[email protected] أستاذنا الراحل الشاعر الكبير / أبو أمنة حامد ..طيّب الله ثراه ..فوق شاعريته الفذة وثقافته الواسعة ، فقد كان ساخر التعبيرات ، ناقما على واقع حاله في صخب المدينة التي حرمته من صفاء الفطرة البدوية الهدندوية ،وكم تمنى أن يعود اليها راعيا ، يمتشق سيفه ويغرس خلاله الخشبي وسط شعره الكثيف الأشعث الوديك ويطلق نفخات نايه الحنينة وهو يخلف ساقه على حاوية بعيره البجاوي الأصهب ! في أحدى الحلقات من برانامج الأستاذ/ عمر الجزلي اسماء في حياتنا التي وثقّت لمسيرة وسيرة حياة أبو أمنة ، أجاب على سؤال حول أبنائه وبناته ومراحل دراستهم وهواياتهم واحدا تلو الأخر حفظهم الله ، وحينما جاء عند أحدهم ولعله آخر العنقود ان لم تخني الذاكرة ، قال انه يدرس في جامعة الخرطوم ، وان كان تمنى له أن يكون لا عبا في نادى الهلال ، ليضمن مستقبله ! طبعا لم يقصد شاعرنا الساخر الاستخفاف لا بجامعة الخرطوم ولا الاستهزاء بناديه المعشوق ، وانما أراد القول في اشارة ذكية الى أن التعليم الجامعي في سوداننا الحالى لم يعد وحده الضامن لمستقبل الشباب في سوق العمل التي اما أن مواعينها المتاحة باتت أضيق من أن تستوعب ما ترفده الجامعات الكثيرة والتي نشرتها ما سميت بثورة التعليم في كل المدن كبراها وصغراها ، بل بات في الحي الواحد ربما في المدينة الواحدة من مدن العاصمة تحديدا عددا من الجامعات والكليات! وان نمط التعليم يركز كثيرا في اغلبه على الجانب النظري أكثر من التقني والتطبيقي ! واما كان سبب تكدس البطالة نتاجا لعدم عدالة توزيع الفرص الوظيفية لاعتبارات الولاء السياسي و العقائدي والمحسوبية في هذا العهد أو لتفشي ظاهرة الفساد والرشوة ، وهي عوامل بالطبع تؤدي تلقائيا الى اغراق الشارع با لألاف من الفتيان والفتيات كفاقد انتاجي أو يدفعهم لممارسة المهن الهامشية التي لا تسد رمقا و لا تحفظ حتى ماء الوجه المثخن بعرق النهار وهم يلهثون بين السيارات لترويج سلع بخسة الثمن ! وقد يبتسم الحظ لواحد أو واحدة منهم فيكون موهوبا في مجال الغناء الذى بات مصدرا للتكسب أو يكون الفتى منهم على وجه التحديد أكثر حظا فتكون موهبته خارقة في مجال كرة القدم ويلتحق بأحد أندية الممتاز التي قد تفتح له بوابات الشهرة حتي خارج حدود ملا عبنا المحليه ! مرت ببالي هذه الخواطر وأنا أقرا بالأمس عن مكرمة رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد للعبية منتخب بلاده الوطني لكرة القدم الذي حقق وصولا مستحقا الى اولمبياد لندن القادم ،وتحفيزهم بمبلغ نصف مليون درهم للفرد وهو بالطبع عربون للدفع الى تحقيق المزيد من العطاء، و مؤشر الى أن كرة القدم لم تعد للتسلية وتزجية الوقت في عصريات الفراغ كما كانت في سابق العهود ، بل أصبحت تفوق حتي السياسة والدبلوماسية حينما تتخطاهما في رفع علم البلاد في المحافل الدولية ، هذا من الجانب الأدبي ، بل وأصبحت صناعة مادية مربحة تتفجر من مدرجاتها ومن تحت عشبها الأخضر ثروات قد تفوق كثيرا من مصادر الدخل في قطاعات اقتصادية هامة أخرى مجتمعة ، فبات ذلك ينعكس على الأجور المهولة التي يتقضاها اللاعبون والمدربون ويكسبها المتراهنون على نتائج المباريات في الدول التي تبيح الرهان ! بالطبع ليس ذلك تبرما أو حقدا أو حسدا لمن حباه الله بموهبة ذكاء الأقدام الذي هو مرتبط بعلم يمر من العقول والأذهان صار يدرس في اكاديميات رياضية متخصصة ، بل من قلبي أزف التهنئة لكل منتصر في سجال المدورة الممتع الخالبة لالباب الملايين ، فهم يستحقون كل التكريم بالقبلات على الخدود و الورد على الزنود ! بيد انني تمنيت أن يكون للشاعر أبو أمنة ولي ايضا ابن بالاضافة الى كونه جامعيا أن يصبح لاعبا فذا ليسدا لنا فجوة ( فقر الحروف ) التي يعانيها الشعراء والكتاب والأدباء الذين يغادرون الدنيا وقد ترك أغلبهم لأسرهم ثوبا فضفاضا من الفقر يتعثرون فيه من بعدهم تتبعه ذيول من الديون التي لا تمنعهم من الفخر براحلهم رغم ذلك ويترحمون عليه لانه ترك لهم أيضا غنى معنوي يدعو للزهو ! كيف لا و مثل أبوأمنة من العباقرة الأغنياء عن التعريف كثر ، وقد عاشوا في الوجدان رغم الرحيل ، ولو أنه والله لم يكتب غير ( سال من شعرها الذهب ) لكفاه ذلك أن يخلد أسمه حرفا ذهبيا مسطرا في جدائل التاريخ المسدلة على ظهر الزمان كله ! رحمه الله وكل أغنياء الحرف أمواتا واحياء، وزاد كل صاحب موهبة أخرى من خيره الوفير وأغناه، طالما انه يبذل عرق موهبته من أجل وطنه ورفعة اسرته وتحقيق طموحاته.. وسامحونا ، سامحنا الله وأياكم ، في جمعته المباركة غدا على أمل أن نلتقي في اسبوع قادم أسعد باذنه تعالى . انه المستعان .. وهو من وراء القصد..