يعتزم البنتاجون إعادة إطلاق عملية بحث على صعيد العالم عن بلد يحتضن مقر قيادته العسكرية الخاصة بأفريقيا، والتي مازالت بدون مقر دائم بعد مرور ثلاث سنوات على إنشائها؛ حيث أخبر الجنرال إف. هام، مرشحُ إدارة أوباما لتولي مسؤولية القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا (أفريكوم)، لجنةً تابعة لمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي بأنه سيطلق عملية البحث في حال تثبيته في المنصب. والجدير بالذكر هنا أن المقر الحالي للقيادة يوجد في شتوتجارت الألمانية، وذلك لأسباب من بينها حقيقة أن البلدان الأفريقية تعارض بقوة فكرة وجود عسكري أميركي موسع على قارتها. وقال "هام" للجنة لقوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ: "أعتقد أنني سأتناول هذا الموضوع، في حال تثبيتي، بدون وجود أسماء مرشحة". لكن "هام" أوضح أن من بين الخيارات المطروحة نقل مقر "أفريكوم"، بوظائفه ال1500، إلى الولاياتالمتحدة حيث ينظر بعض المشرعين إلى المقر باعتباره فرصة اقتصادية بالنسبة لمناطقهم. ومن بين المواقع الممكنة جنوب غرب ولاية فرجينيا، حيث يتبنى مسؤولو الولاية الفكرة كنوع من العزاء والمواساة الممكنة على الفقدان المتوقع لقيادة القوات المشتركة الأميركية، ذلك أن البنتاجون يخطط، ضمن خطوة تروم خفض النفقات أعلن عنها وزير الدفاع في أغسطس الماضي، لإغلاق قيادة القوات المشتركة، التي يوجد مقرها في نورفولك وتوظف نحو 6 آلاف عامل ومتعاقد حكومي. غير أنه في اجتماع عُقد مع مشرعي ولاية فرجينيا الذين يحثونه على الاحتفاظ بقيادة القوات المشتركة، أعلن جيتس أنه مستعد لبحث إمكانية احتضان الولاية للمقر لجديد لأفريكوم. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم البنتاجون، جيف مورل، "إن الوزير جيتس وافق على إدراج اسم نورفولك ضمن أي مراجعة نقوم بها في المستقبل لاتخاذ قرار بشأن موقع المقر الدائم لأفريكوم". كما سعى جيتس إلى التخفيف من وطأة الإعلان عن الإغلاق المتوقع لقيادة القوات المشتركة عبر إخبار وفد ولاية فرجينيا بأن الوظائف ال6 آلاف لن يتم إلغاؤها كلها؛ حيث قال مورل: "إن الوظائف التي سيتقرر أنها ذات أهمية سيتم الإبقاء عليها في منطقة نورفولك وسفولك". وكانت إدارة بوش أعلنت في 2007 أنها ستنشئ قيادة "أفريكوم" من أجل تحسين العلاقات العسكرية مع البلدان التي لم تحصل تاريخياً على اهتمام من واشنطن. وكان أحد دوافع هذا القرار هو الخوف من أن يجد المتطرفون الإسلاميون ملاذا في مناطق فقيرة من أفريقيا وغير خاضعة لحكم مركزي قوي. غير أن الإعلان أثار انتقادات في الداخل والخارج؛ حيث اشتكى بعض الدبلوماسيين من أن البنتاجون بدأ يُعسكر علاقات الحكومة الأميركية في أفريقيا. كما أن العديد من البلدان الأفريقية، التي مازالت تستحضر ذكريات الاضطهاد الاستعماري، نفرت من فكرة وجود عسكري أميركي كبير في فنائها الخلفي. وقد لقي وفد أميركي قام بجولة في إفريقيا خلال يونيو 2007، بحثاً عن موقع لمقر القيادة، استقبالاً فاتراً، حتى من قبل حلفاء تربطهم علاقات جدية بالولاياتالمتحدة. وفي هذا السياق، قال الجنرال عبد الجبار أساوي، مدير الاستخبارات ومحاربة الإرهاب في المغرب، خلال مؤتمر أمني هذا الشهر بكلية ماكدانييل في ويستمنستر، بولاية ميريلاند: "إن البلدان الأفريقية نظرت إلى الأمر كتهديد"، مضيفاً: "وقد أوضحت جيداً أن لا أحد يرغب في وجود أي جيش أجنبي في أي مكان بأفريقيا، وبخاصة جيش الولاياتالمتحدة". وقد اعترف مسؤولون أميركيون بأن عملية البحث عن موقع لمقر القيادة قد أسيئت إدارتها؛ حيث قال كارلتون فولفورد، الجنرال المتقاعد بالبحرية الأميركية والذي عمل مديرا لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية بوزارة الدفاع ما بين 2003 و2006، "إن أفريكوم تقوم بأشياء جيدة اليوم، لكنها بدأت بداية سيئة للأسف"، مضيفاً "أنها حالة تصلح للتدريس حول كيف يمكن أن تبدأ بداية خاطئة إذا لم تكن تجيد العلاقات العامة، وتشرح من أنت وما تفعل، لكننا لم نفعل أياً من ذلك". وفي السابق، كانت العلاقات العسكرية مع أفريقيا تندرج ضمن مسؤوليات القيادة العسكرية الأميركية لأوروبا في شتوتجارت، بألمانيا. لذلك، فقد جعلت القيادة العسكرية لأفريقيا مقرها المؤقت هناك أيضاً. وفي أكتوبر 2008، أرجأ جيتس عملية البحث وأعلن أن البنتاجون سينتظر حتى بداية 2012 للتقرير بشأن مقر دائم للقيادة. ثم لاحقاً، أعلن القائد الحالي الجنرال ويليام وورد أنه يتوقع أن يظل المقر في شتوتجارت للأبد. ولم يوضح مسؤولو البنتاجون أسباب إعادة إطلاق عملية البحث الآن؛ لكن "هام" قال إنه سيبحث كل الخيارات، بما في ذلك بعض المواقع في أفريقيا. ويذكر هنا أن الجيش الأميركي لديه قاعدة في القارة، في جيبوتي؛ لكن البلد الوحيد الذي عبر عن اهتمام باستضافة مقر القيادة هو ليبيريا. غير أن بعض المحللين يرون أنه من غير المنطقي اختيار موقع لمقر القيادة في أفريقيا على اعتبار أن ثمة مدناً قليلة جداً تستطيع استيعاب 1500 مقيم أجنبي وأفراد عائلاتهم؛ حيث يقول جي. بيتر فام، عضو المجلس الاستشاري لقيادة أفريقيا ونائب رئيس اللجنة الوطنية للسياسة الخارجية الأميركية: "إن تلك الجالية الأجنبية الكبيرة ستؤدي إلى صدمة في المجتمع المحلي"، مضيفا أن احتمالات أن يختار البنتاجون موقعا أفريقيا تظل ضئيلة جداً، "وشخصياً، سأقول إنها ما بين ضئيلة ومنعدمة". وقد أوصى فام في الوقت نفسه بالإحجام عن نقل موقع القيادة إلى الولاياتالمتحدة قائلا إنها ذلك "ليس عمليا" بسبب زمن السفر الطويل إلى أفريقيا. غير أن بعض المشرعين الأميركيين يردون على ذلك بالقول إن الإبقاء على هذا العدد الكبير من الموظفين العسكريين في ألمانيا غير عملي ومكلف جداً، لافتين إلى أن مقر قيادة المحيط الهادي الأميركية يوجد في هاواي، ومقر القيادة الوسطى في تامبا، ومقر القيادة الجنوبية في ميامي. ومن جانبه، يقول السيناتور جيمس ويب (الديمقراطي من ولاية فرجينيا) في تصريح له: "إن نورفولك والمناطق المجاورة لها تتوفر على مرافق ومنشآت ذات جودة عالية تؤهلها لاحتضان مقر "أفريكوم"، مؤكداً أن نقل موقع المقر إلى فرجينيا "سيحافظ على مليارات الدولارات على المدى البعيد". كريج ويتلوك - واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» المصدر: الاتحاد 2/12/2010