أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا شباب السودان، انضموا إلى الجبهة الثورية! .. بقلم: عشاري أحمد محمود خليل
نشر في سودانيل يوم 21 - 10 - 2014


في ذكرى أكتوبر،
إن الخيار الوحيد أمام الشباب في السودان هو أن ينضموا إلى الجبهة الثورية، ببرنامجها للسودان الجديد. للإطاحة بنظام الإنقاذ، ولتفكيك دولة الإنقاذ ومؤسساتها الفاسدة.
هذه هي النتيجة المنطقية، غير المتوقعة، من القراءة الصحيحة ل "الوثيقة". ومن إثبات أنها مصطنعة من قبل جهاز الأمن ومسربة بواسطته قصدا.
هذه القراءة، وهذا الإثبات، بنتيجتهما المنطقية، موضوع هذا المقال.
(1)
تقديم بشأن الوثيقة
إن ادعاءات البروفيسور الأمريكي إيريك ريفز والصحفي الأستاذ فتحي الضو وآخرين أن الوثيقة صحيحة وأنها محضر اجتماع اللجنة الأمنية العسكرية، هذه الادعاءات لا تقوم على سند. غير صدقوني لأن عندي مصدر موثوق. لا يمكن أبوح بي اسمو! وغير أسهوكة أن الإنقاذ أصلها بتعمل كدة! كلاهما من نوح المحاجة بالمغالطة.
يجب أن ننصرف عن هذه النظرية الضعيفة، وأن نهملها.
فإن أنت صدقت الخدعة بأن الوثيقة صحيحة كمحضر اجتماع صحيح، فعلى الدنيا السلام. ينبغي عليك أن تقبل أن نظام الإنقاذ في قوة رب العالمين وسطوته. يعلم بكل تحركاتك. وحركاتك. وأن لديه خبراء لقراءة لغة الجسد. ومعه إيران مستعدة بكتيبة من الحرس الثوري. وجماعات إسلامية تحت الإشارة. ومليشيات من بينها مليشيا الجيش وكتائبه الاستراتيجية،وتلاتة ألوية جاهزة. بالإضافة إلى كتيبة بنات الإنقاذ قليلات الأدب. المخصصات لتقديم الخدمات الجنسية، خفَّافي. لقاء استعصار المعلومات. كما جاء في الوثيقة.
باختصار، تقول لك الوثيقة إن صدَّقتَ رواية صحتها إن نظام الإنقاذ لديه الإمكانات والاستعداد الكافي لهزيمة الجبهة الثورية وإنهاء مشروع السودان الجديد. ولرد كيد الخصوم في الأحزاب وأمريكا ودول الخليج والأمم المتحدة. وللمضي قدما في تثبيت حكم السلالة لفترة رئاسية ممتدة تتجدد.
..
أقدم في هذا المقال البينات المادية في نص الوثيقة، مسرح الجريمة. البينات التي تثبت أن الوثيقة مصطنعة اصطناعا. أي، ملفقة. بالكتابة الاحتيالية المتدبرة. بأفعال وحركات الانحراف والخداع والتدليس. بواسطة كاتب عميل لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
ولأن جهاز الأمن هو الذي اصطنع الوثيقة، وفق نظريتي ذات الأساس، فهو كذلك سرّبها إلى البروفيسور إيريك ريفز أولا. ثم إلى الأستاذ فتحي الضو، ثانيا. وهما مثلهما مثل الجاسوسين الألمانيين في إسبانيا، تلقفا متحمسين خدعة عملية اللحمة المفرومة على الطريقة السودانية.
مما يعني مباشرة أن المصدر الموثوق لدى إيريك ريفز، وكذا المصدر الموثوق لدى فتحي الضو، عميلان لدى جهاز الأمن.
ومن ثم، يكون مفهوما أن تنفي حكومة الإنقاذ وحزبها أية علاقة لهما بالوثيقة. ثم أن تزعما أنها وثيقة مفبركة من قبل إيريك ريفز أو من المخابرات الأجنبية المعادية.
وصمتت الحكومة عن إسنادي في ثلاث مقالات أن جهاز الأمن هو الذي اصطنع الوثيقة وسربها.
واندرج البروفيسور إبراهيم غندور في مؤتمره الصحفي في الثرثرة وفي إنتاج الهراء عن ما أسماه "وثيقة إيريك ريفز". لأنه وجد من السهولة دحضها بحجج خائبة.
(راجع المقالات عن الوثيقة في سودانايل وسودانيزأنلاين وفي الراكوبة وفي موقع إيريك ريفز واليوتيوب)
فالوثيقة هي خطاب حكومة الإنقاذ. وهو خطاب تضليلي. أرادت به الرد على النقاط التي وردت في خطاب الجبهة الثورية المسجل في بيان كاودا 2011، وبيان الجبهة الثورية في باريس 20-25 يوليو 2014، وفي إعلان باريس أغسطس 2014.
ويوضح تفكيك نص الوثيقة أن مصطنعها عميل جهاز الأمن كان يضع هذه الوثائق الثلاث أمامه، مع مراجع إضافية، عند نسجه الوثيقة بالكتابة الاحتيالية المتدبرة.
إن الموضوع الأساس في خطاب الجبهة الثورية هو إسقاط نظام الإنقاذ، وتفكيك مؤسساته، بما فيها مؤسسة القوات المسلحة وجهاز الأمن. وأضيف إليهما السلطة القضائية الفاسدة. مما سيعني، بالدرجة الأولى:
(1) إرسال رئيس الجمهورية عمر البشير ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين إلى المحكمة الجنائية الدولية؛
و(2) تجريد سلالة الإنقاذ من الأرصدة المالية والعقارية والممتلكات التي نهبوها.
ولا يوجد أمر أكثر أهمية وخطرا لدى سلالة الإنقاذ من هذين المصيرين الماثلين بصورة مباشرة وقوية. بل يمكن أن تتلخص أزمة سلالة الإنقاذ في هذين الموضوعين تحديدا، المحكمة الجنائية والتجريد من الأرصدة المنهوبة.لا في أي موضوع غيرهما.والخطران مرتبطان، في عقلية أهل الإنقاذ. بمعلاق تفكيك نظام الإنقاذ.
لكن كاتب الوثيقة عتم على هذين الموضوعين. وأورد الأكذوبة عن أن المخاوف لدى السلالة هي احتمال تقديم قادة الإنقاذ للمشانق، وتفكيك نظام الإنقاذ، والحركة الإسلامية، وتفكيك المؤسسة العسكرية وجهاز الأمن.
يدرك جهاز الأمن، مصطنع الوثيقة، أن السودانيين لم تعد لديهم رغبة في نصب مزيد مشانق. حتى للذين يستحقون الشنق مع الصلب والتقطيع من أكثر من خلاف. ويدرك السودانيون أن سلالة الإنقاذ برئيسها مستعدة لترك الإسلام ذاته إن ضمنت عدم إرسال رئيسها إلى المحكمة الجنائية، وعدم تجريدها من الأرصدة المالية والعقارية ومن الممتلكات التي احتالوها بالفساد. يعلمون أنه لن تنقذهم من التجريد عمليات إخفاء الأرصدة في البنوك السرية، ولا التسجيلات الخداعية للعقارات والممتلكات.
هما الموضوعان اللذان لا تفصح عنهما الوثيقة. فيما عدا إشارة خافتة في كلام عبد الرحيم المقتضب "بعد ما اتهموني بالجنائية"، وإشارة وحيدة إلى "الجنائية" بدون سيرة عمر البشير. ولا ترد كلمة واحدة في الوثيقة عن خطر التجريد من الأرصدة المنهوبة.فأعيدُهما إلى المحادثة، وأثبِّتُهما. لكي تنفهم الوثيقة المصطنعة بصورة صحيحة.
..
نفذ جهاز الأمن خدعة الوثيقة المصطنعة المسربة في شكل خطاب الإنقاذ ذي الرسائل. للرد على خطاب السودان الجديد لدى الجبهة الثورية.خطاب إسقاط نظام الإنقاذ. وتفكيك الإنقاذ. التفكيك الذي تفهمه السلالة حصرا في حدود موضوع المحكمة الجنائية وموضوع التجريد من الأرصدة.
وكان ضروريا لجهاز الأمن أن يكون الرد بخدعة بوثيقة مصطنعة، لا بمحضر حقيقي يتم تسريبه، مثلا.
لأن وثيقة صحيحة لاجتماع حقيقي لم تكن لتنجز المهمة المرغوب إنجازها: إرسال رسائل إلى أعداء الإنقاذ: الجبهة الثورية بحركاتها المسلحة؛ الشباب غير المنضوين في الجبهة الثورية؛ حزب الأمة والأحزاب الأخرى؛ حكومات السعودية والإمارات ومصر؛ أمريكا؛ أمبيكي وزمرته؛ والأمم المتحدة (مجلس حقوق الإنسان، منظمات الإغاثة).
رسائل تضليلية تستعرض فيها سلالة الإنقاذ وتكشفن أعضاءها التناسلية تحت السراويل. تحلف أنها مستعدة. لبتاعين الحركة الثورية، عارفة حتعمل معاهم شنو. ولخصومها عارفة طريقتهم. فعلى الجميع أن يعملوا حسابهم. لو دايرين، عندي حوار وطني وكمان انتخابات. الداير يجي يركب. بورا أو بالجنب.
بالإضافة إلى رسالة أخيرة إلى الإسلاميين من المشفقين، وإلى إيران الصديقة.
...
والمعروف هو أن كل محضر لاجتماع للقادة العسكريين والأمنيين والسياسيين للتفاكر في خطر حقيقي، كإسقاط النظام، كان سيكون غير الذي نجده في الوثيقة.
فإن كانت الوثيقة حقا محضر اجتماع صحيح، لكنا وجدنا فيها بيانات من المشاركين تتحدث عن مواقع الضعف الأمنية والعسكرية والسياسية. لا الهتاف بما معناه أن لا أحد سيقدر على فعل شيء إزاء منعة منظومتنا الأمنية المدعومة بإيران. مما تدعيه الوثيقة التي بين أيدينا.
فلنتذكر أن نقطتي الضعف الوحيدتين اللتين اعترفت بهما الوثيقة هما الخير فهيم في أبيي، والمسؤول عن الحركات المسلحة في حزب الأمة. قالوا في الوثيقة إن على الإنقاذ أن تغير الأول بعميل لهم وأن يعيدوا الثاني عميلهم إلى موقعه!
كذلك ندرك بالعقل أن القادة العسكريين والأمنيين في مثل هذه الاجتماعات يتوخون الحذر من التصريح بالتفاؤل. وأنهم يطالبون بموارد مالية وبشرية إضافية. وبوقت إضافي للتخطيط. بل سيقترحون تجريب حلول سلمية لتجنب القتال.
لكن انظر في لغة العدوان والتبجح والغرور الأجوف من قبل أهل الإنقاذ في وثيقتهم. لا يمكن أن يكتبها نيابة عنهم أحد غيرهم. كذلك تَفكَّر في اللغة الاحتفالية المزهوة ذات الكِبر تذكرنا بهتاف أمريكا دنا عذابها.
فتُثبت اللغة، في ذاتها، أن الوثيقة مصطنعة.من قبل جهاز الأمن. الجهة المختصة في منظومة الإنقاذ المكلفة بفبركة الوثائق. ومهما قلنا عن شر سلالة الإنقاذ المعزولة عن البشر، يجب أن نعترف لهم بأنهم في شطنهم يفكرون بعقلانية. وفق المخاوف التي تسيطر على أدمغتهم المتفلتة. أهمها الخوف من إسقاط نظامهم. الإسقاط الذي يفهمونه حصرا في علاقته بمآل رئيس نظامهم إلى المحكمة الجنائية. وبالتجريد من الأرصدة.
ولو كان اجتماعهم حقيقيا لكنا سمعناهم في الوثيقة يتلاومون.ولكنا وجدناهم يختلفون بشدة بشأن الحوار الوطني. وبشأن استراتيجيات وتكتيكات التصدي للجبهة الثورية. ولربما كان بعضهم اقترح التفكير في تسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية.
ولكانوا قالوا إن القوات المسلحة غير مستعدة لحرب ممتدة بدون نهاية. طائراتها قديمة، ومعنوياتها هابطة. ولكانوا ذكروا وقائع مشابهة لتلك التي شهدناها لاحقا. واقعة احتقار مليشيات الضعين للضابط العظيم المصور بملابسه الداخلية يظهر في حالة ترمز إلى حال مليشيا الجيش.
ولكانوا تحدثوا عن الانفلات الأمني.وعن الفوضي. والفساد.
لم نر في وثيقتهم أيا من ذلك. بل شحنوها بالبوبار وبالهذيان، وبالأكاذيب والادعاءات الفارغة، وبأنصاف الحقائق. وبوقائع سخيفة لغرض إضفاء المصداقية على الوثيقة التي تكذب عن نفسها.
فلأن الوثيقة مصطنعة من قبل جهاز الأمن، مما سأثبته، يجب أن يتم التعامل معها بجدية. لفهم الكيفية التي تفكر بها الإنقاذ. وحقيقة وضعيتها الداخلية. والرسائل التي تريد الإنقاذ، بالتضليل، إرسالها إلى الجبهة الثورية، وإلى الشباب، وبقية خصومها.
فلا يعني كونها مصطنعة أن نهملها. لا ننس أنها مصطنعة من قبل جهاز الأمن. يريد بها نظام الإنقاذ تزييف واقعه البائس وتزيينه. وتهديد خصومه من منطلق قوة مدعاة بالكذب.
(2)
نظرية إيريك ريفز وفتحي الضو
اعتمد البروفيسور إيريك ريفز والأستاذ فتحي الضو على صدقية مصدريهما، وعلى أن محتوى الوثيقة يشبه الإنقاذ. ذلك كان كل ما عندهما لدعم ادعاءاتهما أن العريضة صحيحة وأنها محضر اجتماع اللجنة الأمنية العسكرية.
لكن ذلك لا يكفي لإثبات صحة نظريتهما. فالحجة بالمصدر وبالثقة فيه لا قيمة لها في هذه الوضعية. وضعية الوثيقة المشكوك في صحتها. فيمكنك أن تثق في المصدر السري كما تشاء، لكن ذلك لا يعني شيئا لدى المتشككين أو عند القراء الانتقاديين لا يصدقون أي ادعاء إلا على أساس البينة والحجة الكافية.
لأن المصدر الذي لا وجود له إلا في دماغ المروج له، ولا يمكن تسآله، ونحن لا نعرفه، وهو غير متاح لاستنطاقه، هذا المصدر لا قيمة له في مجال الجدل. ولا يعدو كونه أمرا شخصيا سريا.
وعلى مستوى ثان، أرى أن الحجة بالقياس على ما تفعله الإنقاذ، وعلى ما فعلته بعدها أو قبلها، كذلك لا يعتد بها. بل هي من المغالطات. وهذا معروف في فقه المحاجة. فأنت تجزم بالقول إن هذا هو المجرم، فقط بعلة طريقته المعروفة في تقتيل ضحاياه. وتنصرف عن البينات الكاملة، والآثار المايكروسكوبية الدقيقة في مسرح الجريمة. نص الوثيقة الذي قد يثبت العكس. بالبينات من نوع البصمات والدماء والشعر وكل المخلفات التي تقدم الإثبات القطعي عن هوية الوثيقة ذاتها وعن طريقة كتابتها وهوية كاتبها.
وفي مثل حالة الوثيقة المشكوك في أمرها، لا يعتد إلا بمادية الوثيقة، بالدرجة الأولى. نصها. لأن النص هو مسرح الجريمة. ويتم من بعد تتبع الخيوط المتروكة في مسرح الجريمة وربطها بنصوص خارجية وبوقائع في السياق. لا العكس. كأن نبدأ بوقائع من خارج النص، كالمصدر،ثم نفرضهاعلى النص وتفسيره.
لكن يمكنك أن تأتي إلى النص من الخارج بنظرية أو بنظريات، وبعدسات مختلفة. ثم تجرب ذلك كله لتفكيك نص الوثيقة مختبرا نظرياتك. ثم أن تنظر في كيان الوثيقة، من حيث هي وجود مادي لورقة تقول أنا الوثيقة وهذه هي هويتي.
..
في يوم 10 أكتوبر نشر البروفيسور إيريك ريفزالنص الكامل لمقال آفريكا كونفيدينشيال. تلك الجاسوسة البريطانية المتقدمة في السن في مؤسسة الإيكونوميست. لم تتعلم شيئا. وقدم البروفيسور إيريك ريفز مقال آفريكا كونفيدينشيال بعنوان بدا مضللا: "في الوثائق المسربة في الخرطوم: آفريكا كونفيدينشيال سِت الناس الما بتِتْلحِق". وكأنه كان وجد فيها إثباتا يعزز موقفه أن الوثيقة هي المحضر الحقيقي لاجتماع حقيقي للجنة الأمنية والعسكرية المشتركة.
ولكن عند قراءتي المتمعنة لمقال آفريكا كونفيدينشيال، وجدت أنها لم تضف أي شيء جديد. وكانت حذرة بشأن مصداقية الوثيقة. واستخدمت الفعلين الانجليزيين بأن الوثيقة "تبدو"، أبيرز تو بي، أنها محضر للاجتماع. وأنها "تدعي بدون دليل"، بيربورتس تو بي، أنها محضر الاجتماع. وقالتآ ك إن مصادرها في الخرطوم قالت ليها!
مما يترك إيريك ريفز في مكانه في السَّهَلة. لم يتعزز موقفه، ولا موقف فتحي الضو،بأن الوثيقة صحيحة.
إذن، فشل إيريك ريفز في تقديم أي إثبات مادي أن الوثيقة محضر لاجتماع اللجنة الأمنية العسكرية. ولم يقل فتحي الضو شيئا. ولا تعني وثائقه السابقة شيئا في الإثبات هنا.
(3)
رد نظام الإنقاذ
يتلخص موقف الحكومة الرسمي في أقوال مرسلة إن الوثيقة "مفبركة"، و"مضروبة"، و"كذب" من قبل جهة ذات غرض معادية لنظام الإنقاذ أو لحكومة الإنقاذ.
هذه الجهة المعادية للإنقاذ لابد تكون الجبهة الثورية، أو أحد أحزاب المعارضة، أو المخابرات الأجنبية، أو البروفيسور إيريك ريفز. هذا معنى ما قاله الرئيس عمر البشير، والبروفيسور إبراهيم غندور، ود. مصطفي إسماعيل.
وقالوا إن هدف المفبركين خلق مشكلات للحكومة مع الأشقاء العرب في دول الخليج، ومع الأحزاب.
وصف عمر البشير الوثيقة في جريدة الشرق الأوسط بأنها موضوع "مفبرك حتى النخاع ومن الألف إلى الياء". وإن كانت بدت "احترافية". ثم وصفها ب "الركاكة والغل". وبأنها "افتراء". وقال إن "جهات ذات غرض" هي التي فبركت الوثيقة. وطفق يكرر "ذات الجهات". دون أن يسميها بإسمها.
هكذا، نفى عمر البشير أية صلة لحكومته بالوثيقة الخطيرة.
أقول ابتداء إن رئيس الجمهورية معروف عنه أنه يكذب. ولا أحتاج إلى تقديم أي دليل إضافي على امتهان رئيس الجمهورية للكذب على الشعب السوداني.
لكن الحجة بشأن نفي الرئيس لأية علاقة لحكومته بالوثيقة لا ترتكز على الكذب المعروف به رئيس الجمهورية.
ومن ثم، يجب أن نأخذ كلام الرئيس مأخذ الجد. لأن الكذاب قد يصدق أحيانا. علينا أن نفكك أقواله في ماديتها دون الالتفات إلى تاريخه في الكذب.
إذن، يجب أن ننظر في نص أقوال الرئيس. لنتبين ما إذا كانت تنطوي على حقائق، أو حتى على نظرية سائغة أفضل من النظريتين الأخريين اللتين تقولان إن الوثيقة صحيحة وهي محضر لاجتماع حقيقي، وإن الإنقاذ هي التي اصطنعت الوثيقة وسربتها.
لكن الواقع يبين أن أقوال عمر البشير ترتد عليه وتذهب في اتجاه أن حكومته ممثلة في جهاز الأمن هي صاحبة الوثيقة ومسربتها. بهدف تخويف الجبهة الثورية والشباب من تحدي الإنقاذ. ومن التفكير في تفكيك نظام الإنقاذ بطريقة تؤدي إلى زف عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أو إلى تجريد الإنقاذيين من الأرصدة التي نهبوها.
نعرف أن عمر البشير لم يوجه أجهزة الأمن بأن تجري تحقيقا في وثيقة وصفها بأنها مفبركة وتهدد علاقات السودان بالدول الشقيقة. وبأنها كانت تتناول أمرا يتصل بالعقيدة الإسلامية.
عليه، ندرك بالعقل أن الرئيس يتهرب من متابعة الموضوع إلى نهايته. لابد بسبب معرفته أن جهاز الأمن هو الذي اصطنع الوثيقة وسربها. وهذا القفز في المحاجة سائغ وضروري. حجته في ما كنت أوردته في ثلاث مقالات سابقة، وفي ما سيأتي في هذا المقال.
لم تكن لعمر البشير أية حجة يعتد بها لدعم ادعاءاته عن أن جهات خارجية عن حكومته فبركت الوثيقة. وكانت أقواله في جريدة الشرق الأوسط من نوع مغالطات المحاجة من منطلق السلطة، وبالاستجداء العاطفي، وبالتذاكي.
قال ما معناه: صدقوني فأنا أقول الصدق حين أتكلم، لأني رئيس الجمهورية! "دعني أؤكد لك من خلال هذا المنبر هذا مجرّد افتراء للنيل من حكومة السودان وإضعافها وزعزعة الثقة التي تزداد يوما بعد يوم من الأشقاء ..."(كلامو مع الشرق الأوسط).
ثم نجد الاستجداء العاطفي، في عبارة السيد الرئيس عن "الأشقاء والذين لا أعتقد أنهم ينساقون لمثل هذا الافتراءات المضللة". وهو استجداء للعاطفة مصحوب بتفسير الماء بالماء في قوله في الشرق الأوسط "لأنه أمر مفضوح"!
ثم كان إنكاره صلة حكومته بالوثيقة بالاستناد على افتراضات كاذبة ومضحكة. مثل أن "الحكومة ليست بهذه السذاجة وهذا الاضمحلال الفكري والسياسي والاقتصادي ..." الذي لا يفضي [إلا] إلى "القضاء على كينونة السودان وأرضه وشعبه".
بينما نجد أن السمة الأساسية لربع قرن من حكمه الفاسد هي ما ينفيه هنا عن حكومته، "الاضمحلال الفكري والسياسي والاقتصادي ...". كسبب يتعلل به لنفي إمكان صدور الوثيقة من حكومته..
فهذا موضوع الوثيقة كان ينبغي أن يتم التعامل معه، في حال صدور الرئيس من الصدقية، بالتحقيق. ومن ثم تبيين نتائج التحقيق. بسبب خطورة الوثيقة. واهتمام السودانيين بها.لكن الرئيس اكتفى بالقول المرسل دون أن يقول لنا إنه سيطلعنا على هوية "الجهات ذات الغرض" حين تتوافر لديه المعلومات من جهاز الأمن ومن المباحث المركزية ومن كافة أجهزة الرصد والتجسس في الحكومة وفي الحزب، ومن الغواصات في حزب الأمة وفي صفوف المعارضة.
ولم تكن أقوال البروفيسور غندور إلا تردادا لأقوال رئيسه. وأقوال د: مصطفى عثمان. إن الوثيقة "كذب"، و"مضروبة". وإنها "وثيقة إيريك ريفز". ظل يردد. وإنها من أكاذيب إيريك ريفز أو من انتاج أجهزة استخبارات أجنبية. هكذا.
ولم يرد البروفيسور غندور على إسنادي في ثلاث مقالات أن الوثيقة مصطنعة فعلا. لكن من جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وفي صمته عن تناول هذه النظرية كلام.
بالإضافة إلى أن الجهة المنوط بها النفي قبل الرئيس ذاته هي جهاز الأمن. لأن الوثيقة تقول في صفحتها الأولانية إنها صادرة من جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
مما يعني أن الإنقاذ أصلا تريد بنفيها الضعيفأن لا يصدقها أحد. خاصة وأن عمر البشير وغندور ود. مصطفى عرف عنهم ثلاثتهم الكذب. وحين لا يصدقهم أحد، سيستمر الظن لدى كثيرين أن الوثيقة حقيقية وأنها محضر ذلك الاجتماع الحقيقي.
هذا هو الفهم الذي تفضله الإنقاذ. على أقل تقدير لتُثَبِّت الخدعة عن سطوتها وقوتها. أصلا تريد أن يقرأ السودانيون الوثيقة كتهديد حقيقي للجبهة الثورية ولأعداء النظام، وكتحذير للشباب ضد المشاركة في التظاهر.
لكن المصدقين قرأوا الوثيقة على غير ما تشتهي الإنقاذ. رأوا فيها إجرام نظام الإنقاذ. ونذالة ضباط المؤسسة العسكرية وعملاء منظومة الأمن وإنفاذ القانون في السودان. واحتيال مصطفى إسماعيل وإبراهيم غندور. مثيرين بذلك مشاعر الاحتقار الشعبي لسلالة الإنقاذ. والازدراء التام لرئيس الجمهورية وسحب التعاطف معه في محنته مع المحكمة الجنائية ومع المرض لمن هو في السبعين.
أما الذين قرأوها، مثلي، على أنها مصطنعة من قبل جهاز الأمن، كذلك ضيعوا على الحكومة جهدها. بتقويض المقاصد التي كانت أرادتها الإنقاذ باصطناع الوثيقة وتسريبها. رسم صورة الإنقاذ وكأنها رب العالمين. ستهزم جميع أعدائها المتحالفين ضدها.
فما أن نعرف أن الوثيقة مصطنعة، يتبدى واضحا أن أغلب ما فيها كذب محض وهذيان. ويظهر قادة الإنقاذ يشخون بولهم في سراويلهم. مصابين بالإحباط وبالخوف من فطومة ومن التجريد من الأرصدة. يعرفون أن نظامهم انتهى كنظام. ولم تبق إلا دفعة برصاصة الرحمة ليترنح يسقط في أوساخه. لا يهم إن كان ذلك بعد عشرين عاما.
وتثبت الوثيقة المصطنعة المسربة أن سلالة الإنقاذ لابد مشغولون يعدون العدة للفرار والاختفاء. بينما يتصنعون بالوثيقة أنهم راكزين، يِتَّاوقوا من ورا كتيبة الحرس الثوري الإيراني المزعومة.
(4)
لا يبق إلا نص الوثيقة مسرح الجريمة
أما وقد عجز البروفيسور إيريك ريفز والأستاذ فتحي الضو والمؤيدون عن تقديم الإثبات الكافي بأن الوثيقة صحيحة.
وبعد أن نفى رئيس العصابة، عمر البشير، أمام محكمة الرأي العام، أية صلة له أو لحكومته بالوثيقة الخطيرة.
ولأنه لا يمكن لنا أن نأتي بالمشاركين في الجريمة أو بالشهود، لتعذيبهم واستنطاقهم كما يفعل جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
لا يبق لنا إلا النظر في مسرح الجريمة. نص الوثيقة المسربة. وتفكيكها. بالتحقيق في الآثار المايكروسكوبية الدقيقة التي تركها في النص ذلك المفبرِك المصطنِع عميل جهاز الأمن.
ومن ثم، أن نستخدم العقل لربط تلك الآثار في النص بنصوص خارجية نعرفها من السياق. لتكون لدينا النظرية المتكاملة عن فعلة الاصطناع وعن كيفية تنفيذها. نظرية قائمة على أدلة مادية في نص الوثيقة. وعلى وقائع في الظروف المحيطة. وعلى البينة الظرفية. مما قدمت أمثلة له في المقالين السابقين في سودانايل. وفي تدخلات في سودانيزأونلاين.
وكما أسلفت، يمكن للقارئ أن يتوصل لوحده إلى نتيجة أن الوثيقة مصطنعة من قبل جهاز الأمن. بالقراءة عبر ثلاث عدسات مختلفة، أي وفق النظريات الثلاث، ثم المقارنة بينها.
إن نص الوثيقة هو مسرح الجريمة المتاح للتعرف على ما إذا كانت الوثيقة حقيقية أم مفبركة. مما لم يفعله إيريك ريفز ولا فتحي الضو. فهما قبلا صحة الوثيقة فقط على أساس ثقتهما في المصدر وعلى أساس أن المحتوى يشبه حكومة الإنقاذ.
مما يقودني إلى مواصلة دعم نظريتي وتعزيز قوتها لإثبات أن الوثيقة مصطنعة ومسربة من قبل جهاز الأمن. وقد ظلت هذه النظرية تقوى يوميا وتجد دعما نصيا متواصلا، حصرا من قراءة النص وإعادة قراءته. منذ أن كنت أطلقت الفكرة في سودانايل، بمقالي عن عملية اللحمة المفرومة.
..
ألف، المستند المشكوك في صحته
فأنطلق ابتداء من أن الوثيقة مشكوك في صحتها. ليتم التعامل معها من هذا المنطلق. لإثبات صحتها أو فبركتها. بالاستناد على عدة علوم ونظريات ومظان معرفية. منها منهج تحليل الخطاب، وإعادة تركيب الجريمة، والتفكيكية عند ديريدا، والهندسة الاسترجاعية، وإيثنوغرافيا الاحتيال، ومفهمة القوة والسلطة والمقاومة، وعلم التحقيق الجنائي في الوثائق الاحتيالية.
وقد ظلت الوثائق المصطنعة هما بشريا منذ قديم التاريخ. بسبب تكثر تحريف النصوص الدينية، بما فيها النص القرآني ذاته. وامتدت أهمية علم الوثائق إلى تكييف أوراق الورثة، والوصايا، والرسائل الغرامية. ولا ننس تزوير كتاب هتلر كفاحي، وغيره من الوثائق. وأخيرا تأتي السرقات الأدبية والعلمية في الجامعات. والفساد في الحكومات وفي الشركات. خاصة في ضوء تقدم التكنولوجيا في ملاحقة مسار الأوراق، وسهولة إخضاع الوثائق للتفكيك ولاكتشاف الوقائع الخارجية التي تتناص مع النص الأساس. ومما نراه كله في هذه الوثيقة. المصطنعة بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني. والمسربة قصدا بواسطته لأغراض الخداع والتضليل.
وهي من نوع "الوثيقة التي تكذب عن نفسها". تلك التي تظهر صحيحة في ظاهرها. مدعية أنها محضر لاجتماع الجنة الأمنية والعسكرية المشتركة. وأقول إنها وبالرغم من تقديمها لمحتوى قد يشبه نوعية أقوال أعضاء لجنة عسكرية أمنية مشكوك في وجودها أصلا، إلا أنها تكذب عن نفسها. وهي ليست محضرا لذلك اجتماع، كما تزعم. بل تم اصطناعها، أي تزويرها واختلاقها، لتظهر وكأنها ذلك المحضر لذلك اجتماع.
..
باء،لغة الوثيقة
إن لغة الوثيقة لغة كتابية أصلا، من نوع كتابة المقال. ولا تتسق مع لغة محضر لاجتماع حقيقي من أي نوع. خاصة لاجتماع لجنة من أربعة عشر شخصا يتداولون حول خطر يهدد حياتهم ورفاه أطفالهم وأسرهم، بل وبقاءهم في الدنيا. خطر إسقاط نظام الإنقاذ وتفكيكه. وحبس عمر البشير في سجن في لاهاي. وتجريد سلالة الإنقاذ من الأرصدة المالية والعقارات ومن الممتلكات التي نهبوها.
وتقول الوثيقة إنهم قرروا مناقشة أسباب هذه القضايا تحت أجندة إعلان باريس وبرنامج السودان الجديد والاستراتيجيات للتصدي لهذه المخاطر.
كان كل خطاب نسب إلى متحدث منهم مقالا متكاملا من البداية إلى النهاية. وتناول كل متحدث مفترض، أو افتراضي، بعض الموضوعات محور هم الاجتماع أو كلها. وكانت أغلب الموضوعات أو النقاط مقدمة من قبل المتحدثين كحجج متكاملة، بادعائها ثم بأسبابها وصولا إلى نتائجها النهائية. وكان كل خطابمتسقا كمقال منفصل. وحوى كل مقال قوائم تفصيلية أو خيارات منطقية لا تكون متاحة بالنسبة للمتحدث المفترض أنه في اجتماع.
..
جيم، قراءة الوثيقة
انشغل القراء، على نهج إيريك ريفز وفتحي الضو، بالتركيز على وقائع محددة في الوثيقة. قرأوا هذه الموضوعات على أنها تبين اعتراف الإنقاذ بأفعال إجرامية تتسم بالنذالة. مثل: منع الحصاد وتجويع المدنيين في جنوب النيل الأزرق؛ والدعم الحربي لرياك مشار؛ ودعم الحركات الإرهابية وتصدير الإرهاب إلى السعودية والإمارات ومصر؛ والعلاقة مع إيران؛ والتخطيط لضرب المتظاهرين بالرصاص؛ وغيرها..
فألتفت إلى تفكيك نصوص بعض هذه الموضوعات. لإثبات أن الوثيقة مصطنعة. بإثبات واحدة من أهم خصائص الكتابة الاحتيالية المتدبرة. التي تختلف عن خصائص لغة الاجتماعات حتى إذا كان في الاجتماع احتيال.
وهي إعمال الخداع والتدليس لتثبيت الفعل الإجرامي ذي النذالة المقصود، ثم إزلاق حركات لغوية في النص للتنصل من الفعلة. وهذا النوع من الأفعال الاحتيالية يحذقه القضاة الفاسدون. ولا يحدث إلا في الكتابة وبها. لأن الكتابة، على عكس الكلام في اجتماع، تسمح للكاتب بإعادة النظر بصورة مستمرة في الذي كان كتبه وبتعديله وفق مراميه. وبضبط الاحتيال والتدليس في النص. لكي لا يتم التعرف عليهما أو فضحهما. ولا تكون هذه الآليات متاحة للكلام في الاجتماعات. بينما تسيطر هذه الخدعة على الوثيقة وتستعمرها. لكنها غابت عن أغلب القراء الذين صدقوا نظرية إيريك ريفز أن الوثيقة صحيحة ومحضر لاجتماع..
..
أولا، التهديد بتقتيل الشباب المتظاهرين
فيما يلي أقدم أقوال قادة الإنقاذ المفترضين في الوثيقة. بشأن تحذيرهم الشباب المدنيينمن مغبة الخروج في أية مظاهرات ضد نظام الإنقاذ. وتهديداتهم بتقتيل الشباب إن لم يرعووا. بعد العقاب الصارم على ذلك نزق الشباب في سبتمبر 2013.
لكنا نجد أن الكاتب، عميل جهاز الأمن، أزلق في النصوص عبارات لغوية تقدم التسبيب القانوني لضرب المتظاهرين وتبرره، وتفسره. ثم تقول ما معناه إنها تقدم بدائل للتظاهر مرغوبة.
..
ألف، أقوال دكتور مصطفى عثمان، الأمين السياسي عن قتل المتظاهرين
جاء ما يلي في القول المنسوب إلى د. مصطفى إسماعيل عن أهمية أن "نجعل مجرد التفكير في الإطاحة بنا صعبة". وقال إن ذلك "لقطع الطريق أمام كل المؤامرات التي تحاك ضدنا".
وفيما يلي الفقرة كاملة لأقواله المفترضة. أوردها دون علامات تنصيص. لسبب سيتضح. قال د. مصطفى إسماعيل،في شخصيته الافتراضية:
وان تكاليف التداعيات المصاحبة لأي محاولة لاسقاطنا مكلفة وباهظة الثمن وان [مَن] يُقدِم عليها أو يخرج يظاهر بها يدفع حياته ثمنا لها، لذا الفرصة الموجودة عندنا هي الحوار المفضي لاتفاق لقيام الانتخابات في موعدها ولا تأجيل مهما كانت الأسباب".
فلاحظ علامة التنصيص في نهاية الجملة، وهي في أصل الوثيقة وليست من عندي. مما يشير إلى أن كاتب "المحضر" كان ينقل من نصوص مطبوعة. أي، كان يعمل كوبي آند بيست. فنسي أن يمسح تلك علامة التنصيص الأخيرة.
وهذه من نوع الآثار المايكروسكوبية الدقيقة المتعددة في نص الوثيقة. وتشكل مع آثار أخرى نسقا يؤكد أن الوثيقة مصطنعة. وسأقدم عدة أمثلة لمثل هذه الآثار النصية الدقيقة المتروكة في مسرح الجريمة، نص الوثيقة التي تكذب عن نفسها.
إن النقطة الموضوعية الظاهرة في النص أعلاه المنسوب إلى مصطفى إسماعيل هي أن كل متظاهر ضد الإنقاذ سيدفع ثمنا غاليا، حياته. مما كان سيكون قولا متوقعا من الإنقاذيين في اجتماع حقيقي. وكانوا سيكتفون بذلك. لأن الأمر سر في سر. إذا كان الاجتماع حقيقيا.
ولكن، ولأن الوثيقة مصطنعة، فهي تحمل بين طياتها آثار صنعة الكتابة الاحتيالية المتدبرة. في العبارات التي تسحب جزئيا التهديد الإجرامي الواضح بقتل المتظاهرين.
فقد أضاف الكاتب عميل جهاز الأمن في نص الوثيقة أن دفع المتظاهرين لحياتهم سيكون من "تكاليف التداعيات المصاحبة لأية محاولة لإسقاطنا ...".
أي، من نوع الكولاترال داميدج غير المساءل عنه فاعله. لأن قصد الفاعل ليس قتل المتظاهرين. بل "قطع الطريق أمام المؤامرات التي تحاك ضدنا".
فبهذه العبارات المزلقة بعناية حول النص الموضوعي الجوهري، وهو دفع كل متظاهر "حياته ثمنا"، يكون الكاتب عميل جهاز الأمن برأ الإنقاذ من مغبة خطتها الواضحة لقتل المتظاهرين. بتفسير فقد الشباب لحياتهم بحق الدفاع عن النفس ضد "المؤامرات" التي تحاك ضدنا نحن ناس الإنقاذ.
وقد رأيت أن الذين قرأوا متعجلين العبارة السحرية عن دفع المتظاهرين حياتهم ثمنا للتظاهر، قفزوا إلى أن ذلك يثبت صحة الوثيقة. لأنها نشبه الإنقاذ! صحتها كمحضر لاجتماع كان يتحدث فيه أعضاء العصابة وفق الثقة المتبادلة بينهم وبحرية تامة عن خطتهم لقتل المتظاهرين. وأن ذلك هو دأب الإنقاذ.
لكن هؤلاء القراء لم يقرأوا النص كاملا. بعد نص التهديد بقتل المتظاهرين. بينماتابع كاتب الوثيقة، عميل جهاز الأمن، نسق التنصل الاحتيالي من مغبة التهديد الصريح بقتل المتظاهرين. وأزلق في بقية النص عبارات خافتة تتنصل جزئيا عن الخطة الإجرامية. لكنه ترك الرسالة الأساسية بالتهديد بالقتل واضحة لتصل إلى الشباب.
والقراء لا يتمكنون من ملاحظة مثل هذه العبارات الانسحابية المُزلَقة.من خصائص الكتابة الاحتيالية المتدبرة.قصدها الإخفاء الجزئي لا الكامل للفعل ذي النذالة.
ولا يمكن لك أن تكتشف مثل هذه التعبيرات المزلقة خلسة إلا إذا ركَّبت ابتداء عدسة التعرف على حركات "الكتابة الاحتيالية المتدَبَّرة". لتتمكن بهذه العدسة من التعرف على ذلك الذي قصد الكاتب عميل جهاز الأمن التدليس عليه، وعلى أدوات التدليس الدقيقة ذاتها.
فلقد قصد كاتب الوثيقة من وراء هذه الحركات اللغوية المزلقة في النص التحسب ليوم المساءلة. حينئذ سيدفع القائل عن نفسه بأنه لم يكن قال صراحة بقتل المتظاهرين. وسيشير إلى العبارات الانسحابية المزلقة خلسة.
فالذي بيده القلم يسعى بالكتابة الاحتيالية المتدبرة إلى أن لا يجرِّم نفسه.
..
باء، أقوال منسق الخدمة الوطنية عن الاستعداد للتصدي للمتظاهرين بالدبابين
وانظر الأقوال المنسوبة لعبد القادر محمد زين، منسق الخدمة الوطنية. أيضا عن قتل المتظاهرين:
"هذا العام دربنا دبابين وكتايب استراتيجية بالولايات تساهم في حماية الانتخابات وتساعد الشرطة التصدي لأي عمل تخريبي من التمرد. تقوم به مجموعات مؤيدة لمشروع السودان الجديد. لأن ياسر لديه اتصالات مع نساء وشباب لتكوين أجسام للمشاركة في المظاهرات".
والإشارة واضحة عن التخطيط لمواجهة المتظاهرين الشباب بالدبابين والكتاب الاستراتيجية. لتقتيلهم. لكن كاتب الوثيقة أزلق في النص عبارات تخفيفية تبرر الفعل الإجرامي المعروفة به حكومة الإنقاذ. والعبارات التخفيفية هي "عمل تخريبي"، "التمرد"، الاتصال بياسر". وكلها تبرر قتل المتظاهرين من الناحية القانونية البحتة. لأن الأمر يتعلق هنا بالنسبة لكاتب الوثيقة وللإنقاذ بمتعاونين مع العميل ياسر عرمان الذي ينفذ مخططات العدو الأمريكي والأوربي. في لغة السلالة.
ثم لاحظ أن التنصل كان بدأ بعبارات سبقت النص مباشرة. هي "وأنا قنعان من الحركات المسلحة. لابد أن نحافظ على المعارضة الداخلية وردع من تخول له نفسه زعزعة الاستقرار".
فترى الجملة الغريبة المحشورة والمناقضة للقول بضرب المتظاهرين. وهي "لابد أن نحافظ على المعارضة الداخلية"، وبالطبع فيها المتظاهرون الشباب.
فعملية الإخبار بقول وسحبه جزئيا في ذات الأوان تعتبر من أهم أدوات الكتابة الاحتيالية المتدبرة. وتندرج تحت عبارة "التدليس" التي تعني الإخفاء وإضافة الظلمة للتغبيش. والقضاة الفاسدون يفعلون ذلك يوميا. وطوروا هذه الخدعة إلى فن قائم بذاته وإلى مدرسة في كيفية تفعيل الفساد والاحتيال على المتقاضين الغافلين.
فيُبلِغ كاتب الوثيقة الرسالة التهديدية. ثم يتنصل منها شكليا باللغة التدليسية.تحسبا للمساءلة عن جريمته. وهو لا ينجح كما نرى. بسبب أن الإلغاء والسحب يجب أن يكونا غير كاملين. وإلا مسحا الخدعة كلها.
وكلما شعر الكاتب أنه مسح أكثر من اللازم، نجده يأتي بحركة لإعادة تثبيت الخدعة.
ومن ثم، تحمل الكتابة الاحتيالية مكونات فضحها. بقايا التوتر بين الخداع ومساعي إلغائه بالتدليس.
لكن القارئ لا يتمكن من التقاط مثل هذه الحركات المايكروسكوبية الخبيثة في النص. لأن جهاز الإبصار البشري المربوط بالدماغ لا يعمل ككاميرا. فلا يسجل كل شيء. بل يجري عملية تصفية للوقائع في النص. ويلتقط رسالة التهديد التي تم إرسالها للشباب. بأن دبابين في كتايب استراتيجية تم تجهيزهم لحماية الانتخابات ضد أي عمل "تخريبي" يقوم به الشباب كالتظاهر. وينشغل القارئ بذلك فلا يرى العبارات المزلقة خلسة لسحب التهديد بالقتل.
..
جيم، أقوال منسق عام الدفاع الشعبي عن تقتيل المتظاهرين
ثم انظر الأقوال المنسوبة لعبد الله الجيلي، منسق عام الدفاع الشعبي. يستخدم التهديد بقتل المتظاهرين: "واي [واحد] يتلاعب أو داير يظاهر يضرب بالنار".
لكن الكاتب عميل الأمن يفسر هذا التهديد الخطير بعناية فائقة. ولا يتركه تهديدا إجراميا أحمقا كما قرأ أصحاب نظرية الوثيقة الصحيحة ذات الاجتماع:
"وهذا العام أفضل الأعوام عندما خرَّجنا 80 دفعة من مختلف الأعمار في الولايات وجاهزية تلاتة ألوية للقتال ومواجهة تداعيات الانتخابات والتمرد لازم يواجه بحزم. واي [واحد] يتلاعب أو داير يظاهر يضرب بالنار امن البلد خط أحمر الداير مشروع السودان الجديد يمشي الجنوب عشان مستوى مشروعهم".
هنا أيضا ركز القراء على عبارة "يتظاهر ... يضرب بالنار ...". وهي الرسالة المقصودة. وصلت وفهمها الشباب. لكن غابتعن أصحاب نظرية الوثيقة الصحيحة العبارات الإنسحابية التي تنصلت عن التهديد بضرب المتظاهرين بالنار.
فقد كان كاتب الوثيقة عميل الجهاز حريصا، كسمته دائما. وهو بذل الجهد الكتابي لتسبيب ضرب المتظاهرين بالنار ولتبريره. لأن الموضوع هو أن "أمن البلد خط أحمر". وأن البلد مهددة من قبل مشروع خاص بدولة أجنبية هي جنوب السودان، وأن أصحاب المشروع المتمردين عملاء للدولة الأجنبية. وبالمنطق، يصح ضربهم بالنار!
ويجب أن نتذكر أيضا تناص عبارة "تداعيات الانتخابات" مع عبارات ترد لدى عدد من المتحدثين المفترضين في الوثيقة. بينما هي مقولة الكاتب. فسرها على لسان مصطفى إسماعيل في عبارة "تحويل الانتخابات إلى فتنة" و"انفلات أمني لا تستطيع الحكومة السيطرة عليه".وعليه يكون الضرب بالنار مبررا.
وكذا نرى التعبير الاستراتيجي "مستوى مشروعهم" في الجملة: "الداير مشروع السودان الجديد يمشي الجنوب عشان مستوى مشروعهم". وهذا من نوع العبارات الشوارعية العنصرية والطبقية الخاصة بالكاتب عميل جهاز الأمن. قد يكون اخترعها أو اقتبسها. ولأن كاتب الوثيقة واحد، وهو ككل محتال ينسى أن يأخذ حذره في جميع الأحوال، فقد سها. حيث استخدم هذا الكاتب عميل جهاز الأمن عبارة مماثلة أخرى على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول هاشم عبد الله: "عشان يعرفوا مستواهم"، الشبيهة بعبارة "عشان مستوى مشروعهم" الموجودة في الجملة أعلاه "الداير مشروع السودان الجديد يمشي الجنوب عشان مستوى مشروعهم".
فالعبارتان متشابهتان. وتردان من متحدثين مختلفين بشأن ذات الموضوع. فقد جاء تعبير "عشان يعرفوا مستواهم" في النص التالي لرئيس هيئة الأركان المشتركة، في سياق حديثه عن المتمردين:
"من حقنا نأجر كل من له رغبة في القتال مقابل المال. والمتمردين آخر من يتكلم عن الأجانب من يمولهم وقاعدين مش في دولة أجنبية [؟].
"ونحن ممكن نجيب كل الحركات الإسلامية تقاتلهم بس نقوللهم ديل عملاء أمريكا. وممكن نفتنهم مع التطرف عشان يعرفوا مستواهم هذا كرت لم نستخدمه الآن".
ويثبت تكرار التعبير الدارجي "عشان يعرفوا مستواهم" أنا قبضنا على الكاتب عميل جهاز الأمن يستخدم التعبير المشابه في ذات السياق من قبل متحدثين مختلفين هما منسق الدفاع الشعبي ورئيس هيئة الأركان. مما يعزز نسق الإثبات أن الوثيقة كتبها شخص واحد عميل في جهاز الأمن. وهو حاول تغيير لغته في محاضرة كل مشارك في الاجتماع، لإخفاء خدعة الكاتب الواحد للوثيقة المصطنعة.وهذا الإخفاء أمر مستحيل نجاحه فيه بصورة كاملة.
ولنعلم أن الاحتيال يتم كشفه باكتشاف مثل هذه الحركات اللغوية المايكروسكوبية الدقيقة. وستكون هنالك عشرات الحالات يتطلب اكتشافها إعادة القراءة بصورة مستمرة.
وآمل أن أغزر النسق بعد إكمال إعادة طباعة الوثيقة وإدراجها في برنامج لحوسبة مثل هذه الحركات الدقيقة في نص الوثيقة.
علما أن ملاحظة هذه الحركات الدقيقة يستحيل على غير المتحدث بلغة الوثيقة، مثل إيريك ريفز. فنعذره. وقد سجل هذه الحقيقة الفيلسوف جاك ديريدا حين قضى باستحالة ترجمة النص ليظل يسمح بهذا النوع من التفكيك.
فالترجمة من العربية إلى الإنجليزية غيرت الوثيقة عند إيريك ريفز بصورة راديكالية في تقديري. واسعى إلى أن يتم نشر الوثيقة الإنجليزية بخط اليد كاملة. فقد نجد أنها، فوق استحالتها، كانت ترجمة احتيالية من قبل جهاز الأمن.
فالنقطة الأساس هي أن الوثيقة، ولأنها مصطنعة، وتكذب عن نفسها تقول إنها لاجتماع حقيقي، ترسل رسالة واضحة بتهديد المتظاهرين بالضرب بالنار. لكنها تحتال وتزلق عبارات تدليسية تفسر قانونيا الضرب بالنار وتبرره، وتتنصل عن المسؤولية في مجانية التقتيل المقصودة أصلا.
هذا التلاعب باللغة، والكلام بلسانين، يتأتيا نحصرا في سياق الكتابة الاحتيالية المتدبرة. مما يصب كذلك في اتجاه أن الوثيقة مصطنعة. فالعسكريون والأمنيون ليسوا في حاجة لتبرير تفصيلي لأقوالهم في اجتماع شفهي مشترك. لأنه تكون بينهم معرفة سبقية مشتركة لا تتطلب مثل الشرح والتفسير والتشقيق والتدقيق والمحاجة المفصلة بأسبابها القانونية وبأدلتها. مما نجده في هذه الوثيقة. المصطنعة المسربة.
..
دال، أقوال عبد الرحيم محمد حسين، المفترض، عن تقتيل المتظاهرين
وعلى ذات المنوال، كان مقال عبد الرحيم محمد حسين،المفترض،وزير الدفاع. تحدث عن تعليماته لضرب المتظاهرين بالنار. ثم أزلق في النص ذات العبارات الانسحابية من نوع التسبيب القانوني المفصل والدقيق والمقنع قضائيا لتبرير قتل المتظاهرين:
"والقوات المسلحة والأمن في استعداد من الآن لحماية الانتخابات وتعليماتنا أي مظاهرة أو تجمع أو تخريب الضرب بالنار لأن تخريب الانتخابات واستهداف مؤسسات الدولة ورد في تصريحاتهم وبياناتهم الداعية لإسقاط [النظام] بالحرب أو التظاهر [.] كل جريمة وتمرد ضد الدولة ومحاولة لتقويض النظام وإثارة الفوضى [.] وعندنا تجربة سبتمبر لما ضُربوا بالنار وقفوا أي تصريح أو تحرك[,] أو كلام عن العمليات العسكرية الجارية والجاية جريمة ويجب التعامل معها بالحزم الفوري. والحوار يجب أن يؤدي لقيام الانتخابات وعدم مناقشة قانون الأمن والقوات المسلحة".
هنا أيضا ركز أصحاب نظرية الوثيقة الصحيحة كمحضر الاجتماع على عبارات "تعليماتنا أي مظاهرة ... الضرب بالنار". مما هي الرسالة المقصودة.
لكن أصحاب تلك النظرية أهملوا بقية النص وفيه التبرير القانوني الكافي لضرب المتظاهرين. وأهملوا أن مجرد غوص الوثيقة في هذه التفاصيل التبريرية يشير إلى أنها مكتوبة بعناية الكتابة الاحتيالية المتدبرة. فليست هذه لغة الاجتماع مع أعضاء العصابة. حيث لا يتم توخي الحذر بشأن كل قول يتعلق بالإجرام. مثل التصريح بأن التعليمات صدرت منه وزير الدفاع بضرب المتظاهرين بالنار.
نعم، هذا تحديدا ما تقصده الوثيقة: ستضربون بالنار. وهو تهديد الشباب من مغبة التظاهر ضد الإنقاذ في سياق خطتها للانتخابات.
لكن كاتب الوثيقة عميل جهاز الأمن توخى الحذر. فقدم التبرير الكافي لقتل المتظاهرين. في العبارة: "لأن تخريب الانتخابات واستهداف مؤسسات الدولة ورد في تصريحاتهم وبياناتهم الداعية لإسقاط [النظام] بالحرب أو التظاهر".
ثم أضمر "لأن" ثانية. مع خدعة كتابية حذفت علامة الوقف الضرورية بعد كلمة "التظاهر".
ثم حذف الكاتب الضمير الراجع في "كلُّو" ليقول "كل" التي تضيع المعنى وتترك الجملة غير مكتملة وغير مفهومة: "كل [بدل كلو، أي ذلك الذي سبق، يعتبر] جريمة وتمرد ضد الدولة ومحاولة لتقويض النظام وإثارة الفوضى".
لأنه لم يكمل الإخبار عن الذي كان ورد في صدر الجملة التي بدأت ب "كل". ثم بدأت جملة مختلفة.
والذي يدور في الكتابة الاحتيالية هو أن الكاتب يراجع ما كتبه ثم يتلاعب بعلامات الترقيم، فيحذفها لتعويم المعاني. ويحذف المفردات أو يغيرها. ويغير الأدوات النحوية. ويفعل كل شيء ممكن. للتدليس على الخداع في النص. ولمسح بعض آثار النص أو تغبيشها.
وكذا فعل الكاتب عميل جهاز الأمن بشأن أفعال النذالة الإجرامية. حين سعى إلى التدليس عليها، بينما كان يبقي على موضوعها ومفعولها.
..
كذلك حذف الكاتب عميل الجهاز الأداة "أي" ووضع مكانها "أو" في الفقرة التالية، التي حذف منها أيضا علامة الوقف الضرورية:
"وعندنا تجربة سبتمبر لمن ضُربوا بالنار وقفوا أي تصريح أو تحرك [.] أو كلام عن العمليات العسكرية الجارية والجاية جريمة ويجب التعامل معها بالحزم الفوري".
فلاحظ أن الفقرة أعلاه تتكون من جملتين منفصلتين. لكن الكاتب دمجهما في جملة واحدة فدغمسهما. بأن مسح نقطة الوقف في نهاية الجملة الأولى. ثم غير أداة بداية الجملة الثانية من الأداة الصحيحة إلى الأداة الخطأ "أو".فالجملة الأولى تنتهي عند كلمة "تحرك" (وعندنا تجربة سبتمبر لمن ضُربوا بالنار وقَّفوا أي تصريح أو تحرك)
ثم تبدأ بعدها جملة أخرى كان ينبغي أن تبدأ بكلمة "أيِّ"، أو ب "كل". وليس ب "أو" التي تضيع المعنى، قصدا. بغرض تعويم المعنى الإجرامي المقصود في الجملة المنفصلة (أو كلام عن العمليات العسكرية الجارية والجاية جريمة ويجب التعامل معها بالحزم الفوري.)
فالصحيح هو أن تبدأ جملة جديدة ب "أي"، أو "كل"، وليس ب "أو". لتكون الجملة الصحيحة: "كل [أو أيِّ] كلام عن العمليات العسكرية الجارية والجاية جريمة ويجب التعامل معها بالحزم الفوري".
غير ذلك، يضيع المعنى في الجملة الواحدة المشتملة للعبارة غير ذات المعنى "أو كلام عن العمليات العسكرية الجارية والجاية جريمة ويجب التعامل معها بالحزم الفوري."
لأن هذه العبارة التي تبدأ ب "أو" لا يستقيم معناها إلا بتغيير "أو" ب "أي" أو "كل". يريد الكاتب عميل الجهاز أن يقول إن "كل كلام" عن العمليات العسكرية سيواجه بالحزم الفوري! لكنه أراد بالدغمسة إلغاء لغويا ماكرا لهذا المعنى.
ولا ينفضح الخبث الكتابي في هذه الوثيقةإلا بمثل هذي عمليات الهندسة الاسترجاعية للنفاذ إلى البرنامج الاحتيالي في دماغ الكاتب عميل جهاز الأمن.
وهذه الحركات، كما قلت، يستخدمها القضاة الفاسدون، بمن فيهم قضاة المحكمة العليا، لتلفيق القرارات القضائية. يوميا. وكما نعلم، لدى جهاز الأمن وحدة أمنية قضائية يجلس القضاة عملاؤها في المحاكم.
وقد حذف الكاتب عميل الجهاز علامات الترقيم الضرورية لدعم عمليات التدليس الواسعة النطاق في الوثيقة.
علما أن جهدا متكثرا ورائعا تم بذله في اصطناع هذه الوثيقة. مما يبين أن جهاز الأمن لديه قدرات لغوية كافية للخداع والفبركة. لكنه ينسى أن السودانيين ما لعبة. حيعرفوا ليهو طريقة. ولا يكون ممكنا تكثر الأخطاء النحوية وتغييب علامات الوقف الضرورية التي نجدها في النص أعلاه بدون القصد الاحتيالي. لأن كل تلاعب له سبب موضوعي يتسق مع مقاصد سحب النذالة وتعويم معاني الإجرامية. أغلب الأخطاء تتسق مع قصد التدليس في الكتابة الاحتيالية.
ثم انظر الانسحاب المنظم بطريقة إضافية. في عبارة عبد الرحيم المفترض وهو يقدم غصن الزيتون للشباب، "الحوار". مباشرة بعد عبارته التهديدية ب "الحزم الفوري". فقال مباشرة بعد عبارة "الحزم الفوري":"والحوار يجب أن يؤدي لقيام الانتخابات ...". ثم عاد مباشرة أيضا في ذات نَفَس الجملة ليضمن ثبات مقاصده الشريرة.فأقحم عبارة "وعدم مناقشة قانون الأمن والقوات المسلحة".
يعني حزم فوري بالضرب بالنار. أو لو حوار يكون حوار بتاع السلالة وفي صالحها وبشروطها، ما فيهو كلام عن تفكيك القوات المسلحة أو جهاز الأمن.
..
فأخلص هنا إلى أن الرسالة الموجهة من الإنقاذ إليكم كالشباب المدنيين في أرجاء السودان عبر الوثيقة المصطنعة واضحة:
سنضربكم بالنار إن جربتم التظاهر. عليكم ترك المقاومة. وأن تركنوا إلى الخنوع لنظام الإنقاذ. وأن تركعوا بين قدمي الطاغية بتاع حلة ود بانقا.
أو، إن كنتم لا تتحملون ذلك، عليكم الانضمام إلى العصابات والمليشيات وقوات الدعم السريع.
وفعلا أضاف عبد الرحيم هذا العرض الأخير مباشرة بعد فقرته أعلاه عن "الضرب بالنار" و"الحزم الفوري":
"والآن الشباب أصبحوا يسجلوا في القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بعد زيادة المرتبات بنسبة فاقت تصور الجنود والضباط. جندي مرتبه 2 مليون وضابط ملازم 4 مليون غير البدلات والخدمات الاجتماعية. مرتب مقدم أكتر من مرتب وزير. وتعليمات كل المواطنين الفارين في [مناطق] العمليات يتعاملوا معهم كويس ويرغب[وا] أولادهم في. الانضمام للدعم السريع."
فلاحظ أن عبد الرحيم المفترض لم يكن يحتاج لتكرار ذات المعلومات عن المرتبات التي سبقه إليها قبل قليل الفريق أول هاشم عبد الله محمد رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي كان قال:
"وهنالك استجابة من أبناء النوبة والنيل الأزرق ودارفور بكل ولايات السودان الانضمام لقوات الدعم السريع، بعدما عرفوا الزيادة الكبيرة في مرتبات كل القوات المسلحة. وعملنا الجندي 2 مليون والضابط ملازم وملازم أول 4 مليون ونقيب إلى مقدم 6 مليون وعقيد وما فوق يزيد عن العشرة. وقوات الدعم السريع مرتباتهم اكترهم ولديهم حافز عمليات 3 مليون .. وهذه الزيادة والإمكانيات المادية العالية لابد تستخدم لضرب التمرد. وبمجرد عملنا الزيادة حركات دافور سلمونا حتى الآن أكتر من 2000 مدربين. حركة دبجو فقط 1350 من ضابط وجندي. وزعناهم على المعسكرات لتغيير عقيدتهم".
فالتكرار الدعائي للأرقام عن المرتبات لم يكن ضروريا ولا ممكنا حدوثه أصلا إلا في سياق الكتابة الاحتيالية المتدبرة. بالكوبي آند بيست مع التعديل الطفيف.
لكن ما كان ممكنا أن يكرر عبد الرحيم ذات المعلومات الدقيقة عن المرتبات وكأنها معلومات جديدة على المشاركين، بينما كان قالها متحدث قبله بخمس دقائق! لم يفصل بينهما إلا كلام محمد عطا مدير الجهاز.
وفي ذلك دليل إضافي يعزز نسق الإثبات أن الوثيقة مصطنعة مزورة. ويمكن أن يمضي هذا الحال على منواله إلى ما لا نهاية. لأن النظرية الجيدة تتعزز باستمرار بالبينات والوقائع المكتشفة الإضافية.
علما أن البنية لمحاجة عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الموجودة في دماغ الكاتب عميل جهاز الأمن نجدها ذاتها مكررة في "مقالات" بقية العسكريين والأمنيين في الوثيقة. مكوناتها: التهديد بالقتل، وتبرير ذلك، مع إتاحة بدائل، ثم إضافة مغريات مالية، مثلا.
..
هاء، مدير جهاز الأمن المفترض يفسر ويبرر ضرب المتظاهرين في سبتمبر
وهذا مثال آخر لخدعة التنصل من الإجرام. تثبت أن جهاز الأمن هو الذي اصطنع الوثيقة. فلا توجد جهة معارضة أو استخبارات دولة معادية يمكن أن تجتهد لتسجل في النص تفسيرات قانونية وموضوعية. من نوع أفهمونا يا ناس. تبرر قتل المتظاهرين في سبتمبر 2013. مثلما نجده أيضا في هذا الكلام المنسوب للفريق محمد عطا.
ولنتذكر أن مثل هذه الأقوال في النص أعلاه من مدير جهاز الأمن لا يمكن تصديقها إلا إذا كانت تمت تعبئتها في وثيقة سرية داخلية تكذب عن نفسها وتقول إنها لاجتماع سري يفترض فيه أن ناس الإنقاذ كانوا يتكلمون بصدق. لكين في واحد مجرم سرب كلامنا!
والخدعة واضحة بصورة مضحكة. وتقدم إثباتا كافيها، على استقلال، أن الوثيقة مصطنعة. حيث اجتهد الكاتب عميل جهاز الأمن أكتر من اللازم. عشان عيون رئيس الجهاز، محمد عطا:
"هنالك جهات تطالب بنشر تقرير عن أحداث سبتمبر أو إرجاع السودان للبند الرابع. هناك جهات استخباراتية تدفع في اتجاه ماذا نفكر [.] أحداث سبتمبر كانت مؤامرة لعمل ربيع عربي في السودان بتخطيط وتمويل من المخابرات المصرية والسعودية والإمارات لتغيير النظام.واجهناها بقوة حتى لا تتكرر ورصدنا كل المكالمات الداخلة السودان من المخابرات السعودية والإماراتية والمصرية وبعض الناس من الأحزاب. بقولوا عملوا التظاهرة. لكن تم إحضار ناس خصيصا لإدارة التظاهرات. وكنا متابعين المحادثات التلفونية وكل الوسائط وتوصلنا إلى اللاعبين الحقيقيين وتم القبض عليهم واعترفوا بكل تفاصيل المؤامرات وأسماء الضباط المكلفين بالإشراف على التظاهرة والقيادة تتلقى تقرير يوميا من كل بلد. لذلك السعوديين والإماراتيين والمصريين خايفين بعدما كشفوا كل عناصرهم في قبضة الأمن . ونحن لم نكشف حتى الآن ودايرين نبتزهم بهذا الملف . عملوا إجراءات كثيرة خوفا من دخول مجموعات إرهابية ربما ينتقم بها السودان.... نحن لازم نستفيد أقصى فايدة من هذا الملف لن نكشف عنه .."
فانظر الخدعة المكررة في نهاية النص بعبارة "ونحن لم نكشف حتى الآن ودايرين نبتزهم بهذا الملف". وعبارة "نحن لازم نستفيد أقصى فايدة من هذا الملف لن نكشف عنه".
ذات الخدعة. أنا عارف لكين ما بقدر أوريكم الإثبات لكلامي دا. لأنو كرت الأتو ما عايز أكشف عنو. أو، لازم أستفيد من "الجوكر".
فيتردى الخداع هنا إلى مرتبة الغباء. تحديدا في كلام قيصر الخبث والاحتيال الأمني، محمد عطا. وكما قلت في مقال سابق، فلكأن الكاتب عميل جهاز الأمن كان يسخر تِحِت تحت من محمد عطا. لأنو ما ممكن بس كدة يطلعو زول بليد، ومعروف أن محمد عطا مكار ويفهمها طايرة.
فالنقطة الموضوعية في النص أعلاه أن محمد عطا يرسل رسالة مفصلة يبين فيها وقائع قتل المتظاهرين في سبتمبر 2013 من وجهة نظر الجهاز, ويريد من الأمم المتحدة أن تتفهم تفسيرات الإنقاذ الداخلية، الكاذبة. أن الجهاز لديه معلومات استخباراتية أن المتظاهرين بل كانوا يستحقون الضرب بالرصاص، بسبب عمالتهم لدول أجنبية. لكن حكومة السودان، لأسباب ما، لا تريد أن تقدم للأمم المتحدة البينة المادية لإثبات تلك العمالة من قبل الشباب.
فهذه الخدعة بأشكالها تم توطينها بقوة في نص الوثيقة. مما بدوره يغزر الإثبات أن الوثيقة مصطنعة من قبل جهاز الأمن. لإرسال رسائل كاذبة يدركون أنها لن يتم تصديقها إلا إذا تم إرسالها في "جثة" عملية اللحمة المفرومة. في الوثيقة المصطنعة التي تدعي أنها محضر حقيقي لاجتماع حقيقي كان قادة الأمن يتحادثون فيه بصدق فيما بينهم.
فقررت الإنقاذ أن تلجأ إلى الخداع بالوثيقة المصطنعة لسببين: أولا، لأنها تدرك أن لا أحد يصدقها؛ وثانيا، لأنها تعيش على الكذب.
..
ثانيا، الحركات الإسلامية
يعرف نظام الإنقاذ أن أي خيط يربطهم بالقاعدة أو بأية حركة إرهابية سيرد عليه الأمريكان بصاروخ كروز أو بضربة جوية من إسرائيل، عميلة أمريكا في المنطقة.
لهذا السبب كانت الوثيقة حذرة للغاية في تسجيل حيثيات علاقتها بالحركات الإسلامية. استغلها جهاز الأمن ليرسل رسالة للأمريكان عبر إيريك ريفز الذي ابتلع الطعم، مباشرة. مثله مثل الضابطين الألمانيين في اسبانيا الذين خدعهما الإنجليز بعملية اللحمة المفرومة.
فحوى رسالة الإنقاذ للأمريكان تلخصها عبارات الوثيقة عن استعداد الإنقاذ لمساعدة أمريكا ودول الخليج في مكافحة الإرهاب. بالإضافة إلى تحري الكاتب عميل جهاز الأمن الدقة في التمييز بين الحركات الإسلامية، بما فيها المتطرفة، من جهة، والحركات الإرهابية، من جهة أخرى. وبالطبع قالت الوثيقة إن الإنقاذ مع "الإسلامية" ضد "الإرهابية".
فإذا كان أعداء النظام هم الذين فبركوا الوثيقة، كما يدعي عمر البشير وإبراهيم غندور، لكانوا أزلقوا في الوثيقة عبارات على الأقل خافتة أن الإنقاذ مع "الإرهابية". لكي لا يرفع الأمريكان اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
لكن بعض القراء، ومنهم إيريك ريفز، قرأوا، بالقوة،وبدون سند في الوثيقة، انفضاح علاقة الإنقاذ بالإرهاب. وتلك كانت قراءة خاطئة لنص الوثيقة. لأن النص يثبت العكس تماما. بل كان يقصد إلى إثبات العكس. بالكذب.
وتقدم الوثيقة صورة ناصعة للإنقاذ بشأن موقفها العقلاني من الإرهاب ومن الحركات الإسلامية بما فيها الشيعية.
ولأن هذه الصورة لن يصدقها أحد وإن تكلمت بها الإنقاذ مائة سنة، لجأت إلى خدعة اللحمة المفرومة. بأن اجتهدت في سعيها لإقناع الأمريكان وناس دول الخليج إنها ولا داعمة للإرهاب ولا حاجة. بدليل هذه الوثيقة من اجتماع سري بيتكلموا فيهو ناس الإنقاذ براهم في سرية تامة، وطبعا ما ممكن يكونوا بيكضبوا على بعض! شوفوا نحن قلنا شنو في الوثيقة:
قال الفريق صديق عامر المفترض، مدير الاستخبارات والأمن، ما يلي:
"نحن الدولة الوحيدة في العالم ما بنضرر من صراعات الجماعات الإسلامية ولا الشيعية. وكل الحركات الإسلامية بندير علاقتنا معها عبر الدولة إنما عبر واجهات اجتماعية."
والمعني واضح. رسالة للأمريكان أن "الواجهات الاجتماعية" هي في الحقيقة "واجهات" فقط لجهاز الدولة السودانية، فنحن نسيطر على الوضع الخاص بالجماعات الإسلامية. لا تقلقوا. لأننا ندير علاقاتنا مع هذه الجماعات الإسلامية بما فيها الشيعية "عبر الدولة".
وقد استخدم الكاتب عميل جهاز الأمن عدة أشكال لهذه المقولة "عبر الدولة" في أكثر من موقع في الوثيقة. منها "تحت قيادتنا"، للمليشيات الأجنبية. و"تحت الإشراف"، بالنسبة للمتمردين من جمهورية جنوب السودان.
مما يكثف إثبات نسق الكتابة الاحتيالية. خاصة أن العبارة تعطي الإنقاذ صورة زائفة. بأنها ليست نظاما متفلتا أو فوضويا بتاع جماعات إرهابية تبرطع زي ما عايزة. بل كلو "جماعات إسلامية" (ما إرهابية والله). ونديرها "عبر الدولة". عبارة للتنصل من أي فعل إجرامي.
ولابد أن كلام الإنقاذ كذب. للاحتيال على الأمريكان بوثيقة قدموها للتضليل. في "جثة محضر اجتماع اللجنة الأمنية والعسكرية". جاءوا بهذه الوثيقة المصطنعة وكأنها السجل الصادق لتفكيرهم الحقيقي في اجتماع تم تسريب وثيقته بواسطة السوداني العميل بتاع إيريك ريفز! استنوا ليهم، الاتنين!
فشحنوا وثيقتهم الجثة بالأكاذيب بشأن علاقاتهم بالجماعات الإسلامية. لتضليل أعدائهم، عبر إيريك ريفز الذي اجتهدوا فترجموا له الوثيقة المصطنعة بالإنجليزية قبل إرسالها إليه. برضو ما نفع معاهو. لأنو ما بحبهم. وقال برضو إرهابية. بالقوة! بدون أي دليل في الوثيقة.
ثم نجدهم يخاطبون الأمريكان أن سر حبهم لإيران مرتبط ببقائهم كنظام. ويسهبون في تفاصيل وحجج متكثرة عن علاقتهم بإيران التي لا تهم المملكة العربية السعودية كما يدعون. بل تهم بالدرجة الأولى الأمريكان بعلة إسرائيل التي تدعي كذبا أنها خايفة من إيران:
"وسر قوة الإنقاذ في تحالف مع أيران والحركات الإسلامية واي تفريط في هذه العلاقة سوف نخسر كتير. الجنوب ما يزال يدعم التمرد للإطاحة بالحكومة وتحويل السودان زي الجنوب".
ويستمر الكذب بينا في القائمة بأسماء الجماعات الإسلامية في النص. وأسلوب "القائمة" يعتبر أصلا من خصائص الكتابة. لأن الكتابة تتحرى الإحاطة بكافة الوحدات. بينما لا يهتم المتكلم في اجتماع بغير توضيح الفكرة بمثال أو اثنين أو ثلاثة. لأنه يعرف أن المجتمعين أعضاء العصابة على دراية ومعرفة بمثل هذا الموضوع. وهو هنا "الجماعات الإسلامية".
فلاحظ هذه القائمة ذات التسع أو الثمان وحدات في فئة "الجماعات الإسلامية"، مما ورد في مقال الفريق صديق عامر المفترض، مدير الاستخبارات والأمن
"كلامي النشاط الديني الشيعي ممكن يعمل فتنة خاصة مع وجود [1] حركات سنية سلفية و[2] أخوان مسلمين و[3] أنصار سنة و[4] انصار شريعة و[5] أهل الكتاب و[6] الهجرة والتبليغ و[7] جماعة حزب التحرير و[8] دولة الخلافة و[9] أنصار الدعوة. ونحن ما دايرين تصادم ممكن نخسر الاتنين. نحن نفهم الاستخبارات الإيرانية بخطورة الوضع وهم يتفهموا. ونستفيد وللسعودية نحن معاكم".
فالمتحدث في اجتماع أمني دوري لا يرهق زملاءه العارفين وكلهم بتاعين استخبارات وأمن وعصابات بنوع هذه التفاصيل المملة. لم ينس الفريق أمن إلا جماعة بوكو حرام. وهذا الحذف لبوكو حرام تحديدا من القائمة في النص من قبل الكاتب عميل الأمن دليل إضافي على أن جهاز الأمن هو الذي اصطنع الوثيقة.
فلو كانت جهة معادية هي التي فبركت الوثيقة لكانت جابت بوكو حرام في البداية. ثم لكانت جابت كلام إضافي عنهافي فقرة خاصة. ولكانت قالت إنو زوجة القائد بتاع بوكو حرام كانت عاملة بتقرأ في جامعة افريقيا العالمية، ولكانت الجهة المعادية للإنقاذ أضافت حاجة حاجتين كمان، من مافي.
فقط هو الكاتب عميل جهاز الأمن وعنده الملفات والتقارير. وفيها "القائمة" التي نقلها نقل مسطرة، أو عمل كوبي آند بيست. فقط ككاتب كان ممكن ليهو يجيب أسماء تسعة "منظمات إسلامية"، "من كراسو" حتة واحدة. وبعدين مسح أهم منظمة إسلامية إرهابية، بوكو جرام الكانت كل يوم في الأخبار في شهر أغسطس 2014 تاريخ الوثيقة. .
إن استعراض كاتب الوثيقة بالجماعات الإسلامية مقصود به أيضا الجبهة الثورية وفئة الشباب المدنيين. فقد جاء في الوثيقة أن الإنقاذ مستعدة لاستخدام هذه الجماعات الإسلامية ضد خصومها:
"ونحن ممكن نجيب كل الحركات الإسلامية تقاتلهم بس نقوللهم ديل عملاء أمريكا. وممكن نفتنهم مع التطرف عشان يعرفوا مستواهم".
وقد قفز كثيرون من القراء وسنوا أقلامهم: شوفوا قالوا شنو!
لكنهم لم يقرأوا الجملة الانسحابية المباشرة التي أزلقها الكاتب عميل جهاز الأمن في النص: "هذا كرت لم نستخدمه الآن".
ومن الاستحالة أن يفكر شخص غير الكاتب عميل جهاز الأمن في ضمان تسجيل مثل هذا الانسحاب الواضح من القصد الإجرامي.
وما دامت الإنقاذ لم تستخدم هذا "الكرت"، من بين كروتها المتعددة، فلا يتم تجريمها على مجرد التفكير والتخيلات والأماني.
..
ونرى النسق الاستعراضي بالحركات الإسلامية لغرض التهديد والابتزاز في المقال في الوثيقة لذات مدير الاستخبارات والأمن المفترض. عن علاقة الإنقاذ بالثوار الإسلاميين في ليبيا. إذ يستمر التهديد لحركات دافور بإقحام ليبيا هنا مباشرة في ذات السياق بأن الحركات الإسلامية يمكن كذلك تعبئتها ضد المعارضة:
"كثفنا العمل لتخريج كوادر استخباراتية من إخواننا الليبيين. وهم الآن في دورة متقدمة في عمليات الأنترنيت وفك الشفرات والتصنت على الهواتف والأجهزة اللاسلكية. وقياداتهم طلبوا نبني لهم جهاز قوي."
وإياك أعني يا جارة يا حركات مسلحة دارفورية!
كنت سأؤيد أصحاب نظرية صحة الوثيقة إذا كانت الوثيقة تجرم الإنقاذيين فعلا. لأنهم لابد يقولون في الاجتماعات كلامات تجرمهم بصورة واضحة.
لكن هذه الوثيقة ينعدم فيها أي فعل يمكن أن يتم به تجريم الإنقاذ. وتنطوي الوثيقة على إزلاق ماكر لحركات لغوية لا يراها القارئ غير المتمعن. وهي حركات لغوية غرضها التنصل، خلسة، من الأقوال التجريمية المثبتة في النص.
لأن الإنقاذ تريد أن تهرش وأن تهوش وتهدد وتعمل نفسها واحدة صعلوكة ما عندها تربية لا بتهتم لا بتخاف. لأغراض التعامل مع ناس الجبهة الثورية. "عشان يعرفوا مستواهم". وبعدين برضو عايزة تظهر بت مؤدبة، قدام "المجتمع" بتاع ناس أمبيكي وعبدول وناس الأمم المتحدة والأمريكان.
فجميع أفعال الإنقاذ في الوثيقة تظهر على أنها من نوع الريال بوليتيك. تعامل غير أخلاقي مع أحزاب غير أخلاقية. ومع حركات مسلحة ليست بريئة وتستخدم المكر وتستعين بدول أجنبية.
وكذا تتعامل الإنقاذ مع دول أجنبية كالسعودية والإمارات ومصر وأمريكا ويوغندا. وجنوب السودان. جميعها لا مكان للأخلاق في سياساتها.
عليه، لا يوجد أي موضوع غريب في الوثيقة يمكن القول إنه يجرِّم الإنقاذ.
لقد ركز أصحاب الرأي بصحة الوثيقة على لغة النذالة الإجرامية التي وردت فيها. لكنهم أهملوا أن الوثيقة سحبت تلك النذالة. بأن تراجعت عنها بضعة خطوات. وألغتها جزئيا. أو بررتها. أو أعطتها غطاء قانونيا. وهذه خدعة معروفة طورها أصلا إلى فن القضاة الفاسدون.
علما أن الأدوات التدليسية لا تلغي الخدعة تماما. بل تموِّه عليها.
..
ثالثا، رياك مشار
انظر مثالا مزدوجا لخدعة التنصل من الأفعال الإجرامية في الوثيقة. في النص التالي متناصا مع التوصيات بشأن رياك مشار، و"مكتب الاتصال" الذي سمحت له به الإنقاذ.
قال الفريق أول هاشم عبد الله المفترض رئيس هيئة الأركان المشتركة:
"ونحن لازم نعمل ميزان قوة في الجنوب. ورياك وتعبان وضيو ومطوك جاءوا وقالوا دايرين دعم في الاستخبارات والتدريب. خاصة الدبابات والمدفعية وتسلحونا ومدنا بأسلحة متقدمة".
دا عشان الجبهة الثورية تفهم إنو في كمان دبابات جاياهم!
ثم انظر التنصل من الإيحاء بتقديم الدبابات. عشان عيون ناس الإيقاد. التنصل عن طريق الثرثرة الماعندها معنى غير التدليس. بالإضافة إلى العبارات التي جر فيها جهاز الأمن واطي:"والآن الناس تدرس في كيف يكون عندهم قوة مؤهلة ومدربة ولديها استخبارات وأجهزة متقدمة للإمداد اللوجستي".
فالموضوع "دراسة" بس!يا جماعة. كما يشير النص الكامل:
"نحن قلنا ما عندنا مانع لكن يكون في هدف مشترك. طبعا نحن نستفيد من طرحهم تعبان قدم اعتذار لدعمه حركات دارفور ومعركة هجليج وأن الدينكا استخدموهم ليخسروا علاقتهم مع الشمال. والآن اكتشفوا الخطأ. وساعين لحكم فدرالي أو حكم ذاتي لكل إقليم, أي حكم ذاتي في إقليم أعالي النيل مفيد لينا لتأمين حدودنا والنفط. والتجارة . والآن الناس تدرس في كيف يكون عندهم قوة مؤهلة ومدربة ولديها استخبارات وأجهزة متقدمة للإمداد اللوجستي".
ثم لاحظ التنصل الإضافي عن دعم الإنقاذ للمتمرد رياك مشار. على لسان أحمد عطا، رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني. في نهاية مقاله المفترض:
"اتفقنا مع تعبان نبني لهم جهاز استخبارات في كل مكاتبهم وفي الميدان تحت إشراف ونحلل ونعالج المعلومات ومكتبهم على [اتصال] مع الجهاز ووفرنا لهم الحماية كاملة منذ تعليمات الرئيس من يوم زيارة د. رياك للخرطوم."
فالتنصل مزلق في النص بعبارات مثل تقديم "الحماية"، و"تحت الإشراف"، و"نحلل ونعالج المعلومات". ولا يوجد كلام عن التسليح بالدبابات أو التدريب على قيادة الدبابات.
ومن التناقضات التي لم يتمكن الكاتب عميل جهاز الأمن من حلها أن الإنقاذ تتعامل مع حركة متمردة أيضا، ويمكن تكييفها على أنها عميلة لحكومة الخرطوم!
وقال عبد الرحيم : "والتقينا رياك وضيو وتعبان وهم متأسفين لفصل الجنوب ورجعنا له منزله. وطلب منا سماعدته في عنده نقص في الاستخبارات وإدارة المعارك ونقص في قيادة الدبابات. ولابد لنا الاستفادة من الكروت الكتيرة ضد الجنوب ونديهم درس لن ينسوه".
فجميع الأفعال التي تحدثوا عنها ضد حكومة الجنوب كانوا يفسرونها ويقدمون لها التبريرات.
..
وفي النهاية، تمخض التهديد من قبل الإنقاذ لحكومة جنوب السودان عن مجرد "الناس تدرس".
قال الفريق ركن عماد الدين عدوي المفترض رئيس أركان العمليات المشتركة، بعد "أؤمن على ما ذكره القادة ..."
"أكثر تهديد بحدودنا من جنوب السودان ... وهم [ما] زالوا داعمين للفرقتين [الأولى والتانية للمنطقتين] . نحن لابد نوفر دعم ضخم لقوات رياك ليخوضوا حربا".
لكن لا تتوقف في الفولستوب كما فعل إيرك ريفز. واصل القراءة.
حيث يقدم الفريق تبريره. أن الحرب ستكون لكي "ينضفوا بها كل منطقة أعالي النيل الكبرى. ورياك وتعبان في زيارتهم للخرطوم ورونا طريق الدعم ومين بجيبوا وكل الاجتماعات التي تمت بخصوص فك الارتباط ودعم سلفا كير للفرقتين ونوايا سلفا كير تجاهنا والوجود الأمريكي والإسرائيلي بجوبا والدعم الذي يقدم. ...."
فهم يقولون في الوثيقة للإيقاد وللأمم المتحدة والأمريكان: يا جماعة شوفوا دولة جنوب السودان بتعمل شنو! ونحن ما دعمنا ريك مشار إلا بمكتب اتصال. مما سيأتي.
ثم يقحم الفريق عبارة تنقض ما كان قاله شخص آخر عن ضرب المحصول بعد الحصاد:
"ونحن وما نخلي أي مخازن لمواد غذائية ونضربهم قبل الحصاد المرة ده لابد نحاصرهم. نفس تركيب اللغة في المقال عن لابد نمنعهم.
..
رابعا، تجويعهم في منطقة جبال النوبة
بدا لكثير من القراء أن أخطر الأقوال في الوثيقة هي المنسوبة للفريق صديق عامر مدير الاستخبارات والأمن. لأنها تعلقت بسعيه المستقبلي، أو بنيته الشريرة، في تجويعهم، بقوله "وكلما جوعناهم". في إشارة منه ل "ناس الحركة الشعبية".
لكن الكاتب عميل جهاز الأمن الذي اصطنع الوثيقة تحرى الدقة الخداعية. واحتاط بأن ألغى القراءة التجريمية. ثم ترك العبارات تفضي إلى قصده إرسال رسالة إلى قادة الحركة الشعبية في منطقة جبال النوبة أن حكومة الإنقاذ ستحرق محصولهم الزراعي هذا العام.
فعلينا أن نلاحظ أن الوثيقة لا تقول صراحة إن الإنقاذ، على لسان الفريق، "لن تسمح" ل "ناس الجيش الشعبي" بحصاد زراعتهم هذا العام. كما قرأ كثيرون، خطأ. ومنهم إيريك ريفز الذي لم نر الأصل الانجليزي الذي قرأ منه. بل قالت الوثيقة عكس ذلك. بأن الإنقاذ ستسمح لهم بحصاد زراعتهم. ثم دغمس الكاتب أقوال الفريق بعبارة في نهاية الجملة، وبعدها، لتثبيت المقاصد الشريرة في الرسالة. قصد التجويع. فهذا نص ما جاء في الوثيقة:
"وهذا العام ناس الجيش الشعبي زرعوا أراضي كبيرة بجنوب كردفان.
يجب أن نسمح لهم بحصاد هذه الزراعة لابد من منعهم.
لأن الحصاد يعني تشوين للحرب.
وكلما جوعناهم. استسلم منهم قيادات وهروب مواطنين. ممكن نستفيد منهم في ملاحقة المتمردين"
فانظر إلى الجملة الثانية المحشورة والتي ورد فيها "يجب أن نسمح لهم بحصاد الزراعة ...". ثم ألحقها الكاتب في جهاز الأمن في ذات الجملة بعبارة "لابد من منعهم.
والآن نعرف هذه الخدعة جيدا. أن الكاتب يسجل الفعل الإجرامي. ثم يسحبه جزئيا. ويجري عمليات دغمسة واسعة النطاق.
ثم انظر العبارات الإضافية في ذات معنى قصد التجويع. علما أنه ليس واضحا ما إذا كان المواطنون هم المقصودين بالتجويع أم "ناس الحركة الشعبية". وأضاف الكاتب جميع التبريرات القانونية الممكنة لحرق المحاصيل. فقال: "لأن الحصاد يعني تشوين للحرب". وحاول أيضا أن يميز بين ناس الحركة الشعبية كعسكريين، من جهة، والمدنيين، من جهة أخرى. ليقول إنه يقصد تجويع قيادات العسكريين. بحيث يهرب منهم المواطنون. "وكلما جوعناهم [ناس الحركة الشعبية]. استسلم منهم قيادات وهروب مواطنين. ممكن نستفيد منهم [المواطنين الهاربين من القيادات الجوعى] في ملاحقة المتمردين".
فليعرف القارئ أن هذه خدعة معروفة يستخدمها القضاة الفاسدون أيضا بل هم الذين ابتدعوها. فهم يكذبون في نص القرار القضائي ثم يلغون الكذب بعبارة خافتة. فتبقى الكذبة موجودة رغم إلغائها، ويبقى الإلغاء موجودا رغم الإخبار به. مما سيتيح للقاضي الفاسد أن يتملص عند مواجهته مستقبلا.
..
لكن النقطة الاساسية في هذا النص المحوري في الوثيقة هي أن الكاتب في جهاز الأمن مصطنع الوثيقة قرر أن يحذف أداة النفي "لا" تاركا عبارة "يجب أن نسمح لهم بحصاد الزراعة ...". ثم ألغى الإلغاء بعبارة "لابد من منعهم".
فتنفضح تقنيات الخداع التي استخدمها الكاتب عميل جهاز الأمن. جوهرها تثبيت الفعل الشرير، ثم إزلاق عبارة أو حركة تلغيه جزئيا أو تقلل من حدته أو تخلق خلطا فيه. وكذا يقدم الكاتب التسبيب القانوني للأفعال ذات النذالة الإجرامية.
..
خامسا، المليشيات الأجنبية
وانظر كيف أن الكاتب عميل جهاز الأمن كان يقرأ في بيان المجلس القيادي للجبهة الثورية الذي ورد فيه:
"و قد قام النظام باستيعاب مليشيات ... من فصائل المعارضة من دولتي تشاد و مالي وأفريقيا الوسطى باسم "قوات الدعم السريع"".
فجاء الرد، بدون مقدمات، ودون الإشارة إلى سبب القول التالي:
"من حقنا نأجر كل من له رغبة في القتال مقابل المال. والمتمردين آخر من يتكلم عن الأجانب من يمولهم وقاعدين مش في دولة أجنبية [؟].
"ونحن ممكن نجيب كل الحركات الإسلامية تقاتلهم بس نقوللهم ديل عملاء أمريكا. وممكن نفتنهم مع التطرف عشان يعرفوا مستواهم هذا كرت لم نستخدمه الآن".
وانظر كيف أزلق الكاتب عميل جهاز الأمن عبارة "تحت قيادتنا"، في تبرير الوثيقة للأقوال من متحدث عن أهمية استخدام قوات أجنبية لمحاربة التمرد:
"وصيفنا القادم محتاجين لكل مقاتل من أي دولة يقاتل تحت قيادتنا. وأبناء المناطق كدليل للحرب".
..
سادسا، العلاقة مع إيران
تسيطر العلاقة على إيران على الوثيقة. ليس فقط بسبب أهمية إيران لحكومة الإنقاذ، ولكن أيضا لتهديد الجبهة الثورية بإيران.قالت الوثيقة "ومهما حصل [في الجنوب] علاقتنا مع إيران خط أحمر لولا هم لهزمت الإنقاذ".
جميع المتحدثين المفترضين عن إيران ركزوا بقوة على العلاقة معها بطريقة تقارب تركيزهم على الجبهة الثورية. ويمكن القول إن الوثيقة تستخدم إيران بصورة مستترة في الخطاب المضاد لخطاب الجبهة الثورية، بينما تظهر أن مسألة إيران مرتبطة بدول الخليج..
قال مصطفى إسماعيل عثمان:
"في رأيي الشخصي علاقتنا مع إيران استراتيجية في مجالات الأمن والدفاع"، أن "العمل الاستراتيجي مع إيران" يستمر و"تدار بطريقة سرية كاملة في نطاق محدود عبر الأمن والاستخبارات ..."
وقال "جلست مع الرئيس وأديتو تقرير في كيف نطور علاقتنا مع دول الخليج دون المساس بجوهر تحالفنا مع إيران". من علاقة استراتيجية إلى تحالف!
"وقلنا نتشاور مع القيادة الإيرانية".
ثم يأتي التبرير للعلاقة مع إيران أن الخليجيين ربما يتآمرون "ولا دي مؤامرة دايرين يخسِّروا علاقتنا مع إيران ويكشفوا ضهرنا للعدو". و"إيران لدينا معها اتفاقات أمنية وسياسية". و"خاصة السعودية خايفة من الوجود الإيراني بالسودان".
فإياك أعني واسمعي يا جارة يا الجبهة الثورية أن إيران تدعمنا. فالكلام بل موجه إلى الجبهة الثورية.
وبعده، جاء الفريق أمن صلاح الطيب المفترض لينسج على ذات المنوال:
"أؤمن على ما ذكره الأخ مصطفى ويجب أن نفصل بين علاقتنا الأمنية والعسكرية مع إيران وأن لا تتأثر علاقتنا بالسعودية والإمارات دبلوماسيا وأخويا، وخاصة بعدما ظهرت على السطح سياسية المحاور"
ثم لاحظ أن الكاتب يقول على لسان الفريق أمن صلاح الطيب عبارة "وخاصة بأن العلاقة مع المملكة غير مضمونة". و يعيد الكاتب ذات عبارته من د. مصطفى المفترض :وخاصة السعودية خايفة من الوجود العسكري" (الفقرة قبل الأخيرة).
وواصل عبد الله الجيلي منسق عام الدفاع الشعبي المفترض الكلام عن إيران.
فلاحظ أنهم يبتدرون الكلام بإيران رغم أنها تبدو وكأنها ثانوية مقارنة بتهديد الجبهة الثورية. ولكن كما قلت إنهم يصدرون إيران في خطابهم لإرسال رسالة أنها ستعينهم على دحر الجبهة الثورية.
"كل الاستهداف الذي نتعرض له طيلة 25 سنة بسبب علاقتنا مع إيران والثورتين يتمسكون بالإسلام. ومافي دولة عندها الشجاعة تقول لكل الغرب لا إلا إيران، وهي شريك أساسي في ثورة الإنقاذ. وهي من قدم لنا كل الدعم دون مقابل ...".
ولكأن الكاتب يتحدث عن "الغرب" الذي تتجارون إليه يا جبهة ثورية يا عملاء. ثم يكتشف المفارقة لأن الإنقاذ ستكون أيضا عميلة، لإيران. فيضيف الكاتب بأنه على الأقل نحن ما عملاء لإيران لأن "الثورتين يتمسكون بالإسلام"!
فلا يترك الكاتب عميل جهاز الأمن أي شيء في الوثيقة يمكن أن تؤاخذ به الإنقاذ إلا وجد له حلا.
ثم ابتدر الفريق صديق عامر مدير الاستخبارات والأمن مقاله المفترض:
"بأمن على الكلام من سبقني بعلق على علاقتنا مع السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة ونحن باستطاعتنا نعرف كيف نضلل دول الخليج بإجراءات علنية وخاصة ديل وراهم أمريكا وإسرائيل وخايفين من علاقتنا مع إيران".
ثم يأتي التبرير للعلاقة مع إيران:
"نحن مستفيدين من إيران أكبر تحالف في المنطقة في العمل الاستخباراتي والإنتاج الحربي". مما لا غبار عليه، ولا تلام فيه الإنقاذ. ككل حكومة في المنطقة ما عندها أخلاق.
ثم يتم تقديم التبرير ب "لأن ...": "لأن علاقاتنا متشابكة مع كل الحركات الإسلامية. ونحن مدخل إيران لهده الجماعات".
فلا يوجد أي شيء يجرم الإنقاذ هنا. فقد كان الكاتب عميل جهاز الأمن حذرا ووضح كل شيء. ولا يمكن لشخص أن يحتج على هذه الأفعال مع الحركات "الإسلامية". فالوثيقة لم يقولوا فيها نتعاون مع الحركات "الإرهابية"، ولا المتطرفة، ولا الجهادية. قالوا "الإسلامية".
لاحظ هنا ذات الخدعة المعلقة بسحب دلالات الإخبار الخطيرة عليهم. فهم لم يقولوا فعلنا، أو خطتنا أن نفعل، أو سنفعل في السعودية كذا. بل أورد الكاتب عميل جهاز الأمن عبارة مصنعة بعناية تصنيعا دقيقا للتهرب وهي:
"نحن باستطاعتنا أن نعرف كيف نضلل دول الخليج".
ثم أردفها بعبارة لا تتسق، وهذه خصيصة النسج الاحتيالي، أن التضليل الذي قد نعرفه سيكون "بإجراءات علنية". ما بالدس تحت تحت.
وإمعانا في التبريرية وفي التفسير يقول الكاتب "وخاصة ديل وراهم أمريكا وإسرائيل". ثم، إنهم "خايفين من علاقتنا مع إيران".
ثم لاحظ قول الفريق صديق عامر إنهم رغم اكتشافهم لتآمر السعودية ضد الإنقاذ قرروا أن لا يفعلوا أي شي ضدها. وهي رسالة موجهة للمملكة من داخل الاجتماع الأمني المفترض:
"... الإمارات والسعودية هم من دعموا ومولوا مظاهرات سبتمبر لإسقاط النظام ... ومن كلامهم [مع ضابطين] عرفنا هم دايرين انقلاب بقيادات إسلامية لصالح دول السعودية ..."
وهنا يأتي غصن الزيتون المجاني للسعودية:
"واتفقنا كلنا ما نعمل أي شيء تجاه المملكة ونعكر العلاقة طالما نحن مسيطرين على الوضع ..."
وهنا بالطبع نجد الكتابة الاحتيالية في أحد أشكالها الغريبة. فإذا كانت السعودية متورطة تريد إسقاط نظام الإنقاذ بانقلاب وبدعم المظاهرات وبضباطها للمخابرات، فلماذا هذا الكرم الحاتمي وهذا الحب والغفران تجاه المملكة؟ في اجتماع اللجنة الأمنية العسكرية المشتركة؟
أيضا هذا دليل إضافي على أن لا أحد غير الإنقاذ اصطنع هذه الوثيقة.
وواضحة لغة الاستجداء في الرسالة المرسلة بالوثيقة المصطنعة إلى المملكة العربية السعودية.
ثم لا ينس الكاتب عميل جهاز الأمن اغتنام الفرصة للهذيان والبوبار:
"وهم [ضباطنا المتحدثين مع المخابرات السعودية] قالوا ليهم انقلاب صعب لأن كل الموجود في الجيش والحركة الإسلامية غالبيتهم في الأمن الشعبي".
أيضا، لا أحد غير جهاز الأمن يمكن أن ينسج مثل هذا القول الذي يصب في مصلحة ناس الإنقاذ. ويرسل رسالة إلى الجبهة الثورية أن الإسلاميين يسيطرون على الجيش. لا تحلموا بانقلاب. أمشوا الدوحة، أمشوا أديس، وتعالوا بجاي.
ثم قال الفريق يحيى محمد خير، "نحن ما بنضحي بعلاقتنا مع الإسلاميين وإيران. وممكن علاقة معهم في كافة المجالات عبر المصالح المتبادلة في الاقتصاد والعمل".
وانظر بنية التبرير وتزيين المواقف:
"وحتى أمريكا تعاونا معهم في مكافحة الإرهاب مقابل إيقاف دعمهم للحركات المسلحة وعدم الوقوف [ضدنا] في المحافل الدولية".
أيضا لا أحد غير جهاز الأمن يمكن أن يكتب مثل هذه العبارات. لأن الوثيقة هنا تمسح ماضي الإنقاذ في التعاون مع السي آي إي. بالقول إن التعاون مع أمريكا كان لمكافحة الإرهاب. ونحن استفدنا.
ويستمر التهديد بإيران من قبل الفريق أول هاشم عبد الله المفترض رئيس هيئة الأركان المشتركة:
"أما المد الشيعي وأثره علينا كل اتفاقياتنا مع إيران ما فيه ربط بين هذا وذاك ولكن برضو نشاورهم وقبل هذا تطرقنا للموضوع في إيران مع قائد الحرس الجمهوري".
..
لقد أخطأ القراء بالتركيز على السعودية وعلى المراكز الثقافية بشأن مسألة إيران, ولم يقرأوا أن الوجود القوي لإيران في الوثيقة غرضه الأساس هو إرسال رسالة لمعارضي النظام من الشباب المفكرين في المظاهرات والجبهة الثورية أن إيران موجودة لهزيمتهم:
وقد جاء عبد الرحيم المفترض ليفصل أكثر وهي ذاتها إياك أعني واسمعي يا جارة يا جبهة ثورية:
"أبدأ من علاقتنا مع إيران علاقة استراتيجية وأبدية لا يمكن التفريط. كل التطور في الصناعة العسكرية من إيران وفتحوا لنا أبواب مخازن السلاح. لمن العرب وقفوا ضدنا .. وقدموا الخبراء ودربوا كوادر في العمل الأمني والاستخبارات وتصنيع السلاح والتكنولوجيا الحديثة وما زالوا موجودين كتيبة من الحرس الثوري وخبراء وببنوا في قواعد تنصت وتجسس لحمايتنا ومنظومة دفاع جوي. وبنوا قاعدة كنانة وبعنا منها لقطر لمساعدة ثوار ليبيا بعدما تعرضوا لهجمات من الطيران المصري والإمارات مما جعلهم ينتصروا.
فهذا الاستعراض بإيران وأن "كتيبة من الحرس الثوري" منها موجودة في السودان، وغير ذلك من ادعاءات كلها الغرض منها تهديد الجبهة الثورية. وهي لا يمكن أن تكون تهديدا للسعودية.
علما أنه لا يوجد ما يعيب الإنقاذ أنها تستعين بإيران. لكن الهذيان يعني أن الوثيقة مصطنعة. بغرض إرسال الرسالة إلى الخصوم عن استقواء الإنقاذ بإيران.
..
خلاصة،
فأخلص إلى ما كنت قدمت به هذا المقال. إن الوثيقة المصطنعة المسربة من قبل جهاز الأمن تخاطبكم، أنتم شباب المقاومة المدنيين، بالخيارات التالية:
(1) التهلكة الذاتية في المظاهرات غير المحمية بالسلاح
(2) الخنوع لنظام سلالة الإنقاذ
(3) الانضمام إلى عصابات الدعم السريع ومليشيا الجيش
(4) الانضمام إلى الجبهة الثورية.
وقدمَتْ إليكم الإنقاذ في وثيقتها التفاصيل المملة لكل واحد من الخيارات الثلاثة الأولى. لكنها سكتت عن الخيار الرابع. الوحيد الذي تخشاه الإنقاذ وترتعد أمامه. لأنها تدرك أن انضمام الشباب إلى الجبهة الثورية يعزز اللغة الوحيدة التي تفهمها الإنقاذ.لغة السودان الجديد، بلهجاتها المختلفة. لإسقاط نظام الإنقاذ. وتفكيك جميع مؤسسات السلالة. والإحلال المباشر مكانها لمؤسسات شابة تخضع للمراقبة الشعبية. في سودان ديمقراطي علماني. سودان يتغير باستمرار نحو عقلانية كان ينبغي أن تكون انزرعت فيه منذ خمسين سنة في أكتوبر 1964.
هكذا، في تقديري، يكون الفهم الصحيح للوثيقة المصطنعة المسربة.
عشاري أحمد محمود خليل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.