صديقنا (مسعود) الذي خطط للزواج سراً بينه وبين نفسه كان ينتظر منّي رأياً حول الخطوة التي لم يعلن صراحة أنه سوف يقدم عليها، وإن ألمح بذلك، وقد خيّبتُ ظنه في أن يجد منّي رداً أو تشجيعاً، ليس لأنني أرفض تلك الخطوة أولا أوافق عليها، بل لما كنتُ أشعر به من محاولة للقفز على الأشياء وصولاً لأهداف محددة، وأعلم تماماً أن رأيي لن يثني (مسعود) عن تحويل النيّة إلى فعل، وقد عرف بين أصحابه أنه يفعل الأفاعيل ولا يبالي دون أن يرجع لأحد.. لكن الذي ألمني هو محاولة استغلاله لموضوع (البيوت الجاهزة) في المخطط السكني الجديد مدخلاً غير مباشر لطرح فكرته مقرونة بالعزم والنيّة. يحسب (مسعود) أنه إذا تزوج للمرة الثانية سيبقى الأمر سراً للأبد، وأنه سينجو بفعلته تلك من ثورة أم العيال واحتجاجات بعض الأهل والمقربين. ليس أفضل ولا أشجع من أن يقدم أي شخص على خطوة مثل تلك وهو يعلن ذلك على الملأ، لأن السريّة في مثل هذه الأحوال تعتبر (جريمة) كما يعتبر الشهود عليها في عداد (المجرمين) الصامتين، لذلك يصبح الإفصاح عن الرغبة والنية أعلى درجات الشجاعة ليس أعلى منها إلا إخطار الزوجة الأولى وكسب رضاها ومباركتها للزيجة الثانية، وهذا قطعاً من المستحيلات. أذكر مرة قبل سنوات عديدة أن أخبرني أخ شقيق يصغرني بنحو خمس أو ست سنوات، بأنه عقد العزم على الزواج للمرة الثانية، ثم سألني عن رأيي في ذلك الأمر- أذكر تماماً أنني قلت له إن أول المطلوبات هو إخبار الوالد- كان حيّاً وقتها رحمه الله- لأنه رجل وسيتفهّم الأمر، ثم يخطر السيدة الوالدة - أمدّ الله في عمرها- ليخبر بعد ذلك السيدة حرمه وأم أولاده، ولن تكون هناك مشكلة. كنت أشعر بموافقة شقيقي على كل ما أقول، إلى أن وصلت إلى نقطة إخطار أم أولاده، فبلع ريقه بصوت ظاهر ومسح على جبينه بكم القميص الطويل الأبيض، لكنه في نهاية الأمر أبلغ الجميع مثلما اشترطت عليه لأكون أول من تقدم لطلب يد من اختارها زوجة له، وكنتُ أشعر بأنني أقدم على خطوة محسوبة ومعلنة وليس فيها اتهام بخيانة صامتة أو متوارية خلف جدار. في تلك الأثناء كان لنا قريب تزوج سراً ولم يتم اكتشاف الأمر إلا بعد سنوات عديدة، لأنه لم يصطحب معه إلى أهل الزوجة الثانية إلا قلة قليلة من أصدقائه المقربين، وأصبح كثير الأسفار كما كان يعتقد أهل بيته، واتخذ من وضعه داخل إحدى الطرق الصوفية وانتمائه لها حجة للمبيت خارج منزل الأسرة كل اثنين وخميس والجميع يشيدون بانضباط الشيخ الجليل، إلى أن وقعت الواقعة. الزوجة الأولى تقيم مع أبنائها في شمال ولاية الخرطوم بينما الثانية التي التحقت بالزوج ومجموعة من البنين والبنات كان موقعها في أقصى جنوب ولاية الخرطوم، ولا أحد يعرف. ذات يوم كانت شقيقة الزوجة الأولى تلبي دعوة إحدى صديقاتها لمشاركتها زواج أحد أقربائها في منطقة (.......) جنوبالخرطوم، وقد ذهبت الشقيقة للمشاركة، وهي سيدة متدينة تؤدي الصلاة في وقتها، لذلك عندما حان موعد صلاة العشاء طلبت من صديقتها أن تجد لها مكاناً للصلاة، فاختارت الصديقة منزل الجيران مثلما يحدث عادة لتدخله مع صديقتها لأداء الصلاة، وكانت المفاجأة عندما شاهدت شقيقة الزوجة الأولى صورة فوتغرافية معلقة داخل إطار ذهبي على حائط الصالة المواجه لها تجمع بين زوج شقيقتها الشيخ وبين امرأة أخرى، أخفت الشقيقة مشاعرها وسألت من كانت من أهل البيت معها عن تلك الصورة، فأجابت الأخرى بأن هذه صورة فلان الفلاني زوج شقيقتي فلانة. صمتت شقيقة الزوجة الأولى وأصبح ذهنها مشتتاً، وانصرفت عما كان حولها إلى ما سوف يكون.. وعندما عادت اشتعلت النار التي لم تنجح كل المساعي الأسرية والعائلية في إطفائها حتى اليوم. قطعاً هذه (الرسالة) ليست تحذيراً ل(مسعود) وحده.. بل لكل من يفكر في الأمر بتلك الطريقة، إذ أن الزواج الثاني لن يبقى سراً إلى الأبد.