تقوم الانتخابات على مرتكزات خطة اعلامية ذات برامج دعائية وتوجهات وطنية مشتركة تعزز من قيمة الوطنية والمواطنة، وتهدف لتأسيس غدٍ أفضل قائم على المحافظة على القيم الحضارية والانسانية، وتحول سلسل وسلمي للسلطة، دون تهديد للوحدة والسلامة الوطنيتين، وإراقة لدماء الأبرياء.. وتشهد البلاد هذه الايام حراكاً سياسياً واسعاً ومشهوداً، والكل يسعى، وبلهفه، أفرادا وجماعات وتنظيما، ومستخدمين كل ما اتيحت لهم من وسائل، إلى الفوز دون الاكتراث لنوعية الدعاية المستخدمة وتداعياتها على تماسك الجبهة الداخلية ودراسة متطلباتها الخارجية. وتحقيقاً للمعاني السابقة، تُعد الدعاية السياسية أكثر وسائل الاتصال السياسي وأنسبها تأثيراً على الشعوب والمجتمعات «الناخبين» وخاصة في موسم الانتخابات، وهي الأداة التي يتمكن من خلالها المرشح، إذا أحسن توظيفها، أن يحقق تطلعاته وأشواق مؤيده السياسية، وهى تعمل على الإكثار والمبالغة في إعطاء المرشح السياسي المحلي، البرلماني والرئاسي صفات ليست فيه، وتضخيم صورته لدى الناخب.. على حساب القضايا الرئيسية التي يعاني منها المواطن.. والدعاية لها أشكال ووسائل مختلفة دخلت فيها الإنترنت والبث الفضائى.. ولكى نستشرف عملا دعائيا ايجابيا مواكبا للمتغيرات والمتطلبات الآنية والمستقبلية، يستدعى الأمر الوقوف على طبيعة الانتخابات القادمة والتحديات التى تواجهها، وما يترتب عليها من مخاطر وطنية، وشكل الدعاية المناسبة وامكانية تفعيل دور المؤسسات الرسمية والمدنية فى ذلك. وتأتي جولة الانتخابات الرابعة في ظروف داخلية وخارجية ضاغطة في اتجاه إضعاف الوطن وتفكيكه .. وهى مخاض ونتيجة لاتفاقية السلام الشامل التى صاغها الشريكان.. ولم يُستفتى فيها الشعب السودانى، ولم يُشرك بشكل ديمقراطى خاصة فى البنود التى تمس وحدته وتماسكه.. إذن هذه الجولة الرابعة مرحلة من مراحل تنفيذ الاتفاق وبإمكان الشريكين، اذا تلاقت مصالحهما، وتبيُّن عدم امكانية تنفيذ الانتخابات لأى سبب، أن يتم تأجيلها.. وليس للشعب وتنظيماته الحق فى الاحتجاج، فالتحول السياسى المرتقب لمعالجة أزمة ومعضلة إدارة الدولة السودانية لمصلحة الشريكين.. كذلك أن الانتخابات القادمة لم تأتِ نتيجة لثورة شعبية لتلبية حاجات اقتصادية واجتماعية كالجولات الثلاث السابقة.. وانما لتحقق مصالح القوى السياسية الموقعة في المقام الأول على الاتفاقية، الى جانب ذلك تأتي هذه الجولة فى ظل تنامي الهيمنة الغربية وسيطرتها على مقاليد السياسة الدولية ومؤسسات صنع القرار فيها، وبروز مفهوم المشروطية السياسية وتغيير أسس اللعبة الديمقراطية وشكل الديمقراطية المطلوبة لدول العالم الثالث لفترة ما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.. كل ذلك يفرض إيجاد نفس مشترك واسس وقواعد وتوجيهات واضحة، لرسم خطط الحملات الانتخابية من قبل الجميع. إن إدراك طبيعة هذه الجولة الرابعة زماناً ومكاناً وحجم الضغوط والمصالح الداخلية والخارجية، تُمكن من الإعداد الجيد للحملات الانتخابية. وتحديد الخطط والاستراتيجيات التي تستند عليها الدعاية الانتخابية للمرشحين أمر في غاية الأهمية، وينعكس على شكلها ونمطها، مما يفرز دعاية مثلى تُعلي من قيم التوحد والاندماج والاستقرار لا التفرقة والتمييز والفوضى، وبالشكل الذي تُساعد فيه على طرح الحلول للمشاكل الوطنية لا تأزمها.. وأن استخدام كافة الوسائل الحديثة بما في ذلك الانترنت، الفضائيات.. يعد ظاهرة حضارية تساعد على استقرار البلاد ونجاح التجربة الانتخابية، علماً بأن شبكة الاتصالات غطت جميع البلاد، حيث يمكن توظيفها وبكافة اللغات واللهجات باعتبارها نصوصا تحريرية أو صوتية، وكذلك استخدام الصور والاشكال. والسؤال الذي يطرح نفسه هل المرشح السوداني اليوم، وهو يتطلع إلى إجراء حملة انتخابية، التزم في ممارسته للدعاية السياسية بالمعايير الشرعية واللوائح المنظمة التي تنظم وتحكم الحملة الانتخابية، وبالشكل الذى يساعد على تماسك المجتمع وسلامة أراضيه وأمنه، ونظافة مدنه، واحترام خصوصياته، واعرافه وتقاليده؟ إن الملاحظ على الدعاية السياسية اليوم، أنها بدأت باستخدام ثقافة التشفي والكيد الشخصى والإقصاء والإلغاء للغير، ومحاولة تغيير وتشويه ولي عنق الحقائق التاريخية لخدمة مرشح معين.. مما يؤثر سلباً فى بناء أجيال متغالطة ومتجادلة فى فهم تاريخها، دون الاعتراف المتبادل بالإنجازات للانظمة المختلفة والسعى للمحافظة عليها وتنميتها وتطويرها، فالدعاية اليوم يمكن وصفها بأنها غير مواكبة للأحداث الداخلية القاتلة التى تتمثل فى تنامى الاحتقان العرقى والجهوى والاستقطاب، إلى جانب استخدامها لغة التهديد والوعيد للشعب السوداني.. فمثل هذه التصريحات للمرشحين تنم عن عدم صدقية فى النوايا وجهلها بمآلاتها وبمخاطرها وتحدياتها وتناقضها مع أبجديات العمل الديمقراطي، وتداخلها للتأثير على خيارات الناخبين. فهذا النمط من العمل الدعائي غير إيجابي، وهى دعاية تعمل فى اتجاه تعطيل حركة التحول الديمقراطى المرتقب، وتعظم من فرص الانفصال والتفكك الوطنى، وذلك باستخدامها للتعبئة والحشد الجهوي والعنصري والفئوى.. دون إدراك لقومية المناصب ومتطلباتها الدعائية وحدودها «رئاسة الجمهورية، الولاية» فعلى المرشحين للرئاسة مثلاً تمثيل التنوع العرقى والإثنى والثقافي للوطن فى خطابهم السياسى، وعدم اختزاله وتشويهه واستخدامه لأغراض دعائية محدودة ذات تكلفة باهظة على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعى. ويتطلب الأمر تدخلا سريعا ومتفقا عليه من المفوضية المشرفة على الانتخابات، وكذلك من مجلس الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدنى وأجهزة الاعلام ومراكز الدراسات والبحوث.. بتدريب المستهدفين ومدهم بأسس ومتطلبات الحملات الانتخابية، وأخلاقياتها، وكيفية الإشراف الإداري على كل مراحل ومستويات الحملة الانتخابية، ومتابعتها من قبل قسم متخصص بالمفوضية لهذا الغرض يقوم بوضع خطة عمل تغطي كافة الجوانب من أجل الاستخدام الأمثل للدعاية السياسية الانتخابية بصورة متحضرة تعكس عمق التجربة والممارسة التاريخية. أستاذ بالمركز القومي للدراسات الدبلوماسية- وزارة الخارجية E-mail:[email protected]