نبأ رائع أن تغلق مصر باب الاقتراض من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، تلك حدود السيادة . الأخير بالذات لم يعد مشرفاً حتى أخلاقياً، بعد السقطة الشنيعة التي جعلت “دومينيك ستروس كان" في خبر كان . الفضائح والفظائع التي ارتكبتها المؤسستان، سيئتا الصيت، في حق بلدان العالم الثالث، لا تحصر ولا تحصى، رغم رفعهما شعار “نحو عالم بلا فقر" . قروضهما فخاخ متعددة الحبائل والشباك والكماشات . هي أسوأ بكثير من تلك الطرفة اللاذعة التي قيلت في القروض: “القرض مطريّة يعطيكها البنك عندما تكون السماء صافية، ويطالبك بها حين تكون الأمطار كأفواه القرب" . الحقيقة أشد هولاً، فالشروط التي يفرضها البنك والصندوق الدوليان، تضرب السيادة في العمود الفقري، ولا تؤدي إلا إلى خدمة مصالح الأقوياء الأثرياء . هما ينهيان ويأمران ويتدخلان في الشؤون الداخلية والخارجية، ما يجعل البلدان ترزح تحت نير الوصاية . المشهد لا يخلو من السخرية السياسية المبرمجة . فالبنك الدولي يقع إلى جوار البيت الأبيض، وصندوق النقد الدولي في واشنطن . ما يعني أن هذا الثلاثي غير المرح خطط مسبقاً لإدارة المال على سطح الكوكب . ولهذا كانت القروض التي يقدمها البنك والصندوق، ولاتزال، سبباً في “خراب البيوت"، جراء استغلال ثروات البلدان المسكينة، وهروب الأموال المنهوبة إلى البنكين . للأسف، الجامعة العربية في حالة بيات شتوي، أو انعدام وزن، كراسيها مهزوزة، وقناتها مغموزة، وإلا لكنا سألناها: لماذا احتجب قمر صندوق النقد العربي في الليلة الظلماء؟ كيف صار أشد هزالاً من النقد الأدبي العربي؟ لله در الضاد التي اشتقت لنا القروض والقوارض من جذر لغوي واحد . صرت أتحسس جنبّي عند قراءة القريض . مستشار وزير المالية المصري قال: لن نقترض من البنكين . وأتمنى أن تكون “لن التأبيد" الزمخشرية . مصر اليوم تستعيد صلابة “طلعت حرب" الذي أسس بنك مصر رغم أنف الإنجليز، وجعل الاقتصاد ينهض . أرض الكنانة تحتاج الآن إلى “طلعات حروب" . وما أروع مقولة قدمائنا: “خزائن الأرض رجالها" . هذا الطراز من الرجال يرى أنه هو الشعب، لا الدولة أو السلطة . والشعب يحقق له ذلك ويفتح له باب المجد التاريخي، فلا يضطر بسوء الصنيع إلى الهروب أو التنحي . لزوم ما يلزم: إذا استعادت الجامعة أنفاسها، فلن نسألها شيئاً غير أن تشرح لنا معنى “مواجهة التحديات" . المصدر: الخليج 27/6/2011