تحدثت بالأمس عن لورينو أوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ومواقفه المشبوهة، وتسييسه عمل المحكمة، وتحويلها إلى أداة لإرهاب الدول الافريقية على وجه الخصوص. وبالطبع، كما قلنا مرارا من قبل، لا يمكن أن ندافع عن أي انتهاكات ترتكبها دول افريقية أو عربية، ولسنا نعترض حتى على ان تفتح المحكمة ملفات ما تتأكد أنها جرائم تم ارتكابها في أي بلد افريقي أو عربي. لكن لا بد هنا أن يتوافر شرطان على الأقل: أولا : أن تكون الاتهامات التي توجهها المحكمة إلى أي بلد افريقي أو عربي مبنية على أدلة قاطعة، وأن يكون الهدف هو تحقيق العدالة فعلا، لا خدمة أغراض سياسية لقوى عالمية كبرى. ثانيا: أن يكون هذا في إطار سعي لإقرار العدالة على المستوى العالمي من دون تمييز، وفي إطار ملاحقات من المحكمة الجنائية لجرائم الحرب في كل مكان. لكن الحادث كما رأينا ان المحكمة، وبسبب اوكامبو وتحيزه وعنصريته، لم يتوافر في عملها أبدا أي من هذين الشرطين. في الوقت الذي استهدفت فيه المحكمة الدول الافريقية بالذات، تجاهلت تماما جرائم الحرب والابادة الكبرى التي جرت في العالم أمام اعين الكل، وكأنها ليس لها أي وجود. ولنا فقط ان نتوقف عند مثالين صارخين: الاول: وقد سبق لنا أن عرضنا له لكن لابد من الإشارة إليه هنا في هذا السياق. نعني بذلك "تقرير جولدستون" عن جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبها العدو الاسرائيلي في قطاع غزة. هذا التقرير وثق هذه الجرائم بأشد ما يكون التفصيل. والتقرير تقرير دولي ملزم أقره مجلس حقوق الانسان، ثم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة. والتقرير يطالب بالتحقيق مع مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين ارتكبوا هذه الجرائم. ومن ضمن توصيات التقرير دعوة المحكمة الجنائية الدولية الى أن تبادرالى فتح ملفات هذه الجرائم، واستدعاء المجرمين الإسرائيليين للتحقيق معهم فيها . لكن اوكامبو تجاهل هذا التقرير تماما كأنه لم يصدر رغم شناعة الجرائم الاسرائيلية. بل اننا لم نسمع له أي تصريح عن التقرير وعن هذه الجرائم أصلا. والثاني: العالم كله يعلم تفاصيل جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة والدول الغربية الحليفة في العراق وفي افغانستان. وفي الفترة الماضية، نشرت ويكيليكس عشرات الآلاف من الوثائق الرسمية التي مصدرها وزارة الدفاع الامريكية نفسها، تتحدث عن تفاصيل هذه الجرائم في افغانستان وفي العراق. وهي تشمل كل جرائم الحرب والإبادة التي حددها القانون الدولي. ألم يكن كل هذا يكفي كي تبادر المحكمة الجنائية الدولية الى فتح ملفات جرائم الحرب والإبادة في العراق وأفغانستان، بناء على هذه الوثائق الرسمية الأمريكية على الأقل، وإصدار قوائم بالمجرمين الذين وقفوا وراء ارتكابها والتحقيق معهم؟ لكن مرة اخرى، اوكامبو كأنه لم يسمع اطلاقا بكل هذا. على الرغم من ان ضحايا هذه الجرائم في العراق وأفغانستان هم ملايين بالمعنى الحرفي للكلمة. وبدلا من أن تحقق المحكمة في هذه الجرائم الكبرى، نجد أنه لا شغل ولا اهتمام لاوكامبو إلا بالسودان ودول افريقية اخرى. الكارثة هنا ان اوكامبو بهذا الذي يفعله لا يهدر العدالة الدولية فقط، ولم يسئ الى العدالة الدولية فقط، وانما هو عمليا يتواطأ مع مجرمي الحرب والابادة في فلسطين والعراق وافغانستان. وهو بتواطئه هذا جعل من المحكمة الجنائية عمليا اداة للتشجيع على المضي قدما في ارتكاب جرائم الحرب والابادة . وهذا هو الحادث بالفعل. فبسبب موقف اوكامبو المخزي والمجرم على هذا النحو، ترتكب يوميا جرائم حرب في فلسطين والعراق وافغانستان. على ضوء ما ذكرناه امس واليوم، ليس من المبالغة أبدا ان نصف اوكامبو بالمجرم. بل ان جرمه لا يقل في واقع الامر عن جرم مجرمي الحرب ان لم يكن اكبر. ذلك انه ببساطة في موقع يتيح له ردع المجرمين لكنه يتواطأ معهم.. في موقع يتيح له على الاقل محاولة تحقيق قدر من العدالة الدولية، لكنه بدلا من ذلك حوّل المحكمة الجنائية الى اداة ظلم وتمييز عنصري وسياسي لصالح قوى عالمية كبرى. لقد سبق لي في اعمدة مطولة ان ذكرت ان هناك اساسا قانونيا، وبحسب نظام المحكمة الجنائية نفسها والقواعد والمبادئ المنظمة لعملها، للمطالبة بتنحية هذا الرجل ومحاكمته. لكن الحادث للأسف ان اوكامبو يتمتع بحماية مجرمي الحرب الكبار في العالم. المصدر: اخبارالخليج 21/12/2010