يوكوهاما يقلب خسارته أمام العين إلى فوز في ذهاب نهائي "آسيا"    ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    مخرجو السينما المصرية    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    تدني مستوى الحوار العام    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحوث: مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان
نشر في السودان الإسلامي يوم 01 - 07 - 2007

إن مقاربة الحركة الإسلامية للمشروع الإسلامي لا تعدو ان تكون مسعى جماعة مجتهدة تخطىء وتصيب، تخفق وتقصر تتقدم وتتراجع ولكن النجاح الأكبر هو ان تظل المسيرة ماضية تبني على انجازاتها وتصحح أخطاءها وتعظم من كسوبها وترجو ان يتجاوز لها الله ومن بعد ذلك الخلق عن اخطائها وأي الناس يبرأ من الخطأ وأي الناس مطهر عن الخطيئة إلا المخلصين الأخيار من النبيين والصديقين.
توطئة:
باديء الرأي أود التنويه إلى التعديل الذي أجريته على عنوان الورقة والذي أراد له المنظمون أن يكون تجربة الانقاذ الإسلامية وأثرها على مستقبل الإسلام في السودان . ولكني أتحفظ على كلمة تجربة في هذا السياق لأن أمتثال الفرد أو المجتمع أو الدولة للتعاليم والأحكام الإسلامية لا يدخل في المجال التجريبي، إذا نجحت التجربة فبها ونعمت وإن فشلت لأول أمرها أو أخفقت في آخر أمرها أنصرف الناس عنها لتجربة جديدة . وإقتراح العنوان بهذا الشكل ينبيء عن زاوية نظر محددة لمسألة الاحتكاممأ للإسلام في أمور الدولة تتبناها الاتجاهات اللا دينية (العلمانية). وتتأثر بها قطاعات من الإسلاميين في ظل هيمنة مناخ تسيطر عليه الثقافة الغربية التي لا ترى في أية محاولة لمفارقة توجهاتها وخياراتها إلا ضلالاً وجهداً مضيعاً.
لا تزال قضية الاحتكام للشريعة الإسلامية في السودان مسألة لم ييأس العلمانيون وأشباه العلمانيين من محاولة تشكيك الرأي العام حولها. وتفكيك الأسس الدستورية التي إعتمدتها. ولا يزال الغبار يثار حول ما يسمى بالتجارب الإسلامية في السودان وغير السودان أملاً في نقض الإرادة الوطنية هنا وهناك والتي كفرت بجدوى مشروع التبعية الغربي . ولا شك أن إفلاس المشروع الغربي للعالم الإسلامي وإفلاس دعاته من الليبراليين أو الاشتراكيين قد جعل همهم الأول هو محاولة نقض الإسلام. لئلا يكون هو البديل بعد كفران الجماهير وغالب النخبة في العالم الإسلامي بجدوى متابعة المناهج التي رسمها الغربيون لعالم الإسلام وأهله. ولئن كان للمرء أن يشير إلى علامة فارقة لنجاح الحركة الإسلامية في السودان في مسعاها لترسيخ الاحتكام للإسلام في السودان . فليس هناك من دليل أو علامة أكبر من إنصراف أصحاب الإيديولوجيات والدعوات الفكرية والسياسية تماماً عن التعبير عن أفكارهم وشرح مشروعاتهم إلى محاولة إظهار فشل الإسلاميين في أنفاذ مشروعهم الإسلامي. وإظهار ضعف كسبهم مقارنة بالأصول الإسلامية . فالإسلام قد صار وحده هو المرجعية التي يحيل إليها العلمانيون عند محاكمة كسب الدولة أو الحركة الإسلامية. وهذا هو النجاح الأكبر للحركة الإسلامية. لأن مطلوبها الأعظم كان هو عودة التحاكم للإسلام واعتماده المرجعية الأساس لقياس كسب الفرد أو المجتمع أو الدولة. ولاشك أن كسب الأفراد والجماعات والدول يقصر كثيراً عن المثالات الإسلامية . ولا يعيب المرء أن يقر بشرور نفسه وسيئات أعماله ما دام مقراً بالأمتثال للتعاليم والأحكام الإسلامية. ولا يعيب الجماعة الإسلامية والدولة الإسلامية إن تقر بسيئات أعمالها أو عجزها وتقصيرها ما دامت لا تتخذ غير الإسلام مرجعاً ومصدراً . ولذلك فأن الغارة التي يشنها علمانيون بدعوى سقوط التجربة الإسلامية للإنقاذ لن تحيد بنا عن الموقف النقدي لكسب الحركة الإسلامية في ظل الإنقاذ في مقاربة للمشروع الإسلامي بالسودان.
الحركة الإسلامية والمشروع الإسلامي بالسودان :
ونحن نستخدم مصطلح الحركة الإسلامية بالمعنى السياسي الذي يشير إلى الجماعة السياسية التي نشطت في الساحة السياسية بأسم الأخوان المسلمين وجبهة الميثاق والجبهة الإسلامية القومية ثم حركة الانقاذ . ولا شك أن مصطلح الحركة الإسلامية بمعناه الاجتماعي أوسع من ذلك بكثير . فهو يشمل الجماعات الإسلامية التي تسعى من خلال المناهج التربوية أو الفكرية أو السلوكية لتحقيق الامتثال للتعاليم الإسلامية والإلتزام بالأحكام الإسلامية . وقد ارتبط تاريخ الحركة الإسلامية من لدن تأسيسها بمشروع مناهضة الإستعمار ثم مناهضة التبعية وطرح خطة العودة للإلتزام بالإسلام والاحتكام له طريقاً للنهضة الحضارية الشاملة . ولئن إستعر الجدال والمراء حول منهج التغيير والإصلاح الاجتماعي وصولاً إلى بعث تعاليم الإسلام وانفاذ أحكامه الشرعية ، فان الحركة الإسلامية قد اعتمدت رؤية وسطية ظلت هي الدليل الذي يهدي تطور الحركة الإسلامية في طريق الدعوة لتحول اجتماعي على نهج الإسلام. وسبيلاً لبعث دورة جديدة من دورات الحضارة الإسلامية . تكون لها الريادة الحضارية بأذن الله في عالم تكاثرت فيه أزمات الحضارة الغالبة حتى تكاد تؤدي بالإنسانية جمعاء إلى هلاك مبين . وقد اتخذت الحركة الإسلامية موقفاً مخالفاً من موقف القدريين المستسلمين الذين يرون أن خط التاريخ الديني في الزمن كله إلى انحطاط . فلا يعولون على جهد يبذل لنهضة أو إستشراف لواقع جديد . وطائفة من هؤلاء تُسلم بأن التاريخ أنتهي إلى سيادة خالدة للحضارة السائدة اليوم "الحضارة النصرانية اليهودية الغربية" ولذلك فهم يستعظمون تحدياتها ويرون أن أية دعوة لتجاوز الحضارة الغربية محض توهمات . فإما الذين في أنفسهم بقية من خير من هؤلاء فيدعون إلى اسلام شخصي يُعنى فيه كل فرد بخاصة نفسه وينأي بها عن الفساد والفتن الناجمة عن سيادة حضارة ضمرت فيها القيم واضمحل الأيمان . وصارت فلسفتها التي لا جدال حولها هي فلسفة التطور التي لا بقاء فيه لضعيف إلا تحت سطوة القوى الغلاب.
من الناحية الأخرى رفضت الحركة الإسلامية في السودان المنهج القطعي الذي لا يرى في الواقع اليوم وفي الحضارة السائدة إلا شراً محضاً . فدعوة هؤلاء تكفيرية لا ترى قياماً للإسلام وحضارته إلا بالطوفان الذي لا يبقى ولا يذر . ولئن كان النبي نوح عليه السلام قد أستيأس من قومه بعد ألف سنة إلا خمسين عاماً فأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن هذه سنته . وإنما كانت سنته هي الدعوة الوسطية التي تتخذ الإصلاح سبيلاً. وكلمة الإصلاح نفسها تعني اعترافاً بأنه رغم الفساد الظاهر فإن الخير في الناس كامن إلى يوم القيامة . وأن دعاة الإصلاح يتوجب عليهم بعث عناصر الخير في نفوس الناس . فنهج الحركة الإسلامية في السودان هو نهج تغيير اجتماعي يهدف إلى الإصلاح . ولئن كانت الحركة قد بدأت جزئية في رؤيتها للإصلاح فإن هذه الرؤية قد تكاملت في سنوات نضح الحركة . فلم تعد المناظرة بين مدرسة التربية ومدرسة العمل العام هي التي تشغل أعضاء الحركة الإسلامية. فقد أدركوا بالتجربة أهمية التربية للافراد لتحقيق متطلبات التصدي للهم العام وأدركوا أهمية العمل العام , في حفز الأفراد ليحاسبوا أنفسهم وليجتهدوا في تنقية نفوسهم بالإيمان والعمل النافع الهادي إلى صراط مستقيم . قد أنبت استراتيجية الحركة للاصلاح على المنهج المعتمد في علوم الاجتماع جميعاً لتحقيق التحول الاجتماعي . وهو منهج إعادة التعليم والتوعية. وذلك من خلال نقد القيم السائدة والتذكير بالقيم الإسلامية والدعوة للاستقامة عليها . وهذا المعني يشمل الدعوة المباشرة للأفراد والجماعات. والدعوة عبر وسائط الاتصال الجمعي. والدعوة من خلال اقامة القدوة والأنموذج. ولذلك فإن المنهج الدعوي التعليمي بمعناه الواسع ظل هو نقطة الإرتكاز الجوهرية في سعي الحركة الإسلامية للتغيير . فهي قد أدركت من علوم الإسلام ومن تجارب الواقع أن التغيير الإجتماعي يقتضي أحداث حالة سيولة في الواقع "Social mobility " أي حالة حراك من حالة الجمود على قيم ووسائل وتقاليد غير فاعلة . وليس مثل التعليم والدعوة والتعبئة والتوعية شيء في إحداث هذا الحراك المفضى إلى وعي جديد وتطلعات جديدة ([1]). بيد أن إعطاء الأولوية للإقناع وإعادة التعليم عبر الدعوة لا يقلل من شأن الدور الذي تضطلع به السلطة في إحداث التغيير الإجتماعي. ولا شك أن النفوذ والسلطة يضطلعان بدور مهم في تغيير السلوكيات العامة والخاصة . والنفوذ هو قدرة معنوية يستجيب لها الأفراد والجماعات بالطاعات دون حاجة إلى استخدام وسائل اكراه أو الزام أو التهديد بها . وأما السلطة فهي القدرة على تحقيق طاعة الأفراد والجماعات وإلزامهم بالأمتثال أما من خلال التوجيهات المستندة إلى شرعية الحق بالإلزام "Counciling " أو من خلال استخدام وسائل الإكراه أو الإلزام القانونية أو التهديد بها والسلطة بهذا المعنى تمثل الذراع الثاني الهام في أحداث التغيير الاجتماعي ولكنه الذراع اليسرى التي تستخدم لمساندة الذراع اليمنى "التعليم وإعادة التعليم والتوعية" أو عند إخفاق هذه عن تحقيق المراد لدى طائفة من "أهل النشوذ". ويجب الاحتراز عند استخدام مصطلح السلطة وعدم تفسيره بمصطلحات مثل الحكومة أو الدولة أو غير ذلك فالسلطة تشمل كل صاحب قدرة على تحقيق الامتثال لتوجيهاته وأوامره سواء كان ذلك بالارتكاز إلى سلطات الدولة أو إلى سلطات الحكومة أو سلطات المجتمع. "وهنا يجب التفريق بين السلطة بوصفها مفهوماً وقوة تعمل في المجتمع ، وبين السلطة بوصفها محلاً فالسلطة تتمثل في محلها ولي الأمر وممثليه وعماله ولكن مفهوم السلطة يعطي قوة التنفيذ وقف القانون([2]) وقد ضرب الأستاذ / سيد الخطيب أمثالاً لكيفية إستخدام السلطة في أحداث التغيير الاجتماعي على العهد النبوي في قضايا نصرة المرأة مثل منع. وأد البنات ، أثبات مساواة المرأة للرجل في الكرامة الإنسانية ومنع توريث النساء ، أثبات حق المرأة في العمل وواجبها إليه ، أثبات حق المواطنة للمرأة ، الإنتصار للمرأة من حيث حقوقها المدنية والاقتصادية والثقافية. وهذا الانتصار للمرأة لم يقف عند حدود الدعوة والتبشير ولكنه أثبت في الوثائق الحاكمة الآمرة "الدنيوية" التي يحتكم اليها المجتمع ويعمل على تنفيذها وجوباً([3]). ولا شك ان استخدام وسائل السلطة في انفصال عن وسائل الدعوة والتعليم والاقناع لا يجدي إلا نفعاً قليلاً فإستراتيجية التخطيط الإجتماعي المستند إلى الدولة هي استراتيجية تأثيرية أي أنها تكتفي برسم المقاصد وتشير إلى الوسائل . وتسعى من خلال التشريعات لإزالة المعوقات . ولكن المسعى الرئيس لأحداث تغيير في المجتمع إنما هي المسعى الطوعي الدعوي . ذلك لأن الاعتماد على القوة والتفويض وحدهما لا يأتي بالنتائج المرجوة. لأن القوة قد يساء استخدامها فتصير سبباً للقسر والإكراه . والتفويض مهما كانت صورته يكون نسبياً ، حده الكافي لمنح الشرعية إعتباطي وعرفي ولا يمكن ضبطه على وجه الدقة ، فضلاً عن أن التفويض يمكن ان يستخدم في كثير من الأحيان ضد الأغراض التي من أجلها منح . والمنهج الأمثل الذي تتوخاه استراتيجية الاخلاق والرقي الاجتماعي هو ذلك الذي يقوم على المعايير الاخلاقية الثابتة الشاملة"([4]). وهذه المؤشرات التي نشأت بموجبها وزارة التخطيط الإجتماعي " بحيث تقوم الوزارة الاتحادية بمهام التخطيط وضبط المعايير والتدريب والبحوث والتوثيق وان يرتكز التنفيذ على جهود القاعدة عبر تنظيماتها الطوعية"([5]).
فالحركة الإسلامية التي يتهمها خصومها بالأفراط في استخدام وسائل السلطان لم تعول في استراتيجيتها أبداً على هندسة المجتمع (Social engineering). وذلك باستخدام وسائل السلطة بل ان شعارها دائماً كان هو أولوية المجتمع على الدولة فالمجتمع المنشود هو الذي يكون "مجتمعاً مدنياً حقاً مبادراً ومستقلاً عن السلطة في توفير معظم حاجاته ، معتداً على موارده وقدراته الذاتية ، أصيلاً في توجهاته ، مجدداً في خططه وادائه ، مستشرفاً خير ما في التجارب الإنسانية"([6]). وطبيعة التخطيط أنه خارطة طريق وليس برامج وإجراءات . والاستراتيجية هي (خريطة هادية للتحول الحضاري نحو المجتمع الذي نصبو إليه)([7]) وحركة التخطيط ليس حركة حكومة أو دولة بل هي "أولاً خطة أصيلة كبرى لتفجير طاقات المجتمع المبدعة كلها والاعتماد على الذات بالمعاني المجتمعة للموارد الطبيعية ولقدرات الروح والشمائل، ولقوى المعرفة والمهارة التي حبانا الله بها بغير إنغلاق أو عزلة أو استسلام للضغوط والاكراهات . وهي ثانياً : حركة المجتمع الواسع للتخطيط لنفسه وليس حركة الدولة وأجهزتها البيروقراطية المحدودة"([8]) . وهدف تلك الإستراتيجية هو الرقي الاجتماعي ليكون (السودان خير مجتمعات العالم النامي ديناً وخلقاً وثقافة ومعاشاً وبيئة وان يكون المجتمع مستقلاً عن السلطة في معظم حاجاته وسابقاً لها في مبادراته) فالمجتمع عبر الوسائل الطوعية هو الذي تراه الحركة الإسلامية على كرسي القيادة .
كان التفصيل الذي ورد آنفاً في منهج الحركة الإسلامية واستراتيجيتها لأحداثه مهماً لعدة أسباب:
(1) أولاً : لأن خصومها يّدعون أن الأولوية في انفاذ المشروع الإسلامي كما تراه الحركة الإسلامية ممثلاً في حركة الانقاذ كان مشروعاً شمولياً سلطوياً وأن رؤية الحركة الإسلامية باديء الرأي لمسألة التغيير الاجتماعي هي رؤية شمولية سلطوية.
(2) ثانياً : لأنه ورغم وضوح رؤية الحركة الإسلامية ممثلة في الإنقاذ لقضية التغيير الاجتماعي وأن سلوكها العام قد وسمته هذه الرؤية الواقعية الوسطية إلا أن سلوك بعض الأفراد والجماعات المنتسبة إليها والمتحدثة باسمها أحياناً والمستندة إلى مرجعية سلطتها كانت أحياناً تعطي أشارات مخالفة لهذا النهج . وهذه التفلتات عن النهج العام هي التي يستدل بها خصوم الحركة الإسلامية على ادعاءاتهم . إذ يلجأون إلى تجاهل النسق العام مع التركيز على التجاوزات والتناقضات التي لا تخلو منها تجربة أو ممارسة عامة . ومثال ذلك محاولة جهات رسمية وشبه رسمية فرض الحجاب بالقانون . وكذلك تجربة شرطة النظام العام بالخرطوم لفرض ما يسمى بالمظهر العام اللائق . وقد كان للجدال الدائر بين تيارات داخل الحركة الإسلامية أثره في بطء معالجة هذه الظواهر التي لا تتوافق مع المنهج العام.
(3) ثالثاً : لأن من طبيعة السلطة ان تتمدد ومهما كانت الرؤى الفكرية والجهد الطوعي المبذول . فأن المتنفذين أحياناً بدوافع العجلة لاحداث التأثير واحياناً بسبب تنامي نمط وصائي في أوساطهم ، واحياناً بسبب وهن أدوات الفعل المدني يتمددون ليحاولوا أحداث تحولات اجتماعية من خلال نفاذية السلطة. ولكن كل هذه المحاولات تتكسر على صخور الواقع. لأن التغيير الحقيقي هو التغيير الذي يبادر به المجتمع ويرعاه ويتطور من خلاله . فهو ليس خطوة واحدة يمكن ان تتحقق بدفعة سلطانية ، وإنما هي سيرورة اجتماعية تتقدم بالمجتمع إلى الامام أو تنزلق به إلى الجمود والتخلف . وبعد هذه التوطئة التي يتوجب ان تقرأ جهود الانقاذ على سبيل الامتثال للتعاليم الإسلامية والاحتكام للشريعة الإسلامية على ضوئها نتطرق إلى جهود الانقاذ في مقاربتها لتحقيق تلك الاستجابة . فالمنهج الذي أتخذته الإنقاذ لمقارنة مشروعها الإسلامي هو منهج حفز المجتمع من خلال تنمية قدراته لتغيير ما بنفسه لأن سنة الله في الناس (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)([9]) فالتنمية الشاملة هي المنهاج وقاطرة التنمية الشاملة هي التعليم والدعوة والتوعية والتعبئة فالإستراتيجية هي ( البداية الشاملة للتأصيل وللنهضة الفكرية والتنمية الثقافية وتحريك المجتمع وتعبئة قواه في إطار ثوري حر يفجر الطاقات ويستنهض الهمم وهي خريطة هادية للتحول الحضاري نحو المجتمع الذي نصبو إليه).
الإنقاذ وتحكيم الشريعة الإسلامية:
جاءت الإنقاذ والمفهوم السائد لتحكيم الشريعة الإسلامية هو تطبيق أحكام الشريعة لاسيما في مجال القوانين الجزائية. وتحريم الربا ورعاية مظهر لائق بالمجتمع المسلم . كانت تجربة مايو رغم ما لها من أفضال سبباً في تكريس هذه المفاهيم والتي هي مفاهيم كانت سائدة لدى قطاعات واسعة في المجتمع السوداني .
كان لإصدار القوانين الجزائية بصورة فجائية درامية ومحاولة تطبيق أحكامها من خلال إعلان حالة الطواريء . ومن خلال المحاكم الخاصة المبتسرة الإجراءات وكيفية إعلان الأحكام وتطبيقها ، أثره في إعطاء صورة شائهة تذكر بنمط محاكم التفتيش وأن من لم تبلغ مبلغها . وهي صورة مفارقة تماماً للمقاصد الإسلامية. وهي أشبه ما تكون بالأسلوب الذي فرض به الاستعمار القوانين العلمانية البديلة بعد الاحتلال . وما كانت مايو بحاجة لكل هذه الإجراءات الاستثنائية لولا طابع الصورة لتطبيق الشريعة في أذهان الرجال الذين عوّلت عليهم الرئاسة آنذاك لإنفاذ إرادتها السياسية . بينما كان الأنموذج الذي اقترحته الحركة الإسلامية ولم يرضي الرئيس آنذاك هو صورة لجنة أزالة المخالفات للشريعة الإسلامية في القوانين السارية([10]). كان منهج الحركة إصلاحياً لأنها تعّول على إرادة شعبية غالبه ترغب في رؤية القيم والتعاليم الإسلامية تحكم الحياة من جديد . وكان طابع تجربة الرئيس نميري أشبه ما يكون به طابعاً ثورياً يرتكز إلى أرادة سياسية لا تصبر على خلاف أو مخالف .
عندما جاءت الإنقاذ كان التيار الذي لم ير بأساً ولا شائبة في منهج نميري لفرض أحكام الشريعة متعجلاً لفك تجميد القوانين الشرعية التي أصدرها نميري. وكان من رأي هؤلاء ان نميري أفتقد القاعدة المساندة لإجراءاته لأنه حاول استبعاد الحركة الإسلامية والمؤامرة على طرحها . ولذلك يتوجب على الحركة الإسلامية بل لا يجوز لها التكلؤ في إعادة الاحتكام لتلك القوانين . بيد أن التيار الأغلب الذي قاده الدكتور الترابي رأي عدم استئناف تلك التجربة والبناء عليها . ويكفي ان نتحرك من مربع القبول العام بتحكيم الشريعة الإسلامية والذي أعلنت الأحزاب الأخرى (سوى اليسار) القبول به إستناداً إلى تشريعات بديلة . وكان التوجه منذ الأيام الأولى عدم التركيز على جانب التشريعات الجزائية . وشُكلت لجان بدأت أعمالها للتحضير للمراسيم الدستورية لتواكب التوجه الإسلامي . فالبداية كانت من الكليات وليس من الفروع . (فالدولة في مجملها تقوم على الإسلام وفي ضوء أحكام الإسلام الشرعية ومقاصدها العامة وخطط الدولة الكلية ومن ذلك تتفرع أنواع التشريع الحاكم للمجتمع الذي يغلب فيه وجود المسلمين)([11]). ويراعى التشريع المجتمع الذي يغلب فيه مواطنون من غير المسلمين بلا عزل ولا إكراه ولا تفاوت في الحقوق والواجبات([12]) وإنطلاقاً من هذه الرؤية الكلية ومن هذا التوجه صدرت المراسيم الدستورية والتي نصت على ان الإسلام هو الدين الهادي للسودان وهو الغالب للمجتمع يتجدد تجاوزاً للجمود ، ويتوحد تجاوزاً للطائفية وهو الشريعة الملزمة الموجهة لقوانين الدولة ونظمها وسياساتها لكن الدين الكتابي أو المسيحي أو الدين العرفي اختيار حر للجميع لا إكراه ولا حجر في العبادة تراعيه الدولة وقوانينها([13]) والذي يراجع المراسم الدستورية يجد أنها ترسم صورة واضحة لتصور الحركة الإسلامية لكيفية مقاربة مشروع إعادة بعث الإسلام في كافة المجالات.
ونص المرسوم الدستورى على أن الوطن توحده روح الولاء والسلطة والثروة وقيمه المشتركة وتبسط فيه وتقسم بعدالة السلطات والثروات بالولايات والمحليات والشرائح الوطنية بلا مظالم أو عصبيات.
ونص على نظام الحكم تؤسس سياساته الحرية والشورى دون إباحة للطائفية السياسية أو العصبية الحزبية ودون تركيز لشهوة السلطة أو روح الفساد أو الصراع . ونص على أن الحياة العامة ووظائفها مسئولية وأمانة وجهاد تؤديه القوات المسلحة وقوات الشرطة والأمن للدفاع عن الوطن وسلامة المجتمع ويؤديه الموظفون العاملون والمهنيون والعمال لإدارة الأعمال والمعاملات العامة. والحياة الخاصة كذلك وظائف إجتماعية وإقتصادية يؤديها العاملون لصالح المجتمع.
وتطرق الفصل الأول كذلك لنص على الاقتصاد ليساس بالتخطيط والنظام والحرية من أجل البناء والتنمية ورفع الانتاج والمصالح وتنظيم علاقاته بضوابط المعاملة والطهارة والعدالة . ونص المرسوم على ضرورة بناء المجتمع على التربية العامة على روح التدين والتوجيه والنهضة الحرة . وتعميره بنشر الثقافة والعلم واللغة والرياضة . ويرعى فيه الأطفال والشباب والنساء والرجال وتنبسط فيه الاخلاق والأعراف الطيبة.
ونص على أن تدار السياسة الخارجية بعزة وإستقلال دون اعتزال أو عصبية قطرية. وإنما بعلاقات أقليمية ودولية حية للتعارف والتعاون والتوحد الإنساني . وبروح كفالة العدل وإصلاح الظلم في النظام الدولي.
ونص الفصل الثاني على واجبات وحقوق المواطنة . فقد أوجب على المواطنين المتدينين الصدق والتعبير القويم . وكفل لهم حقهم القانوني العام بلا إكراه في العقيدة ولا حجر في العبارة ولا ظلم ولأتمييز في الحق العام بمجرد اعتبار الملة الشخصية . كما أوجب للمواطن العلم والعمل موالاة ً للآخرين . وكفل له المساواة بلا تفرقة ولا تمييز بمجرد الجنس أو الوضع الإجتماعي أو المالي إلا ما تقتضيه عدالة القانون . وأوجب على البالغين من المواطنين إجتهاد الرأي وإبداءه بالنصح العام . وكفل لهم الحرية في التعبير والمشاركة في العمل إلا ما اقتضاه ضابط القانون. وأوجب للمواطن أن يكسب الرزق والمال للحاجة الخاصة أو العامة منافساً أو مشاركاً. وكفل له الحماية بماله المشروع وحرياته العامة إلا بضابط القانون . وكفل للمواطن السياحة في الأرض وحق الإختيار للمقام للصالح العام والخاص . وحرية الحركة والإقامة بضوابط التشريع([14]) .
كما نصت المراسيم الدستورية على وجوب حركة الإنتقال بالسلطة إلى إكمال الشورى ونقل مؤسساتها من الوضع المؤقت إلى النظام المستقر في أيدي جمهرة المواطنين . ليتحمل الشعب بجملته أمانة التكليف بإدارة الحكم([15]).
هذه النصوص الجامعة هي النهج الهادي لمسيرة البناء التشريعي إذ حددت الإطار العام والعلاقات اللازمة لتماسك الكيان العام للدولة والحقوق الأساسية التي تضمن لكل فرد المشاركة في البناء . والضمانات الدستورية لهذه الحقوق والواجبات المقابلة لها.
فالمنهج الذي أتبعته الحركة الإسلامية منهج كلي لا فرعي . ولكنها لم تتجاهل الفروع . فقد نهضت تلك اللجان بمراجعة القوانين لإصدار قوانين بديلة أشبه ما تكون بالرؤية الشاملة لقضية تحكيم الشريعة الإسلامية . وأشبه بالمنهج المتدرج الذي تؤثره الحركة الإسلامية لاستعادة روح الإسلام للحياة العامة والخاصة في السودان. وصدر القانون الجنائي الجديد في العام 1991م. وأعلن العمل من جديد بأنفاذ الحدود على ضوء هذا القانون . ولم تطبق الأحكام السابقة بالرجوع إلى قواعد مسقطات الحد التي جاء بها القانون الجديد. ولم يصدر القانون في شكل أحكام جزائية وعقوبات بل هو أشبه بمرجع في رؤية الحركة الإسلامية للتعاطي مع مسألة الجنايات في مجتمع يشهد مرحلة انتقال من حال إلى حال. ولذلك (قسم القانون إلى قسمين رئيسيين قانون عام يشمل المباديء العامة للمسئولية الجنائية وموانعها والاشتراك الجنائي وحدوده وسياسة العقوبة وأحكام القصاص والدية وتعيين العقوبة التعزيرية وتقديرها وتعددها وتدابير الرعاية والإصلاح . والقسم الثاني يتعلق بنصوص المخالفات الجنائية تفصيلاً بوصف الجريمة وتحديد العقوبة المقررة لها([16]) اختصر القانون من 458 مادة فيما سبق إلى 185 مادة فقط وراعى جميع الاعتبارات الاجتماعية والأسرية والفردية عند تقرير العقوبات.
والقانون الجنائي بصورته التي صدر بها برؤيته الأصولية التي أشتمل عليها بسياسة تطبيقه هو أوضح صورة لرؤية الحركة الإسلامية لمسألة الاحتكام للشريعة. فليس مطلوباً الانتقام من مخالف أو مجرم بل الأولى هو فتح الطريق إلى التوبة والهداية . والأولى هو الستر والأولى هو العفو . وليس المقصد هو التشهير بالمجرمين ولكن المقصد هو إظهار حزم المجتمع بإزاء الجريمة. وقد أدت سياسة التطبيق إلى الحد إلى درجة كبيرة . من صورة إقامة الحدود التي شهدتها فترة الشريعة على عهد مايو . ليس لأن الحركة الإسلامية أقل حماسة لانفاذ الحدود (التي تنزل بانفاذها البركة) وإنما لحرص الحركة الإسلامية على ان تظل الحدود حدوداً . وأن لا تقام إلا على مستحقيها بعد أن تقوم عليهم الحجة البالغة وتدرأ عنهم الحدود بكل شبهة مناسبة. ولا يزال هذا المنهج في مقاربة قضية الحدود يحتاج إلى دراسة بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على القانون الجديد وسياسة تطبيقه . لأن هذه مساهمة سودانية مهمة يمكن الاستعانة بها لدى أي دولة تسعى للاحتكام للشرع في مجال الجنايات.
أما التشريع في المجالات الأخرى فقد شمل قانون الإثبات بنفس الروح والمنهج . وقانون الإجراءات الجنائية بنفس المنهج. ولكن الجهد الأكبر بذل في مجال التشريع للقوانين الموجهة لمسار الدولة . والنسق التشريعي نسق مستمر "لان مراجعة القوانين وتعديلها جملة واحدة في وقت وجيز أمر متعذر . وستظل كثير من القوانين السارية الآن في حاجة إلى الإصلاح إلى أن يحين وقت إصلاحها وتقوم ضرورة تعديلها. فالدولة مثلاً لها منهاج في الاقتصاد اقتضى تعديل قانون المصرف المركزي الذي يدير شؤون النقد والصرف واقتضى تعديل القوانين المالية لإقصاء الربا عن التعامل في البلاد([17]). وقد نتج عن هذا التعديل إستقامة الجهاز المصرفي السوداني كله على التعامل الإسلامي . وإبتعاده عن النظام المصرفي العالمي الذي يقوم على الربا إلا ما اقتضت الضرورة الشرعية بالعذر فيه من الوفاء بالديون الخارجية وتنفيذ الإتفاقيات الدولية السابقة التي تنطوي بعض بنودها على نصوص ربوية.
وفي هذا النسق تم إلغاء القوانين الخاصة بتنظيم التجارة . وأعيدت صياغتها مراعاة لمنهج الدولة في تحرير الإقتصاد من هيمنة الدولة . وبسطاً لحرية التجارة ومنعاً لنوازع الإحتكار الضار وتنظيماً للأسعار السلعية([18]).
وفي مجال المساهمة الإجتماعية للفقراء صدرت قوانين الزكاة والتكافل الإجتماعي. وذلك لتنظيم جباية الزكاة من مخرجيها وصرفها على مصارفها الشرعية([19]) وللمساهمة في مكافحة الفقر وتلبية الإحتياجات الأساسية للفقراء ومحدودي الدخل ومساعدتهم في رفع مهاراتهم. ودعم مشروعات الأمن الغذائي بالولايات والمحافظات والمجالس ومحاربة البطالة والفقر([20]).
وفي مجال القوانين السيادية والخدمية حذفت المواد القانونية التي استنها البريطانيون لتقييد حرية الإنتماء للبلاد. وحرية التنقل فيها والدخول إليها واكتساب العمل بها. وفُتح الباب أمام العناصر غير السودانية ذات الكفاءة والقدرة للدخول في البلاد. واكتساب الجنسية بها وتوفير فرص العمل والإستثمار لها. وامتلاك الحق فيها([21]).
وفي مجال الإصلاح العدلي صدر قانون مجلس العدل الذي ينظم العلاقة لأول مرة بين الأجهزة العدلية . ويخطط لها ويسعى بها نحو تحقيق هدف أسمى . وهو إشاعة العدل معنى وثقافة وروحاً وتطبيقاً . وقيام نظام التدريب العدلي والإصلاح القانوني توحيداً لمنهج الدراسة ومنهج الممارسة في المهنة العدلية . وقيادة لأجهزة العدل نحو رضوان الله تعالى([22]) فتمت مراجعة قانون السلطة القضائية وشكل فيها مجلس القضاء العالي ليقوم بالتخطيط للقضاء . وفي مجال الإعداد الإستراتيجي للأمة وتقوية نظامها الدفاعي صدرت تشريعات تفصل في أنظمة الإعداد العسكري الطوعي واللازم . ودعوة شباب الأمة للتدريب العسكري والإعداد الجهادي لتأصيل عملية التدريب فتربطها بالجهاد وحماية للبلاد ودفعاً للمعتدين ونصرة للضعفاء . وتنظيماً لشؤون الحياة وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ومحاربة للرذيلة والجريمة والبطالة . فصدر قانون الدفاع الشعبي عام 1989م وربط أنشطته العسكرية بالقيادة العامة للقوات المسلحة وصدر القانون ربطاً للمتطوعين بقيادة الشرطة([23]).
التنمية منهاجاً للتغيير الاجتماعي:
إن التنمية الشاملة التي يحفزها التعليم وبناء القدرات هي طريق الحركة الإسلامية لإحداث التحول الإجتماعي على طريق الإسلام. فالإستراتيجية القومية الشاملة تقرر أن المجتمع السوداني يسعى " لتحقيق نهضته الحضارية الجديدة على أساس من الأصالة والمعاصرة والرؤية المستقبلية وبالاعتماد على الذات والتعويل على الإنسان السوداني . وتفجير قدرات المجتمع البشرية والمادية لتحقيق التقدم المنشود، ومراعاة العدالة في الاستمتاع بثمار ذلك التقدم"([24]). وتقرر الإستراتيجية أن القوة الرئيسة الدافعة لإنطلاق المجتمع وتفجير الطاقات ومواجهة التحديات هي بعث ثقافة أصيلة حية متجددة قادرة على كسب الولاء والنفوذ والقبول بالاختيار لا بالقسر والقمع وقادرة على تقديم انموذج حضاري يستجيب لحاجات الإنسانية الروحية والمادية والإجتماعية . ويبني حياة عصرية متمدنة تربط حركة الحياة بمقاصد الدين والأخلاق والرقي الاجتماعي . وتصون كرامة الإنسان من الإبتذال والإنحلال([25]).
التعليم وإعادة التعليم:
والمدخل المفتاحي لإحداث هذا التحول هو التعليم والدعوة وإعادة التعليم والتوعية والتعبئة . والإستراتيجية تقرر (التعليم هو الأداة المفتاحية الرئيسة في التغيير الإجتماعي والحضاري وأساس التغيير في كيان المجتمع وهو الوسيلة لإعادة صياغة الفرد والمجتمع صياغة ايمانية وطنية والتي تمد المواطنين بالمعرفة النظرية والوظيفية والمهارات الفنية والتقانية وتبين القدرات والاتجاهات السليمة المُمكنة من تحقيق البعث الثقافي وإقامة النهضة الحضارية الشاملة)([26]) وأهم ثمرات التعليم المباشرة هي الحراك الإجتماعي الذي يهييء المجتمع لتقبل الأفكار والاتجاهات الجديدة . ويرفع طموح الأفراد والجماعات ويرقي تطلعاتهم . ولذلك كان مسعى الانقاذ للاستجابة لهذا التحدي جهداً ملحوظاً وقد أثمر نتائج بارزة لا يمارى فيه إلا مكابر.
التعليم قبل المدرسي:
وقد بدأ الاهتمام بالتعليم قبل المدرسي الذي هدف إلى تربية النشء على القيّم الدينية وتنمية مهاراتهم العقلية والاجتماعية وبناء قدرتهم على التواصل. وقد أصبح التعليم قبل المدرسي جزءاً من التعليم النظامي بصدور قرار مجلس الوزراء رقم "1799" بتاريخ 4نوفمبر 1990م . وكان مرد تلك السياسة لقناعة الحركة الإسلامية أن التربية تبدأ من لحظة الميلاد.
وهدفت السياسيات التربوية في هذا المجال إلى صياغة منهج قومي يأخذ في الاعتبار معطيات البيئات المختلفة . ويقوم على الأصالة والمعاصرة والسلوك الحميد القائم على حسن التعامل مع الآخرين. وينطلق من موجهات القدوة الصالحة مستنداً على الخصائص الفطرية للطفل وقدرته الفائقة على الحفظ والإسترجاع.
تعليم مرحلة الأساس:
لحظت الإنقاذ أن تعليم مرحلة الأساس هو الركيزة الأساسية في بناء المجتمع . إذ من خلاله تلبي حاجات التعليم الأساسية من مهارات ومضامين وقيم واتجاهات لا غنى عنها لحياة سليمة ومعافاة. وهو تعليم أساس لأنه أساس للنمو السوي ولبناء القدرات المستمر.
ويسهم تعليم مرحلة الأساس بفعالية في التنمية البشرية والاقتصادية والإجتماعية . وقد أثبتت الدراسات أن الاستثمار فيه أفضل من غيره من مراحل التعليم. ففي أفريقيا جنوب الصحراء يكون المردود الاقتصادي لمراحل التعليم كما يلي : 26% للتعليم الإبتدائي 17% للتعليم الثانوي 13% للتعليم العالي (تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم 1990)([27]).
وتعليم مرحلة الأساس يعني بالشريحة العمرية (6 - 13) سنة دون تمييز لجنس أو دين أو عرق أو موقع جغرافي. والوفاء به يمثل الوفاء بالحق الإنساني في التعليم.
هدفت إستراتيجية التربية إلى تعميم مرحلة الأساس بحلول عام 2002م . وقد تحقق الكثير في مجال التعميم خلال مراحل تنفيذ الاستراتيجية القومية الشاملة. ولم يحل دون تحقيق المراد إلا شح الموارد بسبب التحديات التي فرضت على الدولة. ورغم ذلك فإن ما تحقق على عهد الإنقاذ في مجال تعليم مرحلة الأساس يوازي ما تحقق منذ نشأة التعليم الأساس في السودان. ومن حيث النوعية فإن نسبة التلميذ للمعلم تصل إلى 1 : 32 وهي أقل من المعدل في أفريقيا كما ورد في تقرير اليونسكو عن التربية في العالم لعام 1995م([28]).
وبالرغم من التقدم على المستوى الأفريقي إلا أنه توجد صعوبات في توفير المعلم المؤهل وتحقيق التوازن في توزيع المعلمين المؤهلين على مستوى المحليات. وقريباً بإذن الله تحقق كليات التربية الواسعة الانتشار هذا التوازن في مستويات المعلمين. ولا شك أن شوطاً طويلاً لابد ان يقطع باتجاه تجويد نوعية التعليم فالاندفاع الإبتدائي نحو التوسع ينبغي ان يتواكب في هذه المرحلة مع اهتمام عظيم بنوعية التعليم.
محو الأمية وتعليم الكبار:
هدفت سياسات التعليم إلى محو الأمية الأبجدية والحضارية تمكيناً لكل مواطن من الارتقاء بكفايته الإنتاجية والمهنية . وإكسابه القيم والاتجاهات الايجابية لحفز فاعليته الاجتماعية . وقد استهدفت استراتيجية التربية محو أمية 8 ملايين مواطن 84% منهم من الشريحة الإنتاجية "15-45" سنة و16% في شريحة اليافعين خارج المدرسة في الفئة العمرية "19 -14" سنة . وهناك عدة برامج لمحو الأمية منها :
برنامج محو الأمية الحضاري ويهدف إلى محو الأمية الابجدية في إطار حركة المجتمع نحو التغيير الحضاري وإلى التصدي لمشكلة الأمية في إطار مشكلات التخلف.
وأول البرامج هو برنامج التدريب بالمشاركة لتنمية المرأة . وهو برنامج يرمي إلى محو أمية المرأة في إطار أنشطة تتناول حل المشكلات التي تواجهها . تمكيناً لها من تحسين نوعية حياتها والمساهمة في تنمية مجتمعها.
وهنالك برنامج محو الأمية بالنصوص القرآنية " اقرأ باسم ربك" : وهو برنامج موجه إلى الجماعات ذات الإقبال على التعليم الديني . ويرمي إلى تعليم القراءة والكتابة من خلال النصوص القرآنية مع تحفيظ 22 سورة في مرحلته الأولى . ويهدف في مرحلته الثانية إلى اكتساب معلومات من منظور إسلامي في الصحة والتنشئة الاجتماعية والثقافة العامة. وقد توافرت لخطة محو الأمية أسباب النجاح متمثلة فيما يلي:-
- القرارات السياسية المساندة والترويج الإعلامي والجماهيري والشعبي.
- التشريعات المتوافقة مع نهج الحملات الشاملة والرؤية الموسعة لقضية الأمية.
- تطور المواد التعليمية وإثرائها بإضافة كتب جديدة.
وقد حققت حملة محو الأمية نتائج باهرة في مرحلتها الأولى حظيت بالتقدير قومياً والإشادة عالمياً "تجربة أم كدادة" وقد التحق بفصول محو الأمية 3.3 مليون من الجنسين . وارتفع معدل الإلتحاق السنوي إلى 17% وقد جاء في إحصاءات اليونسكو لعام 1990م أن الأمية في السودان كانت 72.9% وانخفضت في العام 1996م إلى 47.3% في الشريحة العمرية المنتجة 15 سنة فما فوق ولاشك أنها انخفضت الآن إلى ما دون 40%.
- ونلاحظ أن معدل الأمية في أفريقيا جنوب الصحراء والدول العربية 43.2% و 43.5% على التوالي " تقرير اليونسكو عن التربية في العام 1995م". وكما أشرنا فقد اعتبرت تجربة أم كدادة في المحافل الدولية أنموذجاً فريداً في الإلتزام السياسي وتعبئة الجهود الشعبية للقضاء على الأمية([29]). والرؤية الهادية لمحو الأمية كانت رؤية شاملة تقوم على زيادة ثقة الفرد بنفسه واعتداده بها . ومن ثم بناء قدرته لتحسين ظروف حياته وترقية وضعه في المجتمع.
التعليم الثانوي:
هدفت سياسات التربية لإحداث تغيير نوعي في التعليم الثانوي باعتبارها حلقة ذات أهمية قصوى . تهدف إلى تخريج جيل قادر على التعامل مع الحياة من خلال إعطاء خيارات واسعة تمكنه من اكتشاف مواهبه وقدراته وتوجيه ميوله وتنفيذ طموحاته. ويقع على مرحلة التعليم الثانوي عبء التهيئة والإعداد للانخراط في الحياة أو في مؤسسات التعليم العالي. وإستدراكاً لثورة التعليم بأهمية هذه المرحلة فقد اتخذت عدة تدابير للنهوض بها يمكن إجمالها في الآتي:-
- اجازة مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني ومجلس الوزراء توصية مؤتمر سياسيات التعليم "1990م" والخاصة بأن تكون المرحلة الثانوية متعددة المجالات وموحدة الشهادة وتمتد إلى ثلاث سنوات.
- حددت إستراتيجية التربية الأهداف العامة والخاصة بمرحلة التعليم الثانوي وفق رؤية المؤتمر.
- عكفت الدولة على تنفيذ السياسات المتعلقة بالتعليم الثانوي من توسيع في مؤسساته . وتطوير نوعي لمناهجه . مع رفع نسبة التعليم الفني إلى 60% في سياق المدرسة الثانوية الجديدة. وقد تكونت عدة لجان من ذوي الاختصاص للنظر في تطور التعليم الثانوي من جميع جوانبه . كما أجريت عدة دراسات لتقويم المدرسة الثانوية ودراسة وضعها في عدة ندوات خلصت إلى تبني المدرسة الثانوية الجديدة.
- ركزت مفردات منهج المرحلة الثانوية الجديدة على إعطاء ثقافة عامة في شتى ضروب المعرفة كما تعطي خيارات متعددة للطالب لتمكينه من مواصلة دراسته العليا والانخراط في الحياة العملية.
ولكن ينبغي ملاحظة أن التعليم الثانوي يعاني من صعوبات في التمويل والتدريب . وعدم التوازن في توزيع المعلمين المدربين . ويتميز التعليم الثانوي عن تعليم مرحلة الأساس بتبعيته إدارياً إلى الولاية مباشرة مما يعطي أملاً بمزيد من الاهتمام به بزيادة موارد الولايات.
وبالرغم من الصعوبات إلا أن تصنيف التعليم الثانوي في السودان جاء في القائمة "أ" من ضمن أحسن 10 دول في أفريقيا من حيث الكفاية التربوية العالية " تقرير اليونسكو عن التعليم في أفريقيا 1997م" . ويقع ترتيبه الرابع من بين العشر دول الأفريقية، ولاشك أن هذا الترتيب رغم ما قطعه السودان من أشواط في هذا المجال يشكل تحدياً كبيراً للدولة للمزيد من تركيز الجهود والتوسع في التمويل لتحقيق مقاصد العملية التعليمية في هذا المستوى.
تسهيل الوصول للخدمة التعليمية:
يعتبر السودان من أوائل الدول في المنطقة العربية التي تبنت نظام الخريطة المدرسية والتخطيط الصغرى "Micro Planning" وذلك لما لهذا النمط من التخطيط التربوي من مزايا تتناسب وطبيعة السودان كقطر مترامي الأطراف 2.5 مليون كم2 ، قليل الكثافة السكانية "10 نسمة للكيلو المربع" وما زالت بنياته الأساسية في طور البناء.
ونظام الخريطة المدرسية يمكن من دراسة الواقع التعليمي على المستوى المحلي في سياقه الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي . ويشرك كافة قطاعات المجتمع المحلي في تحديد احتياجاتهم التعليمية ، وكيفية تلبيتها ويشخص الواقع التعليمي بشىء من التفصيل . الأمر الذي يتعذر في حالة التخطيط على المستوى القومي. ويتحقق النجاح في حالة التنسيق التام على المستوى القومي . حيث يتم رسم الخريطة التربوية للقطر وتحديد الأولويات لتوزيع مدخلات التعليم وفق الحاجة والكثافة السكانية.
توسيع نطاق التعليم العام وتوجيه مقاصده:
استهدفت سياسات التعليم العام جميع فئات المجتمع بتركيباته العمرية المختلفة "الأطفال واليافعين والشباب والكبار" دون إعتبار لجنس أو موقع جغرافي".
ولمعرفة أسباب التخلف النسبي في استيعاب البنات بمراحل التعليم العام أجريت دراسة تعليم البنات لمعرفة العوامل المسببة للفجوة . بالرغم من صغر حجمها "46%" نسبة البنات للمجموع الكلي لتلاميذ مرحلة الأساس للعام 1995م علماً بأن السياسة التربوية لا تفرق بين الجنسين في فرص التعليم.
أبانت الدراسة الأسباب الإقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أدت إلى عدم التحاق البنات بالمدارس بالصورة المطلوبة. وبعد مناقشة نتائج الدراسة على نطاق واسع تم التوصل إلى أربع مجالات ذات أولوية في تعليم البنات وهي :
وبدأ بالفعل تنفيذ تلك التوصيات . ومن المشروعات التي تم إعدادها والبدء في تنفيذها " مشروع تعليم اليافعين" الذي يستهدف مليون ونصف المليون ممن هم خارج المدرسة من الجنسين . والمشروع الاسعافي لتعليم النازحين بسبب الكوارث الطبيعية والحرب الأهلية بجنوب الوطن . ومشروع تعليم الرحل الذين يمثلون 2.5% من السكان ويتجولون في مساحة شاسعة تبلغ ثلث مساحة السودان ويسهمون بفاعلية في الدخل القومي "19.5% لعام 1993م". ويعانون فقر المعرفة . وما لم يجد هؤلاء العناية فإن عدم قدرتهم على تطوير حياتهم والإرتقاء بها سيبقى معوقاً كبيراً أمام النهضة الوطنية الشاملة.
ومن التجديدات الهامة وذات الأثر هي إدماج مفاهيم التربية السكانية والبيئية في مناهج التعليم الأساسي داخل وخارج المدرسة والشروع في إدماجها في مناهج التعليم الثانوي حيث تمت تجربتها في العام 98/1999م في المدارس الثانوية بولايات الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض. ويجري تدريسها بالصف الأول الثانوي منذ العام الدراسي 2000/2001م.
كفاءة التعليم:
كفاءة التعليم تنقسم إلى داخلية وخارجية، الداخلية تعني توظيف مدخلات التعليم من موارد مادية ومالية وبشرية بطريقة تمكن من تخريج أكبر عدد من التلاميذ بأقل تكلفة وأقل عدد من المدخلات البشرية وفي الزمن المحدد. أما الكفاءة الخارجية فيقصد بها ملاءمة واستجابة النظام التعليمي لمتطلبات التنمية وحاجات المجتمع.
ولكي يحقق التعليم قدراً من الكفاءة الداخلية والخارجية فقد جاءت السياسات التربوية بتنويع وزيادة مصادر التمويل ورفع نسبة الانفاق على التعليم من المصادر الرسمية والشعبية وتحسين نوعية المدخلات البشرية بتأهيل جميع معلمي التعليم العام وتدريبهم قبل الانخراط في المهنة إلى المستوى الجامعي. وقد أسند الحكم الفدرالي إلى المحليات مسؤولية تمويل التعليم الأساسي.
اكتنف إنفاذ السياسيات بعض الصعوبات التي تمثلت في عدم إيفاء المحليات بالتزاماتها تجاه التعليم بالمستوى الذي يحقق الكفاءة التعليمية المنشودة ذلك بسبب ضعف مواردها وبسبب عدم الكفاية في إدارة الموارد الشحيحة.
نوعية التعليم العام النظامي:
الكتاب المدرسي:
في العملية التربوية الكتاب المدرسي من العناصر الأساسية وتتحدد جودتها بجودته من حيث محتواه ووضوحه وجاذبيته وحجمه. وفي غياب المعلم المقتدر والكفء فإن الكتاب المدرسي ودليل المعلم لا غنى عنهما لضمان قدر من اكتساب التعلم لدى التلاميذ والطلاب. ولقد أتخذت السياسات الكفيلة بتوفيره وجعله في متناول التلاميذ.
ولكن مازال الوضع الحالي يؤكد أن نسبة الكتاب للتلميذ ما زالت دون المستوى الأدنى المطلوب وذلك نسبة للتوسع الكبير والتغيرات الهيكلية وما صاحبها تغيرات في المنهج . وكذلك قد تغير نظام التوزيع من المركزية القابضة إلى النظام الاتحادي الذي يعتمد على مقدرات المحليات والولايات في توفير وتوزيع وتخزين الكتاب المدرسي.
المعلم:
تتوقف جودة وكفاءة التعليم إلى حد كبير على المعلم ومدى ما بلغه من مستوى مهني وأكاديمي وما لديه من دافعية ورغبة شخصية في مواصلة النمو المهني والأكاديمي والشخصي . وبذلك يمكن للمعلم من تلافي القصور في تدريبه الأساسي ومن اكتساب المهارات التدريسية المتجددة بتجدد المعارف.
ولقد فطنت وزارة التربية لأهمية الدور الذي يؤديه المعلم فقد كانت سياساتها واضحة إزاء تأهيله وتحسين أوضاعه وحسن اختياره وقد تم في هذا الاطار:-
وبالرغم من الجهد المبذول إلا ان التغيرات المتلاحقة في السلم التعليمي والتوسع الكبير في مؤسسات التعليم العام أدى إلى زيادة هائلة في إعداد المعلمين وبالتالي في أعداد غير المدربين منهم حيث بلغ عددهم في عام 1996م 53 ألف في مرحلة الأساس و8 آلاف في المرحلة الثانوية.
إزاء هذا الموقف وجهت الدولة إطلاق نفير التدريب لتركيز كل الموارد المالية والبشرية المتاحة رسمية وشعبية لحل مشكلة التدريب ، حيث أن المعلم المدرب يعد أهم دعامة في تطوير التعليم وتحسين نوعه، كما تسعى الوزارة لتحسين الأوضاع في مؤساات التدريب القائمة وزيادة طاقتها الاستيعابية لتزيد من أعداد الخريجين.
بما أن مهمة إعداد المعلمين لمرحلتي الأساس والثانوي انتقلت الى التعليم العالي بموجب السياسات التربوية الجديدة فقد حصرت وزارة التربية والتعليم العام جهدها خلال الفترة من 1990 - 2005م على الدورات التدريبية المتنوعة إلى جانب ذلك ظلت الوزارة تلاحق البعثات التدريبية لمختلف فئات المعلمين بالتنسيق مع وزارة القوى العاملة غير ان شح الإمكانات حد كثيراً من تلك الفرص.
المنهج:
أجاز مجلس الوزراء الموقر أمر تأسيس المركز القومي للمناهج والبحث التربوي وتمت تهيئته ليصبح مركزاً إقليمياً متخصصاً في إطار خطة اليونسكو لإنشاء المراكز التخصصية وقد صدر قانون تأسيسه الذي يمنح العاملين بالمركز وضعاً متميزاً متساوياً لوضع العاملين بالجامعات والمعاهد العليا من حيث الامتيازات وفرص التدريب والوضع الوظيفي وذلك في العام 1996م.
أعيد النظر في مناهج التعليم العام وتمت تنقيتها من الشوائب والأخطاء وجرى إنزال مناهج الحلقة الأولى من مرحلة الأساس في العام 96/1997م كما تمت صياغة الحلقات المتبقية من من مرحلة الأساس . ويعتمد على هذه المناهج في صياغة الإنسان السوداني وفق رؤى وتوجه الأمة السودانية وهي مناهج مؤهلة تعني بتكامل المعرفة وتربية القيم وتنمية المهارات وتقوم على الدمج والتكامل والإرتباط . وبذا يكون السودان قد أسهم في تحقيق الاتجاه التربوي الحديث الذي ينادى بالتكامل في المعرفة والربط بين الثقافة والعمل.
التعليم العالي : الرهان على المستقبل:
وجدت ثورة الإنقاذ الوطني حال التعليم العالي كما عبر عنه السيد رئيس مجلس قيادة الثورة في خطابه أمام المؤتمر التداولي للتعليم العالي في فبراير 1990م بما يلي:
لقد كانت مؤسسات التعليم العالي قبل ثورة الإنقاذ تضم خمس جامعات هي الخرطوم ، وجوبا ، والقاهرة فرع الخرطوم بالاضافة الى معهد الكليات التكنولوجية وبعض المعاهد والكليات العليا المخصصة . ولم تكن هذه المؤسسات تستوعب أكثر من خمسة آلاف طالباً وطالبة لبرامج البكالوريوس ، كما بلغ عدد الطلاب المقيدين بها حوالي 19 ألف طالب وطالبة.
كما نجد أن مؤسسات التعليم العالي الأهلية تمثلت في كلية الأحفاد الجامعية وجامعة أم درمان الأهلية.
ومن جانب آخر نجد أن أعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي قبل الإنقاذ بلغت 651 استناداً في المؤسسات الحكومية و (209) في المؤسسات الأهلية وذلك في العام 1989م.
فلسفة ثورة الإنقاذ الوطني في مجال التعليم العالي:
(1) قرارات ثورة التعليم العالي:
وجهت الدولة جانباً كبيراً من عنايتها للقضاء على هذه الظواهر ومعالجتها حتى يصبح التعليم العالي أداة من أدوات التغيير. ومن أجل تعليم عال يقوم على فلسفة وطنية وارتباط وثيق بالبيئة المحلية عناية بها وتطويراً لمواردها أصدر السيد رئيس الجمهورية في الرابع من ديسمبر 1989م قرارات ثورة التعليم العالي والتي تمثلت في الآتي:-
1- مضاعفة الاستيعاب في مؤسسات التعليم العالي
2- الأخذ بنظام الانتساب في مؤسسات التعليم العالي
3- إلحاق كل المعاهد العليا والكليات القائمة بإحدى الجامعات المناسبة وتعديل النظم الأكاديمية لتقوم الجامعات بمنح الدبلوم والشهادات الأخرى بجانب البكالوريوس .
4- الأخذ بنظام الكليات الجامعية في الأقاليم والتي تتبع للجامعات القائمة.
5- إنشاء جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا على أن يكون معهد الكليات التكنولوجية القائم نواةً لها.
6- التصديق بقيام كليات وجامعات جديدة غير حكومية ومنح الإقليمي منها الإمتيازات والمساعدات الضرورية.
7- الفراغ خلال العام الدراسي 90/1991م من الدراسات التحضيرية الخاصة باعتماد اللغة العربية لغة التدريس في التعليم العالي.
8- تعديل قوانين الجامعات والتعليم العالي لاستيعاب القرارات أعلاه ولإزالة التناقض ولإحكام التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والمجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي.
(2) توصيات المؤتمر التداولي للتعليم العالي "فبراير1990م)
عقد المؤتمر التداولي حول قضايا التعليم العالي في فبراير 1990م لأجل وضع الخطط العامة والبرامج لتنفيذ قرارات ثورة التعليم العالي، واتخذت العديد من التوصيات التي تمت الموافقة عليها بقرار مجلس الوزراء رقم (419) لسنة 1990م ، وقد كانت محاور توصيات المؤتمر كما يلي:-
1- أهداف التعليم العالي:
1- تأصيل التعليم العالي بحيث يكون معبّراً عن خصائص أهل السودان وموروثاته الثقافية.
2- إعداد القيادات الفكرية في مجالات المعرفة الإنسانية والمهنية والتقنية.
3- توسيع مدى البحث العلمي.
4- بسط المزيد من فرص الإلتحاق بمؤسسات التعليم العالي.
5- خدمة المجتمع والمشاركة في جهود الدولة في مجال التخطيط والإرتقاء بالإنتاج.
6- النشر العلمي وتوسيع دائرة المعرفة في المجتمع.
2- التعريب:
1- إعتماد اللغة العربية لغة التدريس بمؤسسات التعليم العالي.
2- العناية بدراسة اللغات السودانية الكبرى وكتابتها بالحرف العربي.
3- التوسع في دراسة اللغات الأجنبية وخاصة اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
4- إقامة جهاز مركزي لتطوير اللغة العربية.
5- قيام وحدات تدريس اللغة العربية واستخدامها في التدريس في كل مؤسسات التعليم العالي.
3- التعليم الفني والتقني:
1- الأخذ بفكرة كليات المجتمع في كل الأقاليم.
2- دعم التعليم الفني والتقني بمنح خريجي المدارس الفنية فرص القبول بالجامعات والاهتمام بالتدريب الميداني والحقلي في كل مؤسسات التعليم العالي.
4- السياسة التعليمية:
1- تأكيد قومية القبول بمؤسسات التعليم العالي.
2- وضع اعتبار خاص لبعض الاقاليم الأقل نمواً بمنحها قدراً محدداً من الفرص في بعض الكليات والتخصصات.
3- إلغاء نظام المجموع التنافسي من خمس مواد واستبداله بالنسبة المئوية لكل المواد.
4- مضاعفة الاستيعاب في كل مؤسسات التعليم العالي وبخاصة الكليات التطبيقية والمهنية إبتداءً من العام 90/1991م.
5- تلتزم مؤسسات التعليم العالي بتنفيذ قرار الانتساب بهدف زيادة الاستيعاب.
5- السياسات الاقتصادية:
1- ترشيد النظام الحالي لإسكان الطلاب وإعاشتهم وترحيلهم تدريجياً وايجاد البديل.
2- تطوير الموارد الذاتية بمؤسسات التعليم العالي وتكوين لجنة إستثمار وبيت خبرة خاص بمؤسسات التعليم العالي.
3- تحسين الظروف المعيشية والعملية لأعضاء هيئة التدريس.
4- ترشيد الدراسة بالخارج على ان يتم تقليصها تدريجياً حسب نسب الاستيعاب الداخلي.
6- السياسة المؤسسية:
1- تشجيع قيام مؤسسات التعليم العالي الأهلي والتوسع فيها وفقاً للمعايير التي يحددها المجلس.
2- تشجيع قيام الجامعات القومية بالأقاليم مع ضرورة اختيار النمط التخصصي الملائم.
3- إلحاق كل المعاهد والكليات المتخصصة بالجامعات المناسبة.
7- تمويل التعليم العالي:
1- إيجاد مصادر جديدة تكون ثابتة بمؤسسات التعليم العالي.
2- ترشيد الصرف وإتباع النظم المالية والمحاسبية الفعالة.
3- تطوير المشروعات الإستثمارية.
استراتيجية التعليم العالي (1992- 2002م):
بناءً على قرارات ثورة التعليم العالي كان لابد من تحديد بعض الأهداف والمؤشرات بحسبانها ركيزة لمنهج إستراتيجي لتنفيذ الخيارات المعلنة ، فقد حددت الاستراتيجية القومية الشاملة للدولة (1992 - 2002م) للتعليم العالي ما يلي:-
1- إعادة صياغة المناهج بما يتسق مع توجه الدولة خاصة في مجالات الاقتصاد والاجتماع وغيرها.
2- مواصلة تحديث المناهج بصورة مستمرة لتواكب تقدم المعرفة وحاجات المجتمع.
3- الاهتمام بالتخصصات التي تلبي حاجات الولايات.
4- الاعتناء بالدراسات البيئية والأسرية في جميع مجالات التعليم العالي.
5- تأصيل الثقافة والنأي عن التغريب وجعل اللغة العربية هي الأصل في التدريس والبحث والاهتمام بدراسة اللغات والثقافات الأجنبية.
6- ترشيد التعليم بالإستفادة من الإمكانات المتاحة ، والسعي إلى الاعتماد على الذات.
7- العناية بتدريب القوى العاملة رفيعة المستوى ، وإعداد العلماء وتدريبهم ليقودوا البحث العلمي لتكون لهم القدرة على مواكبة المعرفة المتجددة والمتطورة.
8- تشجيع البحث العلمي ، خاصة البحث العلمي الجماعي والمتعدد التخصصات وربطه بالتدريس والإنتاج واستنباط أصوله.
9- أن تولى الجامعات وبخاصة (جامعة الخرطوم) اهتماماً أكبر بالدراسات العليا.
10- تشجيع التعليم العالي الخاص وفق ضوابط تضمن مستويات رفيعة.
11- دعم مؤسسات التعليم العالي بهدف تحقيق أهداف الخطة مع الحفاظ على المستويات العلمية وتطويرها بهدف تعزيز الأنماط التخصصية الملائمة لكل مؤسسة لمعالجة مشاكل المجتمع وتحقيق سياسة تكامل التخصصات بين كل الجامعات وتفادي الإزدواجية المخلة.
12- إعطاء أسبقية للتعليم التقني مع مراعاة القيم الاجتماعية والاقتصادية ، وربط التعليم العام والعالي بحاجات التنمية بصورة فاعلة.
13- تشجيع التنسيق والتعاون بين مؤسسات التعليم العسكري والأمني والدبلوماسي ومؤسسات التعليم العالي.
14- تطوير التعليم الفني والتقني ليبلغ 60% من التعليم العالي ، وتوفير التدريب المهني والحرفي المتقدم، بما يضمن حاجات الاستراتيجية الشاملة.
15- مضاعفة الجامعات بما يستوعب أربعة أضعاف الاعداد الحالية ، ويقلل من أعداد الطلاب الدارسين بالخارج.
الرهان على المستقبل:
ورغم الإنجاز الكبير الذي تحقق في مجال التعليم العالي فإن البون شاسع بين الواقع والتطلع فالتعليم العالي هو الرهان الحقيقي على المستقبل وأمل أهل السودان لأن الرهان على المستقبل يتعلق بنهضة تتوالي بمتوالية هندسية في مجال التعليم العالي ويعين على هذا التوسع اهتمام عظيم يجب أن يولى للتعليم المفتوح والتعليم عبر المسافة لان هذا الأسلوب هو الأفضل من الناحية الاقتصادية لأحداث التوسع الكبير . ولكن يتوجب ان يستعان بأحدث التقانات في هذا المجال والتي تستعين بالتطورات الإلكترونية لتحقيق حضور إفتراضي مشابه للحضور الحقيقي . ولا شك أن الدولة تعي تماماً ان الطريق إلى المستقبل يمر من بوابة الاهتمام بالتعليم التقني . فرفع القدرات وتطوير المهارات هو السبيل الى النهضة باسرع طريق . وهذا يقتضي بذل الجهود والأموال الطائلة لاستكمال البنيات التحتية للجامعات. ولاشك ان ذلك لن يتحقق بالأماني وإنما بمراجعة جذرية لسياسات التمويل في الدولة. سياسة تبنى على عائد السلام لكي يتقلص الصرف الأمني الضخم تدريجياً بزوال أسبابه الممثلة في الحرب . ولا شك ان اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة سهل عند القول صعب عند الانفاذ . ولكن الأمم لا تبنى بالخيارات السهلة بل أن القرارات الصعبة والقرارات الصعبة هي وحدها السبيل الى الترقي السريع في مدارج النهضة . يواكب الاهتمام بالبنية التحتية للجامعات اهتمام نظير بتدريب وتأهيل اعضاء هيئة التدريس بالداخل وبالخارج على حد سواء. ولابد من مراجعة السياسة التي تحد من التدريب الخارجي . فقدرة التدريب بالداخل على بناء فعلي للقدرات محدودة وظل العلم من الخارج سنة مؤكدة وحاجة ماسة وأنما نهضت بلدان مثل كوريا وماليزيا على توسع كبير في الابتعاث المدروس إلى الخارج . ولابد في سياق النهضة بالتعليم العالي من بذل جهود جمة في إعادة وصل العلاقات الثقافية والتعليمية بين الجامعات الوطنية ونظيراتها بالخارج وبخاصة البلدان المتقدمة.
الدعوة نحو تنمية اجتماعية شاملة:
والدعوة نقصد بها الجهد الطوعي الذي يبذله المجتمع في معايرة واقعة بقيم الإسلام والسعي إلى مقاربة تلك القيم شوطاً من بعد شوط. والدعوة في السودان عريقة بعراقة قدوم الإسلام إلى هذه البلاد. ولا يمكن ان ينسب فضل الدعوة إلى عهد من العهود أو إلى حكومة من الحكومات. ولكن الانقاذ بسبب توجهها لإعادة المجتمع إلى المشارب الإسلامية النقية بذلت جهوداً لتنظيم عمل الدعاة ودعمه وتأهيل الدعاة ليكون رسلاً للتنمية الاجتماعية الشاملة. وقد تحققت انجازات كانت لها ثمرات ظاهرة مثل مضاعفة اعداد المساجد . ومضاعفة اعداد مرتاديها وشيوع الثقافة الدينية والمصطلحات القرانية والسنية بما لا يخفى عن مراقب أو زائر.
نشر القرآن الكريم:
ويمكننا تفصيل كسب الانقاذ في مجالات الدعوة والتربية الروحية عبر المحاور الآتية:-
أولاً : كسب الثورة في مجال نشر القرآن الكريم:
القران الكريم هو رسالة الله إلى الناس كافة ، ولذا فلا غرو من أن يأتي القرآن وافياً بجميع مطالب الحياة الإنسانية ، على الأسس الأولى للأديان السماوية السابقة ، والقرآن الكريم بتلك الخصائص علاجُ لجميع المشكلات الإنسانية في شتى مناحي الحياة الروحية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأنه تنزيل الحكيم الحميد.
ونظراً لذلك فقد أولت الإنقاذ القرآن الكريم إهتماماً خاصاً ، فمنه استمدت قوانينها، واستخرجت نظم حياة شعبها في كافة مجالات الحياة وضروبها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأحيت معانيه ورسمه ، فأدخلته في مناهج التعليم على نحو واسع لم يكن مألوفاً من قبل، وحسنت لسان الناشئة بتلاوته، وقومت سلوكهم باستلهام معانيه ، ودعمت خلاويه ومراكز تحفيظه بالولايات ، فقد تم توزيع مئات الآلاف من المصاحف لمساجد وخلاوي القرآن الكريم وبناء عدد من الخلاوي ودعم الخلاوي بالولايات الجنوبية، وامتدت الجهود الى عقد اتفاقيات ثنائية مع الأزهر الشريف في مصر والعراق وأندونيسيا وعمان وسوريا والمغرب وقطر والأردن والجزائر والكويت ورابطة العالم الإسلامي والمنظمة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم ، بهدف دعم جهود نشر القرآن الكريم بالبلاد.
وتعظيماً لشأن القرآن الكريم قامت الدولة بتكريم حفاظه بأن ساوتهم بخريجي الجامعات في الدرجة الوظيفية تحفيزاً لهم على حفظه. ونظمت مهرجانه السنوي ، ونقلته من أول السنة الهجرية الى رمضان شهر القرآن ، ووسعت دائرته ليصبح منافسة عالمية بعد أن كانت محلية . وأهتمت بنجاح أبنائها في كثير من حواضر العالم الإسلامي، واهتمت بنشر المصحف وشجعت طباعته ، فتأسست في عهد الانقاذ دار مصحف أفريقيا لطباعة القرآن الكريم الأمر الذي شجع دور الطباعة الخاصة في إصدار طبعات سليمة من القرآن الكريم مثل: دار هايل للطباعة ، ودار الشريعة ، ودار الحكمة وغيرها من الدور، وقامت الانقاذ بتكليف لجنة من كبار العلماء للإشراف على ما تصدره المطابع من مصاحف وأجزاء ، ومراجعتها ، وهي لجنة تكونت لأول مرة في تاريخ السودان الحديث. ومن أوضح ما يدل على اهتمام الثورة بالقرآن الكريم أن أسست له جامعة باسمه وهو قرار غير مسبوق في كل أنحاء العالم الإسلامي.
وكما لا يخفي على أحد ما قدمته الانقاذ من دعم متواصل لأنشطة القرآن التي انتشرت في كافة أنحاء البلاد ، فأسهمت اسهاماً مقدراً في التغيير الاجتماعي المنشود في المجتمع السوداني ، ولا تفوتنا الأشارة إلى الخدمات الإذاعية لنشر القرآن الكريم ، أولها إذاعة القرآن الكريم ، التي تهتم بالقرآن وعلومه والأخرى إذاعة الفرقان وهي إذاعة متخصصة ببث تلاوة القرآن الكريم على مدار الساعة وبصفة متواصلة ، وبأصوات مشاهير القراء في العالم العربي والإسلامي.
اعمار المساجد واعظام رمضان:
أهتمام الدولة بالدعوة تجلى في الاهتمام بانشاء المساجد في مرافق الدولة وفي منتديات الترفيه وفي كل مرفق جامع للناس حتى أصبح وجود المساجد أمراً ملازماً لكل مجمع للناس . وكانت قدوة الدولة دفعاً للمجتمع والذي أندفع في بناء المساجد وأعمارها حتى تضاعفت المساجد في كل أنحاء السودان اضعافاً كثيرة . ولم يقتصر الأمر على المباني فقد انتشر الاهتمام بالصلاة وتعظيم شأنها فعمرت المساجد بالمصلين وانتشرت العادات الحميدة باقامة الليل في رمضان وفي غير رمضان وليس للانقاذ في ذلك من فضل سوى أنها ضربت مثلاً حميداً فكان المجتمع أسرع مبادرة وأكثر سبقاً . واكب الاهتمام بشأن الصلاة اهتمام بشأن رمضان وشأن الصوم عموماً ولا غرو فان الثقافة الدينية التي أحياها المجتمع أحيت السنن الخيرة في الناس.
شعيرة الزكاة :
ولا شك أن الدعوة التي لا تحمل الرحمة والعناية بشأن الناس لن تحقق انتشاراً ولذلك فقد جاء اهتمام الدولة بشعيرة الزكاة صنواً لاهتمامها بالدعوة عامة. وقد سعت الانقاذ الوطني لتطوير ما بدأت من تنظيم لجباية الزكاة وحسن توزيعها من قبل ، فرعت ديوان الزكاة ، وطورت هياكله ونظمه ولوائحه. ووسعت من سلطانه وجعلت له فروعاً في كل أنحاء السودان، من أجل إحياء هذه الفريضة وتذكير الناس بها تكميلاً لدينهم . وتحقيقاً للتكافل بينهم . وجابت وفود الديوان كافة أنحاء السودان مُعرفة بفقه الزكاة ، ومذكرة بأهمية جمعها ومراجعة لأداء الإدارات بالولايات والمحافظات . والتقت بدافعي الزكاة وشرحت لهم الضوابط التي تتم عند توزيعها على مصارفها الشرعية.
فارتفعت حصيلة الجمع ، من بضع ملايين من الجنيهات عام 1989م لتصل تقديرات الجمع الى 27 مليون دينار في العام 1990م ثم استمرت في نمو مطرد حتى بلغت العام 2004م (24) مليار دينار. وفيما يلي جدول يوضح تطور جباية الزكاة للأعوام 1990 - 2004م بمليارات الدينارات :
جدول يوضح تطور مصارف الزكاة للأعوام 1990 - 2004م بمليارات الدينارات:
تدرج ديوان الزكاة في توزيع النسب على المصارف الشرعية حيث بدأ بالنسبة المتساوية 12.5% للمصرف الواحد ومع ازدياد حدة الفقر تم رفع النسبة المخصصة للفقراء والمساكين الى 40% عام 1997م وبلغت 61% عام 2004م
جدول يوضح تطور مصارف الزكاة للأعوام 1990 - 2004م بمليارات الدينارات:
تطورت نسبة مصرف الفقراء والمساكين من 12.5% لعام 1997م إلى 61% عام 2004م
التطور في مصرف الفقراء والمساكين بملايين الدينارات
الثقافة والاعلام والاتصالات:
الحديث عن الثقافة وأزمة الثقافة حديث لا يتسم بالدقة في غالب الأحوال. ولاشك أن جميع بلدان الحوض العربي الإسلامي تعاني أزمة ثقافية. سببها الجمود والتراجع في مسار الثقافة الإسلامية ، السائدة في هذا الحوض. ولاشك أن دعوة العودة للإسلام هي في المقام الأول دعوة تجديد للثقافة الإسلامية لتستعيد قدراتها الحركية وعبقريتها الذاتية التي مكنت لهذه الثقافة أن تنتشر في مساحة شاسعة تمتد من طنجة إلى جاكارنا. وأزمة الثقافة الحقيقية ليست أزمة إنتاج ثقافي صفوي كما تصورها النخبة في بلادنا وفي بلاد كثيرة شبيهة بحال بلادنا ، بل هي أزمة استعادة الهوية والخصوصية والحركية . وهي أزمة الجمود الذي ران على الأمة زمان طويلاً وقد آن أوان الصحوة ، آن اوان النهضة آن أوان الإنطلاق والملاحقة والمسابقة والتصدر والشهادة على الأمم. وهذا المشروع هو مشروع أجيال متتابعة . ولكن هذا الجيل يتحمل التبعة الكبرى تبعة اليقظة والنهضة . وتوجيه الأمة نحو الوجهة الصحيحة والمقاصد الصحيحة : وقد كانت هذه الرؤية الواضحة هي حفزت الحركة الإسلامية نحو هذا المشروع العظيم الذي يراه البعض وهماً كبيراً وتراه الحركة الإسلامية صورة الغد الذي يرونه بعيداً وتراه قريباً.
ولاشك أن حديثنا عن الثقافة هو حديث عن طرائق حياة الأمة. وهو حديث عن قيمها ومثلها ومقاصدها وآمالها . ولذلك فالثقافة موضع الكلام ليست ثقافة الصفوة ولا انتاجها الأدبي الأولى والفكري الذي تتحدث عن أزماته. ولكن هي ثقافة الأمة توجهاتها الجديدة ووعيها بذاتها وبحاضرها وبمستقبلها. ولاشك أنه إذا كان هذا هو المقياس للمعايرة لكسب الحركة الإسلامية من خلال أجهزة الحكومة ومن خلال مسعى المجتمع المدني ، فان حصيلة الجهد الثقافي كانت ملحوظة للخصوم قبل أهل الموالاة . فقد اندثرت تقاليد وأفكار كانت نتاجاً لعهود الجهالة والتبعية وبرزت توجهات جديدة في حياة الناس وفي طريقة تقويمهم للاشياء وفي أساليب معاشهم وارتقائهم واحتفالاتهم واتراحهم وأفراحهم. وهذا هو التحول الثقافي الذي نروم. ولئن كان الأمر لا يزال في البادئة فقد اتضحت الرؤية وتحددت الوجهة وبدأت الحراك الكبير.
أما أولئك الذين يقيسون الفلاح الثقافي بعدد ما نشر من الكتب أو عرض على الناس من مسرحيات . فلاشك أنه وعلى الرغم من أية دراسة مقارنة ستوضح ان كسب سنوات الأنقاذ كان خيراً من كسوب سواها ، إلا أن ضعف الانتاج الثقافي للصفوة والذي قد يتبدى في شكل إصدارات او منشورات أو مسرحيات أنما هي جزء من واقع الضعف الثقافي والاقتصادي الذي توعكت به الأمة زمانها طويلاً . وقد بدأ الآن مشوار التعافي على مستوى المجتمع الكبير . بيد أن جهد الدولة في هذا المجال يقصر كثيراً عن المامول بل عن المطلوب . وربما كان السبب واضحاً هو ان الحصار والمهددات التي أحاطت بالبلاد جعلت الصرف على دفع هذه المهددات يحتل الموقع الأول من الاهتمام والتمويل. ولكن الأمر ما لبث ان تحول من حاجة من حاجات الوقت إلى ذهنية تعطي الأولوية للأمور الأمنية وللمؤسسات الأمنية على كل حال حتى ولو كان المال سيوظف في أمور الصحة فهو يذهب لمؤسسة أمنيه لتوظفه في أمور الصحة . وإذا كان استثماراً فهو يذهب الى مؤسسة أمنيه لتقوم بالاستثمار ووزارة المال أولى وأقدر . ولو كان أمر دراسات وبحوث فهو يذهب لمؤسسة أمنية لتقوم بالدراسة والبحث ومؤسسات البحث العلمي أولى وأقدر. ولذلك لابد من وقفة ذكية وأمينة ولابد من تجرد من الولاءات الفئوية والنظر بالموضوعية للحاجات والضرورات في إطار ما يقتضيه الوقت والمحل. ولاشك ان قطاع الثقافة والاعلام سيظل يعاني ما لم تتجدد طرائق التفكير لتلائم الاطروحات الفكرية للحركة الإسلامية والتي تدرك تماماً أن الأهتمام بالأمن يحقق البقاء والبقاء بالطبع أولوية في كل حال ولكن بالاهتمام بالثقافة والعلم يتحقق الارتقاء وإذا لم نتوصل إلى المعادلة المرضية بين ضرورة البقاء وحاجة الإرتقاء فأن النهضة ستظل أملاً بعيد المنال.
ولاشك أن الاعلام والاتصالات هي وسائط لنشر الثقافة والفكر والاتجاهات الجديدة والعلوم والمبتكرات . ولاشك أيضاً ان قطاع الاعلام والاتصالات قد شهد تقدماً ملحوظاً لا ينكره إلا مكابر. وقد احرز قطاع الاتصالات تقدماً جعله في المقدمة مع دولتين من دول القارة الأفريقية وكان لانتشار الاتصالات الحديثة دور عظيم في دفع الحراك الاجتماعي والتواصل بين السكان مما يعني وسائط فاعلة للاتصال والثقافة . ونشر الاتجاهات الجديدة بين الأمة وقطاع الاعلام هو الآخر أصبح يغطي إذاعياً كل السودان والجوار الحيوي له . وتلفازياً يعطي 80% من السكان ارضياً عبر 96 محطة إعادة بث وفضائياً يعطي 90% من العالم عبر سبعة أقمار . وتطورت التقانات الى رقمية وبدأت بنهضة جديدة في البرامج ولكن ذلك كله يبقى بعيداً عن مطلوبات هذا القطاع في أمة تريد أن تعيد صياغة حاضرها وغداً وان يكون لها شأن ورسالة للأمم الأخرى.
قطاع الصحة والرعاية:
حفظ النفوس هو مطلوب الشريعة الأول بعد حفظ الدين المنظم لحركة الحياة بل أنه من المعلوم عند أهل العلم أن الكلي من حفظ النفس أولى من الجزئي من حفظ الدين. ولذلك فان رعاية بقاء النفوس في صحة وعافية وكفاية وكرامة واحد من أولويات الشريعة. ولا يجب ان يتحدث أحد عن مقاربة لتحكيم الشريعة لا ترعى صحة الإنسان وكفايته وكرامته . تقول الإستراتيجية القومية الشاملة "أن الصحة ليست قطاعاً خدمياً فحسب بل هي هدف اجتماعي رئيس لأن الإنسان هو هدف التنمية الاجتماعية ووسيلتها"([30]). وقد بذلت جهود كبيرة لتحقيق انجازات ملموسة في قطاع الصحة في جميع جوانبها توضحها الجداول الملحقة بهذه الدراسة([31]). ولكن كما سبق منا القول عند الحديث عن الثقافة فأن التمويل لقطاع الصحة يتطلب ان يضاعف اضعافاً مضاعفة. وبخاصة وان الصحة هي أهم عائدات السلام . وقد شهد القطاع تطوراً في الرعاية الصحية الأولوية في عدد ومستوى المؤسسات الصحية وفي صناعة الدواء وتوفيره . وانتشر العمل الطبي الخاص وتطور تحت رعاية الدولة . وكان نظام التأمين الصحي أكبر الانجازات في هذا المجال. ولكن ذلك كله يبقى دون المامول. فلابد من تجديد الرؤية للنظام الصحي باكمله بتركيز أكبر على الرعاية الصحية الأولوية لتحقيق أهداف الألفية التنموية قبل العام 2010 دون الانتظار للعام 2015 . ولابد من تسيير الوصول للخدمات الصحية للمواطنين جميعاً دون تمييز . وتعزيز كفاءة أداء الخدمات برفع قدرات العاملين . والأخذ بالتقانات الجديدة ومواكبة البحث العلمي . وإن يتم ذلك في إطار سياسة عامة منحازة للفئات الأضعف Propoor Policy .
أما في مجال الرعاية الاجتماعية فأن الأولوية كانت هي توسيع نظم الضمان الإجتماعي ومد نطاقها للمجتمعات المحلية . وتمكين الفقراء من خلال رفع القدرات وتمليك وسائل الانتاج من خلال الصيرفة الاجتماعية . وتشجيع الإدخار ومشروعات الاستخدام الذاتي المنتج . والاهتمام بقضايا تمكين المرأة ورعاية الطفل وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة . وقد تحققت إنجازات ملموسة في هذه القطاعات توضحها الجداول المرفقة بالبحث . وكانت أكبر الانجازات في مجال توسيع الزكاة وتمكين المرأة واصلاح نظام المعاشات والتأمين الإجتماعي والتأمين الصحي وما أنجز في هذه المجالات حظى باشادات دولية متعددة . بيد أن كل ما أنجز لا يمثل إلا بادئة خطة عظمى يتوقف عليها التقويم النهائي لكسب الانقاذ في مجال التنمية الإجتماعية . لأنه لا معنى لحديث عن تحول إجتماعي ثقافي لا ينهض به مجتمع نامٍ متقدم متحضر. ولقد أثرت ظروف الحرب والحصار على معدلات الانفاق على هذه القطاعات مثل ما أثرت على القطاعات الأخرى. ولولا التوسع الكبير في عائد الزكاة لبرز أثر الحرب والحصار بأكثر مما هو ظاهر الآن. ولكن المأمول أن عائد السلام وإعادة هيكلة نظام التمويل في الدولة إلى الوضع الطبيعي إلى معدل السلم سوف يشكل دفعة كبيرة لهذا القطاع، بدأت ملامحها منذ موازنة العام 2006م ونرجو ان تبرز هذه المعالم بصورة أكثر وضوحاً في موازنة العام الجديد.
التنمية الإقتصادية:
العوامل الداخلية لأزمة الثمانينات في السودان:
تزامنت مع الأزمة الإقتصادية والتحولات الهيكلية في النظام العالمي التي بدأت في الثمانينات وإمتدت إلى التسعينات عوامل داخلية عديدة في السودان أدت إلى تعميق أزماته الاقتصادية والسياسية وعجلت بالتحولات التي انتظمت البلاد بعد ذلك ويمكن ان نجمل فيما يلي أهم العوامل الداخلية خلال تلك الفترة:-
أولاً : تفجر حرب الجنوب مجدداً في الثمانينات وانكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ثانياً : الأزمة الغذائية الناتجة عن طول فترة التصحر والجفاف التي ضربت منطقة القرن الأفريقي والسودان.
ثالثاً : ضعف وجزئية السياسات الاقتصادية والإنمائية التي تم انتاجها خلال ذلك العقد والتي عجزت عن ايقاف عمليات التدهور الاقتصادي([32]).
حرب الجنوب وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية:
شكلت قضية النزاع المسلح في جنوب السودان هاجساً متصلاً للنظام الاقتصادي والاجتماعي في السودان منذ منتصف الخمسينات وفيما عدا الفترة 72 - 83 التي تم فيها تنفيذ اتفاقية أديس أبابا 1972 وما أعقبها من سلام نسبي فقد أدت هذه الحرب إلى آثار مدمرة على الاقتصاد السوداني والنسيج الاجتماعي عامة خاصة بعد عام 1983م ويمكن إجمالاً أن نحصر أهم الآثار السالبة لهذه الحرب في الآتي:-
1- خروج جنوب السودان تقريباً من دورة الإنتاج القومي وعدم احتسابه في القيمة المضافة للناتج القومي في معظم أجزائه.
2- ضعف عائده الإيراد في الإيرادات القومية وانحصرت هذه العوائد بشكل عام في ايرادات جمارك الحدود بينما لا توجد عوائد ضرائبية تذكر.
3- تدهور وتآكل البنيات الأساسية خاصة الطرق والمياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات.
4- ارتفاع حجم الإنفاق على الجنوب خاصة الإنفاق على الحرب والإنفاق على تسيير دولاب العمل الحكومي والإنفاق الاجتماعي والخدمي في المناطق التي سيطرت عليها القوات الحكومية . ويمثل هذا الإنفاق فاقداً مزدوجاً فمن ناحية فهو إنفاق جار لا تقابله إيرادات مماثلة من ذات المصدر . وبالتالي فإنه يشكل جزءاً كبيراً من العجز الكلي للموازنة . ومن ناحية أخرى فهو فاقد في تمويل تكاليف التنمية والخدمات الاساسية . ذلك أن توفير فاتورة الإنفاق على الحرب كانت ستؤدي إلى زيادة التنمية عموماً في الجنوب. وتحسين الأوضاع الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والمياه والمرافق العامة الأخرى بما يسهم في رفع المعيشة.
5- أدى الصرف على الحرب على خفض المدخرات الوطنية والمدخرات العامة عموماً ولعب دوراً في معدلات النمو المتدنية التي تم تسجيلها في عقد الثمانينات كما سيرد لاحقاً.
وقد أوضحت بعض الدراسات ان الدول المتأثرة بالحروب تنمو عادة بمعدل يقل عن 2.2% عن المعدل الطبيعي الذي تنمو به خلال فترة السلام([33]).
6- أما على الصعيد الاجتماعي فقد كان من نتاجها:-
(أ‌) هجرة ونزوح المواطنين بأعداد هائلة لم يسبق لها مثيل في السودان ولم ترصد حتى الآن أرقامها الفعلية منهم 1.8 مليون نسمة هاجر إلى الخرطوم.
(ب‌) أدت معدلات الهجرة والنزوح العالية إلى ضغوط كبيرة على طلب الغذاء. وساهمت في حدوث نقص كبير في الأغذية ومجاعات عدة أضف إلى ذلك الضغط على الخدمات الأساسية في المدن الكبرى من تعليم وصحة ومياه.
(ت‌) زيادة معدل الوفيات خاصة الفئات العمرية المنتجة وفقدان عدد كبير من الكوادر المتخصصة والمدربة في القوى العاملة.
(ث‌) إرتفاع معدل البطالة وتغذية السوق الموازي بعوامل البقاء والاتساع.
7- أما على الصعيد السياسي فقد تسببت هذه الحرب في تعكير العلاقات الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي والإقليمي . واتخذت وسيلة وذريعة لفرض ضغوط هائلة على الاوضاع الاقتصادية والسياسية وسبباً لوقف وتعطيل المساعدات الخارجية للبلاد . وتغيير طبيعة انسيابها وأنماطها حيث تم رصد تحول المساعدات والمنح الخارجية نحو المنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني وبالتالي إضعاف وضع الموازنة العامة للدولة وإمكاناتها للإنفاق على التنمية والخدمات الاجتماعية . أضف إلى ذلك ما أدت أليه من تعدد أشكال المقاطعات الاقتصادية والسياسية ووضع الشروط القاسية على انسياب التمويل من المؤسسات الدولية التمويلية وافساد العلاقات معها كما حدث مع صندوق النقد الدولي.
8- وأخيراً فقد لعبت هذه الحرب دوراً أساسياً في استفحال أزمة الديون الخارجية في السودان بجانب الأسباب الأخرى لهذه الديون كما سنوضح ذلك ، وبرزت خلال فترتها متغيرات دولية جديدة كان من أبرزها إدخال المعايير السياسية في مجال العلاقات الاقتصادية والتدخل عن طريقها في أسس الحكم والسلطة والسياسات الاقتصادية والأداء العام للاقتصاد الكلي والأوضاع الاجتماعية([34]).
الإستراتيجية القومية الشاملة 1992م - 2002م
شكلت الإستراتيجية القومية الشاملة التي تم إعدادها للفترة 1992- 2002م أول بداية جادة لوضع رؤية استراتيجية متكاملة لعملية التحول الفلسفي والمنهجي للبناء الإقتصادي والإجتماعي والحضاري في البلاد وكما جاء في مقدمة وثيقة الإستراتيجية القومية أنها تمثل "البداية الشاملة للتأصيل للنهضة الفكرية والتنمية الثقافية وتحريك المجتمع وتعبئة قواه في إطار ثوري يفجر الطاقات ويستنهض الهمم وأنها " خريطة هادية للتحول الحضاري نحو المجتمع الذي نصبو إليه وخطة أصيلة لتفجير طاقات المجتمع المبدعة كلها. والإعتماد على الذات بالمعاني المجتمعة لموارد الطبيعة ولقدرات الروح والشمائل ولقوى المعرفة والمهارات التي حبانا الله بها بغير انغلاق أو عزلة أو استسلام للضغوط والإكراهات"([35]).
وفي السياسات الإقتصادية أكدت الاستراتيجية علي الآتي :-
إن تحقيق العدالة والمُساواة كهدف إقتصادي وإجتماعي لا يقف عند إقرار المعاني الحقوقية المُجردة والتكافؤ الشكلي للفرص بإتخاذ تدابير فعلية لإعادة توزيع الثروات المادية وغير المادية لصالح المُستضعفين والمحرومين , وتبني سياسات فاعلة لمحو الظلم والهيمنة والقضاء عي أشكال البؤس والفقر والحاجة , حتى لا يصبح التقدم جُزراً معزولةً.
في مجال السياسات الاقتصادية في المناطق المُتخلفة نصت الاستراتيجية علي الآتي:-
لابد أن تستجيب السياسات الاقتصادية لمُتطلبات النهوض بالمناطق وإحداث التنمية المُتوازنة لتتمكن من النهوض الاجتماعي الشامل بالوطن كله 00 وأن تُوجه السياسات لهدف تحقيق سلطة المجتمع وذلك بإخراج الاقتصادي الوطني من قيود التبعية ومن تحكم الدولة والطبقة ,الي آفاق أرحب تُشجع المُبادرة , وتكبح الجنوح الي الطمع والإستغلال وذلك عبر سياسات تشجيع تأسيس أسكال واسعة وعريضة من الملكية الخاصة , تشمل أوسع الفئات الاجتماعية في المجالات الاقتصادية الأكثر مساساً بالجماعة أو تستتبع تميزاً وقوة السعي لتشجيع الاستثمارات المشروعات الانتاجية الصغيرة والوسيطة والملكيات التعاونية وملكية الأسرة أومُنشآت الإكتتاب العام باعتبارها بني مؤسسية لنشر الملكية وتوسيع فرصها بين جميع الفئات الاجتماعية وسد الفجوة بين العمل ورأس المال والجهد والكسب لبناء المجتمع المدني الراسخ([36]).
أما في مجال السلام فقد لخصت الاستراتيجية رؤيتها في هذا المجال في هذا البُعد الذي وجد طريقه مؤخراً ليصبح أساساً لاتفاقيات السلام التي تقم توقيعها مؤخراً حيث أشارات ضمن توجيهاتها العامة في مجال السلام الي الآتي :-
أن أهمية هذه الاستراتيجية لا تكمن فقط في محتواها الفكري المُتقدم وإنما أيضاً في أنها مثلت نقلة نوعية في مجال فكر التخطيط والتنمية عامة في الدول النامية وشكلت أساساً إنتقلت منه حركة التغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في السودان ويمكن الرجوع الي ذلك في أبواب الاستراتيجية المُختلفة.
وما انبثق عنها من برامج قصيرة المدي غطت الفترة 92-95-96-98-99-2000م([37]).
منهجية التحرير الاقتصادي في السودان وبرامج الاصلاح الاقتصادي :
لقد كان أول مهام تنفيذ عملية التحول في النظام الإقتصادي في السودان وفق الرؤية الإستراتيجية التي تضمنتها وثيقة الإستراتيجية القومية الشاملة ،الإعلان الشهير بالانتقال بالاقتصاد السوداني الي مرحلة التحرير الإقتصادي المتكامل وفك قيود الإدارية والإجرائية في كافة مفاصلة وتحرير قوي السوق وإطلاقها لدفع مسيرة الإقتصاد نحو التقدم وجاء ذلك في العام 1992 وإذا كان هذا الإعلان قد جاء متزامناً مع بداية موجة الفكر الإقتصادي الرأسمالي والذي ساد العالم خاصة بعد إكتمال حلقته في منتصف التسعينات بإنشاء منظمة التجارة الدولية وانهيار الاقتصاد الموجة في منظمومة الاتحاد السوفيتي ، ومحاولة فرض أنماط وقوالب اقتصادية محددة في إطار حركة العولمة الاقتصادية ، إلا أنه يمكن القول أن عملية التحرير الاقتصادي في السودان قد جاءت متباينة ومتفردة في أبعادها المختلفة بل ان هذا التحرير لم يجد ترحيباً من ذات الدوائر العالمية التي فرضته دولياً وسعت لإدخال العالم تحت مظلة اقتصادات السوق بما في ذلك الاقتصادات الموجهة العريقة كالصين 0 فقد حفلت فترة تنفيذ برامج التحرير والاصلاح في السودان بألوان شتي من المصاعب والتحديات والعقوبات، وتقف تجربة السودان في مجال التحرير الاقتصادي رائدة لأ،ها استطاعت أن تحقق نجاحات عديدة لم يكن من السهل الحصول عليها في غياب أهم عموامل نجاحها المفترضة، ويمكن أن نستدل بتفرد تجربة التحرير الاقتصادي في السودان وعملية التحول في النظام الاقتصادي من عدة أوجه نجملها في الاتي:
1- النجاح في تجاوز الحصار الاقتصادي وسلسلة العقوبات الاقتصادي طوال عذد التسعينات وبداية الألفية الثالثة.
2- النجاح في فرض منهجية الفكر الاقتصادي الاسلامي وسنفرد له بابً كاملاً لأهميته حيث كان النجاح والذي شكل العمود الفقري للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والإنمائية في السودان صدي واسعاً ومهد لنشر هذا الفكر عالمياً في المؤسسات المالية الدولية والتمويلية وأصبح السودان الدولة الوحيدة في العالم التي ساد فيها نظام مصرفي كامل علي اساس غير تقليدي قائم ومربوط بمنهجية الفكر الاقتصادي الاسلامي وسياسات التحرير الاقتصادي0
3- النجاح في وضع نموذج اقتصادي علمي استطاع احتواء تداعيات الاثار السالبة علي الاقتصادات والسياسات الكلية التي تم إتباعها في بداية التسعينات والتي أوشكت ان تطيح بمكاسب الذي تم تحقيقه خلال تلك الفترة 1996-2005م من أصلاحات مالية ونقدية ومؤسسة عديدة في اطار برنامج الإصلاح الاقتصادي0
4- كسر طوق حلقة الاقتصاد المفرغة التي ظل الاقتصاد السوداني يواجهها منذ استقلاله والمتمثلة في ضعف مدخراته واستثماراته من ناحية وعجزه من استغلال القروض والمساعدات الانمائية والجارية التي تم الحصول عليها خلال الفترة 1958-1989م بالكفاءة المنشودة ودور الإستثمار الأجنبي والاستثمار في النفط في تحقيق بداية النمو المتسارع والقوى الذي جاء منذ بداية الألفية الثالثة.
5- دور النجاح الاقتصادي الذي مثلت فيه سياسات التحرير رأس الرمح في تثبيت دعائم النظام السياسي منذ 1989م ونجاحه في تحقيق أبرز أهداف الإستراتيجية القومية الشاملة التي أشرنا إليها خاصة في مجال السلام والوفاق الوطني والاقتصاد.
الحصار الاقتصادي الدولي والاقليمي ودور سياسات التحرير الاقتصادي في تجاوز آثاره السالبة:
لقد كان من المتوقع نتيجة لعمليات الحصار الإقتصادي والسياسي المستمر حدوث انهيار اقتصادي كبير لاسيما وقد فقدت البلاد خلال عقد التسعينات أهم مصادر دعمها الاقتصادي في الثمانينات والمتمثلة في التدفق المنتظم للمعونات والمساعدات الأجنبية والقروض الخارجية على نحو كبير ويستطيع المتتبع لأداء الاقتصادي السوداني أن يلحظ أن مواجهة تداعيات الحصار الاقتصادي قد جري بوعي كامل ويستطيع احتواء أهم العوامل التي كان من المؤمل أن تعجل بالسقوط والفوضى الاقتصادية وتمثل ذلك في حزمة التدابير التي تضمنتها سياسات الاعتماد على الذات من ناحية وسياسات تحرير قوى السوق وفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص لسد فجوة الموارد والنقص السلعي في البلاد من ناحية أخرى، أضف إلى ذلك سياسة المتابعة اللصيقة لواردات السلع الضرورية والأساسية وإعطاؤها أولوية في توجيه الموارد الشحيحة لها مثل تغطية فاتورة البترول والدواء والقمح والدقيق ، من الموارد الذاتية وفي سياسات تشجيع الإنتاج الزراعي وتوفير التمويل اللازم له (برغم خطورة السياسات التوسعية آنذاك وما نتجت عنها من آثار سالبة لاحقاً ) والذي أدى لتحقيق معدلات نمو عالية في الانتاج الزراعي في بداية التسعينات ساهم فيها بقدر كبير توالي مواسم أمطار جديدة خلال تلك الفترة . والاستثمار الأجنبي والاستثمار في النفط في تحقيق بداية النمو المُتسارع والقوة الذي جاء من بداية الألفية الثالثة([38]).
المعالم الرئيسية للتحولات الاقتصادية في عقد التسعينات وبداية الألفية الثالثة:
انعكاسات سياسات التحرير الاقتصادي على النمو الاقتصادي:
ساهمت إجراءات التحرير الاقتصادي وإعادة هيكل النظام الاقتصادي التي بدأ تطبيقها منذ أوائل التسعينات والتي انصبت ابتداء في تحريك الإنتاج من خلال زيادة الإنفاق العام على القطاع الزراعي بصفة خاصة وتحرير الطلب الكلي من القيود الإدارية والسعرية إلى تسريع النمو الاقتصادي الكلي بمعدلات كبيرة موجبة إبتداء من العام 91/92 بمتوسط وصل حوالي 7.3% سنوياً حتى عام 2004م ، وقد ساهم في تحقيق هذا النمو القطاع الزراعي خاصة قطاع الثروة الحيوانية والقطاع التقليدي في بداية التسعينات وبرغم تدهور معدلات نمو القطاع الزراعي بعد ذلك في نهاية التسعينات إلا أن تعويض فاقد النمو تمت تغطيته من النمو الذي حدث في بقية القطاعات خاصة القطاع الصناعي سواء في الصناعة التحويلية أو مؤخراً في قطاع البترول الأر الذي أدى لإعادة هيكلة الناتج المحلي الإجمالي كما سيرد.
لقد كان لإرتفاع معدل النمو الاقتصادي بعد فترة الركود في الثمانينات صدى واسع ذلك ان هذا النمو تم في وقت تناقصت فيه تدفقات الموارد الخارجية ، وعائدات الصادرات وتنامي الانفاق العسكري والأمني على الحرب، وفي وقت كانت معظم الدول المشابهة لظروف السودان تعاني من ضعف النمو ، وقد ظل استمرار واستدامة هذا النمو محل مراقبة من الأوساط الدولية الاقتصادية حتى المعادية فيها فعلى سبيل المثال أشارت نشرات Economist Intelligence Unit E.I.U برغم مواقفها الاستخباراتية إلى أن معدل النمو وصل في عام 91/92 إلى 11.3% وفي عام 1992م/1993م إلى 7.6% وفي عام 1997م إلى 5.5% والى 6% في عام 1999م والى 4.1% في عام 2002 وقدرت متوسط نمو الناتج المحلي حتى 2002م بحوالي 7%.
في مقال لها في مايو 2000 أشارت مجلة (Economist) في مجال مقارنتها بالأداء في الدول الأفريقية في مقال تحت عنوان The Hope Less Continent
Sudan an international Pariah with no democracy and no international assistance, is doing as well as any one these days with current growth rate of more than 7%
وقد أكدت استدامة النمو خلال التسعينات وبداية الألفية الثالثة تقارير مؤتمر التجارة والتنمية أضف إلى ذلك التقارير الدورية لصندوق النقد الدولي في إطار متابعته للأداء الاقتصادي السوداني منذ بداية التسعينات فيما يعرف ب Staff-Monitored Program وفي تقريره المشهور World Economic Outlook وأمنت على ذلك تقارير البنك الدولي حيث أشارت أحدى وثائقه إلى الآتي:-
The economic reform program was both successful and unusual was successful because it restored macroeconomic stability , revived economic growth and resulted in increasing GDP Perception .. was unusual in the sense that reforms were pursued without External. Financing or Technical Assistance.
وأخيراً فقد أشار تقرير ال JAM Sudan المجلد الثالث والذي تم إعداده بواسطة بعثة مشتركة لتحديد احتياجات السودان لفترة ما بعد السلام في إطار تنفيذ اتفاقيات السلام إلى ذات المعنى، حيث قدرت متوسط معدل النمو بحوالي 7% هذا ويعكس الجدول التالي معدلات النمو الاقتصادي خلال فترة التسعينات([39]).
معد النمو خلال الفترة 91/92 - 2004م
المصدر Jam Sudan Cluster Reports
وتقديرات وزارة المالية والاقتصاد الوطني - الإدارة العامة للسياسات الاقتصادية الكلية للبرامج.
معدل دخل الفرد:
نتيجة للزيادة المضطردة في النمو الاقتصادي يقدر أن دخل الفرد في السودان قد إرتفع من 364.7دولار في عام 1992م إلى 572.2 في عام 2004م ويتوقع ان يرتفع الى 681 في العام 2005م.
التراكم الرأسمالي :
وفق المقابل شهدت معدلات التراكم الرأسمالي في السودان قفزة كبري كما هو واضح من الجدول أدناه والذي يعكس ارتفاعاً ملحوظاً في معدل التراكم الرأسمالي بمعدلات عالية حيث بلغ قمته في عام 1998م ليصل إلي 30.3% وتؤكد هذه النسب ما تم رصده من معدلات النمو الاقتصادي العالية التي حدثت خلال التسعينات مما يشير لفعلية الاستثمارات واستخداماتها واستجابة الاقتصاد ومرونته مما أدي لتحولات واضحة في مفاصل الاقتصاد المختلفة 0
وتشير الأرقام الأولية لحجم الاستثمارات الأجنبية في السودان إلي أنها بلغت خلال الفترة 1996م-2004م لوحدها أكثر من 8 مليار دولار كما ظهر في ميزان المدفوعات ويتوقع أن تكون أكبر من ذلك بإضافة بند الأخطاء والمحذوفات0
حجم الاستثمار الأجنبي في السودان خلال الفترة 1996م-2004م
مليون دولار
لقد تركزت معظم هذه الاستثمارات في مجالات الطاقة والتعدين والقطاع الصناعي والخدمات الاقتصادية وبالرغم من أن هنالك نقصاً في المعلومات بشأن كافة الاستثمارات الأجنبية خلال عقد التسعينات وبداية الألفية الثالثة إلا ن حجم هذه الاستثمارات الأجنبية يضعها في مرتبة عالية بالنسبة للدول الأفريقية والدول العربية حسب ما جاء في التقارير الدولية والإقليمية مما يقف شاهداً علي دور النجاح في سياسات التحرير الاقتصادي في تحسن الاقتصادي الاستثماري عموماً ولا يخفي أن تدفق هذه الاستثمارات قد أوجد صراعاً خفياً علي النطاق الدولي الإقليمي ولعب دوراً في التداعيات السياسية التي شهدها السودان خلال بداية الألفية الثالثة برز جزء منها في مداولات مجلس الأمن بشأن خياراته المطروحة لزيادة العقوبات علي السودان بما فيها حظر صادرات البترول وما يستنبطه هذا التهديد من صراع خفي لعبت فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي دوراً لا يمكن إغفاله([40]) .
وعموماً فإن المؤشرات تشير إلي أن السودان يمكن أن يستقطب مزيداً من الاستثمار الأجنبي خلال السنوات القادمة بمستويات عالية مما يتطلب العمل علي حل المشاكل والمعوقات العامة التي يمكن أن تحد من تدفقاته المتوقعة والتي تقدر في مستوياتها التدني بأكثر من 7 مليارات دولار خلال الفترة من 2005-2009 م ومن أهم هذه المعوقات خاصة في الولايات0
- ضعف البنية التحتية والمادية والتقنية والمصرفية والقانونية0
- ضعف القدرات البشرية والإدارية والمؤسسية والتفاوضية 0
- عدم كفاية الطاقة الكهربائية وضعف إنتشارها0
- عدم مواكبة القطاع الخاص المحلي لوتائر التحولات الدولية وضعف إمكاناتة الادخارية والاستثمارية والتقنية وضيق فرص التكافؤ مع إمكانات الاستثمار الأجنبي في حالات المشاركة معها أضعف الي ذلك طموحه الاستثماري بسبب طبيعة تركيبته الأسرية([41])0
ميزان المدفوعات :
لعل أبرز ما يمكن أن يذكر في مجال ميزان المدفوعات الخارجي في السودان هو ذلك الأثر الكبير الذي أحدثته تدفقات الاستثمار الأجنبي من ناحية وزيادة الصادرات من ناحية أخري نتيجة لزيادة صادرات البترول كم أشرنا سابقاً أضف إلي ذلك زيادة تدفقات القروض الخارجية في السنوات الحرجة خاصة تلك المتعلقة بتمويل مشروع سد مروي باعتباره اكبر مشروع إنمائي في السودان بعد مشاريع البترول.
ونتيجة لذلك فقد شهد ميزان المدفوعات تحسناً حي نتج فائض أدي الي زيادة مطردة في احتياطي البلاد من العملات الاجنبية وصلت الي 1754 مليون دولار ويتوقع ان تفوق ال 2 مليار دولار في عام 2005م، وزادت نسبة تغطية الاحتياجات للواردات من 2 من الشهر الي 3.2 شهور وهو رقم قياسي.
النظام المصرفي الإسلامي
لعل من أكبر الأدلة التي تقف شاهداً علي تجربة التحرير الاقتصادي في السُودان لم تكن صناعة مُستجلبة إقتضتها ظروف التحول في النظام العالمي ولفرض نظام إقتصاديات السوق الحر علي أساس نمطي الشكل والمحتوي كجزء من عملية العولمة الإقتصادية أمران بارزان :
أولهما: أن هذه التجربة تمت في إطار عملية التحول والتطور والثبات للنظام المصرفي الإسلامي ضمن فلسفة النظام الإٍسلامي عموماً .
ثانيهما:أن هذه التجربة جرت في غياب أ يمٍُاعدات مالية أو نقدية من سلطات مؤسسات بريتون وودز وعلي أساس رأسها صندوق النقد الدولي وفي الوقت إستحكمت فيه حلقات الحصار الإقتصادي والعقوبات الدولية مما كان سيُطيح بهذه التجربة وقتها في مهدها .
نجاح النظام المصرفي في إختراق الحواجز المنهجية والنفسية لصندوق القد الدولي كفكر إقتصادي جديد :
أدي تميز النظام المصرفي الإسلامي برغم حداثة تجربته المحلية والعالمية الي تثيبت أقدامه في الفكر الإقتصادي الحديث لما يتميز به من وضوح الرؤيا والمنطق والشفافية في برامجه وغاياته, ولقد كانت تجربة السُودان مع صندوق النقد الدولي رائدة في مجال الحوار والتقييم العلمي والفكري . ولعل من علامات النجاح التي أدت الي تعامل المجتمع الدولي مُمثلاً في صندوق النقد الدولي مع تجربة السُودان أنها إعتمدت كأحد أركان برامج الإصلاح الإقتصادي والتكيف الهيكلي في السُودان وما تم بعد ذلك من مساعي للدخول الي محتوي وجوهر هذا النظام في السُودان والعمل علي تطوير أدواته في إطار الشريعة الإسلامية بالتعاون مع كبار المُختصين الإسلاميين وصندوق النقد الدولي وتكييفه للوصول الي الأهداف والسقوفات الموضوعة في الساياسات النقدية والمالية لبرامج الصندوق المُحددة([42]).
يقول أحد تقارير الصندوق ما يلي :-
"تعمل كل المؤسسات المالية في السُودان علي أساس مباديء وأُسس الشريعة الإسلامية والتي تحكم في النظام القانوني الإقتصادي " ويُؤكد الصندوق " أن التركيب المؤسسي للقثطاع المصرفي في السودان كان مُستقراً خلال فرتة التسعينات ويتراوح عدد البنوك ما بين 25-29 . و هنالك فروع لمصارف أجنبية دخلت السُودان .
لقد بدأ جلياً أن تجربة النظام المصرفي في السُودان بالرغم من أنها ترجع للعام 1978م حينما تم إقرار قيام بنك فيصل الإسلامي وقامت بعدها عُدة بنوك تم إستثناء عقود تأسيسها من العامل بالفائدة (الربا) في إطار إداواجية مصرفية في النظام المصرفي حيث وجدت البنوك غير الربوية مع نظام تقليدي يتعامل بسعر الفائدة , وبالرغم من صدور قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م والذي ألغي التعامل بربا القروض , فإن دور السودان في تدعيم ونشر تجربة النظام المصرفي الإسلامي تظل رائدة في هذا الصدد لسببين أساسيين :
أولهما : أن السُودان هو الدولة الوحيدة التي يقوم نظامها المالي والنقدي بكامله علي هدي المباديء الإسلامية (بجانب إيران ) .
ثانيهما : أن هذا النظام جري الاعتراف به من حيث أنه كان سابقاً للتطورات اللاحقة من المنظمات الدولية والاتفاقات الأخيرة (اتفاقية السلام ) .
وتأتي أهمية النظام المصرفي في السُودان من أنه كان سابقاً للتطورات اللاحقة التي انتظمت الخريطة الاقتصادية الدولية في هذا المجال . وتُشير التقارير الدولية الي أنه بالرغم من أن بداية المصارف الإسلامية ترجع لعقود قليلة إلاّ أنها نمت وإتسعت بوتائر عالية بعد تجربة السُودان , حيث يُوجد في عام 2005م حوالي 240 مؤسسة إسلامية مالية تبلغ أصولها مُجتمعة أكثر من 230 مليار دولار في أكثر من 48 قطراً وتتركز معظم البنوك والمصارف والمؤسسات الإسلامية في دول الخليج وماليزيا كما أن هنالك العديد من المصارف الإسلامية تعمل في الدول الأوروبية , وهنالك أسواق مالية دولية وأدوات ومؤشرات عالية لهذه الأسواق كما يُوجد مجلس الخدمات المالية الإسلامية للتنسيق بين المؤسسات الإسلامية في العالم , لقد لعبت السياسات النقدية في النظام الاقتصادي في السودان في تثبيت دعائم الاستقرار الاقتصادي والنجاح في دعم مسيرة التحرير الاقتصادي عموماً وبرامج الإصلاح والتكيف الهيكلي التي تركز العمل بها بكثافة بعد 1997م لاحتواء مظاهر التدهور في بعض مؤشرات الاقتصادي الكلي لا سيما نتائج التوسع النقدي وإرتفاع مُعدلات التضخم([43]) .
التنمية الزراعية والصناعية:
الإنجازات المتحققة في القطاع الزراعي :
المؤشرات الاجمالية لتطوير أداء القطاع الزراعي:
تطور المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي:
تشير معطيات الجدول(1) أن مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت من نحو 83% فقط في عام 1988م-1989م الي نحو 45% في العام 2003-2004م
تطور الصادرات الزراعية :
شهد قطاع الصادر الزراعي نمواً مطرداً ابتداء من منتصف التسعينات من القلان الماضي حيث ارتفعت قيمة الصادرات الزراعية من نحة 85 مليون دولار عام 1995الاي نحو 237 مليون دولار عام 2003م ثم قفزت لتصل الي نحو 369.5 مليون دولار في عام 2004م أي أنها تضاعفت لأكثر من أربع مرات مقارنة بالعام 1995م وبزيادة قدرها 52.7% عن العام 2003م وهي تمثل 50% من جملة الصادرات غير البترولية التي بلغت في نفس العام نحو 720 مليون دولار([44])0
تطور الإنتاج النباتي :
تشير بيانات الجدول (2) ان المساحة المزروعة بالمحاصيل الرئيسية قد ارتفعت من نحو 22.2 مليون فدان موسم 89/90 إلي نحو 41 مليون فدان موسم 03/04 أي زيادة إجمالية تقدر ب84% ، أما في مجال الحبوب والتي وجدت اهتماماً متزايدا لأهميتها في الأمن الغذائي ، وبالرغم من التقلبات المناخية فقد ارتفعت من نحو 16.1 مليون فدان إلي نحو 30.7 مليون فدان أي إنها كادت ان تضاعف حيث زادات بنحو 91% أما الحبوب الزيتية فقد ارتفعت من نحو 5 ملايين فدان الي 8.2 مليون فدان بزيادة تقدر ب 64% وفيما يلي البقوليات فقد زادت المساحة المزروعة من 83 ألف فدان إلي 554 ألف فدان بزيادة كبيرة بلغت 567% ، أما القطن فقد تراجعت زراعته من نحو 744 ألف فدان إلي 455 ألف فدان بنقصان بلغت نسبتة 31% وارتفعت المساحة المتخصصة للخضر والفاكهة من 316 ألف فدان إلي 908 ألاف فدان بزيادة إجمالية فاقت ال87% 0
فيما يتعلق بالمساحات المحصودة من المحاصيل الرئيسية يوضح الجدول رقم (3) انه قد زاد المساحة المحصودة الإجمالية من نحو 18.6 مليون فدان موسم 89/90 إلي نحو 32.3 مليون فدان موسم 2003-2004 بزيادة إجمالية تقدر بنحو 74% وقد زادت المساحة المحصودة من الحبوب الغذائية كمن 13.4 مليون فدان إلي 24.1 مليون فدان بزيادة 80% والحبوب الزيتية كذلك زادت من نحو 4.1 مليون فدان إلي 6.3 مليون فدلن بنسبة زيادة بلغت 54% في حين زادت مساحة البقوليات من 74 ألف فدان إلي 487 ألف فدان أي إنها تضاعفت بنحو يقارب الست مرات ، ونقصت المساحة المحصودة من القطن من 702 ألف فدان إلي أقل من 391 ألف فدان بنسبة نقصان بلغت 44% بينما زادت المساحة المحصودة من الخضر والفاكهة من نحو 316 ألف فدان إلي 908 ألف فدان بزيادة 187%
الجدول رقم (4) يعرض الإنتاج الإجمالي الكلي للمحاصيل الرئيسة خلال الفترة موضع الدراسة وبفضل التوسع في إستخدامات التقانات الحديثة وتنفيذ الحزم التقنية للمحاصيل زاد الإنتاج الإجمالي من نحو 4.8 مليون طن إلى أكثر من 13.1 مليون طن بزيادة إجمالية بلغت 173% حيث ارتفع انتاج الحبوب الغذائية من 2.1 مليون طن إلى 5.9 مليون طن بزيادة تقدر ب 181% وارتفع انتاج المحاصيل الزيتية من نحو 0.4 مليون طن إلى 1.2 مليون طن بنسبة زيادة 200%، كما حققت البقوليات قفزة كبيرة في الانتاج من 141 ألف طن الى 568 ألف طن بزيادة 554% وقد تناقص إنتاج القطن نظراً للنقصان الكبير في المساحات المزروعة حيث كان الانتاج الكلي موسم 89/90 يقدر ب 408 آلاف طن تناقص ليصبح 238 ألف طن بنسبة نقصان 42% وبمقارنة النقصان في الإنتاج بالنقصان في المساحة يلاحظ التحسن في إنتاجية المحصول لوحدة المساحة بفضل التقانات الحديثة في الإنتاج في حين زاد إنتاج محاصيل الخضر والفاكهة للاهتمام الكبير الذي حظيت به هذه المحاصيل من نحو 1.8 مليون طن إلى 5.4 مليون طن بزيادة فاقت ال 200% ([45]).
تطور الانتاج والانتاجية للمحاصيل الرئيسة:
شهدت الفترة 89/90 - 2003/2004م تطوراً كبيراً في المساحات والإنتاج والإنتاجية للمحاصيل الرئيسة بهدف تحقيق الإكتفاء الذاتي والأمن الغذائي وزيادة حصيلة البلاد من العملات الصعبة، وفيما يلي أهم المؤشرات في هذا المجال:
1- الذرة الرفيعة : ارتفعت المساحة المزروعة بمحصول الذرة الرفيعة من نحو 11 مليون فدان كمتوسط للفترة 86/87 - 88/89 إلى نحو 15 مليون فدان كمتوسط للفترة 2003/2004م بزيادة إجمالية بلغت 36% في المتوسط ، أما الإنتاج فقد ارتفع من نحو 3 ملايين طن إلى حوالي 3.8 ملايين طن في المتوسط بمعدل زيادة بلغ 24% (الأشكال 1 و 2 ) وبمقارنة المساحة في موسم 89/90 بموسم 2003/2004م يلاحظ أنها ارتفعت الى 4.7 ملايين طن بزيادة 193%.
2- الدخن : ارتفعت المساحة من 3.7 مليون فدان 89/90 إلى 10.3 مليون فدان بزيادة اجمالية 178% وارتفع الانتاج من 161 ألف طن إلى 842 ألف طن بزيادة 422% وفي معظم الأحوال يفوق إنتاج الذرة.
3- القمح : بالرغم من إنخفاض المساحة من 614 ألف فدان إلى 432 ألف فدان خلال نفس الفترة بنسبة نقصان 30% إلا أن الإنتاج حافظ على مستواه (409 ، 398 ألف طن) لموسمي المقارنة على التوالي مما يؤكد التحسن الكبير في الإنتاجية لوحدة المساحة وذلك من خلال استخدام التقانات الحديثة (شكل رقم 3).
4- السمسم : قفزت المساحة من نحو 2.6 مليون فدان موسم 89/90 إلى 4.4 مليون فدان موسم 2003/2004 بزيادة 69% كما زاد الإنتاج من 140 ألف طن إلى 399 ألف طن بزيادة تقدر بحوالي 185% خلال نفس الفترة.
5- الفول السوداني : ارتفعت المساحة من 1.3 مليون فدان موسم 89/90 إلى 3.8 مليون فدان موسم 2003/2004 بنسبة زيادة إجمالية 192% وارتفع الانتاج من نحو 218 ألف طن إلى 790 ألف بزيادة 260% خلال نفس الفترة. وهذا الارتفاع الكبير في الإنتاج لمحاصيل الغذاء الرئيسة مكن البلاد من تحقيق الأمن الغذائي وايجاد فوائض للتصدير.
النماذج الناجمة للارتقاء بالإنتاجية:
عملت الوزارة على الإرتقاء بالإنتاجية عن طريق النماذج الناجحة لنقل التقانة والإرشاد فجاءت تلك النتائج مبشرة ، وسوف يكون لها أثر كبير في تحقيق النهضة الزراعية المنشودة بإذن الله . فمن خلال مشروع دعم وتوطين دور نقل التقانة والإرشاد بالقطاع التقليدي بولاية سنار أثمرت الجهود المبذولة للموسم الأول (2003/2004م) عن تحقيق إنتاجية بلغت في المتوسط 8 جوالات /فدان مقارنة بنحو 2 جوال/فدان للمزارعين الذي لا يشملهم النموذج ، أي أن الإنتاجية قد تضاعفت أربعة مرات. أما في نموذج نقل التقانة لصغار المزارعين بالقاش فقد تحققت إنتاجية بلغت 16 جوالاً للفدان مقارنة ب 7 جوالات /فدان للمزارع التقليدي بالمنطقة (شكل رقم 4)([46]).
التنمية الصناعية:
من ناحية أخرى شهد قطاع الصناعة إرتفاعاً في معدل النمو وارتفاع في نسبة المساهمة في الناتج الإجمالي المحلي والزيادة والتنوع في الصادرات وارتفاع مساهمة القطاع في ايرادات الدولة.
وتمظهرت أيضاً السياسات التي انتهجتها الدولة والوزارة على الإنتاج كمّاً ونوعاً حيث نجحت في تغطية الطلب المتنامي من السلع الإستهلاكية فقد تم توفير السكر والدقيق واختفت صفوف الخبز والبطاقة التموينية وتم تصدير الفائض وحدثت قفزة كبيرة في كفاءة التشغيل في شركات إنتاج السكر وكذلك قفزة نوعية وكمية في إنتاج العصائر والمياه الغازية ومنتجات الألبان.
وتطورت صناعة الأدوية المحلية ونجحت في توفير الأدوية الأساسية المنقذة للحياة بنسبة تفوق ال 90% وغطت 70% من فاتورة الدواء.
وقامت صناعات جديدة وتضاعف عدد المنتجات الصناعية مثل الصناعات النفطية ن صناعة السيراميك ، الصناعات الالكترونية ، الصناعات التصنيعية وتجميع السيارات والناقلات والمقطورات .. ألخ.
وفي إطار تحقيق الترابط داخل القطاع والإهتمام بالمدخلات قام مصنع الصودا الكاوية. كذلك فقد حصلت العديد من المنشآت على شهادات الجودة ISO - 14000 ،ISO -9000([47]).
وتضاعف حجم الاستثمار في القطاع الصناعي عدة مرات بشقية الوطني والأجنبي . وجرى تنفيذ عدة مراحل من مشروع سكر النيل الأبيض وبدأ العمل التنفيذي في سكر النيل الأزرق.
جرى مشروع المسح الصناعي الشامل وتم بناء نظم وقواعد البيانات الأساسية والقياسية بالوزارة.
جرى تنفيذ كم هائل من برامج ومشروعات الدعم والمساندة للصناعات الصغيرة بمساعدة المؤسسات الدولية والإقليمية آخرها مشروع تنمية منطقة جبال النوبة بمساهمة من الحكومة اليابانية. وتم إبرام العديد من اتفاقيات التعاون الصناعي ومذكرات التفاهم والمحاضر مع عدد من البلدان (مصر ، تونس ، سوريا ، الهند ، اثيوبيا ، الاردن ، تركيا، ايران ، الجزائر) ويسير العمل فيها بصورة مرضية.
وتكونت آلية لتذليل معوقات قطاع الغزل والنسيج وتنفيذ خطة القطاع وذلك بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 150/2003 وكانت نتيجة لذلك تشغيل 50 مصنعاً متوقفاً وإعادة البسمة إلى آلاف الأسر.
تبلورت الجهود الخاصة بتوفير التمويل للقطاع الصناعي بقيام مؤسسة للتمويل الصناعي برأسمال قدره مليار دولار ومبدئياً 350 مليون دولار.
وجرى إعداد برنامج القطاع الصناعي لإعمار المناطق المتأثرة بالحرب.
وأما صناعة النفط التي ولدت ونمت وتطورت على مدى سنوات الانقاذ متحدث بواقع الحال. هي كتاب إنجاز لابد ان يقرأ تفصيلاً ويكفي ان نشير هنا إلى آلاف الكيلومترات من أنابيب نقل البترول ومضاعفة طاقة المصافي اضعافاً مضاعفةً . والتطور الهائل الذي شهدته صناعة النفط شهدته أيضاً صناعة الكهرباء والجداول الملحقة بهذا البحث لا تحتاج إلى كثير تعليق.
التنمية السياسية:
لاشك أن التنمية السياسية رديف ذا أهمية عالية إلى جانب التنمية الإجتماعية والإقتصادية. والنجاح والفشل في تحقيق التنمية السياسية له وقع كبير على النجاح في أحداث التنمية الإجتماعية والاقتصادية . كان ذلك واضحاً للحركة الإسلامية وللانقاذ ولذلك فأن الإستراتيجية الشاملة تقرر:
1- يقوم البناء السياسي في السودان على الوفاء بعهد الاستخلاف عن الله . بتأكيد سيادة المجتمع المؤمن , من خلال مؤتمراته التشريعية ونظامه الاتحادي . الذي يراعى التنوع , ويتقوى بحصيلته في أرضه . كما يقوم على إعلاء قيم الحق والحرية والعدالة . ومراعاة حقوق الإنسان وواجباتة . وتقوم العدالة القانونية على مبادئ سيادة القانون ونفاذ سلطانه . واستقلال القضاء وحيدته ونزاهته .
2- إن تأهيل بنيات المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية . يعتبر قضية محورية لازمة لتحقيق النهضة الشاملة . وإن تقوية مؤسسات المجتمع لتبسط سلطانها عليه هي الخطوة الأساسية في تحقيق هدف استقلال المجتمع عن السلطة في معظم حاجاته . وأن هذا التأهيل لابد أن يتجاوز أشكال الطوارئ الثورية. من خلال تحقيق الحريات الأساسية ونفاذ القانون .
3- إن قضية تحقيق السلام العادل من أهم التحديات أمام تحقيق الأهداف الاستراتيجية . السياسية , والاقتصادية والاجتماعية . فيجب أن تكون محاور التحرك الاستراتيجي شاملة وكلية . تمكننا من مواصلة الحوار للوصول لحل سياسي للنزاع . واتخاذ أسباب القوى الفاعلة التي تدفع خطي الحوار وتحافظ علي السلام .
وقد تطور البناء السياسي على هذه المرحلة طوراً من بعد طور. إبتداء باعلان الحكم الإتحادي لبسط السلطة افقياً وإنتهاء باتفاقية السلام الشامل التي وسعت الحكم الإتحادي إلى أوسع مدى وثبتت نظام الفيدرالية المتوازية غير المتناسقة Paralel asymmetrical federalism والتي توسعت فيها صلاحيات الولايات واتسعت مواردها وأصبحت تملك السلطة للتفاوض حول قسمة الموارد المركزية عبر مفوضية قسمة الموارد ومراقبتها. كما أهتمت الانقاذ بالديمقراطية القاعدية بإظهار اهتمام كبير بالحكم المحلي واعتباره مستوى دستورياً من مستويات الحكم. ولاشك ان بسط الصلاحيات والموارد هو واحد من أهم السبل والوسائل لبناء وتطوير الرؤى والقدرات السياسية .
ومن ناحية أخرى تطور النظام السياسي تدرجاً من العسكرية القابضة إلى نظام المشاركة الشعبية إلى التعددية ثم إلى التعددية التي يعززها الوفاق السياسي الشامل عبر اتفاقية السلام الشامل وكل تلك المراحل والتي تمت عن رؤية مسبقة وعلى بصيرة بالتحولات والتحديات كل ذلك يحسب للحركة الإسلامية وللإنقاذ. ومما لاشك فيه أن تحقيق أقدار أكبر من الحريات وتحقيق تدرجاً أرقى في الديمقراطية لا يزال تحدياً مطروحاً أمام الإنقاذ وأمام القوى السياسية الأخرى شريكة في الحكم أو معارضة له. ولابد للانقاذ ولرجالها ونسائها أن يهيئوا أنفسهم إلى ما تقتضيه الديمقراطية الحقة من اقتسام للموارد وللصلاحيات أفقياً ورأسياً . ولابد لهم من الوعي أن التفرد بالقرار ليس ممكناً ولا هو بالمطلوب. والتفرد بالقرار أو عدم الصبر على الشراكة الحقيقية فيه لن يحقق انفاذاً سريعاً لبرامج الحركة الإسلامية. أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الحركة الإسلامية هي ان تتسنم موقع القيادة في الحركة السياسية من خلال قبول الآخرين وتسليمهم باستحقاقها للقيادة لا من خلال فرض الرأي والقرار ، ولو ترجح لديها أنه هو الصواب وان ما يجافيه هو الخطأ المبين . فحير للحركة الإسلامية ان تحظى في السياسات الجزئية من أن تقع في الخطأ الأعظم الذي هو خطأ الاستبداد أو الاستفراد.
ختاماً:
أن مقاربة الحركة الإسلامية للمشروع الإسلامي لا تعدو ان تكون مسعى جماعة مجتهدة تخطىء وتصيب ، تخفق وتقصر تتقدم وتتراجع ولكن النجاح الأكبر هو ان تظل المسيرة ماضية تبني على انجازاتها وتصحح أخطاءها وتعظم من كسوبها وترجو ان يتجاوز لها الله ومن بعد ذلك الخلق عن اخطائها وأي الناس يبرأ من الخطأ وأي الناس مطهر عن الخطيئة إلا المخلصين الأخيار من النبيين والصديقين فأولئك لا نعد أنفسنا منهم وأن كنا ندعو الله ان لا نحرم من صحبتهم ، عسى الله أن يلهم الناس الصواب وان يهديهم إلى سبيل التوفيق والسداد.
[1]) راجع د. الترابي - الحركة الإسلامية في السودان - ص. 24
[2] ) صنع التغيير - الأستاذ سيد الخطيب - الخرطوم - 1995م .
([3] نفس المرجع السابق - ص. 34.
[4] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - المجلد الأول- 1992م - ص 18
[5] ) نفس المرجع السابق - ص 31
[6] ) نفس المرجع - ص. 22
[7] ) نفس المرجع - ص. 6
[8] ) نفس المرجع السابق
[9] ) ) الآية (11) سورة الرعد
[10] ) لجنة مراجعة القوانين لتتلاءم مع الشريعة الإسلامية
[11] ) حركة التشريع وأصولها في السودان - أحمد إبراهيم الطاهر - 1995م - ص 65- المرسوم الدستوري السابع - المبادي الموجهة لسياسة الدولة
[12] ) نفس المرجع السابق
[13] ) استندت الرؤية لمشروع ميثاق السودان الذي أصدرته الجبهة الإسلامية القومية وإبان الديمقراطية الثالثة.
[14] ) الفصل الأول والثاني من المرسوم السابع
[15] ) المرسوم الدستوري السابع
[16] ) حركة التشريع وأصولها في السودان - أحمد إبراهيم الطاهر - ص. 72
[17] ) قانون بنك السودان
[18] ) قانون تنظيم التجارة - 1994م
[19] ) قانون الزكاة 1991م
[20] ) قانون صندوق التكافل الإجتماعي - 1991م
[21] ) قانون الجوازات والهجرة والجنسية - قانون الخدمة العامة
[22] ) قانون مجلس العدل - 1994
[23] ) ) أحمد إبراهيم الطاهر - نفس المرجع السابق - ص. 74 - 76
[24] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - المجلد الأول - ص. 8
[25] ) نفس المرجع السابق
[26] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - مرجع سبق ذكره - ص. 67
[27] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - المجلد الأول - ص 67.
[28] ) نفس المرجع السابق
[29] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - مرجع سبق ذكره
[30] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - مرجع سبق ذكره - ص. 60
[31] ) راجع الجداول في نهاية البحث
[32] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - مرجع سبق ذكره - ص 60
[33] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - مرجع سبق ذكره
[34] ) ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان - د. محمد الحسن مكاوي ، المركز القومي للإنتاج الإعلامي - 2005م
[35] ) ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان - مرجع سبق ذكره
[36] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - مرجع سبق ذكره
[37] ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان مرجع سبق ذكره
[38] ) ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان - د. محمد الحسن مكاوي ، المركز القومي للإنتاج الإعلامي - 2005م - ص 43.
[39] ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان - مرجع سبق ذكره - ص. 53
[40] ) ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان - د. محمد الحسن مكاوي ، المركز القومي للإنتاج الإعلامي - ص 54
[41] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - المجلد الأولى - مرجع سبق ذكره
[42] ) الإستراتيجية القومية الشاملة - المجلد الأولى - مرجع سبق ذكره
[43] ) ) المتغيرات والمستجدات في النظام الإقتصادي والإنمائي في السودان - مرجع سبق ذكره - ص. 66.
[44] ) ) إنجازات وزارة الزراعة والغابات - المركز القومي للإنتاج الإعلامي - إصدارة رقم (40) ، 2005م - ص.18.
[45] ) ) إنجازات وزارة الزراعة والغابات - المركز القومي للإنتاج الإعلامي - مرجع سابق
[46] ) ) إنجازات وزارة الزراعة والغابات - نفس المرجع السابق
[47] ) إنجازات وزارة المالية والإقتصاد الوطني - المركز القومي للإنتاج الإعلامي - إصدارة رقم 47 - ص. 66.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.