مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام مع وردى (5) .. بقلم: أنس العاقب
نشر في سودانيل يوم 04 - 08 - 2014


نوافذ عبر الأزمنة والأمكنه .....
المقالة الخامسة
اليوم الثالث مايو 1971
مرت مياه كثيرة تحت جسر الأحداث فى السودان عموما خلال العقد بين عامى 1961 و1971 فقد شهدت تلك السنوات حراكا سياسيا وثقافيا وإجتماعيا شمل كل أطياف المجتمع السودانى من كسلا إلى الجنينينه ومن حلفا إلى نيمولى بكل خطوطها التى كانت تتقاطع وتمر عبر الخرطوم عاصمة سودان المليون ميل مربع .
وعلى الرغم من أن حكم عسكر إنقلاب 17 نوفمبر 1958 إجتهد ونجح فى أعوام قليلة فى إنفاذ خطة تنمية ناجحة فى مجالات الزراعة والصناعة والعمل الدؤوب لتأسيس البنيات التحتية التى أثمرت فى رصف الطرق البرية و مد السكة الحديد وإنشاء عدد من المطارات وغيرها من المنجزات الحيوية ولكن وأد الديموقراطبية وكبت الحريات ومطاردة المواطنين الشرفاء واعتقال قادة العمل السياسى كانت هى أيضا السمة الأساس لنظام نوفمبر حتى وإن بدا مستأنسا لكنه لم يأنف حتى من إعتقال الفنان محمد وردى الذى إنضم للمظاهرات التى انتظمت الخرطوم محتجة على أتفاقية مياه النيل التى عقدها السودان مع مصر عام 1959 فى القاهره وما دعا مواطنو النوبة لمعارضة قرار تهجير سكان المنطقة التى ستغمرها بحيرة السد العالى المزمع إقامته جنوب مدينة أسوان نتيجة للإتفاقية تلك ومن الغرائب أن وردى كان من بين الكثيرين االذين أيدوا إنقلاب جنرالات نوفمبر1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود وقدم وردى نشيده الشهير الذى كتبه لهذه المناسبة الشاعر إسماعيل حسن عراب وردى وصديقه الحميم تقول كلمات النشيد التى ظنت أن الإنقلاب سيحرر السودانيين من قبضة الطائفية الدينية وأسواق النخاسة الحزبية التى تردت فيها الحياة السياسية وقتذاك :
فى 17 بعثت ثوره ثورتنا السلميه
جيشنا الباسل هب وعلاَّ راية الجمهوريه
فى 17 هب الشعب طرد جلادو
فى 17 راح الظلم الله لا عادو
لا ساده لا رعاع لاضماير تتباع ....إلخ
ولا تمر أعوام قليلة حتى تنفجر ثورة 21 اكتوبر عام 1964 فقد كان الشعب يريد إسقاط نظام عبود وفعلها حيث شهدت معظم المدن السودانية فى المديريات الشمالية مظاهرات عارمة إنتهت بما عرف باستخدام سلاح العصيان المدنى السلمى الذى شل الحياة وأرغم الجنرالات على التنحى وتسليم مقاليد الحكم لحكومة رأسها أستاذ قادم من خلف الصفوف إسمه سر الختم الخليفه ...
بينما كانت والثورة مشتعلة فى ايامها الأولى زاد أوارها بث نشيد (أصبح الصبح) الذى كتب كلماته الشاعر محمد الفيتورى ولحنه وأداه محمد وردى وظلت تردده الجماهير وكان لى شرف حفظه وترديده فى مدينة كسلا ... كانت كلمات النشيد فى الأصل تعبر عن الثورة الإفريقية والتنادى بشعاراتها وهتافاتها والأنتصار بها لأجل الحرية والديموقراطيه والتقدم يقول النشيد :
"أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باقى
وإذا الفجر جناحان يرفان عليك
وإذا الحزن الذى كحل هاتيك االمآقى
والذى شد وثاقا لوثاقِ
والذى بعثرنا فى كل وادى
فرحة نابعة من كل قلب يا بلادى" ...
بنشيد "اصبح الصبح" رسخ وردى مكانته صوتا متقدما للثورة والتغيير لأجل الحرية والديموقراطية فقدم فى عام 1965 أغنياته الوطنية الشهيرة بالأكتوبريات التى صاغها شعراء من جيل أكتوبر 64 فى مقدتهم الشاعر صلاح أحمد إيراهيم رحمه الله والشاعر محمد المكى إبراهيم .
رسخت أقدام وردى فى الساحة الفنية وزاحم كوكبة العمالقة أحمدالمصطفى/عثمان حسين حسن عطيه/ عبدالعزيز محمد داوود/ إبراهيم عوض/عثمان الشفيع/ سيد خليفه/ وغيرهم ممن أتيحت له فرصة الظهور فى خضم الحراك الفنى الذى إنتعش فى أثناء حكم 17 نوفمبر العسكرى وذلك بإنشاء المسرح القومى وتحديث إذاعة أمدرمان وإفتتاح محطة التلفزيون السودانى عام 1962 وهو ما زاد من دائرة المستمعين والمشاهدين بالإضافة إلى ظهور عدد من الكتاب والنقاد فى الصحف ويعتبر وردى من أكثر الذين إستفادوا من هذا الزخم الإعلامى الضخم فى سنوات الستينات قدم فيها أعمالا غنائية أكدت رسوخ أقدامه وموهبيه الفذة فى التلحين ففى سنوات قليلة قدم وردى لجمهور المستمعين مثلا: المستحيل/ خاف من الله/ ذات الشامه/ مافى داعى/من غير ميعاد/الحبيب االعائد/ الطير المهاجر/ الود وغيرها كثير من الأغنيات الخفيفة الراقصة : بينى وبينك والأيام/ صدفه/ عذبنى/ما بنساك/ماتخجلى/هديه/حرمت الحب والريده/يا ناسينا...... وغيرها كانت العاصمة هى مركز الحراك الغنائى والزخم الجماهيرى وهى غاية ما يحلم به فنان من الأقاليم ينتقل إليها ثم يجاز صوته فى الإذاعة وتسجل له أغنية أو أغنيتان وإذا واتاه الحظ تطلب إحدى أغنياته فى برنامج ما يطلبه المستمعونومن ثم ينطلق نجمه بين عشية وضحاها وقد سبقنا من كسلا أخونا الفنان إبراهيم حسين الذى كان بلا منازع فنان كسلا الأول وبعد مشاركته فى مهرجان منافسات المديريات التسع من على خشبة المسرح القومى عام 1962 وجد ترحيبا عاصميا دفعه ليجرب حظه فى الإذاعة وكللت مساعيه بالنجاح فصار أحد رموز الغناء فى العاصمة ومن ثم فى السودان وخارج السودان ولكن وبرغم أننى مارست الغناء العام فى مناسبات الأعراس إلا أننى كنت ميالا للغناء فى "القعدات" تلك التى تجمع دائما علية القوم من كل أطياف المجتمع من موظفين كبار/ أطباء/ تجار/ مثقفين/ ضباط جيش وشرطه وسجون/أساتذة جامعات / وسياسيين ... وهذا العالم هو الذى سعى حثيثا ونجح فى أن يتم نقلى إلى الخرطوم محاسبا فى وزارة الماليه عام1966 وظللت أتنقل فى "قعدات" العاصمة خليفة "للفنان عبد الكريم الكابلى ملك القعدات الذى تخلى عنها بعد ما اندمج فى الحراك الغنائى العام وأصاب نجاحا كبيرا وكذلك أتاح لى أمير القعدات الراحل زيدان إبراهيم أن أستأثر بالمجال بعد أن ظفر أخيرا بموقع فى خارطة الغناء وحتى منتصف عام 1969 لم أكن قد إلتقيت بالأستاذ وردى حتى بعد أن أجيز صوتى عام 1968 بتشجيع من بعض الأصدقاء بحجة أننى مؤهل للغناء فى الإذاعة كغيرى ممن إلتحقوا بالوسط الفنى .... إلى أن جاء أمسية رائقة فى يوم إستثنائى كنت فيه نجم قعدة أقامها خصيصا الأخ خضر محمد أحمد ( المليونير خضر الشريف) سكرتير وزير الخارجية ( أظنه الشيخ على عبدالرحمن رحمه الله) وكان ذلك قبل عدة شهور من إنقلاب مايو1969 ... دعى للقعدة نفر من معارف وأصدقاء المضيف فى أحد بيوت السكك الحديد فى وسط الخرطوم وقبل أن أبدأ الغناء أطل علينا وردى بقامته المديدة وكان قادما من مشاهدة مباراة بين الهلال وفريق أوروبى ( وأظنه فريق سويدى) فى الحقيقة لم يخيفنى وجود وردى ولكنى إنزعجت وخشيت أن ينصرف إليه الحاضرون ولكنه لما علم بالأمر جلس واستمع وكنت قد قررت أن أغنى عددا من أغنياتى دفعة واحدة تحسبا لما قد يحدث لو بدأ وردى بفاصل غنائى طويل ولكنى إكتفيت بغناء ثلاث أغنيات باللغة العربية الفصحى ثم قام واحد من المتشبرين وطلب من وردى أن يبدى رأيه فى مستواى فرد بدون تردد بالحرف ( والله مش بطال ... يجى منو) طبعا شكرت الأستاذ وردى وفى داخلى كان يعتمل عدم رضى فكيف يقول وردى "مش بطال" والجرائد تكتب عن الواعد الجديد القادم من كسلا وتهلل له وتبشر له بمستقبل باهر ويأتى وردى ليقول ببساطه ( مش بطال) وبعد فترة حكيت ماحدث للراحل على ميرغنى فقال لى ( ياخى بختك وردى مافى زول بيعجبو فى الغنا حتى الكبار ... مش بطال معناها وردى عجبو غناك وأجازك بدون تردد ) ومن يومها تأكد لى أن وردى شخصية من نوع مختلف .... واضح وصريح وأمين .. وتمر الأيام والعسكر يفعلونها ثانية دبابات فى الكبارى والحيشان الثلاثه (الإذاعه والمسرح والتلفزيون) ومارشات عسكرية ثم أطل العقيد جعفر محمد نميرى يزف للشعب السودانى البيان الأول وسقوط الديموقراطية الثانية وقيام سلطة جمعت بين القوميين العرب والشيوعيين ( وكله يسار)..
وجد إنقلاب مايو تأييدا جماهيريا كاسحا وسط طبقات الشعب السودانى وكان للتنظيمات الجماهيرية اليسارية الدور الكبير فى تحريك الجماهير بقيام المظاهرة المليونية الكبرى فى ميدان عبد المنعم الذى غصت به الكتل البشرية إحتفلا وتأييدا بمرور أسبوع من عمر إنقلاب مايو (ثورة مايو) ... وكان وردى من أكثر الفنانين حماسا للإنقلاب اليسارى والداعى للخروج فى تلك المظاهرة ولاأنسى اننا (نحن أعضاء إتحاد الفنانين والموسيقيين) قد شاركنا فى تلك المسيرة سيرا على الأقدام من أم درمان حتى ميدان عبد المنعم فى جنوب الخرطوم كنا نهتف بحياة ثوار الإنقلاب ونضال الشعب السودانى وأحيانا كنا نردد النشيد الذى لحنه الفنان الكبير شرحبيل أحمد لثورة مايو:
( قدم الخير عليك يا بلادنا ***فجر الثوره دا عيد أعيادنا ) الذى كشفت فيه فى مقالاتى الشهيرة عام 1974 حول السرقات الفنية أن مطلع النشيد مأخوذ بالحرف من لحن أغنية النجاح الشهيرة التى غناها عبد الحليم حافظ فى فيلم "يوم من عمرى "لحن الموسيقار منير مراد ويقول مطلعها :
( وحياة قلبى وأفراحو*** وهناه فى مساه وصباحو) وكان أيضا وردى من بين الذين إتهمتهم بالسرقة الفنيه وما دريت أن ابواب جهنم قد أنفتحت فى مواجهتى دفاعا عن وردى .... المهم إنخرط وردى فى السياسة معلنا تأييده الكامل للإنقلاب ولم ينف شائعة إنضمامه للحزب الشيوعى وعلاقته بسكرتيره العام المرحوم عبد الخالق محجوب وكان أن كونت لجنة نصوص وألحان جديدة من ثلاثة أعضاء هم الشاعر الراحل على عبد القيوم ومحمد وردى ومحمد الأمين فأثمرت اللجنه نشيد " نحن رفاق الشهداء" الذى لم يجد رواجا بينما ذاع النشيد الذى كتبه الشاعر محجوب شريف وشاركه بالغناء دويتو الفنان محمد ميرغنى:
(يا فارسنا وحارسنا يا بيتنا ومدارسنا)
( كنا زمن نفتش ليك وجيتنا الليله كايسنا) ..... إلى أن يقول
(وبيك يا مايو يا سيف الفدا المسلول)
( نشق اعدانا عرض وطول)
ولكن ثوار مايو (مجلس قيادة الثوره) إختلفوا مع الحزب الشيوعى أسفر عن إقالة ثلاثة من أعضاء المجلس فى نوفمبر 1970 فوجد وردى نفسه فكريا وموالاة يقف مع جناح عبد الخالق محجوب المعادى لسياسات مجلس قيادة الثورة بقيادة الجنرال النميرى رئيس المجلس والمنشقين عن الحزب الشيوعى ...
ولما كنت لا أنكر إنتمائى للحزب الشيوعى عام 1965 لفترة قصيرة فى مدينة القضارف لكن ظلت صلتى بقيادات الحزب حميمة فقد كانوا يرون فى شخصى فقط (ولد) موهوب فى الغناء ترك الحزب ولم يتلوث مع الأحزاب الرجعية ومن هذا الواقع الإنتمائى بلا إلتزام توطدت علاقتى بوردى الذى يرى فى أفكارى ما يتلاءم معه فنيا وسياسيا بل لم تتغير فكرته عنى إلى آخر يوم زرته فيه فى أمسية السبت 19 نوفمبر قبل وفاته رحمه الله بثلاثة أشهر بالتمام والكمال فى يوم السبت 18 فبراير من هذا العام 2012 .
إنضم وردى طالبا بالدفعة الثانية عام 1970 فى معهد الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية وكنت طالبا بالدفعة الأولى بالصف الثانى وقد تميزت الدفعة الثانية بنجوم زواهر أذكر منهم محمد وردى وبشير عباس وحمد الريح والطيب عبد الله وعبدالقادر سالم عبدالعظيم عبدالله يوسف (حركه) وزيدان إبراهيم ومن بين كل هؤلاء من لم يستمر فى الدراسة سوى الطالب عبد القادر سالم واما وردى فقد كان طالبا منتظما ومتفوقا نافسنى فى رئاسة إتحاد الطلاب وفاز وانتقل متفوقا للصف الثانى وأظهر إمكانيات صوتية أوبرالية تينورية عالية تماما كالطالب المتميزعثمان مصطفى بدفعتنا الأولى الذى تلقى تدريبا صوتيا مكثفا قبل إلتحاقه بالمعهد على يد الموسيقارالإيطالى "إيزو مايستريللى".
لم ينقطع وردى عن الدراسة بسبب عدم الرغبة أوبالرسوب الأكاديمى كما حدث لكثيرين غيره ولكن لأن وردى أقتيد حبيسا فى سجن كوبر ومعه الفنان محمد الأمين وعدد من الموسيقيين إثر تاييدهم إنقلاب 19 يوليو1971 الذى قاده الرائد هاشم العطا رحمه الله . ولكن قبل إنقلاب هاشم العطا وتحديدا فى أبريل 1971 قرر إتحاد الطلبه برئاسة الطالب وردى القيام بجولة فنية تضم كل المطربين والعازفين من طلاب المعهد وكونت لذلك فرقتين إتجهت الأولى إلى الجزيره وكسلا وأما فرقتنا فقد إتجهت مباشرة لكردفان لتقدم حفلاتها فى الأبيض والدلنج وكانت مكونة من الطلبة المطربين محمد وردى وعثمان مصطفى ومحمد ميرغنى وعبد القادر سالم وشخصى بالإضافة إلى الطلبة العازفين على ميرغنى والطيب خليفه ومحمد الحسن محمد أحمد وسالم الطيب وأمين السيد وغيرهم من الزملاء وغيرهم ممن لا تحضرنى أسماؤهم الآن..
ما من شك أن صحبة السفر تكشف معادن الرجال ولكنى أتذكر جيدا كرم وأريحية وردى فى كثير من مهمات ومتطلبات فرقتنا وهو يسافر مع طلاب ليس لديهم من معين سوى الإعانة الشهرية التى بدأت بسبعة جنيها وتوقفت عند 17 جنيها ونحن على أعتاب التخرج عام 1974 .
كان وردى قبل الإحتفال بالعيد الأول (لثورة مايو) قد تقدم بتسجيل نشيد ( حنتقدم ) ورفض بأمر مباشر من وزير الداخلية آنذاك وكنت بدورى قد سجلت نشيد "موسم الحصاد" للشاعر محمود خليل قبل عيد (الثور) بقليل وكان وردى حانقا على مايو ولم يكن يخفى ذلك ففى مرة قررنا أن نسمر مع بعضنا فى ليلة خالية من برنامج فى مدينة الأبيض وظللنا نغنى طربا زمرحا وهزلا ولفت نظرنا وجود شاب صغير السن بيننا يتابع الغناء وهويعزف على آلة الكلارينيت يأداء متمكن مدهش وفى لحظة نشوة الطرب ونحن وقوف متحلقين نتبادل مقاطع أغنية " جربت هواهم " إرتجل وردى شعرا وحرف بعض كلمات هجاء لمايو لم نعرها إهتماما ولكن ذلك الصبى الفنان جدا وقف مندهشا لما يسمع وفجأة ولى هاربا تشيعه ضحكاتنا العابثه ... ذلك كان هو المرحوم (عبد الله أميقو) الذى تمر به الأيام طالبا بالمعهد ثم أستاذا فيه ... وبعد أيام سافرنا إلى الدلنج وغنينا فى مسرح السينما ثم كان أن إستضافنا الأستاذ محمد يوسف موسى وكيل بريد مدينة الدلنج ثم عدنا قافلين إلى الأبيض لنشارك فى زواج زميلنا الطالب عبد القادر سالم ...
تلك كانت أيام لا تنسى جمعت زملاء دراسة وموهبة وإخاء وكان لى شرف أن أكون قريبا جدا من الزميل الطالب المتيز الفنان الكبير محمد وردى الى حرك بوجوده طاقات إتحاد الطلبه وساهم كثيرا فى الدفع بالمعهد إلى مصاف المؤسسات التعليمية المتقدمة وكان من أوائل المدافعين عن المعهد فى كل المحافل ولم ألتق به فى المعهد بعد إدخاله السجن فى يوليو عام 1971 أثناء عمليات إحباط إنقلاب الرائد هاشم العطا رحمه الله كما حرم من مواصلة الدراسة بعد إطلاق سراحه عام 1973 ولسوف تمتد أيادى وردى على المعهد بعد ان أختير عضوا فى مجلس إدارة المعهد عام 1985 ولم تنقطع صلته به إلا بعد تحويل المعهد إلى كلية وضمه لجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا .
كان يطيب لى التحادث مع وردى متى ما أتيحت لى الفرصة وكان وردى يستطيب ذلك معى لأننى كنت أتفق معه بلا مواربة فى الكثير من الآراء والأفكار والقناعات الفنية والسياسية والثقافية وهذا لا ينفى أيضا وجود خلافات بيننا فى الرأى والمواقف أدت إلى موجهات لم ترق مطلقا لصدام أو قطيعة بيننا بل ظل وردى هو المبادر بتطييب خاطرى والسؤال عن أحوالى بينما كنت أحيانا أحس بشئ من خجلا من كلماتى المشاغبة اللسنة رحمه الله رحمة واسعة وأحسن إليه ولكل من وردت أسماؤهم فى هذا المقال وغادروا نيانا الفانية ....... ونلتقى بإذن الله
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.