قلنا ولا زلنا نقول إن حدث الانفصال لن يكون بأي حال من الأحوال محطة تاريخية حميدة في جسد الأمة السودانية. ففي كل المناطق في العالم من حولنا رأينا كيف أن المرارات إن وجدت لأي فئة أو منطقة هي دائماً ما تتحول بفعل الفهم الموحد واللغة الجامعة الى انتصارات (الوحدة) والعكس في ذلك أيضاً. أن المرارات سلبياً تؤدى إلى الانهيار والانحدار (الانفصال)، وعندما يدعي أهل الحركة الشعبية أنهم يقصدون بالانفصال انتصاراً لأنفسهم فهم حينها يكونون مخطئين لأن الانتصار يأتي بالنضال ويصبح بالتالي الانتصار هو رحيق للنضال، فلماذا هذا النضال الذي اقترب من الثلاثة عقود من الزمان لم يحول قادة الحركة الشعبية إلى أبطال مثل مانديلا وكثيرين من الزعماء الذين كتب عنهم التاريخ البعيد والحديث وصاروا معالم تنير الطريق ومثالاً يحتذى به هذا مع الفوارق ما بين الأمكنة والظروف هنا وهناك، ولكن الأمثلة تأتي من حيث الدلالة فقط، فالكل سمع نتيجة الاستفتاء ولكن أكاد أجزم أن النتيجة لم تدهشه في شيء، بل حتى شعوب العالم المتحضرة التي تدعو جميعها للوحدة والكيانات الكبيرة هي أيضاً ليست سعيدة بانقسام الدول فكأنما واقع الجميع يقول (مجبر أخاك لا بطل) والسؤال الذي يواجهه قادة الحركة الشعبية الذي قادوا شعب الجنوب لهذا الانفصال هو لماذا لم يرتفعوا بنضالهم إلى ما هو أفضل من هذا؟ وما هو أفضل هنا هو الوحدة بل والارتقاء بها أيضاً لنكون نموذجاً يحتذى به في كل أفريقيا، فالرئيس الفرنسي نفسه تعظيماً وتقديراً وحفاظاً على وحدة أوربا جعل من اليورو عملة لا تقبل الانهيار بل وأكد أنه غير مسموح بانهيارها في مقابل الدولار فهذا دفاع عن عملة ورقية ناهيك عن الوحدة السياسية بكاملها التي يدافعون عنها، أوربا التي دخلت في حروب عاتية شهد بها التاريخ حمت نفسها الآن بالوحدة، فهناك من كانوا مظلومين في العالم ولكن لم يسمحوا لأنفسهم بأن يقودوا بلادهم وشعوبهم إلى مثل هذه النتائج والتي بالتأكيد كما ذكرنا آنفاً لن يعتد بها التاريخ، عليه لابد من أن نعمل جميعاً لأن لا نوصد الباب أمام عودة الوحدة ولنجعل الباب موارباً لأن العبرة ليست دائماً في البدايات بل في النهايات، والنهاية الحتمية التي نريدها جنوباً وشمالاً هي كيف نجعل من الوحدة خياراً جاذباً بعد الانفصال؟، وها هي اليمن قد جربت الانفصال وذاقت مراراته وعادت وحدتها أكثر قوة ومنعة وصموداً في وجه عاديات الدهر، وها هي ألمانيا التي كانت اسمها شرقية وغربية قد توحدت وظل الأوربيون يحتفلون بهذه المناسبة في كل عام وكل مناسبة بل ولولا الوحدة الألمانية لما أوتي أكل الوحدة الأوربية، لذا سيظل الانفصال في حكم الجميع ومع احترام كل الخيارات هو صفراً على الشمال.