سيدي رئيس الجمهورية .. السادة ولاة الأمر.. ان مما أوردته لكم امس ازاء مظاهر الفساد الكثر في بلادنا والتي تغفلها القوانين بدلاً من أن تكون ضابطة ورادعة ازاءها .. كون كبار المسؤولين ينالون بالقانون من مال فقراء الشعب وحقوقهم ما يغنيهم عن الاختلاس والرشى ، لذا رأينا تقديم تلك القوانين المفسدة هي نفسها الى المحاكمة العادلة !!، لأن القانون حينما يتعمد حماية المعتدي علناً فلا يمكن الا ان يكون مجرماً هو الآخر و يستحق العقاب ، وما عقاب القانون الجائر الا عقاب من أعده وأجازه من ناحية ، وايضا يكون عقابه بتصحيحه من خلال ادخال مواد جديدة عليه واسقاط أخرى سعياً نحو وضعه موضع القسطاس المستقيم المانع الرادع لمظاهر الفساد المفلتة من العقاب والتي عددناها وسوف نعدد مزيداً منها هاهنا الآن. ولكن قبل ذلك لابد من الوقوف حداداً على التقوى التي ما عادت ميزاناً تقاس به الأمور من جانب ولي الأمر المؤمن ، ولو كانت كذلك لما احتجنا الى قوانين تعف وتمنع ولي الله من ان يأخذ ما ليس له بحق وهو يعلم . ثم لابد ان نتفق اولاً على أن ما يحظى به الدستوريون من رواتب وامتيازات ومكافآت ومخصصات باهظة انما هي اموال المسلمين وفي مقدمتهم فقراؤهم ومساكينهم فلنثبّت هذه قبل كل كلام عن القوانين ، وقبل ان نرى بأي نفس راضية يمكن لولي أمر مسلم ، جاء من غمار الناس وعامتهم ولم يرث شيئاً من والديه أن يقبل على هذه الأمانة التي في عنقه والحقوق التي في ذمته فيأخذ منها أخذ من لا يخشى حسيباً أو رقيبا حتى ليصل بذلك حد العفو والادخار والتقلب في الديباج والحلي والحلل وهو لا يرجو بذلك الا مرضاة الله عز وجل ، كيف ؟!. ونعود لنعدد صور الفساد التي لا يجرمها القانون طالما انه قانون وضعي صيغ كيفما شاء المشرع الذي بيده القلم وبين جنبيه نفس امّارة .. ان من يحصل على اكثر من دخل بحجة الانضمام الى لجان واجتماعات مجالس، لابد انه يستزيد من مال المساكين فيراكمه فوق بعض لنفسه تلك، وان من ييسر نيل غيره للمكافآت والامتيازات والمخصصات لأنه من شيعته أو عشريته او حزبه أو طمعاً في ان يحصل على المعاملة بالمثل لاحقاً لهو مفسد لا ريب . وان من يتآمر مع عشيرته للتحايل عبر تأسيس شركة او جمعية خيرية تخدم اهله ومنطقته بعد تقويتها ودعمها المباشر أوغير المباشر من جانب الدولة وبواسطة ابناء تلك المنطقة الذين في سدة الحكم لهو فساد واحتيال . وان من يوجه المشاريع القومية الى منطقة دون سواها وتحت مظلتها يقوم بتعمير تلك المنطقة تعميرا يفوق الخيال ويحمّل تكاليف ذلك كله على فاتورة المشروع القومي لهو مفسد ومدلس . وان الذي ينشئ شركات حكومية معفاة من الضرائب والزكاة ورغم ذلك تنافس شركات القطاع الخاص فتستحوذ على فرص التوريد او خدمة المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية من جهة ومن جهة ثانية يوجه ريع الشركة لبحبوحة اعوانه ومنسوبي مؤسسته او وزارته لهو مفسد لا محالة ، والسبب هو ان المواطن البسيط يتفرج على هذا النوع من قسمة الدخل القومي خاسراً متحسرا.والمسؤول الذي يتبرع من مال الشعب بمزاجه وهواه مفسد. وان الذي يعلن عن وظيفة عامة لكل ابناء الشعب ويخبئ الشرط الفيصل وهو ان يكون المتقدم من منسوبي الحزب الحاكم او من طرف احد من كبار قادته فانه مفسد. وان الذي يدير شؤون الرخص التجارية وقوانينها ونظم الاستيراد والتصديرعلى نحو يضيق على عامة الناس ويسمح في المحصلة بأن يكون اصحاب الشركات الناجحة والمحتكرة هم فقط او غالبا من منسوبي المؤتمر الوطني فهو لابد مفسد ويريد ان تكون الاموال دولة بين الاغنياء منهم . سيدي الرئيس والله لابد انك تعلم ان الله لا يرضى بهذا كله، ولا يرضى ذو لب وضمير به ، لماذا؟ لأنه ظلم وعدوان صريح. سواء رضيت القوانين بهذا الحكم او ابت . وانك لتعلم انه على هذه الحال قامت دولة بني أمية ، واني لناصحك سيدي بأن تسأل نفسك وتجيب بنفسك وان افتاك الناس وان افتوك : هل نظام الحكم الآن يشبه نظام بني امية ، والى أي حد ؟ ايهما اطول وافخم فلل الوزراء وقادة الحزب اليوم أم قصور دمشق والاندلس يومئذ؟ أموائدهم أدسم ام هذه؟ اثيابهم ام ثيابنا ؟ امطاياههم ام مطايانا ؟ أأموالهم أم اموالنا ، اعقاراتهم ومدخراتهم ام ما عندنا ولم نرثه كابرا عن كابر كما هم؟ قارن بين ما هو حاصل اليوم وبين تطبيق بني امية للشريعة الغراء ( حواليهم لا عليهم ، على الظراب وبطون الجوعى) ولنتذكر معاً كيف انهم جعلوا مال الخراج دولة بينهم دون سائر المسلمين الذين مابرحوا يقفون على ابوابهم شحاذين ، تذكر كيف بنوا المسجد الأموي العتيد وقارن بمساجد الأبهة عندنا، ولكن اذكر كيف قتلوا ونكلوا بكل من قال في وجههم لا واعتبروه خطرا على الدولة ووحدتها وأمنها ، وتذكر كيف اسسوا لأنفسهم امجادا ومشاريع وسدوداً ومستشفيات ومعاهد علم كما هي الحال اليوم ، فماذا كانت نتيجة دولتهم بعد ذلك ، ألم تنقسم على نفسها فأصبابها الوهن ؟ ولكن الناس تمردوا عليهم فتهاوى السلطان الضخم واندثر حتى من الاندلس التي تذكرك بالجنوب اليوم ، وصدقني اذا لم تتحول الى عمربن عبد العزيز وتغير المسار وتضع الموازين القسط بدءا من اقرب الناس اليك فان مصير دولة بني امية الراهنة لن يكون بافضل من الأولى . واذا لم تكن طريقة حياتك وحياة وزرائك اقل من مستوى عيش التجار ورجال الأعمال فانك سوف لن تختلف عن الملوك والرؤساء العرب الراهنين الذين تنتفض شعوبهم ضدهم ولايذكرهم احد بخير رغم كل انجازاتهم التي تفوق انجازاتك المشكورة لنا . ان ثورة جديدة لابد منها ، والطريق اليها صعب ولا مجاملة في ذلك ، واما ان تدافع عن الذين يعيشون بمال فقراء الشعب عيشة الأمويين والأمراء في ملبسهم ومركبهم ومطعمهم ومسكنهم ومدخرهم فتقول ان القانون يسمح لهم بذلك ، فهذا سوف لن ينجيك من اللوم وتحمل المسؤولية، لأن القانون هو نفسه فاسد ومعيب ولا يقوم على ميزان التقوى ، وانما هو علماني صرف. أفان جلس في بيت امه وابيه فلينظر أيهدى له أم لا ، أتهدى له هذه المخصصات والمتيازات والمكافآت الطائلة أم لا ؟ هذا هو قانون الحسبة والفساد الذي تحاسب به المسؤولين سيدي ان كنت حريصا على شرع الله وتطبيقه بعد 9/7 دون دغمسة . واما الفساد في استقلال مؤسسة اسلامية مهمة ونحرص عليها جميعاً مثل(ديوان الزكاة) فذلك شأن جلل سأناصحكم فيه لاحقاً ومنفرداً لأنه نسيج وحده.