وردني على بريدي الاليكتروني، تعقيب من الأستاذ إبراهيم عثمان «أبو خليل» الناطق الرسمي لحزب التحرير- ولاية السودان، رداً على اضاءتنا يوم الثلاثاء الماضي حول مخرجات مؤتمر الحزب بالقضارف والتي جاء في بيانها تكفيراً صريحاً لمباديء الحريات العامة والديموقراطية باعتبارهما خروجاً على الشرع والاسلام الصحيح. ومن خلال الرد بدا لي أن الأخوة الكرام في هذا الحزب على قناعة تامة وراسخة بمثل هذا الفهم الذي فصله بيانهم وتحمله وتعممه بياناتهم، وأنهم جزء من «خطة عالمية» أو «خط سياسي عام» يتبناه «حزب التحرير» أين ما كان، خط يقوم على رفض الحريات والديموقراطية والحقوق الأساسية للانسان. ورغم اختلافنا معهم ومع تصوراتهم وأفكارهم فيما يتصل بالعلاقة بين العبد وربه وبين الدين والدنيا، فإننا نشكر لهم صراحتهم والجهر الشجاع بما يعتقدون، ومن حقهم علينا، عملاً ب«حرية النشر» والتي هي جزء من «الحريات العامة» أن ننشر ردهم كاملاً في ذات الموقع. فقط نريد أن نذكر الأستاذ (أبو خليل) أن تراث شعبنا النضالي وثوراته كانت كلها ضد نظام يقوم على نهج «الخلافة» -خلافة العثمانيين الأتراك- الذين غزوا بلادنا أيضاً بإسم الخلافة، فكانت المقاومة من قبائل السودان الشمالي وفي طليعتهم المك نمر، وكذلك كانت الثورة المهدية بقيادة الإمام الأكبر محمد أحمد المهدي، ولم تمنع «الخلافة» الأتراك من التحالف مع المستعمرين الغربيين، ولم تخلق منهم مسلمين أتقياء بل حولتهم لقوة مستعمرة وباطشة أذاقت العديد من الشعوب الذل والهوان. *** الأخ الفاضل / طه النعمان السلام عليكم ورحمة الله،،، لقد اطلعنا على مقالتك في صحيفة آخر لحظة الصادرة يوم الثلاثاء 16 رمضان 1432ه الموافق 16 أغسطس 2011م العدد (1803) المعنونة حزب ل (التحرير) يكفِّر الحريات العامة والديمقراطية! ونبدأ بما ختمت به ونقول رمضان كريم وتصوم وتفطر على خير. وللرد على ما جاء في مقالتكم أقول مستعيناً بالله: أولاً: إن الإنسان إما أن يكون عبداً لله أو عبداً لغير الله، وهذا الغير إما أن يكون مخلوقاً يشرع للناس فيصبح في هذه الحالة هو الإله المعبود من قبل من يقبلون بتشريعه، أو يكون من يشرع هو الإنسان لنفسه، وكل ذلك هوى في مقابل الحق.. وهذا ما يحدث في الأنظمة الديمقراطية، حيث يشرع الناس للناس بالأهواء، ولذلك كان استدلالنا بالآية }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{ (الجاثية-23)، فالاستدلال بالآية استدلال في محله وليس فهماً جزافياً. والشاهد على ما نقول ما روي عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في «سورة براءة» ، فقرأ هذه الآية:(اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله)، قال قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم! ثانياً: ما علاقة الحريات العامة التي عرّفتها بنفسك أنها التمتع بالفطرة التي خلق الله الناس عليها وأودع فيهم العقل للاختيار، وبين العبودية والاستعباد، فالحريات العامة هي مصطلح سياسي غربي يعني التحلل من قيود الشرع، فالحريات العامة في النظام الديمقراطي تقوم على أسس أربعة كلها تناقض الإسلام، فمثلاً حرية العقيدة عندهم تعني أن تكون يهودياًً ثم تتركها لتكون مسلماً ثم تترك الإسلام لتكون ملحداً فأنت حر، ولكن في الإسلام لا توجد حرية عقيدة، فمن اختار الإسلام وآمن به إذا خرج منه يُقتل لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» والخليفة الراشد ابوبكر الصديق رضي الله عنه قاتل المرتدين، بل قاتل من أنكر فرضاً واحداً وهو الزكاة فقال: (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة). والحرية الشخصية عند الديمقراطيين تعني أن تفعل ما تشاء دون أن تمس حرية الآخرين، فللمرأة مثلاً أن تخرج إلى الشارع العام متبذلة كاشفة عورتها تفعل ما تشاء في نفسها، أما في الإسلام فقد حُدِّد لها زي شرعي لتخرج به في الحياة العامة، ولا يجوز للنساء والرجال مثلاً ممارسة الزنا والفاحشة ومعاقرة الخمر ولعب الميسر، وكل ذلك يعاقب عليه في الإسلام، أما في الديمقراطية فأنت حر تفعل كل ذلك وغيره دون مساءلة ما دمت لم تتعد على حرية الآخرين، والأنظمة الديمقراطية حامية هذه الحريات، ولقد رأيت كيف كانت البارات وبيوت الدعارة مرخصاً لها في هذا البلد في ظل النظام الديمقراطي. أما حرية التعبير عندهم فتعني أن تقول ما تشاء حتى ولو كان سب المقدّسات وسب الأنبياء، وقد رأينا جميعاً كيف يستهزأ برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم في الغرب بحجة حرية التعبير، أما في الإسلام فإن الإنسان مسؤول عما يقول ومحاسب عليه يقول الله عز وجل: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً{ (36 الاسراء)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما سأل قائلاً وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ قال صلى الله عليه وسلم: »ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». أما حرية التملك عند الديمقراطيين تعني أن للإنسان أن يتملك المال كما يشاء، فيمكن أن يتملك بالقمار أو بيع الخمر والخنزير أو عن طريق الشركات الرأسمالية الباطلة، أو المراهنات، أو الربا أو غيرها مما حرم الله، فالملكية في الإسلام مقيدة بأحكام شرعية،. ومن ذلك كله يتبين أن الحريات العامة ما هي إلا أهواء وانفلات عن التقيد بالأحكام الشرعية التي تنظم حياة البشرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من انظمة الحياة. وليس للعقل مكان في التشريع أو الحكم على الأفعال بالحسن والقبح، وإنما مكان العقل الفهم والادراك الصحيح لمقصود الله سبحانه من نصوص الكتاب والسنة، يقول الله عز وجل: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا{ (36 الأحزاب). نواصل