(نص رسالة الدكتور حسن صالح التوم رئيس ادارة الاخبار والشئون السياسية بالتلفزيون خلال حقبة السبعينيات، كما نشرتها صحيفة "السوداني") **************************************** الأخ الأستاذ مصطفى عبد العزيز البطل... تحية طيبة وبعد .. بالرجوع الي كتاباتكم حول ضرب الرئيس نميرى للمسئولين والوزراء وشهادة الأخ حسن عبد الوهاب علي ذلك.. اسمح لي أن أرجع بك القهقرى الي فترة السبعينيات من القرن الماضى لتبيان بعض النقاط وما علق في الذاكرة من تلك الفترة الزاخرة بالحراك علي الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأبدأ بالشك في شهادة الأخ حسن عبد الوهاب حيث إننى قد رافقت الرئيس داخلياً وخارجياً مرات عديده.. ولم يكن هنالك رئيس للوفد الإعلامي إلا في القليل النادر للرحلات الخارجيه، وفي بعض المرات يؤمر الاعلاميون عليهم واحداً اذا رأوا ضرورة إلى ذلك عملاً بالحديث "إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحداً" وكانت أحياناً تنتهي الزيارة ولا نلتقى بالرئس لقاءاً شخصياً لأن تغطية الزيارة قد تؤدى الي معالجة جوانب أخرى تكون مصدر شغلنا مثل النظر في مردود الزيارة واثرها وفيما طرح فيها من جديد الآراء والمواقف ومدي تفاعل المسئولين معها ووجهة نظر الشارع ...الخ وهذا ما يحدده مندوب كل جهاز إعلامي علي حده. وكان المرافقون الإعلاميون في هذه الرحلات يتجددون في كل مرة ذلك لأن تعيين المرافق في كل جهاز يتم عن طريق تقديرات معينة قد تنطبق هذه المرة علي شخص ولا تنطبق عليه المرة المقبلة، ولذلك فإن القول بأن الأخ حسن عبد الوهاب كان رئيساً دائماً للوفد الإعلامي المرافق للرئيس نميرى فيه مجافاة للحقيقة لأن المرافقين يتغيرون. والحقيقة الأخرى أن الأخ حسن عبد الوهاب علي عهدنا في فترة السبعينيات كان أقل الإعلاميين مشاركة في الوفود الإعلامية المرافقة للرئيس. لقد كان كاتب هذه السطور رئيساً لإدارة الأخبار بالتلفزيون ثم رئيساً بالقسم السياسى وقد اتحد القسمان فيما بعد وأصبحا (إدارة الأخبار والبرامج السياسيه). وقد كان يطلب مني حين كنت رئيساً اختيار الأسماء المشاركة في الوفود المختلفة، ولا أذكر أنني اخترت يوماً الأخ حسن عبد الوهاب لعلمى بموقفه مسبقاً من نظام مايو وذلك خوف إحراجه – وللزمالة حقوق وسقوف. وعليه لم يكن الأخ حسن بوقاً لنظام مايو كما ذكرت يا أخ مصطفى، بل كان معارضاً ولكن معارضة مخملية لا تفسد للود قضيه، وقد كان معه الأخ المرحوم الدكتور ابو بكر عوض وأيوب صديق وآخرون يمثلون كتلة واحدة تعارض النظام من وراء ستار، وسلاحهم فى ذلك السخرية والنكتة والنادره (هذا قبل توجه النظام يميناً) وكان الأخ حسن لا يشارك في أى عمل يتحدث عن سياسة مايو او انجازاتها. ومن أمثلة ذلك أنه كان يرفض قراءة التعليق السياسي، وفى مرة غاب فيها المذيع المكلف قرأ التعليق ولكن بعد ضغط من مدير التلفزيون د.أحمد الزين صغيرون. أما الرحلة التي سقط فيها مريضاً بداء الكلى فقد تم تكليفه لأنه يتحدث الانجليزية بطلاقة، حيث أنه كان طالباً بالجامعات الأمريكية لكنه أبعد مع غيره من الطلبة قبل ان يحصل على البكاليريوس بعد حرب 1967م. وقد كانت هذه أطول رحلة أعرفها للرئيس نميري حيث شملت أمريكا وفرنسا والمانيا ودولاً أخرى. وهو عموماً رجل مثقف وودود وقارئ ممتاز يتباهى بما يقرأ، وهذه الصفات مع حرصه علي عدم مشاركة النظام جعلته يبرع تماماً في تقديم البرامج الثقافية والمنوعات (مثل برنامج قوافل الزمان) ويجدر هنا أن نشير إلي أن الإعلاميين ذلك الوقت كانوا ينقسمون الي قسمين: قسم يؤدى واجبه بمهنية واحترافية ولا يهمه محتوى الرسالة الإعلامية، وقسم رسالي يري ضرورة التبشير بمبادئ مايو والقيم الجديده، وقد كان العبء هنا يقع علي البرامجيين أكثر من المهندسين والفنيين. لقد كانت القناعات والآمال كبيرة في البداية ولكنها تضاءلت بعد أن دخل النظام في منعرجات كثيرة وترنح براً وسفينا خلال السبعينيات مما دفع بالكثيرين لركوب موجة الغربة بعد أن ضربوا بحرها بعصا الضجر والإكراه، فانفتحت لهم دروب، فمشوها، وبعضهم لا يزال يمشي فيها إرخاءً وتقريباً وهرولةً ونصاً (راجع كتابنا أوراق من التلفزيون وفيه بعض ما ذكرت). أما موضوع ضرب الرئيس نميرى للمسؤلين والوزراء فقد كنا نسمع هذه الشائعة ولكنها لم تتأكد لنا ذلك الحين فأنا أيضاً اشك – للحيثيات أعلاه - أن الأخ حسن عبد الوهاب أثبتها بهذه الطريقة. وبما أنى كما ذكرت سابقاً قد سافرت مع الرئيس في العديد من المرات داخلياً وخارجياً فقد كان يحفظ الود مع الوفد المرافق، وقد كان أحياناً يتفقد أكله وشرابه، وهو نفس ما لاحظته حين كان يحضر إلينا في مبنى التلفزيون لتسجيل الخطاب الشهرى وبقائه معنا أحياناً قبل التسجيل فترات طويلة يتخللها الغداء وتبادل النكات والقفشات، وقد كنت أعلل هذه الإشاعة (إشاعة الضرب) بأنه ربما كان لها علاقه يصنعها الناس عطفاً علي طبيعته العسكرية، والسودانيون مغرمون بهذه القصص التي تتناول البطولة والفحولة والشجاعه. وقد زاد من انتشار هذه الشائعة ما لوحظ في بعض المسئولين من ضعف وتهالك وإرتماء في خدمة الرئيس ومزاجاته المختلفة. وقد كنا ننظر الي هؤلاء بعين السمادير المغشاة وهم يقومون بهذه المهام في ذل وانكسار وهوان لا يحسدون عليه، خاصة وقد كنا ذلك الوقت نتسربل كبرياء الشباب الذى لا يضام، ولو كنت أعلم أن الرئيس كان يضرب أمثال هؤلاء لما كنت ألومه علي ذلك، بل كنت سأقول فيه وفيهم شيئاً من الشعر والنثر. مع تحياتى لك يا أخ مصطفى عبد العزيز ولذاكرتك المتوقده، ودمتم في حفظه. د. حسن صالح التوم إعلامي سابق بالتلفزيون [email protected]