لهم عن حزننا واسفنا لهذا العقوق .
لقد ورثنا ارضهم ولسانهم وموروثهم الثقافى وتاريخهم المجيد ثم استنكفنا ان ننتسب اليهم . انها اذن لقسمة ضيزى . ان هذه الظاهرة دليل على أن قومية البجا ظاهرة ثقافية وليست ظاهرة جنس او عرق والا كيف يمكننا ان نتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود وسط غابة الانساب هذه؟..
ان مسألة العرق او الجنس لم تعد ذات اهمية ، فقد اثبت العلم ان الاعراق متساوية ولا يوجد عرق صافى وانه لا يوجد في العالم عرق راقى وعرق منحط وان البشر جميعاً سواسية من حيث الاصل واصبحت الاهمية تنحصر في العامل الثقافى وبه يتفاضل الناس ولذلك فاصبح العامل الثقافى محط الاهتمام ولم يعد للجنس او العرق اى اهمية – على رأس العوامل الثقافية التى تثير الاهتمام عامل اللغة والذى اصبح العامل الاول والاهم في تحديد وتصنيف القوميات على الاساس اللغوى وليس على الاساس العرقى لما للغة من اهمية كوعاء حامل وحافظ لثقافات الاقوام المختلفة.
اننى اكرر ان القومية البجاوية هى ثقافة وليست عرقاً او جنساً فهذه القومية قد ضمت في احشائها مختلف السلالات البشرية الوافدة للمنطقة عبر العصور خصوصاً من منطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقى وافريقيا ومن مختلف انحاء العالم ثم تم صهر هذه الاجناس الوافدة في الموروث
الثقافى للبجا واصبح هؤلاء الوافدون مع مرور الايام من المتحدثين بلغة البجا وجزءاً من نسيج القومية البجاوية.
إذاً نستطيع ان نقول ان البجا قومية واحدة للاسباب التى ذكرناها تتحدث لغة واحدة واللغة كما ذكرنا هى العامل الوحيد والاهم في التصنيف بين القوميات – كما ان تكون الشعب من قوميات متعددة تصنف بحسب عامل اللغة ظاهرة طبيعية وعادية في عالم اليوم ومثال على ذلك الشعب الاريترى الشقيق مكون من تسع قوميات على حسب اللسان او اللغة وتعتبر قومية التقرى التى تمثل 30% من الشعب الاريترى تعتبر القومية الثانية كما ان قومية البجا او الحدارب تعتبر القومية الاخيرة حيث تمثل حوالى 2% فقط . اذا اخذنا امثلة اخرى فالشعب الهندى مكون من عشرات القوميات والشعب الايرانى مكون من ثمانية قوميات ، والشعب الافغانى من سبعة قوميات ، والشعب التركى من قوميتين والشعب المغربى من قوميتين والشعب الاثيوبى من عدة قوميات وهكذا .
ان عامل التصنيف الوحيد هو عامل اللغة .
نعود مرة اخر لمسألة كيلو جرام اللحمة والقطة . لان هناك سؤال عجيب قد يطرأ على ذهن القارئ عندما يعلم ان قبائل البجا تنتسب جميعها للعرب .
أين القطة ؟
اين اصحاب الشأن الحقيقيون ؟
اين قدماء البجا ؟
كيف أن موروثهم الثقافى ولغتهم واوطانهم آلت لآخرين ؟
اننى ودون ان اتعرض لكارثة الطعن في الانساب والتشكيك في صحتها اوعدم صحتها للمحاذير التى ذكرتها – اريد ان اتعرض لظاهرة تكوين القبائل كظاهرة اجتماعية او مجتمعية افترضتها الظروف وعلى من شاء ان يقبل هذا التفسير او يرفضه .
لماذا تظهر وتختفى القبيلة ؟
اين ذهبت القبائل البجاوية القديمة ؟
هل انقرضت هذه القبائل والتى ورد ذكرها في المراجع التاريخية ؟
هل نزحت ورحلت خارج منطقة البجا ؟
واين ذهبت ؟
لماذا لا نجد من ينتسب اليها اليوم ؟
هل كانوا عقيمين ؟
من المؤكد ان هذه القبائل القديمة لم تكن عقيمة ولم تنقرض ولم تبرح ارضها وعدم انتساب احد اليها لا ينفى وجودها التاريخى .
إذاً ماذا حدث وكيف نفسر الامر ؟
ثم نعود لسؤالنا الاول لماذا تظهر ثم تختفى القبيلة ؟ وقبل هذا السؤال سؤال اهم
لماذا تقوم او تنشأ القبيلة اصلاً وماهى دواعى قيامها ؟
وسيقتصر كلامى حول هذه المسألة على قبائل البجا لما يتوفر لدى عنهم من معلومات فى هذا الشأن.
ان البجا عامة لديهم هاجس قوى وقديم حول مسألة الامن الشخصى والجماعى لان منطقتهم القاسية والوعرة والمعزولة عن العالم لفترات طويلة جداً من التاريخ لم تعرف الدولة المركزية القوية التى تحفظ الامن والقانون وسادت منطقتهم ولفترات طويلة الفوضى والحروب مع القوى الخارجية الغازية احياناً وحروب قبلية داخلية لا نهاية لها . ان هاجس الامن القوى والعميق يشكل نفسية البجاوى فاعطاها سماتها الشخصية البارزة كالشك في الغرباء والانطواء على النفس والعزلة والحزر الشديد والمكر والتكتم والاستقلالية والاستعداد الدائم للحرب وحمل السلاح والتدرب عليه والولاء الشديد للقبيلة واعلاء صفات الشجاعة والفروسية والبسالة وكراهية الجبن والهروب من المعركة والانفة وقبول التحدى وغيرها من الصفات التى يمتاز بها البجاوى .
ان تحية البجا – دبايوا – لا تشبه تحية اى شعب آخر في العالم . فكلمة دبايوا تعنى حرفياً لعلك محفوظ او هل انت في امان . وكلمة مدبى تعنى مكان آمن او مأمن – تصور مدى تغلغل هاجس الامن في نفسية البجاوى حتى اصبح جزءاً من تحيته .
ان هاجس الأمن اصبح ايضاً يتمظهر في كثير من سلوكيات البجاوى لايسمح المجال للتفصيل فيها الآن وانشاء الله نتعرض لهذا الموضوع المركزى في شخصية البجاوى في مقال آخر .
الآلية الثانية التى يلجأ اليها البجاوى لتوفير الامن لشخصه ولاسرته ولحفظ دمه وماله هو الانضمام لقبيلة قوية لتحميه وتدافع عنه وفى سبيلها يبذل دمه وروحه عند الضرورة . لذلك فالولاء الشديد للقبيلة معروف ومشهور عند البجا والروح القبلية عميقة الجذور عند البجاوى لانها مرتبطة بهاجس الامن وهو اولوية قصوى عند البجاوى . الارتباط الشديد والولاء البالغ للقبيلة عند البجا يسمى الدورأريت .
واهم ما يمدح به البجاوى ان يوصف بانه عنده الدورأريت واكبر مذمة له ان يوصف بانه عديم الدورأريت . اذن القبيلة عند البجاوى هى آلية ضرورية اقتضتها ظروف وحاجة الفرد للامن وليس لاى سبب آخر ولم تقم اعتباطاً وكان قديماً لا حياة لاى شخص باقليم البجا دون ان تحميه قبيلة قوية والا صار لقمة سائقة لقطاع الطرق والنهابين . ثم نأتى لسؤال اخر مهم وهو كيف تتكون القبيلة او تقوم عند البجا . فى بدايات تكون اى قبيلة لا بد من نواة مركزية تتكون او تتجمع حولها القبيلة ، هذه النواة المركزية والضرورية تكون في الغالب عبارة عن اسرة مميزة بصفات فريدة ذات قيمة عالية على حسب مفاهيم وتقاليد واعراف البجا – فهذه الاسرة النواة قد تكون مميزة في النواحى الدينية او العسكرية او الاقتصادية وغيرها . وهذه الصفات تؤهلها لتكون نواة مركزية صالحة . وهكذا يأتى اليها البجا زرافات ووحداناً وينضمون اليها تاركين قبائلهم السابقة لضعفها في الغالب وعدم قدرتها على توفير الامن لهم . وفى مرحلة لاحقة يقوم هؤلاء الوافدون الجدد بأخذ نسب الاسرة النواة المركزية واخذ علاماتها واوسامها على المواشى . وهذه الاسرة تسمح لهم بفعل ذلك بكل اريحية ..
عند البجا ظاهرة عجيبة تعرف باسم العشيرى وهى تعنى الدخيل او الملحق بالقبيلة وهذا العشيرى مسموح له باخذ سلسلة نسب القبيلة المضيفة له كما مسموح له باخذ العلامات والاوسام على المواشى بشرط الولاء الشديد للقبيلة المضيفة او الدورأريت – اذن مسألة النسب عند البجا هى امر اشبه بالجنسية فيمكن للبجاوى ان ينضم للقبيلة (أ) فيصبح نسبه (أ) او يترك القبيلة (أ) وينضم للقبيلة (ب) فيصبح نسبه (ب) وهذا الامر يفسر امور كثيرة ولا ننسى ان البجا قبل اسلامهم كانوا أميون بمعنى ان النسب من جهة الام وليس الاب .
سؤال آخر وهو لماذا تختفى بعض القبائل البجاوية التاريخية فجأة كانما الارض قد ابتلعتهم ثم تظهر قبائل جديدة فجأة وكأنهم جاءوا من العدم .الامر ببساطة يفسره هاجس الامن المركوز في نفسية البجاوى. واى قبيلة تعجز عن القيام بدورها الاساسى في حماية الفرد واسرته لا تستحق البقاء ضمنها فيهجرها البجاوى فوراً وينضم للقبيلة التى يعتقد انها قادرة على حمايته وبسبب تقاليد واعراف ومفهوم العشيرى يجد عند القبيلة المضيفة الترحيب وهكذا تختفى القبائل الضعيفة وتظهر قبائل جديدة وتتضخم بسرعة بسبب اقبال الناس اليها .
هذا الامر يفسر لنا ببساطة لماذا اختفت القبائل البجاوية القديمة وظهرت القبائل البجاوية الحديثة . ان البجا القدماء لم يتنقرضوا او ينزحوا عن مناطقهم او تختفى لغتهم او موروثهم الثقافى بل بكل بساطة وعلى حسب عاداتهم غيروا بطاقتهم او جنسيتهم بانضمامهم لنواة مركزية جديدة ذات صفات متفردة فاصبحوا بقدرة قادر اصحاب سلسلة نسب جديدة – وبذلك اصبحت القبائل القديمة قبائل حديثة باسم الهدندوة والامرأر والارتيقة والبشاريون والحلنقة الخ...
ولنترك البجا قليلاً ونتحدث عن القبائل العربية التى كانت موجودة في فجر الرسالة الاسلامية . اين قريش ؟ اين ثقيف ؟ اين غطفان ؟ اين بنى عيسى ؟ اين بنو اسد ؟ اين الاوس والخزرج ؟ اين ربيعة ؟ اين قيس عيلان ؟ اين قضاعة ؟ اين هوازن ؟ واين ؟ واين ؟... هل انقرضت هذه القبائل ؟ بالتأكيد لا ولكنهم ايضاً غيروا هوياتهم مثل عادة البجا تماماً ولاسباب يعلمونها . هذه التغيرات حدثت بالنسبة للقبائل العربية الكبرى في ظرف زمنى لا يتجاوز ال1400 عام فماذا نقول عن البجا الذين يمتد تاريخهم المعروف لاكثر من خمسة الف سنة ؟ ترى كم من اسماء القبائل البجاوية قد ظهرت ثم اختفت خلال هذه الفترة الطويلة ؟
ترى هل اسماء القبائل البجاوية الحديثة الموجودة حالياً ستكون موجودة بعد الف عام ؟ لا اعتقد ذلك .
ملخص ما اريد قوله في هذا الشأن هو ان الاصل او الجنس لا اهمية لهما في مسألة تصنيف القوميات وكذلك اسم القبيلة او نسبها لا اهمية له ولكن المهم والمهم جداً هو اللغة والموروث الثقافى وهما الامران الباقيان رغم اختفاء او ظهور القبائل الجديدة .
ان اللغة والموروث الثقافى هما اللذان يعطيان لاى قومية شخصيتها المميزة وخواصها الفريدة فرغم اختفاء اسماء القبائل البجاوية التاريخية القديمة فقد بقيت لغتها وثقافتها وتراثها وهى الامور المهمة والاساسية .
ان ظاهرة فقدان القبائل البجاوية الطرفية للسانها البجاوى لصالح لغات اخرى ظاهرة معروفة فهناك امثلة كثيرة فمثلاً قبيلة الحمران بنهر سيتيت وهم ارتيقة لا يعرفون جملة واحدة من اللغة البجاوية وكذلك بعض البشاريون والهدندوة والامرأر بنهر عطبرة بدأوا بفقدان لسانهم البجاوى وكذلك الامر بمنطقة اسوان بل هناك اعداد كبيرة من البجا استقرت واصبحوا جزءاً من الشكرية والكواهلة والجعليين والرباطاب والشايقية وكل القبائل العربية التى استقرت بالشرق ثم نزحت لداخلية السودان آخذة معها مقطع ( آب) مثل حسناب ومحمداب الخ ... وكذلك بعض عناصر الثقافة البجاوية . بل لماذا نذهب بعيداً ؟ فهناك مئات الاسر البجاوية بالعاصمة والمدن السودانية الاخرى لا يعرفون من اللغة البجاوية غير دبايوا وادروب وسوف نتعرض لهذا الموضوع في مقال آخر..
ثم نسأل سؤالاً آخر بعد ان اكثرنا الحديث حول لغة البجا وهو هل اللغات خالدة ؟ وبالتحديد هل لغة البجا ذات الخمسة الف ..
سنة والاقدم من اللغات الاوربية الحديثة الانجليزية والفرنسية باربعة الف سنة هل هي خالدة؟
الجواب لا كبيرة بل العكس صحيح فاللغة البجاوية في حالة اضمحلال سريع لصالح اللغة العربية واللغات الاجنبية القوية الاخرى .
ان ظاهرة اضمحلال وزوال اللغات ظاهرة معروفة فاين اللغة المصرية القديمة واين المروية والسريانية والاكادية والآرامية والاشورية والسومرية وغيرها ،الاف اللغات ظهرت ثم اندثرت وهذا هو مصير اللغة البجاوية والمسألة مسألة وقت فقط ليسا الا .
اللغة كظاهرة اجتماعية تنشأ لضرورة اجتماعية ثم تختفى وتموت عندما تنتفى هذه الضرورة او تظهر لغة اخرى منافسة اقوى منها .
والانسان بطبعه عملى ونفعى ولا يتمسك بشئ لا يستفيد منه او يرى في غيره نفعاً اكثر .هذا الامر ينطبق على اللغة بشكل خاص . ان موت اى لغة كانت هو خسارة للبشرية لان اللغة هى الوعاء الحافظ والجامع للموروث الثقافى لاى قومية وهذا الموروث الثقافى يعتبر ملكاً للبشرية عامة وليس ملكاً للقومية صاحبة التراث فقط.
اننا كابناء لقومية البجا علينا ان نكتب لغتنا وندونها وهى الوسيلة الوحيدة لحفظ تراثنا لاجيالنا القادمة حتى في حالة موت لغتنا التي تحتضر الآن للاسف الشديد .
ان المصريين القدماء وبواسطة كتابة لغتهم الهيروغلوفية خلدوا تاريخهم وثقافتهم رغم موت لغتهم واندثار حضارتهم .
ان كتابة وتدوين لغة البجا هى مهمة الساعة والوقت فهل نحن على قدر التحدى ؟
ان مهمة حفظ تراثنا وموروثنا الثقافى من اهم المهام التى تواجهنا الآن وقبل فوات الأوان
ان تراثنا المشترك ولغتنا في خطر فماذا نحن فاعلون ؟
وماذا ستقول عنا الاجيال القادمة ؟
jafer bamkar [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.