من الطبيعي للغاية أن يسافر ما يسمي بقطاع الشمال أو بالأحري يعود أدراجه الى الولاياتالمتحدة بعد أن كان الاسبوع الماضي فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا. قادة القطاع وقبل العودة لواشنطن لم يقولوا للصحفيين لماذا يعودون الى واشنطن؛ كما أن الصحفيين – بالضرورة – لم يوجهوا السؤال ربما لأن الاجابة بالنسبة لهم بديهية أو قد لا تخلو من قدر من الحرج السياسي. فالأمر هنا لا تصل فقط بالجهة التى تدير وتدبر أمور القطاع وتتحكم فى حركاته وسكناته، فهذه أمور مفروغ منها، ولكن كان المأزق بالنسبة لقادة القطاع أنهم إذا اتجهوا جنوباً بإتجاه جوبا أفسدو الطبخة التى لم تنضج بعد بإعتبار أن جوبا هى الراعي المحلي والاقليمي للقطاع الذى لا يزال جزءاً منها. وربما كان الدليل على هذا النحو علي قيام الإرتباط بين الاثنين ساطعاً، فها هم يعودون أدراجهم الى جوبا بما يدل على أنهم جزء منها، لهذا فقد كانت وجهتهم الى واشنطن حيث المبررات والدواعي كثيرة إذ من الممكن القول إنهم تلقوا دعوة مثلاً من معهد من المعاهد أو مركز من المراكز، تماماً كما فعل مبارك الفاضل، والذى قال إن معهد السلام الأمريكي وجّه له الدعوة لإلقاء محاضرات وندوات وحضور جلسات نقاش . ذات المبررات يمكن أن تصلح غطاءً لقادة القطاع فى سفرهم الى واشنطن للحاق بمبارك الفاضل وللإستماع الى (الخطوة المقبلة) بحسب ما قد يقرِّر خبراء السي آي أيه الموكلة لهم مهمّة الاهتمام بهم. من جانب آخر فإن السفر الى واشنطن أيضاً – فى ظل الإيحاءات المنتشرة بأن المفاوضات قد إنهارت حتى حتى قبل أن تبدأ بينهم وبين الوفد الحكومي يُراد به إعطاء انطباع بأن قادة قطاع الشمال عائدين الى حيث يمكن إحضار وسائل أكثر فاعلية للضغط على الخرطوم لتقبل بالتفاوض معهم أو مواجهة النتائج! أما أبرز أسباب العودة فهي البحث فى خطة مختلفة؛ ذلك أن الذين وضعوا بند التفاوض مع القطاع فى القرار 2046 كانوا على ثقة تامة، أن مثل هذه المفاوضات لن يكتب لها النجاح مهما كانت درجة المرونة التى قد تبديها الحكومة السودانية. إن أمثال رايس وأندروناتسيوس وليمان يعلمون علم اليقين إستحالة إنعقاد مفاوضات جادة ومثمرة بين الحكومة السودانية والقطاع، إن لم يكن لشيء فعلي الأقل لأنّ القطاع نفسه لا يساوي شيئاً وضجيجه الاعلامي وصخبه السياسي أكبر بكثير من وزنه الحقيقي، وأن الحكومة السودانية ومهما رضخت للضغوط وإحترمت القرار 2046 فهي لن تغامر بخوض مثل هذه المفاوضات التى من شأنها أن تحقق لبضعة قادة عاجزين مزايا مضاعفة آلاف المرات مجاناً، وبلا ثمن! الأمر هنا أشبه بمحاولة مرمغة أنف الخرطوم فى سياق محاولات الإحتواء والإضعاف التى تمارسها واشنطن حيال الحكومة السودانية. المتابعون للملف السوداني فى واشنطن لديهم إدراك كامل ودقيق جداً بهذه الحقيقة ويعرفون مآلاتها. ولهذا أيضاً فإن سحب وفد قطاع الشمال بإتجاه واشنطن هو فى حد ذاته ولأغراض الحبكة السياسية يمثل عنصر ضغط حتى تستجيب الخرطوم لمتطلبات القرار 2046. ومن المهم هنا أن نؤكد ان قادة القطاع فى الواقع ليس لديهم ما يخسرونه، فهم أيضاً على قناعة وإن لم يجهروا بها ولا يجرؤوا مطلقاً للجهر بها، أنهم لن يكونوا فى كفة معادلة سياسية أو مشاركة ممكنة فى الخرطوم، ولكنهم لا يمانعون فى القيام بدورهم هذا لصالح المفاوضات الرئيسة بين جوباوالخرطوم بحيث تكون الأهمية القصوي والأولوية للمفاوضات السودانية الجنوبية، مع عدم ممانعة أن تتأخر مفاوضاتهم، أو تقل أهميتها إذا كان ذلك يتيح حسم الملف الجنوبي؛ على الأقل فيما يتعلق بالقضايا التى تحقق مصالح جوبا.