«الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك» أخي لا أذيع سراً إن قلت إن الشرق يتخبط في جهل وجمود تفكير فيما يدور عند العرب والأفارقة، وقبل أن تستقيظ الشعوب من غفوتها وتلملم شعثها وتأخذ بمباديء المعرفة والأخلاق التي لقناها إياها اليوم، أهمس لك في أذنك أملاً في توصيل ما أكتبه لرفقاء دربك لأنها في اعتقادي لم تصل إليها أو ربما لغيرها من الأمم وهي الآن في أوج قوتها وحضارتها بحيث لا نريد لأخواننا في الجنوب التغني بقول الشاعر: (بكيت من عمرو فمات وسرني.. فعاشرت قوماً وبكيت على عمرو)، أقول لك وقد كنت بالأمس مشاركاً لنا بالمنبر الوحدوي السوداني ومعك لفيف من الأخوة والأخوات أمثال تريزا سرسيو بت المناضل سرسيو أيرو، وكنا جميعاً في نادي الخريجين وكنت شجاعاً في طرحك لأنه بات أخي لا يزدهيك إطراء ولا يستميلك إغراء.. لأنك عرفت أن الغرور والزهو منقصة في الرجال، وأنك من الكرام القليل، كل هذا فيجب عليكم أن لا تكتفوا بأدنى فهم دون أقصاه، ونقول لك وأنت بالأمس ممسك بشعرة معاوية التي تعتبر قد انقطعت برأي (الطيب مصطفى) أو على أحسن الفروض قد وهنت، ولذا يجب عليكم (الفهم الفهم فيما تلجلج في صدوركم)، وأقصد يجب عليكم فهم الأمور الفهم الصحيح الذي لا يأتي بالتسرع في إصدار القرارات، بل يأتي بالأناة والصبر.. أخي أتيم قرن لا أريد أن أقول لكم إنكم قد اندفعتم وتسرعتم ظناً بأنكم سوف تخدمون أو تساعدون الفقراء أو البؤساء، وهذا الاندفاع وإن كان مبعثه إنسانياً وشريفاً إلا أنه وحسب اعتقادي، اندفاع وخضوع للعاطفة لا للحق المجرد، على مثل هذا العطف يحصل على حساب الآخرين خاصة وأن الانفصال ليس بجمعية خيرية وعلى أقل تقدير أين وكيف يتم توفير لقمة العيش لهؤلاء الفقراء والبؤساء؟.. أين تعليمهم.. أين صحتهم وأين أمانهم.. وأين.. وأين، وكيف.. وكيف؟.. نعم صفقوا ورقصوا طرباً ورقص معهم العدد اليسير في الشمال سطحيو المعرفة ومن يتعاملون بردود الأفعال، والرأي عندي يا أخي عليكم فواتير لا يراها الأعمى فاقد البصر، ومواجهون بشعب وأمة حديثة الولادة والتكوين، وفي انتظاركم أرض أهملت وبلغ طول شجرة التك ثلاثين متراً، ومن أهمها الشعب لما له من تأثير كبير في الشؤون السياسية والاجتماعية، وأعلم أخي أن هناك مقولة عن قوة الشعب أن قوته لا تقهر وليس بمقدور أحد مقاومته، ولا يوجد ما هو أكثر منه تفلتاً وغموضاً وسلطاناً، والشعب فعلاً أكثر سيراً مع الأهواء.. ولكنه أكثر تأثيراً مما تظن، وأعلم أخي أتيم أن هذا الشعب لا يمكنه أن يقف متفرجاً وأعلم يا عزيزنا وكنت بالأمس القريب تسجل وجهة نظرك في الوحدة في إحدى ندوات نادي الخريجين، ونحن اليوم يا صديقنا نقول لك وأنت الجار الحديث بعد أن فصلتنا عنك حدود دولية، وبعد أن أصبحت لغتنا بالنسبة لك وللدولة الوليدة ليس اللغة الرسمية الأولى، نقول لك إن الذي ينفعك وينفع شعبكم هو الشمال، فإن الجنوب هو مولود شمالي وقد رضع من ثدي الشمال ولا ينفعه غير الشمال وأصبحت ثقافته الغذائية والدولية والتعليمية شمالية حتى النخاع، وليس أدل على ذلك ما تم في الاحتفال من مراسم وحتى المصطلحات المستخدمة هي شمالية، ولا أخفي عليك سراً في أنني حاولت باحثاً التعرف على المباني وعلى الحديقة أين هي في الخرطوم، عموماً فهذه ثقافة المثقفين من الأخوة بالجنوب، فكيف العامية؟.. أخي أعلم أن الأمريكان لا ينفعونكم بشي ولا يمكنهم إسعافكم وليس أدل على ما أقول.. هل استطاع الأمريكان إسعاف صومئيل دو أكبر عميل أمريكي عرفته أفريقيا.. وهل استطاعت أمريكا حماية المشير جعفر نميري من الانتفاضة.. وهل قادرة أمريكا على تحريك ساكن في مصر واليمن وتونس وليبيا؟.. أخي كنت بالأمس تدلي برأيك وها نحن اليوم ندلي برأينا بكل صدق.. رسالة لك يا صديقنا عسى أن تضع لبنة لوحدة قادمة لا نعرف متى تكون ولكننا متأكدون تماماً لن تكون حضوراً فيها أو شهوداً عليها وكفى. المحامي