أسفي على جيل كان يغازل أحلامه وهو على أعتاب التخرج.. بعد أن ذاقت الأسر(ويلات التعليم) في بلاد إذا أردت أن تتعلم فيها حرفاً... فلابد أن تدفع في مقابله درهماً وما أكثر عدد الحروف.. وما أصعب جلب الدراهم.. لأناس يعيشون بالبركة.. وعلى الكفاف .. ويصبح التعليم عندهم هو المنقذ.. أو(هكذا يعتقدون).. لذا لا يدخرون وسعاً في سبيله مهما كابدوا.. يتعلمون الصبر.. ويتحملون ضيق العيش.. ويتنازلون عن الممتلكات.. على أمل أن تتخرج.. البنت أو الولد.. ليعمل.. وحينها ستتبدد كل الأحزان.. وتعوض كل أيام الرهق والمعاناة .. ولكن هيهات.. كم هائل من الجامعات تستوعب حتى الفاشلين- (إذا دفعوا)- ولا مكان لاستيعابهم بعد التخرج... قاعدة الزجاجة مليئة وعنقها لا يحتمل إلا معدودين على الأصابع.. ذهبت لزيارة إحدى صديقاتي.. بعد مدة طويلة.. وقابلت أختها.. فسلمت عليها.. (أحوالك يادكتورة) فضحكت وقالت دكتورة على الورق بس، فأنا تخرجت في جامعة الخرطوم كلية الطب البيطري.. منذ العام 2006م بتقدير جيد، وحتى الآن لم أجد عملاً.. تقدمت للوزارة.. ولكل الجهات(بلا جدوى)، وهذه ليست مشكلتي وحدي بل أغلب أبناء وبنات دفعتي.. وأردفت: الأولاد.. بلقوا شغل في أماكن أخرى.. أغلبهم(بسوقوا رقشة).. أو في الأسواق! نحن نعمل شنو؟. بالله عليكم بلد ملئ بالثروة الحيوانية.. بحار وأنهار يعني (ثروة سمكية) و(غيرها .. ألا يوجد عمل لهؤلاء... لرعاية هذه الثروة)؟.. إذن لماذا تستوعب الجامعات كل عام دُفع وطلاباً جدد.. والقدامى قابعون بشهاداتهم التي تحكي قصة الكفاح والتعب.. بلا جدوى أو فائدة وعلى سلك الانتظار دون أن تلوح بارقة أمل.. من المسؤول عن تفجير طاقات هؤلاء الشباب..؟ ولماذا يشن المجتمع كله حرباً شعواء عليهم وعلى سلوكهم.. ألا تعلمون أن الفراغ آفة كل عصر.. والإحباط مطية أفعال السوء.. والإحساس بالغبن والظلم وسيلة لارتكاب الجرائم والموبقات!.. زاوية أخيرة: نحن نعيش في بلد تعاني سوء التخطيط.. بلد توأد فيه الأحلام، وتضيع الآمال، عليه العوض ومنه العوض!.