يتدفق كبار الزوار على القاهرة سواء لتهنئة الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي وتأكيد الدعم المفتوح له بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية مثلما هو حال العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي توقف لنصف ساعة في مطارها يوم الجمعة الماضي، او لتصفية بعض جوانب سوء الفهم مع السلطة الجديدة، ووضع خطط عمل جديدة مشتركة في المنطقة، مثلما هو حال وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي حط الرحال في العاصمة المصرية صباح الاحد في اطار جولته في المنطقة. لكن الخبر الاهم في نظرنا "تثبيت" احكام الاعدام التي صدرت السبت عن محكمة جنايات وسط المنيا، جنوب مصر، بحق 183 شخصا من بينهم السيد محمد بديع المرشد العام لحركة الاخوان المسلمين، بعد مصادقة مفتي مصر عليها. تثبيت احكام الاعدام الصادرة بحق هؤلاء وارتدائهم بدلة السجن الحمراء انتظارا للتنفيذه في اي وقت اثارت ردود فعل غاضبة من قبل العديد من جمعيات حقوق الانسان العالمية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" وحكومات ومنظمات اخرى وشخصيات حقوقية، ولكن من غير الواضح ان هذه الاحتجاجات ستجد اي صدى او تأثير لدى السلطات المصرية. الرئيس السيسي بات يملك الصلاحيات، المطلقة بعد فوزه في انتخابات رئاسية جرت في طريق من اتجاه واحد بنسبة زادت عن 96 بالمئة ويقف حاليا امام خيارين رئيسيين في هذه المسألة. *الاول: ان يعطي الضوء الاخضر لتنفيذ احكام الاعدام هذه وبسرعة دون اي ابطاء او تأخير. *الثاني: ان يصدر عفوا عاما، ويبطل تنفيذ هذه الاحكام او يحولها الى احكام بالسجن المؤبد، وهو كرئيس جمهورية يملك الصلاحيات التي تمكنه من ذلك. الخيار الذي سيقدم عليه الرئيس السيسي في هذا الملف سيشكل هوية ومسار وخريطة طريق حكمه في السنوات الثمانية المقبلة، (من المؤكد انه سيفوز بولاية ثانية اذا لم تتم اطاحته من منصبه بانقلاب او ثورة شعبية)، فاذا فضل الخيار الاول، اي تنفيذ احكام الاعدام، فان هذا يعني انه سيمضي قدما في سياسة "الحديد والنار" التي توعد بها خصومه، وخاصة حركة الاخوان، اما اذا فضل الخيار الثاني اي ابطال هذه الاحكام واصدار عفو عام، فهذا يعني انه يميل الى الحوار مع خصومه وصولا الى المصالحة الوطنية. من المرجح ان يلجأ الرئيس السيسي الى الخيار الاول، اي تنفيذ احكام الاعدام هذه، بدءا بالسيد بديع المرشد العام لحركة الاخوان المسلمين التي "توعد باجتثاثها لانها حركة "ارهابية" وايديها ملطخة بالدماء المصرية ولا مكان لها في المجتمع والعملية السياسية" مثلما قال في خطابه الاول الذي القاه يوم تتويجه رئيسا لمصر. الرئيس السيسي يفضل ان يسير على خطى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومحاكاته في معظم تصرفاته وسياساته، وهي الصورة التي روج لها اتباعه في الاعلام على وجه الخصوص، ولن نستبعد ان تكون اول ترجمة لهذه "المحاكاة" اعدام المرشد العام للاخوان السيد بديع، تماما مثلما فعل الرئيس عبد الناصر عندما اعدم نظامه المفكر الاخواني سيد قطب بعد محاولة اغتيال فاشلة استهدفته اثناء خطاب له في ميدان المنشية في مدينة الاسكندرية، وكانت بداية لمرحلة مصرية جديدة ليس للاخوان مكان فيها. الفارق شاسع بين الرئيسين، ويكفي ذكر مثالين من سلسلة لا حد لها من الامثلة في هذا الصدد، اولها ان الرئيس عبد الناصر كان وطنيا عروبيا وقف في الخندق الآخر المواجه لاسرائيل والغرب الاستعماري وساند كل ثورات التحرر العربية، والثاني انه كان صاحب مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل عنوانه الاصلاح الزراعي، والانحياز للفقراء، والبعد عن التعصب الديني او المذهبي، واطلاق معظم الحريات بما في ذلك حرية المرأة وتعليمها. احكام الاعدام هذه تشكل في رأينا استهزاء بالعدالة، ودق للمسمار الاخير في نعش القضاء المصري ونزاهته، لانها محاكمات غير قانونية افتقدت كليا الى الاستقلالية والنزاهة، وصدرت احكامها الظالمة هذه على عجل، بل لا نبالغ اذا قلنا انها امليت نت اعلى على القضاة، فالنظر في ملفات 183 متهما بتهم خطيرة تستحق الاعدام يحتاج الى اشهر ان لم يكن سنوات، وليس ثلاثة ايام فقط تصدر بعدها الاحكام بالاعدام! انها بداية سيئة لحكم الرئيس السيسي تؤشر الى ان طموحات نسبة كبيرة من ابناء مصر في قيام مؤسسات قضائية مستقلة، وفصل كامل بين السلطات، وحريات تعبير بسقف عال ليس لها اي مكان في نظام الحكم الجديد في مصر، وان وجد فمحدود للغاية، مثلما لا يوجد مكان للمصالحة الوطنية المأمولة، ونأمل ان نرى في الاشهر المقبلة ما يغير وجهة نظرنا واحكامنا هذه. المصدر: رأي اليوم الالكترونية 23/6/2014م