ستاد السودان السياسي يستعد لمباراة مصيرية بين فريقي (الوحدة) و(الانفصال) وهي المباراة الوحيدة التي لا تقبل التعادل؛ إذ لابد لأحد الفريقين أن يُحقق الفوز بعد نهاية الزمن الرسمي للمباراة التي لا تقبل حتى بالزمن الإضافي أو بدل الضائع،.. ويحاول كثير من المتطرفين ودعاة الانفصال إلى أن يكون جوهر الصراع هو التحريض الذي يقود إلى العنف بدلاً عن أن يكون جوهر الصراع هو التنافس وطرح الأفكار الموضوعية. بالأمس تابعت مثل الكثيرين برنامج (مؤتمر إذاعي) الذي تبثه الإذاعة السودانية ويعده ويقدّمه الأستاذ الزبير عثمان أحمد، وقد كانت حلقة حيّة وجيّدة تضمنت الآراء الموضوعية وغير الموضوعية خاصة من ممثل الحركة الشعبية الذي لم يستطع أن يُخفي رغبته في أن يكون (صوت) الانفصال هو الأعلى وهو الذي يحسم نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير في جنوب السودان. رأيت أن أكتب هذه الزاوية من وحي منافسات كأس العالم التي تجري في جنوب أفريقيا هذه الأيام إذ إن كل فريق يسعى لتحقيق هدفه الأعلى، وقد تذكّرت بهذه المناسبة مقولة للاعب كرة القدم العالمي المعروف (روجيه ميلا) مبتدع الرقصة الشهيرة التي تعقب إحراز هدف والتي أطلقها ذات يوم وأصبحت من الأقوال المأثورة إذ يقول فيها: (كرة القدم هي ما يسمح لبلد صغير أن يصير كبيراً).. تذكرت هذه المقولة ورأيت أن أحوّرها تمشياً مع واقعنا السياسي الذي يضطرب في أمر تحديد مستقبله بين الوحدة والانفصال لتصبح: (التنافس السياسي غير الراشد هو ما يسمح لبلد كبير أن يصير صغيراً). موضوع (الوحدة) و(الانفصال) هو صراع بين الأفكار والمواقف الخاصة بالسياسيين بينما المواطن العادي في الشمال أو الجنوب لا يتصوّر سوداناً مجزءً ومقسماً، وكثير من طموحات السياسيين تعصف بآمال الشعوب في الاستقرار والأمن والتنمية والوحدة.. والأمثلة عندنا كثيرة في عالمنا المُعاصر.. فهناك ألمانيا الهتلرية التي قادت العالم إلى حرب مُدمّرة، وقادت ألمانيا إلى (انفصال سيئ) لم تتم معالجة آثاره إلا بعد عشرات السنين، وهناك أطماع اليسار اليمني الذي تعجّل قيام دولة حمراء في جنوب الجزيرة العربية فكانت النتيجة هي انقسام اليمن إلى شمالي وجنوبي.. وكذلك كوريا، وخروج الباكستان من بطن الهند ثم انقسام الباكستان نفسها إلى شرقية وغربية.. بينما يتوحّد العالم من حول كل هؤلاء وأولئك.. وينمو الذين توحّدوا بينما يصغُر ويتضاءل الذين اختاروا التجزئة. ورحم الله الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني الذي قال في أحوال اليمن بعد التفرق والانقسام: جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن. ü اللهم يا رحمن يا رحيم.. وحّد شملنا ووحد كلمتنا.. ووحد صفنا.. واهد ولاة أمورنا.. وأصلح ذات بيننا.. ونسألك يا الله باسمك الأعظم أن تؤلف بين قلوبنا وتبدل همنا إلى فرج.. وخصامنا إلى وحدة وتعاضد.. ولا تكلنا يا الله إلى أنفسنا طرفة عين. آمين