بعد التعثرات المتلاحقة، للمفاوضات المستمرة منذ أشهر بين دولتي السودان وجنوب السودان، برعاية الآلية الإفريقية رفيعة المستوي، برئاسة ثامبو أمبيكي، والمتعلقة برسوم عبور النفط المنتج في أراضي الأخيرة، عبر السودان، والوصول إلى صيغة توافقية حول إيرادات السائل الأسود، قررت الصين – الدخول على خط معالجة القضية، بتوسيطها بين البلدين .. وهي وساطة وفقاً لمحللين جديرة بحمل الطرفين الى حل وسط ينزع فتيل الخلافات. وتأتي الوساطة الصينية، التي كشف عنها أمس الأول، عندما أعلنت الصين عن عزمها إرسال مبعوثاً الى حكومتي السودان وجنوب السودان، في إطار مساع تهدف إلى التوصل إلى تسوية لخلاف البلدين المستمر على رسوم عبور صادرات النفط من جنوب السودان عبر الأراضي السودانية، باعتبار أن استمرار ذلك الخلاف وعدم التوصل إلى تسوية من شانه أن يهدد بتعطيل الإمدادات من الدولتين اللتين تعتبران من أكبر موردي النفط الخام للصين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هونغ لي في مؤتمر صحافي، الاثنين أن المبعوث الخاص لحكومته المختص بالشؤون الأفريقية ليو غويجين سيزور الأيام القليلة المقبلة السودان وجنوب السودان، لبذل جهود في الوساطة والمصالحة)). وأعرب المسؤول الصيني، عن قلق بلاده من التوتر بين دولتي السودان، وقال هونغ ((الصين تبدي قلقها إزاء التوترات في الفترة الأخيرة بين شمال السودان وجنوبه وخاصة إزاء عدم تقدم في المفاوضات الخاصة بالقضايا المتعلقة بالنفط)). وأضاف ((نأمل أن يمارس الطرفان ضبط النفس والهدوء وأن يسويا خلافاتهما بشكل مناسب من خلال المشاورات والمفاوضات)). لم تكن خطوة الصين بالتوسط ما بين الخرطوم وجوبا، هي المحاولة الأولي لها لاحتواء الأزمة، فقد دعت الصين في مرات متعددة سابقة حكومتي السودان وجنوب السودان، الى معالجة الخلاف النفطي بينهما، وحثت الصين الأسبوع الماضي، الدولتين، على إنهاء الخلاف بينهما بشأن رسوم العبور لصادرات الجنوب من النفط ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونج لي، حكومتي البلدين، لتفادي أية خطوة تقود إلى وقف تدفق السائل الأسود، داعياً لإيجاد حل ((مرن)) وبراجماتي)) للنزاع. وقال هونج في مؤتمر صحافي يومي، في التاسع والعشرين من الشهر المنصرم، ((نعتقد أن الحفاظ على مستوي انتاج طبيعي للنفط مهم للسودان وجنوب السودان معاً)). وأضاف ((نأمل أن يتحلي السودان وجنوب السودان بالمنطق السليم وضبط النفس، وان يتبنيا موقفاً يتسم بالمرونة والعملية لحل المشاكل من خلال المشاورات الودية)). وتابع ((نحن واثقون من التزام الحكومتين بتعهداتهما، وأن يضمنا استقرار واستمرار التعاون النفطي ويحميا الحقوق القانونية للشركات الصينية وسلامة العاملين بها)). ويعكس مدي قلق بكين بشان خلافات السودان وجنوب السودان النفطية، ما صدر عن سفيرها لدي الخرطوم، لو شباو فوانغ، للزميلة ((الرأي العام))، حيث وصف القرار بأنه خطير للغاية وغير مبرر، مؤكداً أنه لا يوجد سبب لإيقاف تصدير نفط الجنوب طالما هنالك مفاوضات تجري الآن بين البلدين. وطلب من الحكومة إعادة النظر في الخطوة. لكن الحكومة نفت بعد ذلك أن تكون أوقفت صادرات نفط الجنوب. والصين بوصفها اكبر شريك لحكومتي السودان وجنوب السودان، سارت منذ انفصال جنوب السودان رسمياً في التاسع من يوليو الماضي، في خط يوازن بين مصالحها مع الخرطوم وجوبا معاً. كما أن كل من الحكومتين تحتفظان بعلاقات ذات روابط قوية مع الصين، حيث ظلت الزيارات بين البلدين وبكين مستمرة على أرفع المستويات. وتؤكد الوساطة التي تقودها الصين لرأب الخلاف بين الخرطوم وجوبا بشأن ما يفترض على جنوب السودان دفعه كرسوم عبور مقابل تصدير نفطه عبر مواني السودان، الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة الصينية لشركائها السودانيين، الأمر الذي يرشح مبادرتها للنجاح، لا سيما وأنها يمكن أن تقدم مقترحات عملية لمعرفتها بإنتاج النفط السوداني وقوة تأثيرها على الطرفين، وتحسباً لأية تداعيات قد لا ترضي الأطراف مجتمعة، وذلك في سياق المثل الصيني الذي يقول ((أحفر البئر قبل العطش)). و تكتسب الوساطة أهمية إضافية كونها جاءت بعد جولة متعثرة من التفاوض بين الطرفين جرت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وبالنسبة إلى بكين، فأن الشراكة مع السودان، إستراتيجية، وهو ما أكده نائب وزير التجارة الصيني جيانغ ياو بينغ، بالتزام بلاده بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع السودان، وتشجيع الشركات الصينية على زيادة تعاونها مع نظيرتها في السودان. وقال جيانغ خلال مباحثات أجراها مع عدد من المسؤولين السودانيين،خلال زيارته الى البلاد في نوفمبر الماضي، ((أن الشعب الصيني يحترم الصداقة التقليدية مع السودان))، لافتا الى أن الصين والسودان حققا انجازات ايجابية في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري، والحكومة الصينية ستستمر في تشجيع التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين . وأوضح أن الحكومة ستدعم الشركات الصينية لإجراء تعاون مع الشركات السودانية في مجالات الطاقة والزراعة والتعدين والصناعة والبني التحتية ومجالات مهمة أخرى. والتقي المسؤول الصيني خلال تلك الزيارة بالعديد من كبار المسؤولين بالدولة، على رأسهم الرئيس البشير ونائبه الأول، علي عثمان، وتعهد نائب وزير التجار الصيني بأن تقدم الصين ما بوسعها من مساعدات للسودان لتحقيق التطور الاقتصادي والصناعي. وبالمقابل أكد وزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي، عقب محادثات أجراها مع جوزيف لوال أكويل، المبعوث الخاص لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت. في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، أكد على تطوير العلاقات والتعاون بين بلاده وجنوب السودان، في جميع المجالات. وقال في تصريحات أن الصين تولي اهتماماً متعاظماً لتعزيز العلاقات الودية مع جنوب السودان وإنها مستعدة لدفع التعاون الثنائي في مجالات مثل الطاقة والزراعة والتعدين والبنية التحتية. مؤكداً أن العلاقات الثنائية ستتعمق عبر الجهود المشتركة. وتبدي الدولتان، السودان وجنوب السودان، حرصاً بالغاً تجاه شراكتهما مع الصين. و خلال السنوات الأخيرة حققت علاقات التعاون بين السودان والصين تطوراً سريعاً، وأصبحت الصين الشريط التجاري الأول للسودان والشريك المهم في مجالات الاستثمار والبناء وتشير تقارير إلى أنه خلال الأشهر العشرة الأولي من عام 2011 زادت واردات الصين من الخام السوداني بنسبة 5,5% عن الفترة نفسها من العام الماضي لتبلغ 11,1 مليون طن، أي نحو 5% من إجمالي واردات الصين النفطية . ووفقاً للأرقام الصينية الرسمية فقد بلغت التجارة الثنائية بين البلدين في العام 2010 حوالي 8,63 مليار دولار أمريكي، بزيادة بلغت 35 بالمائة مقارنة مع عام 2009م. وتقوم شركات صينية ببناء مشروعات في السودان في مجالات النفط والمياه والكهرباء والطرق والجسور والاتصالات. نقلاً عن صحيفة الرائد 7/12/2011م