"هناك تحسن وتطور ملحوظ في الأمن والاستقرار على أرض الواقع بولاية جنوب دارفور"،.. بهذه الكلمات، أقر مستشار الإدارة الأمريكية لدارفور، دين اسميث، خلال لقاء جمعه بنيالا الأحد المنصرم إلى والي جنوب دارفور، الدكتور عبد الحميد موسى كاشا، أقر بتحسن الأحوال الأمنية في دارفور . وقال سميث إن الأمر تحسن مقارنة بآخر زيارة له للولاية وأشاد بجهود حكومة الولاية في تعزيز الأمن والاستقرار، مطالبا بالحفاظ على ذلك المستوى من الأمن والاستقرار حتى يسهم في تنفيذ البرامج والمشروعات، وطالب المسئول الأمريكي أطراف النزاع في دارفور بضرورة إبداء حُسن النية والمرونة في المفاوضات للإسهام في جذب الآخرين للعملية السلمية، مؤكدا أن المجتمع الدولي يرغب في انضمام كافة الأطراف لسلام الدوحة. وأشار مستشار الإدارة الأمريكية لدارفور، إلى أن زيارته هذه المرة من اجل الوقوف على واقع الأوضاع بدارفور ومعرفة رأي المواطن من الاتفاق الذي تم بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة، وقال "وثيقة الدوحة تمثل أرضية مهمة جدا للسلام بدارفور" مطالبا حكومة الولاية بالسماح لهم بزيارة مناطق شعيرية وقريضة ولبدو بغرض الوقوف على حقيقة الأوضاع ميدانيا. وشهدت ولايات دارفور طيلة الأشهر الماضية استقرارا كبيرا حيث لم تحدث مواجهات بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، وأعلن رئيس "يوناميد" في مؤتمر صحفي مؤخرا، انخفاض العدائيات والمواجهات بنسبة 70 بالمائة، ويرجع مراقبون هذا التطور في الإقليم إلى توقيع وثيقة الدوحة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة برئاسة الدكتور التجاني السيسي، المنتظر أن يصل للبلاد خلال الأيام القادمة، بعد أن وصل وفد مقدمه من الحركة البلاد الشهر الماضي، وزار ولايات دارفور الثلاث متفقدا الأوضاع على الأرض، حيث التقى الوفد بجميع فعاليات المجتمع الدارفوري من حكوميين وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني ونازحين وغيرهم. ودفع تحسن الأحوال الأمنية الذي تحقق خلال الفترة الماضية إلى أن تفكر الولاياتالمتحدة في التقدم خطوة في اتجاه أعمار دارفور، وهو ما أكدته مسئولة المعونة الأمريكية كرستينا بازلو عندما أشارت إلى أن ما تشهده ولاية جنوب دارفور من استقرار أمني شجعهم على التفكير في الانتقال من مرحلة الطوارئ إلى المساهمة في التنمية والأعمار والإسهام في العودة الطوعية للنازحين. وتأتي تصريحات المسئولين الأمريكيين، في أعقاب تصريحات أطلقها منتصف سبتمبر الماضي، الممثل الخاص المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة رئيس بعثة "يوناميد" في دارفور، البروفيسور إبراهيم قمباوري، كشف خلالها عن انخفاض أعمال العدائيات والمواجهات المسلحة بالإقليم إلى "70%"، وأشار إلى أن عدد النازحين انخفض أيضا من "2,7" مليون نازح إلى "1,7" مليون، مؤكدا أن مجهودات "يوناميد" ساهمت بشكل كبير في العودة الطوعية للنازحين لمناطقهم الأصلية . وتبدي الولاياتالمتحدة اهتماما كبيرا بدارفور، حيث عينت إدارة أوباما، في العام 2010م، السفير دين سميث مستشاراً خاصاً للتركيز على قضية دارفور، يتبع لفريق المبعوث الخاص للسلام في السودان، واعتبرت وزارة الخارجية وقتها أنها ليست لديها علاقة بالمستشار سميث لترحب به أو ترفضه، واعتبرت الخطوة تصب في اتجاه ما ذهب إليه المبعوث الأمريكي أسكوت غرايشون بأن إدارة أوباما بقدر اهتمامها بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل تهتم بتسوية النزاع في دارفور، وأنها سعيدة بإعلان انضمام السفير سميث إلى فريق المبعوث الخاص بالسودان. وعلى سياق الاهتمام الأمريكي بدارفور، يزور ولايات الإقليم حاليا وفد أمريكي، يضم كلا من ميرى ايدس القائمة بالإعمال ومستشارة الرئيس أوباما للشئون الإفريقية بالسودان ودين سميث المبعوث الأمريكي الخاص لدارفور وكرست كازبيلا كبيرة مستشاري المعونة الأمريكية، والتقى الوفد الوالي عثمان يوسف كبر، وبحث معه سبل تنفيذ برنامج التحول من الإغاثة إلى التنمية المبكرة في دارفور، وأعلن كبر خلال اللقاء التزام الحكومة بتقديم كافة التسهيلات التي من شانها إنجاح برامج الوفد بجانب استمرار التعاون والتنسيق مع المعونة الأمريكية حتى تضطلع بدورها على الوجه الأكمل. وأكد مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص لدارفور خلال اللقاء مضي بلاده قدما لدعم المشروعات والبرامج التي تسهم في عملية الانتقال من مرحلة الإغاثة إلى الإنعاش والتنمية المبكرة في دارفور دون إغفال جانب المساعدات الإنسانية والأمن الغذائي مع مراعاة الموازنة والتوازن في توزيع الموارد، وأوضح سميث أن زيارتهم للفاشر تجئ امتدادا لزيارته السابقة لها في يونيو الماضي، بغرض تنفيذ مشروعات التنمية والإنعاش المبكر، مضيفا أن الوفد يضم عددا من الخبراء من المعونة الأمريكية لتقييم الوضع توطئةً للبدء في تنفيذ المشروعات، واصفا الأوضاع في دارفور بأنها تغيرت كثيرا عما كانت عليه في السابق. من جهتها، أكدت مستشارة الرئيس أوباما للشئون الإفريقية بالسودان اهتمام الإدارة الأمريكية بتطبيع العلاقات مع السودان بجانب الاهتمام كذلك بقضية دارفور مشيدة بجهود الحكومة لإحلال السلام بدارفور. لكن تصريحات المسئولة الأمريكية بشأن تطبيع العلاقات بين الخرطوموواشنطن، يمكن قراءتها كذلك في سياق التصريحات التي يطلقها المسئولون الأمريكيون عندما يكونوا على الأرض، ولما يعودوا سرعان ما يطلقون تصريحات بغير ما قيل، وعلى هذا النحو لم يكن ما ذكر في نيالا الأول من نوعه، في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، فقد سبقه تصريحات مماثلة متعددة. خاصة بعدما أعلنت إدارة أوباما أنها تولي السودان اهتماما خاصا وقد أفردت اجتماعا أسبوعياً يعقد بالبيت الأبيض حول الشأن السوداني، باعتبار أن السودان، أهم دولة أفريقية، ووعودها المتكررة بإزاحة اسم السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب ورفع العقوبات المفروضة عليه من قبل الولاياتالمتحدة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قد كررت – في وقت سابق - ذات التصريحات التي سبق أن أطلقها عدد من المسئولين الأمريكيين، عندما قالت "إن واشنطن شرعت عملياً في رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على الخرطوم"، مضيفة بأن واشنطن شرعت فعلياً بتحول كبير في سياسات الخرطوم تجاه عدد من القضايا التي تمثل محور الاهتمام وعلاقات البلدين. غير أن المسئولة الأمريكية استدركت قائلة: "لكن هناك المزيد من المطلوب عمله من حكومة السودان، على رأس ذلك حل قضيتي دارفور وأبيي وتوفير تأكيدات على عدم دعم الإرهاب الدولي مستقبلاً". وأوضح المبعوث الأمريكي برنتستون ليمان، في تصريحات سابقة، قائلا: "إن الرئيس باراك أوباما بدأ حاليا هذه الخطوات. غير أن تلك التصريحات أصبحت وعودا أمريكية لا محل لها من التنفيذ، سواء بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل واشنطن. ومهما تكن وعود واشنطن فإن الحقيقة التي ظلت على استمرار هي أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان صارت متلازمة مع بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1993م. وبعد تصريحات المسئولين الأمريكيين الأخيرة حول الأوضاع في دارفور، يبقى السؤال قائماً هل الأمر تحولا نوعيا أم سيناريو متكرر؟. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :24/10/2011