يشكل قبول أصحاب المصلحة في دارفور لوثيقة السلام التي تم التوصل إليها مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة بارقة أمل متوهجة، وعلامة مضيئة بومضات التفاؤل النضير في إنهاء أزمة الإقليم التي ظلت تراوح أمكنتها الكئيبة منذ عام 2003. ويختبئ في ثنايا ذلك التفاؤل سناريو آخر محزن ومخز، يتمثل في نائب حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور الذي ارتبطت حركته بالدولة العبرية، وجناح مني أركو مناوي الذي آثر نفض يديه من اتفاق أبوجا، وتنازله عن منصب كبير مستشاري رئيس الجمهورية ليتخذ موقفاً متناقضاً مع ذاته، ومع ضمير إقليمه الموحد الآمال، والمبعثر الرؤى. مؤتمر أصحاب المصلحة الحقيقية في دافور الذي التأمت جلساته في الفترة من 27 إلى 31 مايو الماضي، أفضى إلى قبول وثيقة السلام التي أعدتها الوساطة، وعبر المشاركون في المؤتمر عن قبولهم للوثيقة باعتبارها تمثل أساساً متيناً للسلام، كما التزمت الأطراف بالعمل على هذا الأساس للتوقيع على اتفاق السلام الشامل في وقت لاحق. لقد بذل الوسيطان: أحمد بن عبدالله آل محمود وزير شؤون الخارجية القطري، وجبريل باسلوي، الوسيط المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، جهوداً مضيئة وشاقة وعسيرة لتجسيد الفجوة بين أصحاب المصلحة في دارفور والحكومة السودانية في مسعى جاد لإنهاء أزمة الإقليم المتمثلة في الحرب وتداعياتها المريعة في النزوح واللجوء وعدم الاستقرار. وإذا كانت وثيقة السلام قد أنهت نقاط الخصام والاختلاف، لماذا لا تزال حركتا عبدالواحد ومنى مناوي تنظران إليها شذراً؟ لعل جل نقاط الاختلاف تتمثل في: اعتبار إقليم دارفور إقليماً واحداً، واعتبار مبدأ تعويض المتضررين بالحرب، وتخصيص منصب نائب للرئيس من دارفور؟ و فيما كانت المفاوضات تأخذ مساراتها في الدوحة لمناقشة هذه القضايا، أقدمت الحكومة السودانية على طرح مشروع جديد يرمي إلى تقسيم الإقليم إلى خمس ولايات بدلاً من الولايات الثلاث الحالية. إننا نأمل أن تكون وثيقة الدوحة قد أقفلت أبواب الخلاف بإحكام سداً للذرائع التي يستند إليها المعارضون والمنشقون.. خاصة أن وثيقة السلام قد تم القبول بها من قبل الحكومة السودانية، وحركة العدل والمساواة، وحركة التحرير والعدالة، و400 شخص من دارفور ستكون قطاعات ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة والنازحين في الإقليم. لقد أدت أزمة دارفور إلى تداعيات سريعة من النزوح واللجوء والتشرد، وتكالب المنظمات الطوعية بالهرولة إلى الإقليم سعياً للمساعدة على الاستقرار.. ففي أوج عمل المنظمات الطوعية، بدا واضحاً أن بعض تلك المنظمات ظلت تعمل للتنصير والتبشير بالمسيحية.. ويا للهول أين يتم ذلك؟ إنه في دارفور التي يوجد بها أكثر حفظة للقرآن الكريم في السودان، وربما في القارة. إننا ندعو الحركات الدارفورية المتمردة التي لاتزال تتشدق بالمطالب والاستحقاقات التعجيزية، والخطاب الحربائي الملون، أن تضع نصب أعينها وضميرها معاناة المواطنين وتشرد الأطفال وحرمانهم من مقاعد الدراسة، وفقدان طفولتهم البريئة. وإلى عويل الأرامل والثكالى اللاتي فقدن أزواجهن في هذه الحرب اللعينة، وإلى الشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة، وإلى مستقبل الإقليم وضرورات استقراره وتنميته واستقراره. إن الآمال والطموحات لاستقرار دارفور من دون الاتفاق الشامل وانضواء جميع الحركات تحت لواء واحد وموحد، لأن نزعات التمرد والارتماء في أحضان تجار الحروب وسماسرة الفتن لا ينبغي أن تستمر إلى أبد الآبدين.. لأن الرهان على الانتظار مفترس كبير للطاقة والزمن. المصدر: الشرق 5/6/2011