أظهرت الحركة الشعبية ما يمكن وصفه بالتراجع عن مواقفها المتعنتة الحالية إزاء جلسات البرلمان ومجلس الوزراء، ومناقشة القوانين وإجازة الموازنة العامة للدولة، فقد أكدت أنباء واردة من عاصمة الجنوب جوبا، أن نائب رئيس الحركة ونائب رئيس حكومة الجنوب الدكتور رياك مشار قد بعث برسالة وصفتها مصادر سياسية مطلعة في الخرطوم بأنها بدت ناعمة ومرنة وخالية من الروح التعنتية التي وصمت سلوك الحركة مؤخراً موجهة إلى نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان محمد طه، تلتمس فيه الحركة تأجيل مناقشة الموازنة العامة للدولة للعام 2010 الى يوم غد الخميس بعد ما كان مقرراً أن تناقش أمس الثلاثاء. وفيما لم يتأكد إستجابة الحكومة المركزية في الخرطوم للطلب بشكل رسمي، فإن قادة بالحركة الشعبية قالوا للصحفيين في الخرطوم، ان التأجيل الغرض منه محاولة الاتفاق على تسوية الخلافات القائمة الآن بين الشريكين، وما من شك، أن الحركة الشعبية، تراجعت بدرجة كبيرة عن المضي قدماً في موقفها والذي كانت تحاول فيه التصعيد لتصل مرحلة سحب منسوبيها – على زعيم بعض قادتها – من جهاز الأمن والمخابرات!! ومن المفروغ منه أن الحركة – كما تعوّد منها المراقبون طوال الأعوام الأربعة الماضية – لم تكن قد درست كافة جوانب الموقف قبل أن تشرع في الاضرابات المطلبية والمقاطعات، ولهذا فقد كان من المنتظر ومتوقع أن تتراجع في أي لحظة وبوسع المرء أن يكتشف ذلك في تصريحات رئيس الكتلة البرلمانية ياسر عرمان، فالأخير ما أن رأى رئيس البرلمان يقرر وقف بعض مخصصات الأعضاء المقاطعين، حتى أخذته الثورة والغضبة المعهودتين وأدرك عرمان، ربما بعد فوات الأوان – أن شركائهم جادون، وأن الموقف فيه صرامة، وما من سبيل للتراجع، ويؤسف المرء أن يقول ان شعور اعضاء الحركة المقاطعين للبرلمان أن مخصصاتهم أصبحت في مهب الريح وأن من الممكن أن يفقدوها شكلّ عنصراً ضاغطاً عليهم لبداية التفكير في التراجع، كما أن الحكومة المركزية التي استقبلت الموفد الأمريكي الخاص سكوت غرايشن عكست له موقفها المنطقي وموقف الحركة الغير مسؤول، وبدأ غرايشن المعروف بتوازنه وموضوعيته مرجحاً لكفة الضعيف من الوجهتين القانونية والسياسية، وقد كانت إحدى أهم تقديرات الحركة وحساباتها أن تجد (عوناً) من الموفد الأمريكي الخاص، تستعين به على شركائها خاصة وان غرايشن ذهب عند حضوره الى جوبا قبل أن يطير الى الخرطوم مما يقطع بأن الرجل أبدى امتعاضه لقادة الحركة في جوبا لخطوتهم (غير الموفقة وغير المسؤولة). وهكذا وكما قلنا، وقال كل المتابعين لمسلك الحركة الشعبية وتكتيكاتها التي باتت محفوظة للجميع عن ظهر قلب، فإن الحركة عائدة الى البرلمان، وبذات معطياتها القديمة، ولن تحصل على (مكافأة) ويكفي أنها أغضبت حلفائها في واشنطن بوقوفها لموقف غير مسؤول، وكشفها المفاجئ الخالي من أي ذكاء لنواياها بشأن الإنفصال!!