انتقد عدد من المشاركين في ملتقى الجمعية السودانية لحماية المستهلك، (الشيك المرتد مدني أم جنائي)، أمس، جنائية المادة (179) من القانون الجنائي، والتي توجب حبس أي مدان في أي مبلع لم يتم سداده. وبالمقابل أكد بعض المشاركين بأنه في حال تحويل قضية الشيك المرتد إلى مدنية، تفقد الشيك هيبته، ويكون عُرضة لتعاملات المحتالين والمتلاعبين، ودعوا الى عودة الكمبيالة، فهي شيك كامل الدسم لكن ليست لديها حماية جنائية. من جهته أكد اللواء شرطة عبد اللطيف، سر الختم وديدي، مدير مدينة الهدى الإصلاحية، وجود أكثر من (2700) سجين من الرجال في سجن الهدى بعقوبة الشيك المرتد، خلاف وحدات السجون الأخرى بالسودان، والتي تبلغ (158) وحدة سجون. ولفت الى أن الشيكات المرتدة ليست في المعاملات التجارية فقط، فهي تشكيلات مختلفة، تشمل عدم دفع إيجارات ونفقات شرعية وأذى جسيم وبسيط وديات نتيجة قتل خطأ. وأشار الى أن أكثر من (15-30) من المدانين في التنفيذات البسيطة التي تقل عن ألف جنيه يتم دفعها بواسطة فاعلي الخير، ونادى "بأن لا تأخذنا العاطفة على كل مدان بالشيك المرتد لأن هنالك متلاعبين يسكنون في السجن (كالسلاطين) وأموالهم (مدورة) في الخارج، ويكون لدى أي واحد منهم أكثر من (40) تسليم جنائي لشيكات"، وأضاف: المحتال أولى به السجن، ورفض التساهل في القوانين لتفويت الفرصة على المحتالين. من جهتها، قالت سامية الهاشمي محامية وناشطة في مجال القانون الدولي، أن الشيك مستند مالي أسبغت عليه الدولة نوعا من الحماية لصعوبة التعامل المالي النقدي، وأصبح الشيك وسيلة للاحتيال عبر ممارسات غريبة ل(الجوكية)، فالمادة (11) من العهد الدولي، الذي وقع عليه السودان تنص على أنه لا يجوز سجن أي إنسان لعدم دفع حساب تعاقدي. لكن الماده (243) من القانون المدني تقول: يجب القبض على المدان حتى تمام الوفاء بالدين (يبقى لحين السداد). ودعت الى الرجوع لقانون 1983 والذي ينص على تقسيم المبلغ في حال تعسر السداد وقالت، لابد من إيجاد الثقة حتى لا يكون هنالك نوع من الكارثية. وطالب المشاركون في ملتقى الجمعية السودانية لحماية المستهلك امس بمراجعة تشريع مادة (يبقى إلى حين السداد)، الواردة في القانون الجنائي والقاضية ببقاء أصحاب الشيكات المرتدة بالسجن إلى حين الوفاء بالمبالغ المستحقة، مشيرين إلى افرازها لآثار اجتماعية سالبة، على رأسها تشريد الأسر بالإضافة إلى عدم اتساقها مع النهج الإسلامي. واعتبروا الحكم تحت المادة خرقا لحقوق الإنسان وإنه غير شرعي، منوهين لازياد عدد المسجونين تحت هذه المادة. وأوضح د. عبد الماجد عبدالقادر، الخبير الاقتصادي أن قانون الصكوك المرتدة اُقحم ضمن مواد القانون الجنائي، بينما هو لا يعدو كونه نزاعاً مدنياً، مضيفا باستحداث المادة لتعطي الشيك قوة تجعله واجب الوفاء. فيما أدت إلى افراغ الشيك من مضمونه الحقيقي. وطالب عبد الماجد بضرورة الضمان العادي للمدين في حالة (يبقى إلى حين السداد). وقطع بتزايد أعداد المحكومين بالسجون تحت مادة يبقى الى حين السداد من وراء التعامل المالي مع البنوك أو الشركات العامة أو الخاصة، الأمر الذي جعل بعض المشاركين يشددون على ضرورة دراسة الامر من خلال تفاصيل دقيقة، بينما دعا آخرون لإلغاء المادة (179) مقروءة مع المادة (243) وتحويلها الى مادة للنزاع المدني وليس مادة للعقوبات الجنائية. وأشاروا الى عيوب أساسية في الشيكات واعتبروها تسببت في النزاعات، هذا إضافة إلى أن بعض القانونيين يرون أن هذه المواد غير شرعية، مما يستوجب تحويلها لمواد للنزاع المدني. وطالبوا- الى حين اتخاذ قرار في هذا التحويل- بقبول الضمانة العادية في قضايا الصكوك المرتدة، علما بأن كل الجرائم الجنائية يجوز فيها الضمانة العادية بما فيها السرقة والنصب والاحتيال. وأكد الحاجة الى مراجعة القانون وتعديله وشدد على الضمان في التعامل المالي. وطالب بدرالدين إبراهيم رئيس وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي بضرورة مراعاة حقوق كافة الأطراف في حالة الشيك المرتد، مناشدا المصارف بضرورة البحث عن أسباب تحرير الشيك المرتد، والتقليل من نسبة المرابحة في التعامل المصرفي وايجاد الحل الداخلي بالمصرف لحالة الشيك المرتد، بالإضافة إلى أهمية التثقيف المالي للجمهور. وفيما انتقد البعض سجن اشخاص الى حين السداد لديهم ديون بطرف الحكومة، منوهين الى انه بهذه الكيفية، فالحكومة اكبر مستدين ويفترض حبسها. وكشف رجل الأعمال عبدالرحمن بله أن هنالك ما لا يقل عن (200) مقاول محكوم تحت يبقى الى حين السداد، وهم لديهم مديونية على الحكومة إلا أن الحكومة تعمل وفق (الدين في الكتوف والأصل معروف)، واعتبر أن الحل يكمن في مراعاة حقوق الأطراف، والإجابة على سؤال لماذا يحرر الشيك الطائر. وقطع بأن الإشكالية تكمن في التعامل بصيغة المرابحة. وشدد على ضرورة تخفيض نسبة التعامل بها. واعتبر أنه يجب على البنوك العمل في إطار معالجة الأمر من خلال إجراء تسويات داخلية بين الطرفين قبل الذهاب للمحاكم، وقطع بأن هنالك تشوهات تلازم التعليم المالي. من جانبها أوضحت، سارة أبو، الناشطة في مجال العمل الطوعي، أن تشريع (يبقى إلى حين السداد) من القوانين التي نتجت عنها إفرازات ضارة وأثرت في المجتمع، وأدت إلى تفكيك نسيجه الاجتماعي، مشيرة إلى أهمية الدراسة المجتمعية لحالات الشيكات المرتدة والآثار المترتبة عليها وإيجاد آلية للإصلاح القانوني تهتم بدراسة الظواهر المجتمعية وإصلاح القوانين لحفظ حقوق كافة الأطراف، وإعادة تشكيل المجتمع، وأكدت على ضرورة إجراء إحصائيات دقيقة لأعداد المعسرين لدراسة الأمر، واعتبرت أن هنالك خللا يلازم العمل المصرفي في السودان وعدته بأنه يؤدي الى الفساد الشخصي، وقطعت بأن الظروف الاقتصادية وعدم مواءمة الدخل مع منصرفات الشخص تؤدي للتعامل في الشيكات. وبالتالي الدخول تحت طائلة ويبقى لحين السداد. وقالت إن الأشخاص محتاجين لوضع إستراتيجية خاصة بمعيشتهم وأكدت المردود السلبي ل(يبقى لحين السداد) على المجتمع، والتي تؤدي لتزايد حالات الطلاق ورأت أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر. [email protected]