بدأت أيام رمضان..ونادى منادي الرحمن أن (ياباغي الخير أقبل.. ويا باغي الشر أقصر)..وصُفِّدت مردة الشياطين..ولكن صغارها مازالت تهز حرابها من تحت الخباء!! الناس في رمضان فريقان..فريق موفق إلى استثمار وقته في طاعة الله تعالى، واغتنام سانحة الشهر الكريم ليدخل في زمرة الفائزين بالرحمة والمغفرة والعتق من النار..وفريق مغبون.. غَرَّه من رمضان كثرة المعروض من وسائل اللهو في الأرض والفضاء..فجعل همّه الترحال فيها، والتنقل بينها..حتى يمضي الشهر ولا يكون قد حصل لدينه شيئاً ينفعه في آخرته، ولا لدنياه شيئاً يفيده في حياته!!. والوقت في رمضان مطارد مطلوب حياً أو ميتاً!!.. وكثيرون هم أولئك الذين يطلبونه (ميتاً)..ويسعون إلى قتله وإزهاق روحه..فتجار الفضائيات –إلِّا من رحم الله منهم- يبذلون له السموم؛ على طريقتهم في طرح مخدرات الدراما (الرومانسية والآكشن) والأغاني والفيديو كليب، والمسلسلات التركية، والمكسيكية.. والمسابقات الأسطورية، وبرامج المنوعات المنوِّمات!!..وإذا أفردوا مساحة لدين الله، فهي دقائق معدودة في وقت الافتتاح، و قبيل أذان الإفطار، وابتهالات عند عند الختام!!.. أما عامة الناس فيطلبونه للقتل بالنوم الثقيل الطويل، الذي تضيّع فيه الصلوات المكتوبات.. وتفوت بسببه الطاعات..أو على طاولة النرد وورق الكوتشينة..وما دروا أنهم إنما يقتلون أنفسهم!. ولكن عباد الله العارفين غير الغافلين، يطلبونه حيّاً..لأنهم يعلمون أن (الوقت هو الحياة)..وهو في رمضان حيوات!!..ففيه ليلة خير من ألف شهر..من حرم خيرها فقد حرم!!..ورغِم أنف أمرء أدرك رمضان ثم لم يغفر له!!..فهيهات أن يضيّعوا منه شيئاً!!. كثير من منّا لا يعرف من رمضان غير الجوع والظمأ، وسيل من الأفلام والمسلسلات، والأغاني الهابطات التي تمتد منذ طلوع الفجر الصادق إلى انسحاب الخيط الأسود من الليل!!.. وإن أحسن قليلاً فهو أصناف الطعام والشراب..التي تمتلئ بها البطون عند الإفطار..حتى لا يبقى معها للنَفَسِ مكانٌ..فتثقله عن الصلاة والقيام، ثم يخلد إلى النوم..وإن أحسن قليلاً ذهب إلى صلاة التراويح، لأنه يريد أن يخفف عن بطنه ما أرهقها به أثقال..فهو يطلب المساجد قصيرة القراءة!!.. يريد صلاة يقوم فيها سريعاً ويقعد..فيكون قد جمع بين خيري الصلاة والرياضة التي تذهب مافي بطنه من أحمال!!..وما لهذا شُرع القيام!!. ولكن رمضان عند من يعرفه؛ هو تحرير للنفس من سلطان الهوى والكسل.. هو بالنهار ظمأ وجوع لكسر قيد الشهوات وإمساك لقياد النفس اللجوج، وهو بالليل قيام طويل بين يدي الله وركوع وسجود، دعاء وتوسل وتضرُّع ابتغاء رحمة الملك الديان.. رمضان هو مساجد تغض بالراكعين الساجدين، والتالين لكتاب الله والذاكرين، وليس النوَّم المتبطلين.. كما تنشط بالدروس وحلق العلم..ورمضان عند من يعرفه هو صدقات وصلة للأرحام، وإطعام للطعام، وكفٌّ لأذى اليد واللسان عن العالمين، وهو صبر ويقين..وتحصيل لما أراده الله من التقوى والرشاد.. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.