500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة الأفريقية والدور المنوط بها - السودان نموذجاً
نشر في السودان الإسلامي يوم 28 - 03 - 2010

تتعرض المرأة في العالم الثالث، وفي إفريقيا على وجه الخصوص إلى نوع غريب من الاستغلال الدعائي من قبل لوبيهات الحركات الأنثوية العالمية، التي وجدت لها مراكزاً قوية في المنظمات الدولية، حيث تحاول تلك الحركات أن تفرض أطروحاتها على العالم، ولا تجد بيئة أفضل من مجتمعات العالم الثالث- بمشالكه المركبة- لتطبق عليها مشروعاتها المصادمة للفطرة الإنسانية.
فالتقارير عن أوضاع المرأة، سواءاً كانت صادرة عن الأمم المتحدة، أو عن المنظمات الناشطة في مجال النسوية، كلها تستمد من إفريقيا مادتها وأرقامها؛ عن العنف، والاغتصاب، وبتر الأعضاء، والانتهاكات ضد المرأة، وتهميشها..إلى آخره مما يُتخذ مدخلاً للحديث عن "الجندر" و"الأدوار الجديدة للمرأة" و"مكافحة التمييز ضدها"..
وإفريقيا قارة شديدة الخصوبة لتلك الدعاية؛ حيث الحروب والتوترات والنزاعات العرقية، وحيث إهمال الدولة وغياب الرعاية الصحية، وحيث التقاليد الفاسدة والخرافة، وانتشار الجهل والأمية، إلى غير ذلك من أوضاع تسببت في تكريسها نفس الدول الغربية التي انطلقت منها تلك الأطروحات، سواءاً عندما كانت محتلة مغتصبةً لبلدان القارة، أو بعد أن منحتها حرية شكلية، تكفل لها التحكم بثرواتها، وبأمنها واستقرارها.
تلك الأوضاع المتردية أفرزها غياب الاستقرار السياسي والأمني، في معظم المجتمعات الإفريقية، وهو أمر أدى بطبيعة الحال إلى ضعف النمو الاقتصادي، والمدني، وبالتالي غياب ما يترتب عليه من سيادة للقانون، وتطور في التعليم وفي الحقوق المدنية والسياسية، والرفاه الاقتصادي، وغيره من الأمور التي تنعكس على المرأة وأوضاعها أيجابياً..
ولقد كان غياب الاستقرار والأمن عاملاً مباشراً في وقف التطور الطبيعي للمجتمعات الإفريقية، ذلك التطور الذي يمكنها من تنمية نظامها الاجتماعي والسياسي الخاص، بما يتوافق مع دينها وتقاليدها، دون الحاجة إلى القبول بنظم أجنبية غريبة عنها، ومفروضة عليها، تؤدي في خاتمة المطاف إلى نتائج كارثية تصيب بنية المجتمع في مقتل.
إفريقيا..صورة مقربة:
يبلغ عدد سكان إفريقيا حالياً 9ر905 مليون نسمة موزعين على 53 دولة، وتتوقع بعض التقارير الدولية أن يتضاعف هذا العدد في سنة 2050م ليبلغ مليار و94 مليون نسمة بسبب إرتفاع نسبة الخصوبة في بين سكان القارة الإفريقية. وتمثل المرأة النصف من هذا التعداد السكاني للقارة!.
وأشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للسكان إلى أن متوسط عمر الأفارقة سيرتفع من (19 إلى 28 سنة)..وهي حالة متفردة بالنظر إلى الجارة الشمالية، أوروبا، إذ أفاد نفس التقرير أن عدد سكان أوروبا سينخفض من 725 مليون نسمة حاليا إلى 630 مليون نسمة بحلول سنة 2050 م، وفي المقابل سيزيد معدل الحياة في أوروبا، حيث سيرتفع متوسط عمر سكانها من 39 سنة خلال عام 2005 إلى 48 سنة عام 2050م.
وهذه المؤشرات تفيد بأن القارة الإفريقية ستتمتع بأكثرية شابة غالبة بين سكانها، مقابل مجتمع تغلب عليه الشيخوخة في أوروبا الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وتبلغ نسبة المسلمين في إفريقيا 63% ، حيث يمثل الإسلام دين الأغلبية في معظم دول إفريقيا شمال الصحراء وجنوبها..على الرغم من سيطرة غير المسلمين على مقاليد السلطة في كثير من تلك البلدان.
ولكن إفريقيا تعاني من إشكالات كثيرة: أهمها على وجه الإطلاق:
- النزاعات المسلحة التي تفتك بالقارة وتكلفها سنوياً أكثر من 18 مليار دولار، ففي الفترة ما بين عامي 1960م حتى 1995م وقع في أفريقيا أكثر من 25 نزاعاً مسلحاً، وأكثر من 100 انقلاب عسكري، وتحتضن التربة الإفريقية أكبر نسبة للألغام في العالم، حيث تتجاوز 30 مليون لغم تتواجد في 18 دولة إفريقية، من بين 110 مليون لغم في 64 دولة على مستوى العالم.. ويبلغ عدد اللاجئين والمشردين وفقًا لإحصائيات مفوضية اللاجئين، حوالي 7 ملايين لاجئ و15 مليون مشرَّد من إجمالي 21 مليون لاجئ على مستوى العالم.
- وتعاني إفريقيا من الفقر: فرغم ما تنعم به من ثروات ضخمة يعيش 59% من الأفارقة تحت خط الفقر، وتصنّف 21 دولة إفريقية تحت بند الدول التي تفتقر إلى الأمن الغذائي في العالم من بين 37 دولة في العالم تصنّف تحت هذا البند.
- وترتفع نسبة الأمية في إفريقيا فقد أظهرت دراسة مقارنة استندت عليها الأليكسو في العام 2005م أن نسبة الأمية في أفريقيا بلغت 32%، حيث انخفضت من 40% كانت عليها في العام 2000م.
- يتسبب الجهل في تفشي العديد من التقاليد والممارسات الخاطئة، مثل السحر، والشعوذة، والختان الفرعوني، وتشويه الأعضاء، كما تؤدي ظواهر التشرد والنزوح واللجوء الناجمة عن الحروب، إلى تفشي الانحلال الخلقي، وانتشار الأوبئة والأمراض الناجمة عن الممارسات الخاطئة، مثل الإيدز، والأمراض المنقولة جنسياً.
المرأة: الإفريقية:
المرأة الإفريقية هي وليدة تلك البيئة بكل معطياتها الإيجابية، أو السلبية، فإذا كان الإسلام يبلغ نسبة 63% من مجمل سكان إفريقيا، فإنه يمثل دين غالبية النساء في القارة، حيث تمثل المرأة نصف سكان إفريقيا..وإذا كان 59% من سكان القارة يعيشون تحت خط الفقر، فإن أكثر من نصف نساء القارة هنَّ فقيرات..
والمرأة الإفريقية هي إمرأة متأثرة بما حولها، يصيبها الفقر فتضطر للعمل لتساعد على إعالة الأسرة، وقد تتعرض للموت عند الإنجاب أو يصيبها المرض نتيجة لغياب الرعاية الصحية، وتتاثر بأوضاع الحروب والنزاعات المسلحة فتفقد الزوج أو الأب أو الابن فتصبح هي العائل الوحيد للأسرة، أو تتعرض للنزوح والتشرد، فتتغير حياتها، وقد تسقط في الرذيلة جراء الانحلال الخلقي الذي تخلفه تلك الأوضاع المزرية..وقد تؤدي بها الأمية والجهل إلى الضلوع في ممارسات فاسدة واعتناق معتقدات خرافية، وممارسة تقاليد سيئة، كما تجعلها غير قادرة على معرفة حقوقها الشرعية، والمطالبة بها أو الدفاع عنها.
ورغم كل ذلك يظل القاسم المشترك في المرأة الإفريقية- مسلمة كانت أو غير مسلمة- هو إدراكها لأهمية الأسرة في الحياة وضرورة الحفاظ عليها، ومعرفتها أن الرجل هو القيِّم على الأسرة، والمسؤول عنها..وأن الأمومة هي وظيفتها الأولى التي لا تقابلها مهمة..
هذا الفهم راسخ في كل التقاليد الإفريقية، ومتردد في التراث الشعبي والأحاجي والأغاني[1]..
المرأة في السودان:
السودان بلد مسلم بغالبية سكانه، وتمثل ثقافة الإسلام وأعرافه الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، وبالتالي تتبلور النظرة للمرأة من هذا المنطلق..هذا في الجملة، غير أن ذلك الإجمال لا ينفي وجود مجتمعات غير مسلمة لها أعرافها وتقاليدها ومعتقداتها الخاصة، كما لا ينفي أن كمّاً من الأعراف والتقاليد الفاسدة - المتسللة من التراث التاريخي السابق للإسلام في هذا البلد، ومن الاحتكاك بالمجتمعات الأخرى- قد وجد له مكاناً في ممارسات السودانيين، حتى المسلمين منهم[2].
يبلغ تعداد سكان السودان حوالي 40 مليون نسمة، 41.1% من هؤلاء لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً، ويبلغ عدد الإناث منهم 8.093.609 ، في مقابل 8.093.609 من الذكور، ويبلع عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 64 حوالي 56.4% ، الإناث منهم 11.275.685، في مقابل 11.407.233 من الذكور. وبينما يشكل 2.5% من السودانيين هم فوق ال 65 عاما.
وتمثل الأسرة الشرعية الأساس الذي يقوم عليه المجتمع في السودان، وهي المأوى الوحيد للمرأة في السودان، فليس معروفاً فيه أن امرأة تعيش في منزل بمعزل عن أسرة!.. بل وتتولى النساء إعالة حوالي 27% من إجمالي الأسرة السودانية.
تعاني المرأة السودانية من أزمات مجتمعها، فقد تأثرت إلى درجة قصوى بالحرب في الأهلية في جنوب السودان التي دامت ل 23 عاماً.. وهي ما زالت تتأثر بشكل كبير بالحرب الأهلية في دارفور التي اندلعت في العام 2003م ومازالت مستعرة حتى الآن، وأدت إلى نزوح ولجوء قرابة 2مليون نسمة، مقتل أكثر من 10 آلاف شخص..وتعاني من الفقر، ومن انتشار الأمية، وترتفع في أوساطها حالات الوفاة عند الإنجاب..إلى غير ذلك من الإشكالات.
قضية المرأة في السودان:
لم تكن للمرأة في السودان قضية منفصلة عن قضية الإنسان في بلدها، فالأوضاع السيئة والمظالم التي تتعرض لها لم تكن منفصلة عن واقع التخلف الذي يعيشه المجتمع..وكان ضعف التعليم وضعف الثقافة الإسلامية سبباً في ضياع حقوق المرأة والرجل على السواء..
ولكن الحركة النسوية التحررية التي ولدت من رحم الحركات العلمانية واليسارية في السودان، اقتنصت تلك الأوضاع لتصنع منها قضية خاصة بالمرأة، وتجالد بها لهدم أركان المجتمع المسلم، متخذة من قضية تعليم المرأة مدخلاً ونقطة انطلاق..صحيح أن نسبة الأمية وسط نساء السودان كانت تبلغ قبل استقلال السودان 90% ، ولكن هذا الواقع كان له مسبباته -إن لم نقل مبرراته- فالمجتمع عموماً –رجاله و نساؤه- كان يعاني من الأمية، ولم يكن الأمر قاصراً على المرأة ..!!، فهو مجتمع شفاهي رعوي، وحتى النسبة القليلة من الرجال التي نالت حظها من التعليم، تلقته في "الخلاوي"- المؤسسة التعليمية التي كانت متوفرة آنذاك- حيث يسافر الفتى مغترباً عن أهله لينقطع للعلم في الخلوة، الأمر الذي لم يكن ليتيسر للمرأة.. وكانت المحاولات الأولى التي بدأها المحتل الإنجليزي لتعليم المرأة مرتبطة بمحاربة التعليم الديني الإسلامي، وكانت المدارس النظامية في تلك الفترة تحت إدارة الإرساليات التنصيرية..لهذا السبب قاطعها معظم السودانيين..!! كما اعتبروا أن الخطوات التي بدأها الإنجليز في مجال تعليم البنات جزءاً لا يتجزأ من هذه الحرب!..
وبعد أن انكسر حاجز تعليم الفتيات، لم تقف الحركة النسوية، بل أخذت تتنقل من قضية إلى أخرى، فمن التعليم إلى حقوق العمل والمساواة فيها بالرجل، إلى حق الانتخاب والاقتراع، والترشيح للبرلمان أو رئاسة الجمهورية، إلى المطالبة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، المساواة بالرجل في الميراث، وفي القوامة داخل الأسرة، والطلاق..إلى وجدناها تسعى إلى حشرنا في جحر "الجندر" و والاتفاقات الدولية من قبيل اتفاقية "إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة" المعروفة اختصاراً ب "سيداو" وغيرها من الكوارث والشرور التي تحملها الحركات النسوية العالمية..
وفي هذا الإطار استخدمت كل الكوارث الإنسانية والأوضاع المزرية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وقانونية تضر أول ما تضر بالمرأة نفسها!!..فالانتهاكات التي تحدث في مناطق الحروب والنزاعات المسلحة – حقاً كانت أم باطلاً- والجرائم التي تقع في المجتمع وتكون المرأة ضحية فيها، مثلها مثل الرجل، مثل جرائم الإيذاء التشويه بالمواد الحارقة، ومشاكل والبيوت ووقائع الطلاق، وغيرها كلها جمعت تحت لافتة "العنف ضد المرأة" واستخدمت كحصان طروادة للمطالبة بما يسمى ب"تمكين المرأة"!!..وهو شعار رفعته التنظيمات النسوية في السودان، ويتضمن مطالب على نحو "تخصيص نسبة كبيرة للنساء في البرلمان" رغم أن القانون السائد يكفل لهن الحق الكامل في جميع أضرب المشاركة السياسية أسوة بالرجل؛ من الاقتراع وحتى الترشُّح لرئاسة الجمهورية!!..ومثل تعديل قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين..هذا فضلاً عن الدعوة إلى المساواة "الجندرية" التي هي في حقيقتها لا تعترف بالتقسيم البايلوجي للإنسان "ذكر وأنثى" وإنما تؤمن بحق الإنسان في اختيار الأدوار الاجتماعية التي تناسبه، سواءاً كانت تصب في عرف الناس في خانة الذكر أو في خانة الأنثى.
الدور المنوط بالمرأة السودانية
هناك أدوار كبيرة ملقاة على عاتق المرأة في مختلف جوانب الحياة؛ اجتماعياً، وتربوياً، وسياسياً، واقتصادياً، وثقافياً..وتتميّز المرأة المسلمة بالصبغة التي يضفيها دينها على هذه الأدوار.
وفي هذا المقام نركز على أكثر هذه الأدوار أهم هذه الأدوار:
أولاً: الدور الاجتماعي للمرأة السودانية:
في غضون العقود الثلاثة الأخيرة – ثمانيات وتسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة- تعرّض المجتمع السوداني إلى تحولات اجتماعية كبيرة طالت جميع مكوناته (الفرد، الأسرة النووية، الأسرة الممتدة، القبيلة، المجتمع)!!.. وأثرت عليها في عدة نواحي، منها الأخلاقي والقيمي، ومنها المتصل بالترابط والاتصال بين تلك المكونات!.
فمن جهة كان المجتمع السوداني كغيره من المجتمعات العشائرية البسيطة يتميّز بالترابط الوثيق، وأحياناً إلى درجة الغلو، فالتزاوج يتم داخل القبيلة، إلا نادراً..والمجتمع تسوده الأسرة الممتدة، التي تظل متحدة حتى في السكنى، حيث يعيش أبناء الأب الواحد بأسرهم المتعددة في بيت كبير واحد يُعرف ب"الحوش"..وتظل الصلة ببقية أفراد العائلة الكبيرة..هذا فضلاً عن الصلة بالجيران والمعارف التي تشبه إلى حد كبير صلة الدم..
ولم تكن تلك الصلة القوية قائمة على العاطفة فحسب، بل كانت لها تبعاتها الاجتماعية والقيمية، فكل شخص كبير في السن– مهما كانت درجة قرابته- له الحق في ملاحظة سلوك الصغار وتقويمه، ولا يعترض عليه أحد، كما كانت تحقق نوعاً من التكافل الاجتماعي الوثيق، فالمرأة المتوفى زوجها لا تتجشم عناء البحث عن عمل لتعول أبناءها، بل يقوم جميع الرجال في الحوش مقام الأب.. هذا فضلاً عما يوفره البيت الكبير من بيئة طيبة في حل الخلافات الزوجية التي تعصف بالأسرة..
التحولات الاجتماعية - خاصة في المدن الكبيرة- قلّصت تلك الصورة إلى حدٍ كبير.. مما أدى إلى ظهور تصدعات داخل الأسرة الصغيرة نفسها، فارتفعت حالات الطلاق في السودان في السنوات الأخيرة بصورة مزعجة، ففي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط من العام الماضي سجلت دائرة الأحوال الشخصية في مدينة شندي وحدها – وهي من المدن المتوسطة- 312حالة طلاق مقابل 82 حالة زواج!.
الحفاظ على الأسرة:
وبالنسبة للمرأة فإنه كلّما تراجعت "الأسرة الممتدة"، كلما زادت عليها الأعباء التربوية..أما إذا فُقد العائل بالوفاة أو العجز عن العمل..وقع على المرأة عبءٌ اقتصادي في تحمل تكاليف المعيشة والسعي لتوفيرها عبر العمل..وفي السودان تعول النساء 27% من الأسر السودانية.
ومن هنا يتضح أن الحفاظ على كيان الأسرة، ممتدة كانت أم نووية هو دور رئيس وحاجة أساسية للمرأة السودانية بمختلف صفاتها الوظيفية، أمّاً أو زوجة، من خلال القيام بحق الزوج، والأبناء، استناداً إلى مفهوم المسؤولية في الإسلام: "والمرأة راعية في بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم"[3]
مكافحة الانحلال الخلقي والقيم الدخيلة على المجتمع:
ومن جهة أخرى وفدت قيم دخيلة كثيرة على المجتمع السوداني، عبر وسائل الإعلام في عصرها الفضائي، عبر الوافد البشري الأجنبي المتدفق إلى السودان، وفي ظل غياب الرباط الاجتماعي بصورته التي ذكرنا، وساهم احتكاك اليافعين بعضهم البعض في الجامعات المعاهد العليا المختلطة في انتشارها تلك القيم الدخيلة انتشاراً واسعاً..هذا بالإضافة إلى التيارات العلمانية التي تحرص على نشر ذلك النوع من السلوك المضاد اجتماعياً باعتبارها طريقة لمحاصرة المد الإسلامي.
ويلحظ الإنسان بوضوح انتشار الأزياء الفاضحة التبرج الشنيع، والجري خلف التقاليع الجديدة والموضة..بالإضافة إلى علاقات الصداقة والغرام بين الفتيان اليافعين والفتيات اليافعات..التي كثيراً ما ينتهي أمرها إلى كوارث جنسية "الزنا، ما يسمى "بالزواج العرفي"[4]!!..وأقل ذلك الممارسات التي يصنفها القانون السوداني تحت بند "الأفعال الفاضحة"..
ودور المرأة في مكافحة تلك الظواهر أساسي جداً..فالمرأة عنصر رئيس في حراسة الفضيلة، حيث من واجبها أن تلتزم بشرائع الإسلام في اللباس، وفي العلاقة بالجنس الآخر، وفي خروجها ومشيها في الطرقات..هذا بالإضافة إلى قيامها بواجب الدعوة بالحسنى إلى أخلاق الإسلام وفضائله.
وثمة تفاصيل أخرى تندرج في خانة الدور الاجتماعي، خاصة في ظل الأوضاع المترتبة على الحرب والنزوح، مثل كفالة الأيتام، والأطفال فاقدي الأبوين وفقاً للضوابط الشرعية، والعمل على دعم روح التكافل الاجتماعي، ودعم الأسر الفقيرة..وهي أدوار تتم من خلال تنظيمات اجتماعية، مثل المنظمات الطوعية، أو التجمعات البسيطة في الأحياء.. وفي السودان عدد من المنظمات النسوية تغطي هذه الأدوار مثل منظمة "سند الخيرية"، ومنظمة "أم الفقراء"، وجمعية "العافية"، وجمعية "الأيادي"، وجمعية "أنسام"، بالإضافة إلى "الاتحاد العام للمرأة السودانية" التابع للدولة.
الدور التربوي والتعليمي للمرأة السودانية:
في إطار الأسرة تعتبر التربية دوراً فطرياً للأبوين، ولكن العبء الأكبر فيها يقع على الأم، ويساهم المجتمع والأسرة الممتدة بشكل أو آخر في التربية من خلال منظومة القيم التي يحافظ عليها ويحرسها.
ولكن التحولات الاجتماعية والثقافية التي ضربت المجتمع، وأدّت إلى تقليص سلطة المجتمع، وجعلت السعي وراء الرزق يستحوذ على النصيب الأكبر من وقت رب الأسرة، فما بالك إذا أضيف إليه خروج المرأة إلى العمل!.. كل ذلك انعكس سلباً على حظ الأبناء من الرعاية والتربية والتنشئة القيمية، لصالح القنوات الأخرى، من وسائل الاتصال، ومجموعات الأصدقاء..وهو أمر له مردود خطير في زلزلة الثوابت، من معتقدات وأعراف وقيم..كما يؤدي إلى الانحرافات السلوكية، والفشل والتسرّب الدراسي.
إذن الأجيال الجديدة بحاجة ماسة إلى المرأة بوصفها المرتكز الأول في عملية التربية، ويتوجب عليها أن ترتب أولوياتها، لتكون تربية الأبناء هي الأصل الذي تتراجع دونه كل الوظائف.
رفع الجهل ومحو الأمية:
مازالت نسبة الأمية مرتفعة في السودان، وتزداد في أوساط النساء بصفة خاصة، ففي العام 2008م وصلت نسبة الأمية وسط الإناث في الريف السوداني إلى 62% مقابل 44% للذكور، وفي المناطق الحضرية بلغت النسبة 34% للإناث وللذكور 21% [5].
وهو أمر يلقي على عاتق المرأة المتعلمة أدواراً متعاظمة في رفع الجهل عن بنات جنسها، من خلال حملات محو الأمية، أو من خلال اندراجها سلك التدريس، وهو أمر يساهم بدرجة كبيرة في ترقية أوضاع المرأة، حيث يظل هو الجانب العملي الجاد، أكثر من الصراخ ورفع العقائر بالمطالب السياسية وتعليق الاخفاقات على شماعة الرجل والمجتمع الذكوري.
الدور الثقافي والتوعوي للمرأة السودانية:
تفشي الجهل والأمية في أوساط النساء نجمت عنه إشكالات كبيرة في الوسط النسوي، وتبدّت في مظاهر كثيرة مثل:
- انتشار المعتقدات الفاسدة والخرافة والشعوذة الدجل: حيث مازال الكثير من النساء في السودان يعتقدن في تصرف الأموات بالأحياء، ويلجأن إلى السحرة والمشعوذين للحفاظ على أزواجهن أو لجلب الولد وغيره..ويقمن الحفلات الشيطانية المعروفة ب "الزار".
- انتشار العادات الضارة مثل "الخفاض الفرعوني" و"الشلوخ" وغيرها.
- الجهل بالواجبات والحقوق في حياتهن الزوجية، أو العامة، هو أمر يستغله كثيرون في غمط حقها، كما تسغله المنظمات النسوية العلمانية لدفعها إلى التمرد على الدين والأسرة والمجتمع.
- الجهل بالعبادات والواجبات الشرعية، وغياب الفهم الصحيح للإسلام.
إذن فهذا باب كبير من أبواب الجهاد للمرأة السودانية المسلمة؛ أن تعمل على نشر الوعي وسط النساء أولاً بحقوق الله تعالى وبدينه، ثم بحقوقهن التي جاءت بها الشريعة السمحاء، وبالواجبات المنوطة بها تجاه ربها وبيتها ومجتمعها..حتى تأخذ المرأة حقها وتؤدى واجبها..ولا تقع فريسة للرؤية العلمانية المتمردة على الله وعلى الفطرة السوية..تلك الرؤية التي تؤدي إلى شقاء المرأة أكثر من نفعها، لأنها تصادم نظام الله تعالى الذي خلق البشر ويعلم ما يصلحهم..
وفي هذا المجال انتصبت في السودان منظمات لنساء مسلمات وعين أدوارهن، وفهمن دينهن، ووقفن ينافحن عنه ويرددن عنه غارات العلمانيين، مصادمي الفطرة..ففي السابق كانت "الجبهة النسائية" التي كانت على رأسها د.سعاد الفاتح والأستاذة ثريا أمبابي..وفي الحاضر جاءت "منظمة أم عطية الأنصارية" التي تقف من خلفها الطبيتان العالمتان د.ست البنات خالد و د.نائلة الكركساوي، و"مركز دراسات المرأة" ومن خلفه د.خديجة كرار وغيرهن النساء الطاهرات.
الأدوار الأخرى للمرأة السودانية:
وهناك أدوار أخرى للمرأة السودانية وهي على أهميتها ضرورتها، لكنها ليست في مستوى خطورة الأدوار التي ذكرنا..من تلك الأدوار:
الدور السياسي: وهو دور تدركه جميع القوى السياسية والأحزاب الوطنية، حيث تمثل المرأة بالنسبة لهم مورداً هاماً من موارد الأصوات الانتخابية، ويؤدي الجهل المتفشي في أوساط النساء لاستغلالهن استغلال مقيتاً..وتحتاج المرأة إلى تنمية وعيها السياسي حتى لا تستغل في تكريس أوضاع سياسية يتضرر منها الوطن.
الدور الاقتصادي: فقد كفل الإسلام للمرأة حق تملك المال وتنميته، في والسودان مارست المرأة النشاط الاقتصادي منذ القدم، في مختلف أشكال الإنتاج، من زراعة، وصناعة يدوية، إلى تجارة، وغيرها..وقد دفعت الأوضاع الاجتماعية، والفقر، وغياب العائل، وأحياناً الطموح، كثيراً من النساء إلى العمل، فحققن فيه نجاحات وصارت بعضهن سيدات أعمال يشار إليهن بالبنان.
وأخيراً فإن على المرأة أن تدرك أن دورها شيء مركوز في الفطرة ودعا إليه الإسلام، ولأجله رفع الله قدرها وجعل الجنة تحت قدميها..فلا تغتر بدعاوى تستغل اسمها لتنادي بحقوق ليست لها، وتطالب لها بجلد غير جلدها، وتسعى إلى أن تجعلها مسخاً مشوهاً لا هو بقي أنثى ولا أدرك أن يكون رجلاً.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
[1] - في جمهوريا ت بنين ونيجيريا وتوغو مثلا هناك نوع من التراث الخاص يعود إلى قرن من الزمن تمجد فيه "الأم الأصل" "ليانلا" وهو دور تأديه النساء، كما تقام له رقصات بأقنعة مزخرفة وغناء بلهجة "يوروبا".
-[2] من ذلك عادة "الخفاض الفرعوني" و "الزار" وبعض العادات المتعلقة بالزواج، والميلاد، والوفاة، مثل "تعليق عظام الميتة" و"الذهاب إلى النيل للعروس والنفساء" و"نصب المرأة المتوفى زوجها قبالة الحائط عند الغروب"..إلخ.
[3] - جزء من حديث "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
[4]- يسمى زوراً بالزواج العرفي وهو في حقيقته "زنا" حيث لا تتوفر فيه شروط الزواج، فليس فيه ولي للمرأة
[5] - تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للإنماء، شارك في إعداده خبراء سودانيون، ونشرته جريدة الصحافة اليومية السودانية في عددها رقم: 5297 الصادر بتاريخ 18/3/2008م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.