فى ندوة انعقدت بمعهد (ود روولسون) بالعاصمة الأمريكيةواشنطن منتصف سبتمبر الماضي لمناقشة علاقة محكمة الجنايات الدولية بالقارة الإفريقية ، تحدث مدعي عام المحكمة لويس مورينو أوكامبو عن دور المحكمة فى التحقيق فى الجرائم التى أُرتبكت فى أفريقيا ؛و يبدو أن اوكامبو بات يستشعر مخاطر انفصام العلاقة بين محكمته و الأفارقة ،و الشعور المتنامي لدي القادة الأفارقة بأن المحكمة تستهدفهم وحدهم و تطارد قادتهم ، فانتهز هذه السانحة ليجيب على سؤال يبدو أنه لا يملك له إجابة مقنعة ، وهو كما قال: هناك أسئلة دائماً ما تطرح عن استهداف المحكمة للأفارقة ، وأنا أجيب – و هى إجابة لاوكامبو – بأن السبب هو ان الدول الأفريقية هى التى ما تزال ترتكب جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و الإبادة الجماعية! و طاف اوكامبو على جرائم دارفور مردداً ذات مزاعمه المعروفة ومتهماً المسئول السوداني احد هارون بأنه وراء جرائم دارفور ،وأنه مسنود من قبل الرئيس البشير .و لكي يعطي اوكامبو قضية اعتقال هارون بعداً دولياً مهما ، و ظلال سياسية كثيفة قال ان هارون يتولي الآن منصب حاكم ولاية جنوب كردفان الذى تقع فيه منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال و الجنوب ؛ ومن المحتمل - يقول أوكامبو- ان يرتكب هارون فى ذات المنطقة هذه جرائم حرب مماثلة إذا اختار سكان أببي الانضمام للجنوب عقب الاستفتاء المرتقب مطلع يناير المقبل. و بالطبع لا يحتاج المرء الى كبير عناء لإدراك المنحي السياسي و الصبغة الفاقعة التى يستتر وراءها اوكامبو ، فالرجل بكل صفاقة لا تشبه وقار العدالة يزعم ان تركيز محكمته على الأفارقة لأن الأخيرين هم الذين يرتكبون جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية. و هو زعم مؤسف خاصة اذا صدر عن رجل عدالة ؛ إذ ان التمييز العنصري هنا شديد الوضوح و التصنيف الإجرامي الذى خصَّ به اوكامبو الأفارقة يقتضي ان يقاضيه الافارقة عليه ، لأنه بهذا الاتهام دمغ الافارقة وحدهم بهذا النوع من الجرائم و تغاضي أوكامبو عن الفرنسيين و ما ارتكبوه من مجازر فى رواندا فى تسعينات القرن المنصرم ، و ما يرتكبه الإسرائيليون الآن فى غزة بالأراضي المحتلة الفلسطينية ،و الأمريكيين فى أفغانستان و العراق ، إذ لا يمكن القول ان ما يرتكبه هؤلاء ليست جرائم ضد الإنسانية. على ذلك لنا ان نتصور كيف يمكن قبول عدالة بهذه العنصرية و هذه الانتقائية الصارخة. أما حديثه عن حاكم جنوب كردفان فهذا دون شك عمل سياسي تحريضي بحت ، لأن المدعي العام يتحدث عن جرائم مُحتملة فى المستقبل إذا اختار أهل أبيي الانفصال . و عليه فان كل ما أورده اوكامبو فى هذه الندوة كان بمثابة إدانة له و لمحكمته و زاد من تمسك الافارقة بعدم التعاون مع هذه المحكمة.