يساور القلق الحكومة الجنوبية جراء الصراع الجنوبي الجنوبي المتواصل والمتصاعد بما لا يعطي أملاً في حل سياسي وشيك. مبعث قلق الحكومة السودانية مرده الى احتمال اشتعال حقول وآبار النفط الجنوبية ومن ثم توقف ضخ النفط وخسارة السودان لعائدات رسوم عبور النفط التى ترفد الميزانية السنوية العامة في السودان بحوالي 2 مليار دولار وما من شك أن اشتعال آبار النفط الجنوبية أو تدمير منشآته أو جزء منها هو بمثابة خسارة للدولتين ومن المحتم أن خسارة دولة الجنوب لبترولها سوف يؤدي الى تعقيدات اقتصادية فى الدولة الوليدة تلقي بظلال سالبة مباشرة على الدولة السودانية، خاصة إذا كنا نتحدث عن حجم مهول من التبادل التجاري وتجارة حدودية بين الدولتين وإعتماد دولة جنوب السودان على حوالي 100 سعلة سودانية بكلفة أرخص ووسيلة نقل أسهل. ومن المعروف أن مناطق إنتاج النفط فى دولة الجنوب تتركز فى ولايتيّ الوحدة وأعالي النيل، ويبدو أن قوات نائب الرئيس السابق مشار تسيطر بطريقة أو أخرى على هذه المناطق كأمر ذو طبيعة تاريخية فحواها أن مناطق إنتاج النفط هي فى الواقع مناطق إقامة قبائل النوير بصفة عامة التى ينتمي إليها الدكتور مشار. وعلى الرغم من أن الدكتور مشار أبدى حرصاً كبيراً على إرسال تطمينات عميقة للحكومة من جهة وللمجتمع الدولي من جهة أخرى بأن استمرار تدفق النفط وعدم المساس بحقوله وأنابيبه إلا أن من غير المتوقع –من الناحية الواقعية العملية– أن يتم الاعتماد على هذه التطمينات في حرب ضروس لم يتسن حتى الآن التوصل بشأنها الى وقف لإطلاق النار. كما لا يتصور أن تغل يد القوات الحكومية من استرداد المناطق التى يسيطر عليها مشار إذ أن من شأن ترك الدكتور مشار يسيطر على منشآت النفط أن يمنحه ذلك مزية وينزع عن الرئيس كير ورقة مهمة إذا ما قدر لجولات التفاوض أن تستمر، فسوف تبدو المعادلة أن الرئيس كير بيده السلطة والدكتور مشار بيده الثروة ولا غنى عن لكل منهما عن الأخرى. وعلى ذلك فإن وجود منشآت النفط فى يد وتحت سيطرة د. مشار وإصرار الأخيرة على انسياب النفط بما في ذلك مروره عبر الأنابيب السودانية وتصديره، فى الوقت نفسه مطالبته بضرورة وضع عائدات النفط فى حساب دولي خاص بعيداً عن الحكومة الجنوبية هو أمر لا يخلو من تعقيد، لأن من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يجري فتح حساب بواسطة سلطة غير حكومية وغير شرعية فى أي مصرف دولي أو وطني. وهذا معناه أن الدكتور مشار ومع سيطرته على حقول النفط إلا أنه لن يكون بوسعه أن يمنع تدفق النفط ومروره عبر أنابيب التصدير لأنه لو فعل لأثار ضده المجتمع الدولي وفى ذات الوقت لن يكون بمقدوره منع وصول أموال النفط الى الحكومة الجنوبية؛ وهو بهذه المثابة لا يبدو انه يستفيد بأي طريقة من الطرق من احتلاله لمناطق النفط أللهم إلا فى مائدة التفاوض إذا لم تتمكن قوات الجيش الشعبي التابعة للرئيس كير من استرداد هذه المناطق وإعادة السيطرة عليها من جديد. من جانب آخر فإن الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدة هي الأخرى غير مستعدة لرؤية قوات متمردة تسيطر على منشآت النفط أو تتحكم فيه، إذ أن المتمردين ومهما كانت حججهم ومهما كانت شعبيتهم لا يمكن أن يتحولوا الى سلطة شرعية وستدفع الولاياتالمتحدة ثمناً باهظاً إذ هي تدخلت لصالح مشار كونها تنقلب بهذه المثابة على سلطة شرعية بما يفتح الباب -خاصة ونحن فى أفريقيا- الى موجات مشابهة ومتتالية من الحركات المتمردة التى تفعل الشيء نفسه! إذن قلق السودان هو في الواقع قلق حقيقي إذ ليست هنا القضية قضية نفط وعادات وفوائد يستفيد منها السودان بقدر ما أن القضية فى جوهرها بمثابة مهددات اقتصادية تتهدد المنطقة فى ظل موجات لجوء هائلة لابد أن يستقبلها السودان باعتباره الأقرب الى مناطق النزاع!