لأنني أعرفه عن كثب، فإنني أعلم أيضاً ماذا يريد، ولو كنت ممن يستسهلون اعتناق (الدين العلماني) لكنت من اتباع الفريق مالك. فهو قائد بكل معنى الكلمة، يتوفر على دماثة الخلق، والصبر على الناس، والمسعى لكسب رضا الجميع والتسامح معهم الخ... (زعيم ضخم). وليس من دليل على ما أقول أدمغ من استحواذه على مشاعر وميول خصومه السياسيه بدءاً من الأستاذ أحمد كرمنو، نائبه السابق في ولاية النيل الأزرق، الذي أخذ يقتنع برؤاه، ما أثار مخاوف وشكوك قيادات المؤتمر الوطني في الولاية وفي المركز معاً! ثم كان استحواذه بعد ذلك على ميول ومشاعر دكتور فرح إبراهيم العقار رئيس المؤتمر الوطني السابق في الولاية ذاتها، ووزير التخطيط العمراني فيها، وهو ما حدا بقيادة المؤتمر الوطني إلى سحبه ليتولى منصباً فيدرالياً (وزير دولة) على نحو ما جرى لأحمد كرمنو من قبله. ( السيناريو نفسه يتكرر، كلما عين المؤتمر الوطني أحداً على قمة هرم تنظيمه بتلك الولاية المهشمة، وقع في غرام مالك وكأنه سمي كذلك لأنه يمتلك قلوب الرجال والميول والتوجهات. ( وفي الحقيقة فإن الحزب الحاكم لم ينظر إلى هذه الظاهرة من زاوية أخرى أكثر جدوى، فبدلاً من اتهام كوادره وتخوينهم ووصفهم بالضعف والخضوع لسحر مالك ومن ثم سحبهم من جواره كان الأوجب والأجدى أن يكتشفوا السر. فما سر سحر مالك؟ وما هو (عرق المحبة) الذي يقطفه من سفوح جبال الانقسنا؟! ويبله فيشربون (مويته!)؟ (إحموا بقية كوادركم الواقعة تحت تأثير هذا السحر الذي لا يملكون سوى التأثر به، والسحر حق حمانا الله جميعاً. سحر مالك الذي تخضع له رقاب أبناء النيل الأزرق واضح وبسيط، فبينما المركز لا يريد أن يستعمل (عرق المحبة) إزاءه، لذا تبرع هو باستعماله حيال قيادات المؤتمر الوطني في الدمازين. وأما السحر الذي برجوه مالك من تلقاء الخرطوم، فهو (عروق الحياة) فقط! تلك التي تمد جسد الولاية المريض بالدم والأوكسجين. وأكاد أجزم ههنا وأنا مسؤول عن هذا الجزم المغلظ، أن السيد الرئيس أو نائبه- لو وقع عقداً واحداً لإنشاء خمس عروق حياة/ عروق محبة.. تتمثل في عرق يمتد من حاضرة الولاية إلى أقصى نقطة جنوبها، إلى أقصى نقطة جنوبها (يابوس)، وآخر يمتد من الحاضرة حتى (قيسان)، وآخر حتى (بوط)، ومثله حتى (باو)، ثم يمتد العرق الأخير حتى (فازوغلي)، وكل عرق حياة من هذه العروق الخمس يتألف من طريق معبد، وخط كهرباء يغذيه سد الروصيرص، وخط (أنبوب) ماء من بحيرة السد نفسه. (فإن ذلك كفيل بأن يجعل الرجل ينزع سلاح قواته لحظة تأكده من أن هذا المشروع قد توفرت له أسباب الجدية والنفاذ في وقته المحدد سلفاً. فلماذا لا تغيروا مزاج هذا الرجل ببساطة من خانة الاحتجاج والوعيد والتهديد إلى خانة النماء والبناء والسلام، الأمر بيدكم يا جماعة جربوا!. (إن عروق المحبة ممكنة أيضاً، فلماذا صناعة الكراهية هذه؟ هل هي سياسة بعيدة النظر تصب في مصلحة الوطن أمنه واستقراره؟