"طوبى لفرنسا، لقد أصبحت منذ هذا الصباح أكثر قوة وعزة وثقة وفخرا". هكذا تفاعل الجنرال شارل ديجول يوم 13 فبراير 1960 مع أول تفجير نووي أدخل فرنسا رسميا إلى نادي "الدول النووية" الضيق. راح شارل ديجول بعد ذلك يعدد الأسباب والدوافع التي جعلت فرنسا تقرر امتلاك السلاح النووي المرعب الذي اكتشفه العالم قبل ذلك بخمسة عشر عاما عندما أقدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية في آخر سنة من الحرب العالمية الثانية، أي عام 1945، على قصف مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين مما أوقع أكثر من 200 ألف قتيل. وبالنسبة إلى فرنسا التي غزاها الألمان النازيون واحتلوها فإن السلاح النووي يعني صمام الأمان الذي يضمن عدم تكرار مثل ذلك الكابوس. لقد كان أيضا شهادة على مدى التقدم الذي حققته فرنسا في مجال التقنية النووية الفرنسية. لقد استعادت فرنسا بذلك هيبتها كقوة عظمى. يتمثل دور السلاح النووي في ردع معتد محتمل - أي الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة ومنعه من الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد. ووفق النظرية الفرنسية الأصلية فإن السلاح النووي يسهم في الحيلولة دون نشوب حرب بسبب الأضرار الفادحة التي يسببها والتي يصعب على أي دولة تحملها. لقد تم تخزين القنابل والأسلحة النووية بعشرات الآلاف في ترسانات ضخمة، وخاصة منها الأمريكية والسوفيتية. لم يمنع ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية من تكبد هزائم عسكرية نكراء في كوريا أولا ثم في فيتنام كما أنه لم يحل دون هزيمة الجيش الأحمر الروسي في أفغانستان. أما الأسحة النووية التي تمتلكها الهند فإنها لم تمنع الباكستانيين من التعدي على أراضيها سنة 1999 في كارجيل أو تحول دون مقتل آلاف الجنود الهنود. منذ نهاية الحرب الباردة لم يعد مثل هذه الذرائع تكفي لتبرير امتلاك هذه الدولة او تلك او سعيها لامتلاك السلاح النووي المرعب. لذلك أصبح القادة السياسيون يعتبرون أن التهديد أصبح يأتي من خطر الانتشار النووي. قد تبدو مثل هذه التبريرات منسجمة ومنطقية، فإذا كان السلاح النووي يعني صمام امان يضمن بقاء دولة ما على قيد الحياة" فلماذا نبدي كل هذا الخوف من امتلاك دول أخرى بعض الأسلحة النووية؟ إذا ما أخذنا في الحسبان الاعتبارات الأمنية فإننا سنرى كيف أن هذه الدول الساعية اليوم لامتلاك الأسلحة النووية تجد نفسها في الوضعية نفسها التي وجد فيها بعض الدول، مثل فرنسا، نفسها قبل خمسين سنة. لقد اطلقت الهند برنامجها النووي عقب دخولها في مواجهة عسكرية ضد الصين المجاورة سنة 1962 كما أنها كانت مدفوعة برغبة جامحة كي تتحول إلى قوة عظمى. أما باكستان، العدو الذي كان دائما يعد أضعف من الهند، فقد نسجت على منوال الهند المجاورة. أما إيران فإن التاريخ الذي عاشته منذ خمسينيات القرن العشرين الماضي قد يفسر الأسباب التي تدفع هذا البلد اليوم لإثبات مدى قدرته على الدفاع عن نفسه إذا ما لزم الأمر. لم يثبت بعد بالدليل القاطع أن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يسعى لامتلاك السلاح النووي رغم أن منطلق خياراته النووية وقلة شفافيته هما اللذان يؤججان الجدل ويزيدان من التخمينات والمخاوف أيضا. إن الانتشار النووي يمثل مبررا جيدا للتحديث، فالصاروخ إم-51 الذي يحمل على متن الغواصات ويصل مداه إلى أكثر من 9000 كلم سيعوض الآن الصاروخ إم - 45 الذي يستطيع ضرب أهداف على بعد 6000 كلم. كل ذلك بطبيعة الحال على حساب اموال دافعي الضرائب. فسلاح الردع النووي الفرنسي يبتلع نحو 20% من الميزانية العسكرية الفرنسية، وهو ما يمثل أيضا بلغة الأرقام أكثر من 50% من ميزانية وزارة العدل. أما بالنسبة إلى الرؤوس النووية فإن خفضها يظل محدودا ونسبيا. ففي سنة 1975 كانت فرنسا تمتلك 200 سلاح نووي بالتمام والكمال ليرتفع العدد إلى 300 سنة 1986 و540 سنة 1994، أي بعد نهاية الحرب الباردة وحدوث انفراج كبير في العلاقات الدولية. انخفضت الترسانة الفرنسية بعد ذلك وأصبحت تضم 300 رأس نووي لكنها تظل ترسانة نووية ضخمة ومرعبة في فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة. إن استخدام السلاح النووي لأغراض الردع يقوم على إشكالية حقيقية كما أن جدوى السلاح النووي لم تثبت حتى الآن. الثابت أنه لم يتم استخدام أي سلاح نووي ردعي في العالم منذ سنة .1945 إن فتح الأرشيف يظهر أن عدم حدوث تفجيرات نووية اخرى في الحروب والمواجهات يعود إلى المصادفات البحتة ولا علاقة لذلك بأي حسابات خاطئة أو سيئة أو أي تفاسير. إذا ما انفجر سلاح نووي على وجه الخطأ في مدينة ما فإنه يوقع مئات الآلاف بل ملايين الضحايا. أما قادة تلك البلاد فإنه سيكون أمامهم 15 دقيقة كحد اقصى لاتخاذ القرار الصائب، أي عدم الرد على الضربة النووية. هل سيتمتع هؤلاء القادة عندها بكل القدرات الفنية والفكرية والنفسية ورباطة الجأش للقيام بذلك؟ تظهر احدث الأرقام الإحصائية وجود ما لا يقل عن 23 ألف رأس نووي من بينها 2000 رأس نووي في حالة استعداد تام في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا علما أن عملية إطلاقها تتم بشكل تلقائي باستخدام جهاز الكمبيوتر. لقد اظهرت الدراسات الحديثة حول الآثار المناخية التي تنجم عن تبادل بضع عشرات من الرؤوس النووية أنها ستشكل كارثة حقيقية على مستوى العالم بأسره وهو ما سيعود على الزراعة بعواقب وخيمة دائمة يصعب زوالها. ما الذي يبرر إذًا مثل هذه العواقب الوخيمة؟ تعتبر الدول التي تمتلك الأسلحة النووية أن قيام عالم خال من السلاح النووي إنما يمثل أملا كاذبا بل ساذجا. لقد أدرك العديد من الدول خطر الأسلحة النووية على البشرية، لذلك فقد بادرت إلى وضع معاهدة لمنع الانتشار النووي التي دخلت حيز التنفيذ سنة .1970 تعتبر هذه المعاهدة صفقة بين الدول التي لم تجر بعد أي تجارب نووية والتي تلتزم بعدم القيام بذلك والدول النووية وهي الصين والولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا) التي تلتزم بدورها بالعمل على نزع الأسلحة النووية. تظل اسرائيل والهند وباكستان الدول الوحيدة التي لم توقع معاهدة منع الانتشار النووي فيما انسحبت منها كوريا الشمالية سنة .2003 من المقرر عقد المؤتمر القادم الخاص بمعاهدة منع الانتشار النووي في شهر مايو القادم. لقد ظلت الدول غير النووية تتذمر طويلا من سياسة الكيل بمكيالين والنفاق الذي يطغى على هذه المعاهدة، فالغرب يسمح بوجود الأسلحة النووية ونقل التكنولوجيا الحساسة واللازمة لتطبيقاتها المدنية إلى دول مثل اسرائيل والهند لكنه يعتبرها خطرة وتهدد الأمن والسلم في العالم عندما يتعلق الأمر بإيرانوباكستان. تعد المسألة النووية أحد أهم مفاتيح ازمة الشرق الأوسط، لهذه الأسباب فقد آل المؤتمر الذي عقد سنة 2005 لمناقشة المعاهدة إلى الفشل الذريع. إذا مني المؤتمر المقرر عقده في مايو 2010 فإن ذلك قد يؤذن بنهاية نظام منع الانتشار النووي بشكله الذي نعرفه رغم أنه حقق أهدافه على مدى أكثر من أربعين عاما وأن هناك حاجة إلى تعزيز إجراءات الرقابة، فكيف نطالب بتكثيف عمليات التفتيش في دول تخلت أصلا عن الخيار النووي مثل جمهورية جنوب افريقيا والبرازيل فيما ترفض دول أخرى الايفاء بالتزاماتها؟ يجب على قادة الدول النووية أن يعترفوا بأن عدم الانتشار النووي ونزع الأسلحة النووية أمران متلازمان ويبرهنوا على ذلك عمليا من خلال وضع حد نهائي لعمليات تحديث الأسلحة والحد رسميا من دور الأسلحة النووية في نظرياتهم الاستراتيجية العسكرية والإقرار رسميا أيضا بأن دور هذه الأسلحة النووية ردع أي هجوم قد تقوم به دولة نووية أخرى والالتزام منذ الآن بالدخول في مفاوضات متعددة الأطراف مع جدول زمني يحدد موعد نهايتها من أجل التخلص من هذه الأسلحة. المصدر أخبار الخليج 16/3/2010