الحلقة الرابعة ( 4- 6 ) ثروت قاسم Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1- يوم الأثنين 3 يونيو 2013 ؟ في يوم الأثنين 3 يونيو 2013 وقبل شهر من الأطاحة به ، عقد الرئيس السابق مرسي إجتماعاً سرياً في قصر الرئاسة المصرية مع القوى الوطنية المصرية للتفاكر حول التعامل مع قرار اثيوبيا بناء سد النهضة . تمت إذاعة الإجتماع السري على الهواء مباشرة في فضيحة إعلامية بجلاجل . أجمع المشاركون في الإجتماع برئاسة الرئيس مرسي على حتمية قصف موقع السد ودكه بالقنابل الحارقة لإرعاب اثيوبيا من التفكير ، مجرد التفكير ، في بنائه . ولحسن الحظ تمت تنحية الرئيس مرسي قبل ان يفكر في تفعيل قرار الاجتماع بقصف موقع السد . في يوم الأثنين 3 يونيو 2013 ، سجل التاريخ ذلك الموقف المصري العدواني تجاه سد النهضة . وفي يوم الأثنين 23 مارس 2015 وبعد 22 شهر ، حدثت نقلة تكتونية ، إذ تغير الموقف المصري 180 درجة كاملة ووافقت مصر ، لأول مرة منذ عهد الفرعون الإله خوفو ، على بناء اثيوبيا لسد النهضة بدون أي شروط ، كما جاء في إعلان المبادئ لتشغيل سد النهضة ( الخرطوم - الأثنين 23 مارس 2015 ) . حقاً وصدقاً كان يوم الأثنين 23 مارس 2015 يوماً تاريخياً في حوض نهر النيل العظيم كما وصفه بحق الرئيس البشير . ولتوكيد تاريخية هذا اليوم ، دعنا نستعرض وقائع وتداعيات ومآلات ما حدث في القاهرة يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924المُزلزل . 2- خزان سنار ؟ فى يوم الأثنين 11 نوفمبر 1918 ، وضعت الحربُ العالميةُ الأولى أوزارها ؛ وبدأت إنجلترة التخطيط لإعادة إحياء الصناعات الأنجليزية . قررت إنجلترة البدء في زراعة القطن طويل التيلة في السودان لتصديره لإنجلترة لتشغيل المصانع الإنجليزية المُعطلة بسبب الحرب . إختارت إنجلترة المنطقة الواقعة بين النيل الأزرق والنيل الأبيض ( منطقة الجزيرة ) ، شمال سنار لإقامة مشروع كبير لزراعة القطن ، وسمته مشروع الجزيرة . قررت إنجلترة بناء خزان عند مدينة سنار لري مشروع الجزيرة من مياه النيل الأزرق . بدأت إنجلترة بناء خزان سنار على النيل الأزرق في عام 1920 لري مشروع الجزيرة . قامت القيامة في مصر . إتهمت الحكومة المصرية إنجلترة بتعطيش وتجويع الشعب المصري ببناء خزان سنار الذي يخزن أقل من مليار متر مكعب . إجتاحت المظاهرات شوارع القاهرة ومدن مصر مطالبة بوقف العمل في خزان سنار ، حتى لا يموت الشعب المصري فيها ولا يحيا . نعم ... وهكذا مرة واحدة ! وكان هناك سبب ثان ( وإن كان أقل أهمية ) لمعارضة مصر الشرسة بناء خزان سنار وإقامة مشروع الجزيرة ، وهو الخوف من منافسة قطن مشروع الجزيرة طويل التيلة للقطن المصري ، ونزع إحتكارية القطن المصري في السوق العالمي . ثم كانت مصر تخشى ان يستقل السودان عنها مالياً فتفقد السيطرة عليه ، وعلى شراء ذمم ضعاف النفوس من بنيه الذين تأثروا بالثقافة المصرية وإنغرست في وجدانهم ، خصوصاً الطبقة التي نالت حظاً من التعليم يمكنها من قراءة إصدارات المطبعة المصرية ! تحت الضغط المتواصل ورغبة إنجلترة إرضاء الحكومة المصرية لعدة أسباب قاهرة وقتها ، أذعنت إنجلترة لطلب الحكومة المصرية واوقفت العمل في خزان سنار ورفرفت فكرة إستصلاح مشروع الجزيرة . ثم وفي يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924 وقعت الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة ! 3- يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924؟ في يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924 ، إغتال مواطن مصري ثائر ، برصاصة من مسدسه ، السردار لي إستاك ، الحاكم العام للسودان الإنجليزي – المصري في أحد شوارع القاهرة . غضبت إنجلترة غضبة مضرية ضد الحكومة المصرية ، وإتخذت حزمة إجراءات عقابية ضد الحكومة المصرية ، التي كانت تحت الوصاية الإنجليزية كما السودان . وعشان تاني ؟ قبلت الحكومة المصرية ، برئاسة سعد زغلول باشا ، كل الإجراءات العقابية ، إلا عقوبيتن رفضتهما رفضاً باتاً وقاطعاً . + العقوبة الأولى المرفوضة مصرياً كانت قرار حكومة إنجلترة نزع ملف خزان سنار ومشروع الجزيرة المُصاحب من الرف ، وإستئناف العمل فيهما كعقاب ضد الحكومة المصرية لإغتيال السردار الإنجليزي . + العقوبة الإنجليزية الثانية التي رفضها سعد زغلول باشا كانت سحب الجيش المصري من السودان . لا باس من الإشارة العابرة إلى إن العقوبة الثانية كانت وراء تفجير ثورة 24 ( اللواء الابيض ) ، إذ رفض ثوار 24 قرار إنجلترة سحب الجيش المصري من السودان ، وطالبوا بالوحدة الإندماجية مع مصر تحت التاج المصري . وإستشهد البطل عبدالفضيل الماظ في مستشفى النهر في يوم الجمعة 28 نوفمبر 1924 ( عشرة أيام بعد إغتيال السردار الأنجليزي لي إستاك في القاهرة ) معارضاً سحب الجيش المصري من السودان ، ومنادياً بالوحدة الإندماجية مع مصر تحت التاج المصري . ولكن خذلت مصر البطل عبد الفضيل الماظ وإغتالت ثورة 24 ، وسحبت جيشها من السودان في نفس يوم الجمعة 28 نوفمبر 1924 ، والبطل عبد اللطيف الماظ يقاتل بمدفعه المكسيم في مستشفى النهر دفاعاً عن مصر ، بينما القوات المصرية تغادر محطة سكك حديد الخرطوم بحري في طريقها لبورتسودان ومصر ، تاركة البطل عبدالفضيل الماظ لغمة سائغة في أنياب الفك المفترس الأنجليزي ، الذي هدم مستشفى النهر فوق راس البطل عبد اللطيف الماظ بالمدافع الثقيلة ؟ ولهذا اليوم ، يوم الجمعة 28 نوفمبر 1924 قصة تُحكى ، ربما في حلقة قادمة ! نعم ... وحقاً وصدقاً المُتغطي بمصر الخديوية ... عريييييييان ! في يوم الأربعاء 15 يوليو 1925 ، تم إفتتاح خزان سنار وتدفقت المياه من بحيرة الخزان في الترعة الرئيسية التي تروي مشروع الجزيرة . لولا إغتيال السردار لإستمر ملف الخزان ومشروع الجزيرة على الرف إلى يوم الدين هذا ، لممانعة الحكومة المصرية إقامة أي سدود على ( نيلها وفروعه ) ، المُسجل بأسمها في الواح التاريخ منذ زمن فرعون النبي موسى . ولكن سعد زغلول باشا ، الذي كان رئيس وزراء حكومة مصر عند إغتيال السردار ، قال ( بغم ) ، ورفض العقوبتين المذكورتين أعلاه تأسيساً على مبدأ السيادة المصرية على السودان ، فعزله الملك فؤاد ونصب بدلاً عنه زيور باشا ، رئيساً للوزراء ! كما قال احدهم ، سعد زغلول باشا زعيم مصري من نماذج الرجال الذين يصنعون أنفسهم ولا يصطنعهم أحد، من نماذج الرجال الذين يصنعون التاريخ لأمتهم، يصنعونه وهم- بين ظهرانيها- أحياء، يصنعونه وهم- فى ذاكرة الزمان- خالدون. ولكنه رغم هذه العظمة في الفضاء المصري فقد كان ظالماً في الفضاء السوداني ... كان يعتبر السودان حديقة خلفية لمصر وينادي بالسيادة المصرية عليه ، ويجاهد في حرمان السودان من التقدم والإستقلال الإقتصادي ، وشن في سبيل ذلك حرباً شعواء ضد بناء خزان سنار ومانع في أقامة مشروع الجزيرة . أعطت إنجلترة شهادة حسن سير وسلوك لزيور باشا ال ( نعم ) نجي ، ووافقت على طلبه تعويض مصر بالسماح لها ببناء خزان جبل اولياء على النيل الأبيض جنوبالخرطوم ليخزن المياه وقت الفيضان لإستعمال مصر الحصري وقت الجفاف ، وكتعويض لها ببناء خزان سنار على نيلها الأزرق ... خزان مقابل خزان والبادي أظلم ، أو كما قال زيور باشا وقتها ! بدأ العمل في خزان جبل اولياء مباشرة بعد خزان سنار ، ولكن لأسباب مالية بحتة تم إفتتاحه في عام 1937 ، وكان من أكبر الخزانات في العالم وقتها ! خزان جبل اولياء هو الخزان الوحيد في العالم المُقام في دولة لمصلحة دولة أخرى حصرياً ، السودان ومصر على التوالي . وكانت سعته التخزينة ( 3.5 مليار متر مكعب ) حوالي أربعة أمثال سعة خزان سنار التخزينية ؟ كان يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924 يوماً مشهوداً في تاريخ النيل العظيم ، بل في تاريخ بلاد السودان وأهل بلاد السودان لأسباب كثيرة نذكر منها : + فك هيمنة مصر الحصرية والقابضة على نهر النيل وفروعه ، لأول مرة في التاريخ المكتوب ، ببناء أول سد على النيل الأزرق عند سنار كعقاب لمصر على إغتيال السرادر في يوم الأربعاء 19 نوفمبر 24 . + بناء اول سد ( جبل اولياء ) في دولة لمصلحة دولة أخرى حصرياً ، السودان ومصر على التوالي ! + سابقة بناء خزان سنار على النيل الأزرق بالإكراه ضد مصر ، جعلت مصر توافق على بناء إنجلترة سد اون فولز ( 1954 ) ، عند مخرج بحيرة فكتوريا في يوغندة وليس على النيل الأبيض ، لرفع منسوب البحيرة لمصلحة يوغندة ومصر ، ولاحقاً لتوليد الكهرباء . نعم ... كان يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924 يوماً مشهوداً في تاريخ النيل العظيم . دعنا نستعرض أحداث يوم آخر في مملكة مصر المائية ... نهر النيل وفروعه . 4- يوم الأحد 8 نوفمبر 1959؟ نواصل ...