كتب السفير خالد موسى مقالاً رصيناً يدعو لإستدراك ما فات السودان قبل خمسين عاماً للحاق والإنضمام لرابطة دول الكومونويلث .Commonwealth ودون الخوض في تفاصيل أسباب عدم إنضمام السودان للرابطة بعيد الإستقلال عام 1956 نوجزها في المزايدات السياسية بين احزابنا الوطنية التاريخية – يمينها ويسارها - على الإبتعاد والتنائي عن المستعمر "البغيض" وهو يرتدي ويتزيا بثوب جديد وقناع شفاف... هو ثوب الإستعمار الحديث والذي ليس سوى شكل من أشكال إستدامة النفوذ والهيمنة السياسة والثقافية بمسمى رابطة الكومونويلث. لا شك أن فكر وتفكير قادة إستقلالنا الأبكار إفتقر لرؤيا إستراتيجية لسودان ما بعد الإستقلال وحتى نهاية القرن الماضي تعَرّف هويتنا القومية وترتب مصالحنا العليا وتؤطر علاقاتنا الإقليمية والدولية... إقتصر نظر آباء الإستقلال على المدى القريب حول التحرير والسيادة وليس النظر الثاقب البعيد نحو الإعمار والنهضة. عاد بي مقال السفير الى عامي الأول سفيراً للسودان لدى بريطانيا حيث إلتقيت في يوليو 2001 وبطلب منى السيد ج. ماكينون (نيوزيلندي) الأمين العام لرابطة دول الكومونويلث ومقرها لندن. سألته عن شروط وإجراءات إنضمام السودان المتأخر للرابطة وعلى طريقة ما لا يدرك كله لا يترك جله! إستهل ماكنون إجابته بسؤال منه: لماذا لم يسع السودان للإنضمام بعيد إستقلاله عندما كانت العضوية متاحة "وعلى قفا من يشيل" كما جرى المثل السوداني ومبذولة لكل مستعمرات التاج حديثة الإستقلال في أفريقيا وآسيا بل في كل أركان الإمبراطورية من كندا الى استراليا ونيوزيلندا؟ ثم أضاف إن شروط ومواصفات وإجراءات الإنضمام مختلفة وصارمة الآن لمن يطلب اللحاق بالركب ولكنه إستطرد قائلاً بروح النكتة إن تاريخ الميلاد وكبر السن ليس شرطاً! أما الشروط الأهم فهي: أولا: أن يكون للدولة نظام ديمقراطي تعددي يتم تداول السلطة فيه سلمياً وعبر إنتخابات دورية تنافسية حرة معترف بنزاهتها داخلياً ودولياً. ثانيا: دولة يسودها السلام والإستقرار خالية من حالة الحرب والنزاعات المسلحة وتداعياتها المأساوية. ثالثا: سيادة حكم القانون ورعاية وإحترام حقوق الإنسان. أما من حيث الإجراءات فإن طلب الإنضمام يلزمه قرار بالموافقة الإجماعية من قمة رؤساء دول الرابطة. إختتم السيد ماكنون توضيحاته برأي مغَلَف بلغة الديبلوماسيين بقوله: Now it is left to your country to decide when to apply. أي ولكم أن تقرروا متى تطلبوا الإنضمام! قال ذلك وحربنا الأهلية في الجنوب مشتعلة يشتد أوارها على رأس الساعة وتداعياتها الآمنية والإنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم ولم تلُح آنذاك (2001) أي بشائر تأذن بوضع الحرب أوزارها ثم قَفَتْ مصيبة حرب الجنوب مصيبة حرب اخرى في دارفور (2003). بعثت بعد اللقاء مع السيد ماكنيون بتقرير موجز لوزير خارجيتنا آنذاك الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل بفحوى المقابلة وقلت ربما علينا أن نرابط في المربع الأول لحين قد يطول ولكن لا ضير في عرض الموضوع على مؤتمر سفرائنا التداولي بالخرطوم المقرر له ابريل عام 2002 للمناقشة والعصف الذهني. إلا أن الموضوع لم يعرض ولم يعصف ذهن بل ولم يعقد المؤتمر أصلاً! إن الأوفق والأجدى صرف النظر عن الإنضمام للرابطة ونترك هذه السيرة للمؤرخين، ونستعيض عنها بنظر آخر حول علاقة جديدة خاصة وإستراتيجية مع المستعمر "القديم" و"الصديق" الجديد بريطانيا وفي سياق العلاقات التاريخية تدانياً والمعاصرة تقارباً على قاعدة المصالح المشتركة والمتغيرات الجديدة في كل من البلدين: خروج بريطانيا من الإتحاد الأُروبي خلال عامين وإقبال السودان – خلال نحو عامين أيضاً – على مرحلة جديدة يسود فيها السلام والتعددية السياسية وإطلاق الحريات، ليس بحثاً عن محور جديد نصبو اليه ولا تحالف مرحلي نعقده وإنما علاقة خاصة مع بريطانيا نبادر بالدعوة لها عبر القنوات الدبلوماسية.