دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استيلا قايتانو: طاولة النفس الجنوبية .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 02 - 12 - 2009


[email protected]
-1-
هناك عبارة تأخذك منك وتتمنى لو كنت قائلها. ومرت بي في الأسبوع الماضي واحدة من هذه العبارات الجاذبة. وقائلها هو الكاتبة الناهضة استيلا قايتنو "أجراس الحرية 16 نوفمبر 2009). وجهت استيلا رسالة للشباب الجنوبي استفادت فنها من عبارة للكاتبة الأمريكية السوداء ذائعة الصيت: مايا انجلو. قالت مايا لشباب السود أن لا يسفوا عنفاً وخلقاً فهم أحفاد من لم ينكسروا بالرق الثقيل وقاتلوا عند حقوقهم المدنية بالظفر والناب. واحتذت استيلا بمايا وحثتهم ليفيقوا من "سكرة الحرية" وأن يستردوا أنفسهم من المغيبات من سكر ومخدرات وعصابات عنف. وسألتهم أن يواصلوا المسيرة من حيث وقف آباؤهم. فمن غير المعقول أن تكون "العصابة" هي أول ما يخطر على بالهم متى تمتعوا بحرية التنظيم والتعبير. وسألتهم أن يعوا بالمظالم لردها لا التهافت حيالها. ودعتهم أن ينوروا عقولهم ليحصلوا على تلك القوة التي أشبه بالسحر لتحويل الغضب والغبن والشفقة على النفس إلى التصالح مع الذات والآخرين والعزة فالاعتداد ب المفضي إلى التسامح.
استرعى انتباهي خاصة قولها للشباب إن هذا الوقفة مع الذات هي حرب أخرى من الأسئلة المقلقة ستقتضي الإجابة عليها نضالاً وجلوساً "مع النفس في طاولة مفاوضات جادة" حتى نصل إلى اتفاق سلام شامل مع أنفسنا قبل الآخرين. اعجبني هذا التشبيك المجازي بين اتفاق نيفاشا وبين اتفاق آخر ينتظر الجنوبيين عقده مع أنفسهم. وككل كاتب فاستيلا مهندسة نفس بشرية. فلا مهرب لها إذاً من استنفار "النفس اللوامة" للإصلاح والتجديد . فالسياسيون قاطبة، والعسكريون منهم خاصة، يظنون أن الحرب واضحة قواها "النحن" ضد "الهم" فتنتهي إلى مائدة مفاوضات مع الخصم فسلام. خلافاً لذلك نجد الكاتب شديد الاهتمام بالجهاد الأكبر: جهاد النفس. وأنا سعيد بأن هذا الجهاد هو ما أثمره تنامي الكتابات الجنوبية الإبداعية. فقد قرأت بصورة عابرة للكاتب المحترم تعبان ليليونق يقول لأهله كفوا ولو إلى حين عن تحميل شيطان الشماليين كل شيء. فهناك من مآزقنا ما قد يصح تحليله بغير حاجة إلى إبليس رجيم.
إن هذه الوقفة مع النفس هي ما لا ترغب أياً من قوانا السياسية والمهنية تجشمها من أجل أن نبلغ الغاية في النظر إلى محنتنا. ووقفت عن كثب على تعصبنا ضد تفتيش الذات في كتابي "هذيان مانوي" في الإنجليزية. فقد وجدت القضائية السودانية أهدرت فرص تطورها من "مصلحة القضائية" الاستعمارية للأهالي إلى هيئة للتقاضي لمواطنين في دولة مستقلة بتحميل النظم المتعاقبة وزر سوء حالها. فخرجت من الذنب خروج الشعرة من العجين. وقس على ذلك. كل منا يتدثر بجلباب خطايا الآخرين ضده. كلنا ضحايا آخرين. كل في براءته المتوهمة زعيم. ووصفت هذه الحالة السيكوباثية عند الحزب الشيوعي مرة بأنها أذهلته عن نفسه وجعلته "كولاج" من سيئات الآخرين وتعدياتهم.
لو أذن لي رفاقنا الجنوبيين، والوحدويون منهم خاصة، باقتراح أجندة لجلسة الطاولة مع النفس التي دعت لها استيلا لاقترحت عليهم ما يلي:
هل كان من الحكمة وضبط النفس تعيين يوم 18 أغسطس عيداً للمحاربين القدامى من قبل الحركة الشعبية بالنظر إلى "تمرد" الفرقة الجنوبية لقوات دفاع السودان في نفس التاريخ عام 1955؟ هل من الرصانة أو الرجولة أن يكون يوم المحاربين هو اليوم الذي لم يقتل فيه المحاربون جندياً واحداً بينما حصدوا عشرات المدنيين ممن جاءت بهم الخدمة الوطنية والمدنية للجنوب؟ هل كان تعيين ذلك اليوم المشئوم عيداً جنوبياً من آيات الوحدة الجاذبة؟ أليس في تراث التصالح جنوب الأفريقي مثلاً لمغافلة مثل هذه الأيام الجارحة في ذاكرة الأمة واستثمارها كرموز للوحدة؟
-2-
استحسنت كلمة قالتها الكاتبة المميزة استيلا قايتانو (أجراس الحرية 16 نوفمبر 2009) قالت فيها لشباب الجنوب أن "يفيقوا" من "سكرة الحرية" من مغيبات للعقل والإرادة إلى ممارسة مثلى للحرية تبدأ بجلوس "مع النفس في طاولة مفاوضات جادة". وقلت إن ما تطلبه استيلا من شبابها هو جهاد أكبر تحاشته صفوات السودانيين قاطبة واستسهلوا أبلسة الآخر. وتطوعت منذ الأمس باقتراح أجندة لهذه الجلسة الجنوبية مع النفس عامة. وأواصل اليوم.
نريد للصفوة الجنوبية أن تتأمل سوء ظنها بالنظم الديمقراطية التي تكبدت القوي الوطنية والديمقراطية كثيراً لتنزيلها في البلد: في 1965 و1964 و1985. وهذه النظم بالطبع لم تصمد أمام حرب التحرير القومية الجنوبية. وقدمت بذلك مسوغات للمغامرين في الجيش والمجتمع لفرض نظم مستبدة باهظة. وهي ذات النظم التي تصالحت معها الصفوة الجنوبية في 1972 و2005 مصالحة جعلت من القوى السياسية الشمالية كومبارساً في أفضل الأحوال. وزاد الطين بلة طعن الصفوة الجنوبية في الشماليين بغير فرز متى نقضت هذه الطغم العسكرية لعهودها معها. فمما أزهد كثير من الشماليين في مستقبل لتحالف الوطني الشمالي الجنوبي أن الصفوة الجنوبية تحاسبنا بما فعل الطغاة منا. وهذا ما يسميه الخواجات "no-win situation " (ميتة وخراب ديار). وودت لو استصحبت القوى الجنوبية تقدير الدكتور جاي توت السمح عن فضل الديمقراطية على الطغيان في كتابه عن "تمرد" الفرقة الإستوائية (2008).
وأريد للصفوة الجنوبية أن تستصحب معها في جهادها الأكبر، جهاد النفس، مفهوماً ذائعاً في علم الاجتماع هو ال "agency" والمراد منه أنه ليس من أحد هو مجرد ضحية للآخر. فالضحية هو أيضاً لاعب رئيسي في كونه ضحية. فهو ضحية نفسه كذلك. فقد أكثرت الصفوة من تحميل الرئيس نميري وزر الردة عن أديس ابابا 1972. وسنتجاوز هنا خيبة الصفوة في مستبد وثقت به سوى القول بالمثل: "حفر إيدك وغرَّق لك". ونقول باختصار وددت لو قرأت كتاب دوقلاس جونسون "حروب السودان الأهلية" ووقفوا عند قوله إن نميري كان سيرعى بقيده لو لم تفتح قوى جنوبية مؤثرة شهيته لخرق العهد. وهو ما قاله السيد بونا ملوال في كتاب صغير له. قال لقد أطمعنا نميري فينا بالصمت على خروقه الصغيرة حتى كبرت وأوجعت.
وودت أيضاً لو أعادت الصفوة تقويم مؤتمر جوبا 1947. فهو عندها أي كلام خدع فيه القاضي الشنقيطي أو مستر جيمس روبرتسون الجنوبيين وجعلهم يبصمون على وحدة البلد بغير أرادة منهم. وهذا كلام عيب في حق رجال مثل كلمنت امبورو. بل احتج السيد استانسلاوس عبد الله بياساما على شبهة استعباطهم في جوبا. ولقد كتبت من قبل أنعي على صفوة الجنوب كآبة استشهاداتهم من محضر المؤتمر للقول بأن المؤتمركان الخدعة الكبرى.
الجلوس إلى طاولة النفس عسير على النفس. ولكنه مما نحتاجه جميعاً قبل أن نقدم على تقرير المصير. ولا اقول ذلك مرعوباً باحتمال الانفصال. فحق تقرير المصير حرية تواثقنا عندها كثيراً ونحن في حالة يقظة فلا داعي ل "خرخرة". يكفي في بيان عسر هذه الجلسة مع النفس أن زميلنا جيمس ماكور دينق (الصحافة 20 نوفمبر) حمل علي السيد الطيب مصطفي لإنفصاليته كردة عن نيفاشا ونسي أن الانفصال كاد أن يكون سياسية الحركة الشعبية المقررة. ضرب مثلاً ونسي نفسه. ذلك من صدأ النفوس الحائل دون جلستها إلى نفسها بروقة.
جاءت حوبة الوحدويين الجنوبيين في هذا المنعطف في مسير بلدنا. وسنحاسبهم بكلمة غراء للأستاذ عثمان ميرغني: هل حاولتم كل الممكن وبعض المستحيل لوحدة الوطن أم أدمنتم اللوم والتلاوم.
-3-
من بين العبارات الرشيقة التي استهوتني كلمة وجهتها الكاتبة المميزة استيلا قايتانو إلى الشباب الجنوبي بأن يهجر الرجس ويجلس إلى طاولة مفاوضات مع النفس ليتصالح معها. وقد مططت العبارة لتشمل مثل هذه الدعوة إلى طاولة النفس الجنوبيين عامة والوحدويين منهم خاصة. فحجة الأخيرين أنهم سيرجحون خيار الانفصال متى لم تكن الوحدة جاذبة مقلق. بدأوا بالحجة ككرت مساومة أو ابتزاز ثم أخذها منهم الانفصاليون وعاروا بها. ووقع الفأس فوق الرأس ونحن على بعد عامين من الاستفتاء. ويؤسفني أن انقل للوحدويين نبأ مؤسفاً: لن تكون الوحدة جاذبة طالما كان شريككم فيها المؤتمر الوطني. Period . فأنتم مثل عربان البطانة لن تلبسوا ثوباً عشارياً طالما كان ود هبروك هو تاجركم بالقضارف.
الوحدة قضية مبدئية. فالوحدوي يعض علي الوحدة ليست لأنها جاذبة. الوحدة ليست إغواء. جاذبية الوحدة في أنها حقل للحرية والإمكان والطلاقة لا يقاس حصاده بعطايا المؤتمر الوطني ومكرماته. إنها بالأحرى جهاد ضده لينشأ وطن أوسع من سقوفه وخياله وهمته. والانفصال ليس خياراً للوحدوي لأنه استسلام للبغضاء على الضفتين وقبول من الغنيمة بالإياب. ويتكهن الناس عما سيحدث للجنوب أو الشمال بعد الانفصال. وتجري على لسانهم سيناريوهات الويل والثبور. وأقول لكم: لن يحدث شيء للجنوب أو الشمال بعد الانفصال. فلا شيء يحدث للخائبين.
بدا لي أن الوحدويين الجنوبيين قد رفعوا أيديهم عن الوحدة منذ النصف الثاني من الثمانينات. وهي الفترة التي تفتحت فيها الشهية الأمريكية لجهاد الحركة الشعبية. وترافق ذلك مع تنصل الحركة عن أطروحتها من أن الجذر في مسألة السودان (لا الجنوب وحده) هو النمو غير المتساوي الاستعماري الذي عمقته طبقة برجوازية عربسلامية خلفت الأنجليز. واستبدلت هذه الإطروحة، التي جمعتها بغالب الوحدويين الشماليين، بالإلحاح على أن الخلاف عرقي بين عرب مسلمين وأفارقة مسيحيين و"وثنيين". وجرى تكرير هذه الظلامة عبر المصافي الأمريكية طويلة الباع في الكيد العرقي. وضاع على الوحدويين الجنوبيين الدرب في ماء ثقافة العرق الأمريكية العتيقة ولم يجدوه بعد.
ووجدت تلك الماكينة ضالتها بخبر تجدد الرق السوداني في 1987. فاشتغلت بنشاط في ترويجه. ولم يجد نصح الناصحين للتقدميين الجنوبيين من إن قضيتهم ليست الرق. فكتب ألكس دي وال في مجلة "اليسار الجديد" قائلاً إن الحركة الشعبية لن تكسب من جعل مسألة الرق (حقاً أو وهماً) الأصل في قضيتها. فممارسة الرق المرصودة آنذاك، في رأي دي وال، لا تعدو أن تكون مظهراً من مظاهر صدأ أو تصدع الريف ( rural decay) . وحذر الحركة من أن تحلب من الشطر الأمريكي العرقي الجاهز. فإن فعلت ضاعت منها أجندتها في زحام أجندة منظمات أخرى أخذت موضوعة رق العرب لمأرب خاص وطارت بها فرحاً (ran with it).
ولا أعرف مادة أقتل للعلائق بين الناس مثل الرق. فذاكرة الرق أو خبره (متى استخدم بغير حكمة) يقطع حبل الألفة "جت". وقد عشت في الولايات المتحدة ورأيت ذاكرة الرق ما تزال تكتنف كل شيء. يكفي أن تدخل كافتيريا جامعية لترى السود في ناحية منها والبيض في ناحية دائماً. ولم اخف هذا البؤس من طلابي وقلت لهم لقد من الله عليكم
بالمتع جمعاء إلا متعة الولف. وقد حرمكم بذلك من نعماء كبيرة. فبالنظر إلى ما رأيت في أمريكا خشيت دائماً من أن تسمم ذاكرة الرق "الولف" عندنا. ويتحمل الوحدويون الجنوبيون أكبر الوزر في حلب هذه الذاكرة لغايات قصيرة المدى.
-4-
ذكرت أمس ذاكرة الرق السوداني واحتمالات تفرق البلد. وهذه كلمة قديمة عن الموضوع نشرتها بعد اتفاق نيفاشا 2005)
في من علائم الحكمة إن اردنا سلاماً يبقي في الوطن أن نصطحب خطة الترتيبات الأمنية العسكرية بخطة للترتيبات الأمنية الثقافية. فقد وقعت أعنف وأدمي معارك الحرب الأهلية في ساحة الثقافة. فبينما سيتوقف رتل الضحايا متي ما نفذت الترتيبات الأمنية فإن ضحايا الحرب الثقافية سيستمر تساقطهم لأنها الحرب الدائمة. فقد انطوت صفحة الحرب الأهلية الأمريكية منذ قرن ونصف ولكن ثقافة الرق، التي أضرمت تلك الحرب، ما تزال تؤذي الأمة في خيالها وأمنها حتي صاح السيد رودني كينق: "الأ يمكن أن نعيش معاً أبداً" بعد حوداث جنوب غربي لوس انجلس التي ثار فيها الأمريكيون السود ثورة عارمة لعنصرية الشرطة وعنفها بحق كينق في 1991. وفي الأيام القليلة الماضية استنكر السود وجود تمثال لرئيس دولة الجنوب الأمريكي خلال الحرب الأهلية في بهو حكومي في ولاية كنتكي. ناهيك عما يثيره علم تلك الدولة المهزومة الذي يرفرف ما زال في جيوب من الجنوب.
عنت لي هذه الأفكار وانا اقلب كتاب ""هروب من الرق" للسيد فرانسيس بوك الجنوبي السوداني. وقد صدر هذا الأيام عن دار سنت مارتن للنشر المشهورة. وقد حكي فيه كيف هرب من الاسترقاق في فيافي دارفور الي بر السلام في امريكا. وقد ظل بوك منذ قدومه الي امريكا في 1999 ريحانة لوبي محاربة الرق هنا. فقد شهد عن الرق السوداني في كل موقع وأمام كل جمهرة والتقي بكل رقم سياسي هنا وكان من شهود توقيع سلام السودان في صحبة الرئيس بوش.
وحكي في الكتاب قصته عن كيف اختطفه المراحيل البقارة من سوق نيامل علي جهة أويل سنة 1986 بعد مذبحة دموية وضع وصفها الذي تقشعر له النفس علي الغلاف الخلفي للكتاب. وكان وقتها ابن سبعة. وخلال ترحيله بين اطفال آخرين الي الشمال بكت أحدي الصغيرات المختطفات فأسكتها المراحيلي بطلقة في رأسها ورماها كشوال فارغ. وحين بكت اختها ولولت قطح المراحيلي رجلها من فخذها. ولما اقتسم المراحيل الرقيق كان بوك من نصيب جمعة عبدالله من قرية كيرو قريب من مدينة مطاري أو متاري ومن جماعة تسمي والتيقي وله ابن اسمه حامد وبنت اسمها حواء. وما وصل الدار حتي اجتمع حوله الأطفال وضربوه و"غنوا له" : "عبد عبد عبد" التي لم يكن قد فهم معناها بعد. وقدموا له طعاماً عافه الذباب. ثم رَعّوه الغنم فالبقر فالجمال. وتدريجياً وثق فيه جمعة لا حباً فيه وانما شفقة علي بهائمه التي احسن بوك رعايتها. وقال بوك إن حب جمعة لماله هي نقطة ضعفه وسبب تحالفه معه. وهرب بوك مرتين وأخفق وذاق الأمرين. ونجح في الهرب الأخير في عام 1996 من بلوغ الضعين بحماية سائق لوري اسمه عبده وزوجته. وقد أركبوه البص الي الخرطوم ليقيم في جبرونا بأمدرمان ثم القاهرة فالولايات المتحدة.
هذه ثقافة الحرب صدقت دعوة الرق أم كذبت. وكل الدلائل تشير الي أنها لم تسلم من مبالغة مقصودة في أكثر الأحيان. وما فاقم منها الا طناش الحكومات عنها ظناً أنها ستتبخر من تلقاء نفسها. ومهما يكن فلم تشكل هذه الثقافة صورة السودان الآئل الي السلام عند العالمين فحسب بل شكلت صورة جزء من الأمة لجزئها الآخر من جنوبيين (وشماليين بالكوم) الذي سيقرر بعد الفترة الانتقاليه إن كان سيبقي في الوطن أم ينصرف الي حال سبيل. وسيعتمد مصير السودان الواحد علي ما نقوم به من عقد ترتيبات أمنية ثقافية تراجع الحرب التي دارت في تلك الجبهة بعلم ومنهج وواقعية.
-5-
"هذه كلمة من أرشيفي لنموذج من الجنوب صبر على وعثاء السف في طريق الوحدة"
لم أكف عن القول بأن السودان بلد محروس. فقد ظللنا نعيد التفاوض حول الأمة التي ورثتها الصفوة البرجوازية الشمالية عن الاستعمار بقوة وبالقوة. وربما كنا قللنا الخسائر المؤسفة في الأنفس والثمرات لو كان بيننا قادة في مقاس الأمة لا في مقاس القبائل والطوائف. ومن أقرب قادتنا الي قامة الأمة مولانا ابل ألير. وقد سبق ان اشدت به لصبره علي الأذي في سبيل الوطن. ولا أقصد أذي السجن أو التشريد أو حتي الاستشهاد. فقد اصبح هذا فينا مشهوراً بغير نتيجة. صبر مولانا هو صبر علي الوحشة عن الجماعة. فقد حكي في كتابه كيف أنه خلال محادثات اديس أبابا في 1972 تحاشاه فريق الحكومة (التي هو وزير فيها وعضو وفدها) ووفد الأنيانيا (التي هي حركة قومه). فقد تركوه قائماً واجتمعوا من وراء ظهره لمناقشة الترتيبات الأمنية. فلم يقلب مولانا عاليها سافلها، ولم يهرع الي قبيلة تأويه يحملها ما لاطاقة لها به من اوجاعه الخاصة.. وقبل بهدوء دينكاوي أنه زائد عن الحاجة في بعض المواقف.
والصبر علي مثل هذا النقص هو الذي يبني الأمة. فلا السجن يبنيها ولا السجان ولا حتي الاستشهاد. فكل هذه النواقص الفاجعة قد تكون في عاقبة ألأمر ثأراً لعقيدة او زينة لحزب. أما الصبر علي الوحشة مثل التي عاناها مولانا فهي التي تبرأ بها جراح الوطن. وقد تابعت حركة مولانا الماكوكية الأخيرة التي انتهت به الي مخاطبة اجتماع ما للمؤتمر الوطني بشأن تطورات السلام. وما المؤتمر الوطني مما يدخله الآنسان الا مجبوراً. فمولانا يحمل رسالته الي الناس حتي ولو انجحروا لأنه يثق مثل العرب أن "الحق ما كتل قالو العرب خلاع". فمولانا يخلع بالحق.
وكنت افكر في هذا الأمر طوال ما كنت أقرأ سيرة المرحوم أحمد خير. وقد أخذ كتاب احمد خير"كفاح جيل" بمجامع قلوبنا نحن ناشئة الستينات خلال تعرفنا علي إرث السلف. ولم يكن هناك بين كتبهم القليلة ما يعدل "كفاح جيل" وقد قرأناه والمرحوم وزيراً في دولة عبود التي ناصبناها العداء. وتساءلنا بالطبع كيف قبل هذا الرجل النير المثقف الرائد أن يضع نفسه حيث لم يرد لنا يوم كتب كتابه. وبعد قراءات في سياسة وثقافة ومكر الصفوة البرجوازية من طلائع المتعلمين استنبطت أنه ربما لم يحتمل وحشة الخذلان. فقد كان أحمد ضحية باكرة للحركة الاتحادية. فلم تشفع له سابقته في الحركة الوطنية باختراعه فكرة مؤتمر الخريجين نفسها عند الاتحاديين حين وسوس لهم شيطان الخلاف. فهم لم يتجاوزا خلافهم الحزبي معه الي توقير هذا الأب المميز من آباء الاستقلال. ولم يتذكروه في قسمة السلطة الأولي. وربما اضطغن المرحوم شيئاً في نفسه, وبدلاً من الاعتصام بحبل الوحشة سارع الي دعوة عبود وأصبح وزيراً للخارجية في دولته حتي أصبح صبحها.
ومن أجمل ما سمعت في تعريف الوحشة كلمة للمثل اسبنسر تريسي الذي لعب دور محام في فيلم قديم. وقف تريسي يدافع عن مدرس متهم بتدريس الداروينية "البغيضة" في الجنوب الأمريكي في الثلاثنيات. وشعر تريسي بأن المدرس الشاب متلجلج ولا يعرف هل يصر علي حقه الدستوري كمعلم او أن ينحني لعاصفة العوام العصبجية. فالتفت تريسي للشاب قائلاً: "سيطوقونك بوحشة هنا حتي تسمع صرير نعالك علي الأسفلت. والحل للخروج من عزلتك أسهل مما تتصور. قل لهم أنني آسف علي فعلتي. وستنفتح نوافذ المدينة ويسقط النور والضجيج علي أسفلت الشارع. وستنعم بالصحبة."
-6-
"هذه الكلمة من أرشيف "ومع ذلك" تجيء في سياق دعوتي للوحدويين الجنوبيين ل"الجلوس على طاولة النفس اللوامة" عرفاناً بمساهمة وحدويين شماليين نحو سودان جديد. ثم فيه بيان بالعمل لاستباق الجامعة إلى إلفة الوطن بالبحث لا تداركها بغيره. وهي عبارتي قلتها في الجمع الذي دعانا له السيد مدير جامعة الخرطوم لتدارس مبادرتهم القائمة للسلام في الوطن".
ليسمح لي وفد الحركة الشعبية الذي ينوي زيارة الخرطوم في أعقاب اتفاق السلام 2005 بهذا التطفل. فإنني اقترح عليه أن يغشي معهد الدراسات الأفريقية بجامعة الخرطوم. فلربما كان المعهد هو المحل الوحيد الذي سيعرض للشك عقيدتهم في أن السودان القديم محض عربسلامية. فأخطأ ما يقع فيه هؤلاء هو اعتقال الشمالي أبدياً في عروبته وإسلامه اللذين اكتملتا علي مشارف القرن الخامس عشر. إن توقيف التاريخ في ذلك الزمن البعيد يجب ما بعده وكأن التركية بحداثتها لم تقع، أو كأن المهدية تكرار بسيط للإسلام، وكأن الانجليز بمدنهم وغردونهم لم يأتوا، وكأن الفكرة الوطنية والماركسية مجرد لغو. فالسوداني الشمالي هو نتاج هذه المؤثرات وغيرها وقد تجمرت هويته في لهبها أو احترقت. واضرب لذلك مثلاً. فقد كنت اتسامر مع الدكتورين يوسف فضل واحمد عبدالرحيم نصر من أسرة المعهد حين إكتشفنا أن والد كل منا كان ناظر محطة بالسكة الحديد. وكانت السكة الحديد هي البيئة المدينية المثلي لنزع المرء من محيطه الضيق في القري الي عوالم لا تبلغها إلا السكة الحديد
وددت لو التقي وفد الحركة بالدكتور الأمين ابو منقه، مدير المعهد، ليطلعهم علي مشروعات ثلاث هي المسح اللغوي، ومشروع مسح الموسيقي التقليدية، ومشروع جمع الفلكلور السوداني وسلسلة دراسات في التراث الشعبي الملحقة به.وسأقصر حديثي علي المشروع الأخير لإرتباطي السابق واللاحق به. وسيجد الوفد أن المعهد لم يفرق بين تراث السودان فبلغه ما استطاع وعَارَف بين السودانيين شعوباً وقبائلا. وكان ذلك كله طباعة برونيو الشيوعيين والجمهوريين السمح. فقد أحصيت ما لا يقل عن عشرين إصدارة عن تراث جماعات سودانية مختلفة ناهيك عن تلك التي جمعنا أدبها الشعبي ولم ننجح في نشره لفقر ذات يد المعهد. فقد صدرت كتب في تراث الرباطاب والحمر والمحس والقريات والمسبعات والفور والبجا والمناصير والمسيرية الزرق والحمران والرشايدة والشكرية والنوبة. وكان المعهد يستأجر طلاباً من هذه الجماعات في العطلات الصيفية أو يسعي لتفريغ باحثين عصاميين من مصالحهم الحكومية ويسند لهم جمع آثار أهلهم. وقد جري تفريغ السيد سيد محمد عبدالله لجمع تراث المحس والسيد محمد هارون كافي لجمع تراث النوبة.
ومتي زار الوفد المعهد وددت لو تحدثوا الي الدكتور فرح عيسي محمد، سادن هذا النشاط المبروك منذ الستينات، ووقفوا علي متاعبه الحالية في نشر ما تجمع لديه من تراث الجنوب وغيره. فقد حضرت اجتماعاً مع زملائي في العام الماضي وقفنا فيه علي كيف حال ضيق ذات اليد من إصدار كتب جاهزة لتراث الشلك والنوبة غلفان والحلفاويين والمراريت والباري والمساليت والجوامعة.
سيدعو الناس وفد الحركة ليلقوا بأحاديث كثيرة في الخرطوم. ودعوتي لهم بزيارة المعهد هي للتصنت الجميل. فقد أجاد مثقفو الهامش الشكوى عن إهمال تراث جماعاتهم. وسيرون في المعهد دلائل أنه لم يهمل طالما كانت جهاتهم آمنة للبحث وبيد الباحثين الموارد والعدة. ومع إحسان مثقفي الهامش الشكوي لضيعة تراثهم لم أر منهم همة في إحيائه ما استطاعوا. فقد تلاشي معهد الدراسات النوبية في القاهرة ولم تقم لمركز دارفور للأبحاث قائمة. ولم أسمع عن الحركة الشعبية عناية مذكورة بتراث شعوبها في السودان الجديد.
-7-
دعاني النادي العربي بجامعة إنديانا لالقاء محاضرة عن السودان عام 1987. واخترت لها عنوان" مأزق عرب الهامش". ولما علم زميل جنوبي بأمر المحاضرة طلب مني ألا أرمي الجنوبيين بما يرميهم به الشماليون عادة في المحافل العربية. ولم أفعل، والله. ومرت الأيام والتقيت بالزميل الجنوبي في محفل كنسي. ولما بدأ الناس تعريف أنفسهم قال إنه ممن اضطرهم إضطهاد الشماليين الديني الي الهجرة الي أمريكا. وكذبها في محله. فقد كان الرجل وزيراً اقليمياً في الجنوب علي عهد نميري وجاء في بعثة دراسية عادية.
يبدو أننا "نخبز" في بعض منذ حين. وننقل لحلفائنا عن بعضنا صورة سلبية. وقد تولي الدكتور منصور خالد مهمة محو الصورة السلبية الجنوبية في "المخيلة العربية". وأنا أقرأ كتابه حالياً حتي أقف علي توفيقه برغم سوء ظني الأساسي في ذمته كمثقف. والعرب مهما قلنا قوة لا وزن لحزازاتها في العالم. مساكين تو. ولكن الولايات المتحدة، التي اعطت أذنها للحركة الشعبية، هي التي لعلمها أوحزازاتها شوكة في العالم لأنها صاحبة الميكرفون الأجهر. وقد كنت أقلب كتاباً أمريكياً عن أعلام الدول ورموزها. ووقفت عند علم بلادنا الحبيب. فصّل الكتاب في دلالة ألوانه التي زعم أنها منقولة عن مصر. ووصف الألوان بانها من محمولات القومية العربية وترمز للأسر الأربع الحاكمة في الإسلام. فالأحمر هو رمز الهاشميين، والأبيض هو رمز الأمويين، والأسود هو رمز العباسيين، والأخضر هو رمز الفاطميين. وقال الكتاب إنه يمكن أن يكون للألوان دلالات اخري. فالأحمر قد يرمز لدم الأبطال العرب، والأبيض لطهارة العقيدة الإسلامية والمقاصد العربية، والأسود للمصير الذي ينتظر أعداء الاسلام أو "الجاهلية السوداء" التي سبقت مشرق الإسلام. أما الأخضر فهو للإسلام نفسه وهو اللون المفضل للنبي عليه افضل السلام. والصلاة علي خير الأنام من عندياتي بالطبع. وهذا ميكرفون أمريكي حدادي مدادي. ويستغرب المرء كيف اصبحت دلالات علم بلد ما موضوعاً للإجتهاد بغض النظر عن الالتواء المغرض بدلالات الألوان. فرموز أعلام البلدان جزء من سيادتها ومعانيها مقررة سلفاً لا تقبل الترجيح.
في قبايل السلام الموعود يتداعي الناس الي إنجاز مهام تزيل وعثاء الحرب والضغينة. فقد اسعدني اتفاق الحكومة والحركة علي خطة لإزالة الالغام التي تتربص بالناس في مساحة شاسعة من البلد. وقياساً علي هذا وجبت المبادرة بما يؤمن ثقافة السلام. وذلك بتعقب صور القبح المتبادل عن الشمال والجنوب التي زرعناها في العالمين طلباً للنصرة في الحرب الأهلية. والثقافة عندنا من المناطق المهمشة أوالمعمشة. فقد اعجبتني صراحة السيد باقان أموم الذي قال أن الحركة لم تنم خلال جهادها مؤسسة ثقافية معلومة. اما الحكومة فقد "جاطت" هذه الساحة وتحول معهد دراساتها الإستراتيجية الي . . . أي حاجة.
ليست الدعوة الي إزالة وعثاء الحرب ثقافياً هي إنتهاز لمناخ السلام لنقول لمن نقلنا لهم عننا الأخبار السئية أننا قد "بالغنا والله" ونحن الأن عسل علي لبن أنا وأخوي ملوال. فهذه قدود اتسع خرقها علي الراقع. ما بوسعنا عمله هنا أن نقف معاً كسودانيين علي نظام العالم الذي هرولنا نبثه ظلاماتنا من بعضنا البعض. وهو نظام له أجهزة استقبال تلتقط شكواك ثم تترجمها بما يتفق مع تاريخ ثقافة المشكو اليه. ثم تنظر الي شكواك الأولي فتجدها تحورت بما يناسب إدراك من شكوت له. وقد تنكر شكواك من فرط ما تغيرت لتناسب قوماً آخرين. وسنري غداً كيف نتعلم من استخلاص مأزقنا العنصري من المأزق العنصري الأمريكي الذي التحم به لعقد من الزمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.