الموافقة التي أبداها مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس الأربعاء على قرار يهدد السودان ودولة الجنوب بعقوبات اذا لم يضعا حدا للصراع المتصاعد بينهما ويستأنفا المفاوضات حول نزاعاتهما في غضون أسبوعين. من شأنها أن تعيد الأحداث بين البلدين إلى دائرة الضوء الإعلامي العالمي مجدداً. ويقول خبراء إن عمل بعثات حفظ السلام، تحت البند السابع محدد بشرطين، الأول هو العمل تحت الفصل في حالة الدفاع عن النفس، والثاني العمل تحته في حالة الدفاع عن المدنيين، ومع ذلك فإن قدرة جنود الأممالمتحدة على تطبيق الفصل السابع في المناطق الحدودية بين السودان ودولة الجنوب باستخدام القوة لحماية المدنيين تبدو موضع شك في واقع الأمر، المقدمة السابقة تذهب إلى التمهيد إلى أغراء المراقبين والمحللين بالتنقيب عن جدوى وتداعيات المشروع الأمريكي المقترح لمجلس الأمن والهادف إلى تبني خارطة الاتحاد الإفريقي لعودة دولتي السودان والجنوب إلى طاولة التفاوض وإمهالهما ثلاثة أشهر لحسم الملفات المتبقية بينهما وتحقيق سلام دائم بينهما وإلا فإن الدولتين السودان (المعتدى عليه) والجنوب (الجاني) ستواجهان بعقوبات متعددة يفرضها الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة.. محللون تحدثوا للرائد أمس حول ذلك فكانت إفادات متباينة حول ذلك.. بداية يقول السفير حسن جاد كريم سفير السودان في أوغندا في تصريحه للرائد حول تداعيات مشروع القرار الأمريكي الساعي لإنفاذ الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة: إن التحديات والمخاطر التي يعيشها السودان ليست جديدة، وأنها صاحبت السودان حتى قبل إقرار اتفاقية نيفاشا للسلام التي قال إنها جاءت وفق مخرجات مرسومة ووفق سيناريو تم إعداده مسبقاً ليخدم دولا غربية كدولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) للوصول إلى العمق الإفريقي، مشيراً إلى أن القضية الآنية هي ليست قضية الفصل السابع وآلية تطبيقه في الأراضي السودانية، إنما القضية الآن هي قضية تداعي دولي على السودان يهدف لمساواته وهو الدولة المعتدى عليها بالدولة المعتدية والجانية وهي دولة جنوب السودان، يحدث ذلك رغم أن السودان ظل دولة مسالمة ولم يبادر بالاعتداء وتمسك حتى في معركة استرداده للمدينة المحتلة بالأعراف الدولية إلا أن ذلك قوبل بمحاولات للتدخل بالقوة في شأنه عبر الفصل السابع. ويرى السفير جاد كريم الموقف الصيني والروسي وهو الموقف الذي أسماه بأصدقاء السودان من المشروع الأمريكي لم يأت كما هو متوقع حيث انتظر السودان رفضا صريحا من أصدقائه يفرق بين الجاني والمعتدى عليه وليست المساواة بينهما، مضيفاً أن الخطوة الأمريكية إن قدر لها أن تذهب بعيداً فإنها ستكون استكمالا لخطوة أمريكية سابقة تهدف إلى إبدال القوات المختلطة (اليوناميد) في دارفور إلى قوات دولية غير متعددة (اليوناميس) عسكرياً وأما سياسياً فهي محاولة لإبدال الدور الإفريقي في السودان بالدور الأممي، وطالب جاد كريم بتفعيل الدبلوماسية السودانية حول هذا الملف في الأيام القادمة حتى تأتي جهودها مكملة ومستوعبة لأماكن الضعف الذي بدأ خلال التعاطي الحالي مع الأزمة والتي أبرزها الموقف العربي تجاه الملف الذي ظهر ضعيفاً ولم يبد تجاوباً مع دولة السودان الذي كان ضحية لعدوان دولة الجنوب. ولكن هل تستطيع قوات دولية متعددة العمل في تناغم في حال ذهاب مشروع القرار الأمريكي صوب الفصل السابع في المنطقة الحدودية بين البلدين؟ طرحت هذا السؤال على السفير فضل عبيد وكيل وزارة الخارجية السابق فأجابني بالقول: (التجارب الدولية حول تطبيق الفصل السابع أثبتت فشل القوات المتعددة في الوصول لتناغم يفضي لإتمام المهمة بنجاح، وأمريكا تعلم ذلك جيدا!! يضيف عبيد في حديثه للرائد: لذا فإن أمريكا وعند عزمها خوض الحرب في العراق عام 2003م لم تتجه إلى مجلس الأمن حتى لا تشاركها قوات متعددة الجنسيات في تلك الحرب واكتفت بقواتها فقط وبعض من القوات البريطانية فكانت أن أصابت نجاحاً في تحقيق أهدافها الإستراتيجية ولم يتحقق لها ذلك إلا بعد سحب قرارها بالحرب من مجلس الأمن في اللحظات الأخيرة. ويبرز سؤال مهم حول مصلحة أمريكا من اتجاهها والدفع بهذا المشروع نحو إقراره من قبل أعضاء مجلس الأمن الدولي، يقول السفير عبيد عن ذلك: (مصلحة أمريكا هنا توافقت مع المصلحة الصينية (البترول) لذا تسعى أمريكا بكل آلياتها لإيقاف الحرب بين السودان ودولة الجنوب، ولكن هل تستفيد دولة الجنوب من التصعيد الدولي الساعي لتطبيق الفصل السابع بين الدولتين؟ يفيد السفير فضل (الرائد) حول ذلك أن تطبيق الفصل السابع بين الدولتين ليس من مصلحة دولة الجنوب خاصة وأن الدولة الوليدة تشهد عدداً من المظاهر الأمنية السالبة كالتظاهرات التي تنتظم مدن الجنوب المختلفة بجانب الأعمال العسكرية التي تقوم بها حركات التمرد في مناطق الجنوب المتعددة إضافة إلى مظاهر التدهور الاقتصادي التي بدأت في التنامي بعد مرور نحو ثلاثة أشهر من وقف ضخ النفط الجنوبي الذي يشكل عماد ميزانية الدولة الوليدة، وحول قراءته لمآل الوضع بين الدولتين يقول السفير عبيد إن التصريحات الأخيرة لقادة البلدين ذاهبة إلى عدم التصعيد خاصة إذا علمنا أن التصعيد الدولي حول تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة يتوقف على مسلك الدولتين مستقبلا، وعاد السفير عبيد وحذر من الجماعات المتمردة التي تدعمها دولة الجنوب التي قال إنها يمكن أن تشعل الموقف مجدداً بين الدولتين في حال عودتها وقيامها بأعمال عسكرية عند الحدود بين السودان ودولة الجنوب. وتنصّ المادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة على: (لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأممالمتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية)، أما المادة 42 من ذات الفصل فهي تنص على (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال التظاهرات والحصر والعمليات الأخرى عن طريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأممالمتحدة). عموماً ومن خلال تتبع أنشطة الأممالمتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وعلى ضوء نصوص ميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي، فإن التجارب السابقة تقول إن مجلس الأمن لم يتقيد في تصديه للنزاعات الدولية، بالقواعد القانونية الناظمة لسلطاته وفقا للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، سواء من حيث موضوعية إجراءاته وجزاءاته فيما تصدى له منها، أو من حيث الحالات الأكثر التي تجاهلها، وأنه يوسع أو يضيق من نطاق سلطاته بحسب متطلبات سياسة ومصالح الدول الفاعلة في النظام الدولي، ذات المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، وأنه لم يعر الدور الوقائي لحفظ السلم والأمن الدوليين اهتماما يذكر، وقد تبين أن الجزاءات الدولية في الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة تتوقف في واقعها العملي والتنظيمي على توافق إرادة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، سواء من حيث إقراراها، أو تطبيقها أو تنفيذها، وأن هذه الدول تستغل تميزها في المجلس لتفرض إرادتها، إذا توافقت مع المجتمع الدولي، وإن عدم توافق إراداتها يشل نظام الأمن الجماعي نهائيا، وأن أيا من جزاءات الفصل السابع لا يمكن من خلال مجلس الأمن فرضها على أي منها، أو على أي من الدول التي تريد إحداها أن تسبغ عليها الحماية، وأن المجلس لا يتقيد في ممارسة سلطاته الجزائية بالحدود والضوابط التي تضمنها ميثاق الأممالمتحدة، كما أنه لم يختط نهجا محددا وموحدا في ذلك، وأن نظام الأمن الجماعي الذي جاء به ميثاق الأممالمتحدة يعتريه قدر كبير من الخلل، وأن قواعده غير محددة تحديدا مانعا، وأن جسم نظام الأمن الجماعي مليء بالثغرات مما يسهل للدول الكبرى الخروج على مقاصد حفظ السلم والأمن الدوليين، مستفيدة من تميزها في البنية التنظيمية له، سواء من حيث احتكارها للعضوية الدائمة في مجلس الأمن، أو من حيث تمتعها-دون سواها- بحق الفيتو، علاوة على تميزها الواقعي سياسيا واقتصاديا وعسكريا، مما يخولها تطويعه وتسخيره وفق أهوائها، وأن كل ذلك لا يخدم الاستقرار والسلم والأمن الدوليين، لا حاضرا ولا مستقبلاً. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 3/5/2012م