تبدو «المحكمة الجنائية الدولية» وكأنها قبضت على جميع مجرمي الحرب في العالم، ولم يبق لديها إلا الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي اتهمه ممثل الادعاء في المحكمة لويس مورينو أوكامبو في يوليو 2008 بارتكاب جرائم حرب في دارفور، أدت إلى مقتل 35 ألف شخص، وهو أول رئيس حاكم يوجه إليه مثل هذا الاتهام منذ رئيس «ليبريا» تشارلز تيلور، والرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفتش. يجب أولا التمييز بين المحكمة الجنائية الدولية التي انضمت إليها حتى عام 2005 مائة وإحدى عشرة دولة، لكن الولاياتالمتحدة وإسرائيل سحبتا عضويتهما في عام 2002م، وبين محكمة العدل الدولية، فهذه الأخيرة انبثقت عن الأممالمتحدة وتتبع لها، أما الأولى فلا علاقة لها بالأممالمتحدة، وإن كانت تنظر في الحالات التي يحيلها إليها مجلس الأمن الدولي. تمارس المحكمة ضغوطا على الدول الإفريقية «ومنها دول وقعت على اتفاقية المحكمة» للقبض على الرئيس البشير وتسليمه للمحكمة، ولكن الاتحاد الإفريقي أصدر قرارا بالإجماع طلب فيه من الدول الأعضاء عدم التعاون مع هذه المحكمة في تنفيذ هذا الأمر، والتزمت الدول الإفريقية «حتى الموقعة على قرار المحكمة مثل كينيا» بتنفيذ قرار الاتحاد. لا يتسع المجال لذكر الجرائم التي تسميها المحكمة نفسها «جرائم إبادة» أو «جرائم الحرب» أو «جرائم ضد الإنسانية» ولكن أوكامبو نفسه قال «إنه لا يستطيع التحقيق مما يجري في العراق، لأن العراق لم يوقع على قرار إنشاء المحكمة» (لم تنضم إلى المحكمة إلا دولتان عربيتان هما الأردن وجيبوتي) حسنا والسودان أيضا لم ينضم إلى المحكمة، فكيف تصدر هذه المحكمة أمرا باعتقال رئيس دولة ليست عضوا فيها؟ يعود الأمر إلى مجلس الأمن الدولي الذي بات معروفا على أوسع نطاق أن السيطرة فيه للولايات المتحدة وحلفائها،ولم يقف هذا المجلس يوما مع الدول المعتدى عليها، ولم يصدر أي قرار ينصف المستضعفين حسب البند السابع، وإلا إذا أرادت الدول الكبرى ذلك. فإذا استعرضنا أنواع الجرائم التي تنظر فيها المحكمة فسنجدها تنطبق أشد الانطباق على ما تفعله الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان وشمال باكستان وما فعلته وتفعله إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا كان مجلس الأمن الدولي لم يطلب من المحكمة، فإن السلطة الفلسطينية «كممثل للشعب الفلسطيني» قدمت شكواها إلى المحكمة الدولية، فلماذا لم تصدر هذه المحكمة مذكرات بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين، على الرغم من أن المحاكم الجنائية في دول عديدة أدانت هؤلاء، وطلبت اعتقالهم وتقديمهم الى المحاكمة كمجرمي حرب؟ إن جميع مواد «نظام روما الأساسي» للمحكمة الجنائية الدولية الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2002 تنطبق على ما تفعله إسرائيل وما تفعله الولاياتالمتحدة. فلماذا لم تتحرك هذه المحكمة؟ وكمثال واحد فقط: تنص المادة 7 (1) (أ) على أن المقصود بالإبادة التي تشكل جريمة ضد الإنسانية أن يقتل مرتكب الجريمة 7 أشخاص أو أكثر، في هجوم على السكان المدنيين، ويعلم أن هذا جزء من الهجوم. وتنص المادة 7 (1) (ب) على أن المقصود بالإبادة إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي حتما إلى هلاك جزء منهم. لقد قتلت إسرائيل في عدوانها على غزة وحده 2008-2009 أكثر من 1400 فلسطيني وتمارس الحصار على القطاع منذ 2007 - فلماذا لم تقترب المحكمة منها؟ نزار عابدين كاتب سوري المصدر: الوطن الكويتية 1/11/2010