كثر في الآونة الأخيرة تداول لفظ السلام الشامل بين عامة الناس والمسؤولين على الأخص، وكثر حديثهم عبر وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع عن تحقيق السلام الشامل بتوقيعهم لعدد من الاتفاقيات، منها اتفاقية «نيفاشا» وشرق السودان واتفاقية الدوحة الأخيرة والجهود المبذولة الآن في قضية جنوب كردفان، كل ذلك لتحقيق السلام الشامل، والسلام يعني غياب الحرب والمحافظة على النظام والقانون يؤدي إلى الاستقرار ونمو التنمية ونهضة الدولة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً بسيطرتها الكاملة على الأمن داخلياً.. ولكن ما نراه الآن على الوضع الراهن ليس سلاماً شاملاً، وذلك لغياب أو ضعف المنظومات التي تكون السلام وهي البيئة والاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة، فالسلام ينبع من العلاقات الشخصية الفردية والكيانات المجتمعية والدول، ومدى تصالح الأفراد والمجتمعات مع البيئة التي يعيشون فيها، وعلاقة تلك الشعوب محلياً وخارجياً وداخلياً وتكيفها على التعايش مع الوضع المعيشي، ومدى تجاوب الفرد مع الحراك الثقافي وتنوعه داخل بلده، فمعطيات السلام السياسي تقوم على التعددية السياسية، بمعنى الانفتاح السياسي ولا يتحقق إلا عبر الحوار وقبول الآخر والعمل على نبذ العنف بكل أشكاله، والسلام الاجتماعي الاقتصادي لا يتحقق إلا بالتوفيق بين مصالح العمال وأصحاب العمل باستخدام النقابات، لأنها جسم حيادي يقوم بمهمة الوسيط في المفاوضات بين العامل وصاحب العمل، وهذا يجنبنا خطر المواجهات الاقتصادية والاجتماعية، فالثورات العربية في تونس ومصر أسبابها تدهور الاقتصاد وعدم المساواة، ومسألة تقييم السلطة والثروة هما سببان أساسيان لنشوء الصراعات داخل الدولة كما هو الآن في دارفور، أما البيئة فالناظر لها يجدها تعيش في حالة حرب مع الذين يقومون باستخدامها بصورة غير سليمة من قطع للأشجار وتلويثها بغازات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الممارسات الضارة بالبيئة، والمثل الشعبي يقول «إن الإنسان ابن بيئته»، فالطبيعة هي التي تصنع الإنسان ويجب التعامل معها على هذا الأساس وعدم التعدي على الطبيعة والمحافظة على الموارد البيئية. وأخيراً السلام الثقافي يعد معول بناء وهدم في آن واحد إذا تم استخدامه لواحد من الاثنين، فالسلام الثقافي يعني التعايش بين الثقافات وتنميتها وتفاعلها لمصلحة الجميع، والسودان به التنوع الثقافي، وهذا يعد مصدر قوة يمكن تحقيقه باستخدام الثقافة في مجالات التعليم والإعلام، وهذا هو مفهوم السلام الشامل القائم على العدل الاجتماعي في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.