بسم الله الرحمن الرحيم العمالة الوافدة أدرك المستعمر الإنجليزي بعد افتتاح مشروع الجزيرة الحاجة الماسة إلى الأيدي العاملة الرخيصة لتشغيل المشروع بالشكل المطلوب فسمح باستخدام الأجانب الأفارقة الوافدين للسودان لسد الحاجة في المراحل الزراعية المختلفة. إن الآثار السلبية لوجود العمالة الأجنبية في السودان تؤدي إلى زيادة الضغط على السلع والخدمات؛ حيث تحصل العمالة الأجنبية ممن معهم من أسرهم على خدمات الصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من قبل الدولة، وهو الأمر الذي يساهم في ارتفاع العجز في الموازين العامة لميزانية الدولة والحد من قدرتها على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، إلى جانب إعاقة برامج تنمية الموارد البشرية في ظل تزايد أعداد العمالة الأجنبية وإغراق الأسواق السودانية من هذه العمالة التي تقبل العمل بأجور متدنية، وهو الأمر الذي يحد من تشغيل المواطنين ويحرمهم من فرص تطوير قدراتهم ومهاراتهم العملية وعدم الاهتمام بالتدريب والتعليم وإعادة التأهيل. لقد كانت فلسفة استقدام العمالة الوافدة تتلخص في استخدام عوائد الصادرات النفطية في إرساء البني التحتية اللازمة لتحقيق الخطط التنموية، بيد أن هذا الوضع قد يسهم في تحول بعض الاختلالات المؤقتة إلى وضع دائم يقود إلى استمرار حالة الاختلال هذه، في حالة الاعتماد شبه الكلي على تلك العمالة. تحولت العمالة الوافدة إلى ظاهرة في السودان، رغم ما تشهده البلاد من تدن معيشي، وبطالة مرتفعة، وفقر يعانيه الكثير من السودانيين. هنالك العديد من الأسباب التي أدت إلى زيادة العمالة الوافدة، من بين أهمها تجنب السودانيون العمل في عدد من المهن لأسباب اجتماعية، وقلة أجور العمل حيث تتركز معظم العمالة الوافدة خصوصا الأسيوية منها في قطاع الخدمات، ومنها قطاع المقاولات والبناء والتشييد وأعمال النظافة والتجارة والمطاعم والفنادق والمواقع السياحية ومنشأت القطاع الخاص. وتتصف هذه العمالة بعدة خصائص تجعلها مقبولة لدى عدد كبير من أصحاب الشركات ورجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص، كتدني المستوى التعليمي والثقافي مما يجعل الوافدين لا يطلبون أجورا مرتفعة ويقبلون العمل في ظروف لا يستطيع المواطن السوداني تحملها أو القبول بأجور زهيدة كالتي تمنح للوافدين. يعود تاريخ العمالة الأجنبية في السودان إلى هجرات قديمة استمرت بشكل متزايد أحيانا ومتناقصا أحيانا أخري كانت معظمها من دول أفريقية وعربية. وكان حجاج بيت الله الحرام من مناطق غرب أفريقيا ، خاصة من نيجريا، يجدون في السودان موطنا جديدا لهم. مصادر ونوعية العمالة الوافدة: إن العمالة الوافدة الموجودة في السودان من قارات العالم كلها على وجه التقريب وتشكل قارة آسيا نسبة 45,4% من جملة العمالة الوافدة الشرعية حيث يبلغ تعداد الآسيويين 16.274 ويتمركزون في القطاعات الحيوية مثل (البترول، الكهرباء، الطرق، الجسور، السدود) وتحتل الصين المرتبة الأولي بنسبة 51% من إجمالي عدد الآسيويين بالسودان. وهنالك عمالة من باكستان والهند وبنجلادش والفلبين، وأغلب عمالة هذه الجنسيات يعملون في القطاع الصناعي، كالسكر والصناعات الغذائية والمهن اليدوية التي تتطلب مهارة عالية في مجالات البناء والتشييد والنسيج والمجالات الطبية كالمستشفيات ومهن مختلفة كخدم منازل ومربيات، وللسودان عمالة من دول آسيوية عربية مثل لبنان وسوريا. العمالة الأفريقية ومعظمها من مصر، أثيوبيا، إرتريا، النيجر، الصومال، ونيجيريا وعدد العمال الأفارقة في السودان حوالي 11.869 عاملاً، ويعمل هؤلاء في الزراعة والتدريس والبناء والتشييد، والمطاعم وقيادة الشاحنات والحلاقة والخدمة في المنازل والمهن الهامشية. وذلك لعدة أسباب، منها تدني مستوى أجر العامل الآسيوي والأفريقي مقارنة بغيره، كما أن فرص العمل البديلة وأجورها للعامل الآسيوي والأفريقي في بلدانهم أقل إغراء. العمالة الأوربية أرتفع عددها من 5.785 عاملاً في 2001م إلي 6.670 عاملاً في 2004م ومعظمهم من تركيا وبريطانيا ويعمل هؤلاء في مجالات النقل والمطاعم والمخابز والكافيتريات والمهن الحرفية الماهرة كالبناء والتشطيب والديكور وصناعات الألمونيوم والأخشاب. الوافدون من أمريكا الشمالية والجنوبية يعملون في المنظمات الدولية والإغاثية ويعملون أيضاً كخبراء في المجالات الحيوية بالبلاد. نجمت مجموعة من الآثار السلبية بالغة الخطورة عن هذه الأوضاع نتيجة بروز ظاهرة البطالة بين المواطنين السودانيين، فضلاً عن الآثار الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية السلبية الأخرى. وإن كان هذا الواقع لا ينكر على هذه العمالة إسهامها المباشر في تنفيذ خطط التنمية والتطوير وفي التوسع الضخم للنشاط الاقتصادي للبلاد، في الوقت الذي كان يصعب على التركيبة السكانية المحلية أن تستجيب لكل احتياجات التنمية المختلفة خاصة الصناعية. غير أن خطورة الآثار السلبية على كافة الأصعدة، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية، الناجمة عن تفاقم هذه الظاهرة، دفع بنا إلى إعادة النظر في هذه المشكلة واتخاذ السبل الكفيلة بمواجهتها وذلك من خلال مجموعة من الأساليب والآليات مثل تفعيل سياسات إحلال العمالة الوطنية محل الوافدة أو ما يعرف باسم "توطين الوظائف" والحد من استقدام العمالة الوافدة وملاحقة غير المشروعة منها وتقنين أوضاعها، بما يساهم في وضع حل جزئي للمشكلة التي تتطلب العديد من الجهود لمعالجتها بشكل جذري في ضوء استمرار حالة عدم الاستقرار في سوق العمل وتزايد ظاهرة البطالة واتخاذها أبعادًا جديدة مما يستلزم إعادة هيكلة الاقتصاد على نحو يتيح الفرص ويهيئ الظروف لأبناء هذا الوطن للعمل في القطاعين العام والخاص. كما أشرنا سلفا إلى أن استقدام العمالة الوافدة إلى السودان بصفة خاصة ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعملية النهضة التنموية التي بدأت في التسيعينيات، وأصبح وجودها متلازمًا مع استمرار عملية التنمية المستدامة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية. أن استقدام العمال الآسيويين بشكل خاص في مختلف المهن بما في ذلك المهن المنزلية والشخصية يعتبر أسرع وأسهل بالمقارنة بالوافدين من مناطق أخري، فضلاً عن وجود وكالات للتشغيل في الدول الآسيوية المرسلة للعمالة، كالهند وباكستان وماليزيا وبنغلاديش. من بين الأسباب وراء تدفق العمالة الوافدة: انخفاض مساهمة العناصر الوطنية في المهارات المهنية و الحرفية (لأسباب اجتماعية) مما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على العمالة المستوردة. التزايد الكبير في الطلب على العمل نتيجة لتدفق النفط بصورة تعجز عنها قوى العرض عن مقابلة الطلب في بعض الوظائف والمهن، حيث أن تغيرات الطلب تأخذ فترة أقصر من تغيرات العرض التغير الكبير في نوعية المهارات المطلوبة في سوق العمل نتيجة للتغيرات السريعة في الأهداف الاقتصادية تدني مستوي أجور العمالة الوافدة وقبولها بظروف عمل متدنية سهولة الاستقدام من قبل الدول المرسلة لوجود وكالات تشغيل في بعض الدول. هجرة الكفاءات السودانية للعمل في الخارج. آثار العمالة الوافدة والوجود الأجنبي إن طبيعة العمالة التي يستقبلها ويستضيفها السودان هي مؤقتة وليست مهاجرة، حيث أنها لا تترك دولها بغرض الهجرة والاستقرار في الدولة، وإنما تأتي بعقود عمل مؤقتة لأداء مهام وأعمال محددة تعود بعد انتهائها إلى أوطانها وفق آليات وإجراءات تتم طبقاً للأنظمة المرعية في الدول المرسلة والمستقبلة للعمالة، ولهذه الصيغة تأثيرات وانعكاسات ايجابية مثمرة على اقتصاديات كل من الجانبين، وهذا التعريف تم التصديق عليه من قبل منظمة الهجرة الدولية. لا شك أن للعمالة الوافدة والوجود الأجنبي آثارا إيجابية وأخرى سلبية، وتعمل الدولة جاهدة على الاستفادة من الشق الإيجابي وتعزيزه، والحد من الآثار السلبية التي تخلفها مضاعفات تلك الظاهرة. فالشق الإيجابي يتحدد على أساس المنظور إلى العمالة الوافدة، بشكل عام، باعتبارها أداة للتنمية تسهم في بناء البنية التحتية للدولة التي على أساسها يقوم التطور والتنمية الاقتصادية. غير أن كثير من العمالة الوافدة للسودان تكون ضمن تصنيف العمالة غير المؤهلة، أو على الأكثر ذات تأهيل محدود، هي تمارس الأعمال الدنيا والتي لا تشكل مصدر جذب للعمالة المحلية في الوقت الحاضر. المجتمع السوداني مثل كل المجتمعات الأخرى يتفاعل بالتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي هي نتاج طبيعي للتطور والتفاعل على المستوى الإقليمي والعالمي. خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الاختلافات الثقافية والمعرفية والعقدية وغيرها، إذ ينتج عن التفاعل الاجتماعي بين هذه العمالة والمواطنين أيضا تفاعلات سلبية. هذا بجانب الضغط على الخدمات كالصحة والطرق والمواصلات والسكن وحتى الوسائل الترفيهية وغيرها من الخدمات الضرورية للحياة، عندها يشعر المواطن بمزاحمة الأجنبي له فيها، وقد يحدث نوع من التوتر في العلاقات بين المواطنين والأجانب، قد يصل إلى مرحلة رفض المواطن وجود الأجنبي وتحميله بالتالي كل المشكلات التي يعاني منها. برزت الحاجة إلى العمالة الوافدة مع بدايات الثورة النفطية في البلاد في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ونتيجة للخطط الطموحة التي تبنتها الدولة؛ من أجل تعزيز التنمية ورفدها بكل الأسباب التي تمكنها من الاستدامة كان لابد من الاعتماد على العمالة الأجنبية، ومن ثم، فقد ارتبطت هجرة العمالة إلى السودان بشكل عام بمشروعات التنمية الاقتصادية والاستثمارية. ومع تزايد نسبة هذه العمالة، ظهرت العديد من المشكلات المترتبة عليها. تقتضي دراسة هذه المشاكل الإشارة إلى المحاور الآتية: أسباب هذه العمالة وحجمها، والانعكاسات المترتبة على وجودها سياسيًّا واقتصاديّا وأمنيّا، ومدى قدرتها على التوصل إلى نقاط جوهرية في إطار الحل الأمثل لها في ظل الإشكالية بين وجود هذه العمالة وبين استمرار عملية التنمية المستدامة. الآثار الإيجابية للعمالة الوافدة لأي ظاهرة اجتماعية إيجابيات مهما كان حجم السلبيات المرتبطة بها. وهنا يجب التأكيد على الدور الكبير الذي تقوم به العمالة الوافدة من خلال مشاركتها في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي يقيمون فيها ومساهمتها في سد النقص الكلي في العمالة الوطنية التي تحتاجها التنمية المتسارعة. يمكن حصر أهم الآثار الإيجابية للعمالة الوافدة في الآتي: الإسراع بعملية التنمية والمساعدة على تحقيق أهدافها. الإسهام في استجلاب الاستثمارات الأجنبية أسهمت الشركات الأجنبية الكبرى في توفير فرص العمل للعمالة الوطنية الإسهام في استغلال موارد البلاد توطيد العلاقات مع بعض الدول المرسلة للعمالة أسهمت في تدريب الكوادر السودانية منافسة العمالة الوافدة للعمالة المحلية تجعل العامل المحلي مجبراً للارتقاء بمستواه المهني حتى ينافس العمالة الوافدة تأثر العمالة الوافدة من غير المسلمين في كثير من الأحيان بقيم وأخلاق الدين الإسلامي وعادات المجتمع السوداني ودخول الكثير منهم في الإسلام القيام بالأعمال التي لا يرضى المواطن القيام بها. الدفع باتجاه اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية وتطويرها لمنع حدوث عمليات التهريب والاتجار بالبشر. لا شك إن للوجود الأجنبي آثارا سلبية كبيرة. وتختلف درجة هذه الآثار وفقا لعدد الأجانب مقارنة بعدد السكان من جهة، وإلى بلد المصدر ومناطق تمركزهم وقدرتهم على الاندماج في المجتمع المضيف من جهة أخري. فبقدر كثرة عدد الوافدين وتباين ثقافاتهم وتمركزهم في مناطق محددة وعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع المضيف تتعاظم المخاطر الناجمة عن هذا الوجود (الأجنبي)، وتتبابن على ضوء ذلك التداعيات من ثقافية إلى اقتصادية واجتماعية وصحية وتداعيات أخرى مرتبطة بسوق العمل ونمط الغذاء والضغط على الخدمات وتمتد لتشمل الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر. وكل واحدة من هذه التداعيات تمثل تهديدا أمنيا مباشرا للدولة فما بالك إن اجتمعت كلها في منطقة واحدة ومجتمع واحد في بلد بحدود السودان الواسعة والمفتوحة. ومن بين هذه التداعيات الأمنية للوجود الأجنبي بالبلاد: - بقاء بعض العمالة الوافدة في السودان بشكل غير شرعي بعد انتهاء فترة تعاقدها. - تهرب العمالة من مغادرة البلاد بعد انتهاء عقودها يؤدي إلى فوضى وارتكاب جرائم يصعب كشفها. - القيام بأعمال استخبارية لصالح جهات معادية - كما أن هناك بعض الآثار السلبية على البيئة الحضرية. حيث أصبح من المألوف أن ترى في بعض المدن – داخل العاصمة وخارجها – مناطق يغلب على ساكنيها أبناء جنسية معينة. وهو ما يؤدي إلى نشوء المجتمعات الموازية. - بث ونشر الأفكار التكفيرية والإرهابية والثقافات الهدامة وظهور أنماط حياتية جديدة قد تؤثر في التماسك الاجتماعي - أنشطة التخريب الاقتصادي. - أحيانا ترتبط العمالة الوافدة بالجريمة المنظمة والله ولي التوفيق،،، د. خالد علي لورد - خبير في مجال الهجرة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.