هل يوجد نظام حكم في الإسلام بقلم: احمد ابو قدوم [email protected] الحكم والقضاء في اللغة هي من الألفاظ المشتركة التي لها كثير من المعاني لا حاجة لذكرها هنا، وأقتصر على ما يلزمنا في هذا الموضوع، وهو أن الحُكْم يعني القضاء، والحَكَم يعني القاضي، والحاكم يعني منفذ الحكم، هذه المعاني هي التي تلزمنا في هذا الموضوع، لأن البعض يقول ان نظام الحكم وكثير من أنظمة المجتمع هو متروك للبشر، ولا يوجد دليل على أن هناك نظام حكم او نظام اقتصادي في الاسلام، لأن الآيات التي تذكر كلمة الحكم تعني القضاء، ولم ترد بمعنى الحكم أي نظام الحكم الذي يعرفه الناس هذه الأيام، وأن كلمة الأمر في القرآن جاءت بمعنى الحكم المعروف في أيامنا، وقد تركه الله للبشر بدليل قوله تعالى: \"وأمرهم شورى بينهم\"، أي انه متروك للناس أن يأخذوه نتيجة دراسات واقتباسات ومشاورات، على اعتبار ان الحكم في القرآن الكريم جاء بمعنى القضاء، والأمر جاء بمعنى الحكم، \"وأمرهم شورى بينهم\" أي أنّ الحكم هو شورى وليس نصوصا أو احكاما ملزمة. وانه وان كانت آيات الحكم تعني القضاء، فالقضاء هو من الحكم الذي يجب ان يلتزم سواء أكان قضاء في الفصل بين المتخاصمين، أو كان قضاء حسبة، في المسائل العامة التي ليس فيها مدع، أوفي قضاء المظالم بين الحاكم والمحكوم، ففي جميع هذه الأحوال يجب الالتزام فيها بالشرع، ويجب الالتزام في حالة النزاع بين الحكام والامة الى الشرع حول أي موضوع كان سواء تعلق بالحكم أو بالاقتصاد او السياسة الخارجية او المعاهدات أو الاتفاقيات، او بشكل الحكم او بأي مسألة من المسائل \"فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول\" \" ما فرطنا في الكتاب من شيء\"، فإن جميع المسائل المتعلقة بالحياة العامة وبالدولة وعلاقاتها هي قابلة للتنازع بين الناس حول مدلولاتها، فكيف يصح ان نتقاضى فيها على اساس الاسلام وهي على حد زعمهم اخذت من مشورات البشر. ومعلوم من الدين بالضرورة أنّ الكتاب والسنة هما من الوحي، فالكتاب لفظا ومعنى من الله، والسنة معنى لا لفظا من الله، ولم يقل احد أن السنة هي فقط الأقوال دون الأفعال، وإذا كان الأمر كذلك فأين نضع افعال النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب التأسي والإتباع، لقوله تعالى: \"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا\" وقوله تعالى: \" لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر\"، ورجاء الله واليوم الآخر هي قرينة على وجوب الإتباع، وقد كانت له افعال وأقوال في الأحكام المتعلقة بالأفراد، وكانت له كذلك أفعال واقوال في علاقات الحاكم - بصفته الدولة- مع الدول الأخرى ومع الأفراد، وله أقوال وأفعال متعلقة بالمعاونين والولاة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: \"... وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر\" ومن ارساله ولاة على الأمصار، كما ارسل معاذا وعليا، فكيف يصح أن يأخذ هؤلاء بعض احكامه ويتخلوا عن بعضها، يأخذون ما وافق هواهم ويتركون ما خالفه، \"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب\"، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى كيف يفسر هؤلاء النهي الجازم في قوله تعالى: \"وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم، واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك\"، وكيف يفعلون بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ شيء ليس من مطلق البشر فحسب، بل حتى من أهل الكتاب فقد روى الإمام أحمد : عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فغضب وقال: [ أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ] وقال الإمام أحمد: عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت: فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : [والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين] تفسير ابن كثير [ جزء 2 - صفحة 613. وأيضا فحتى كلمة أمر والتي تعني الحكم في بعض معانيها، قد أوجب الله سبحانه وتعالى وجوب اتباع شريعته فيها وليس اخذ الشورى، اذ قال تعالى: \" ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون\"، فوصف أخذ غير أحكام الشريعة باتباع أهواء الذين لا يعلمون، وكذلك أمر في حالة التنازع بين الحكام والرعية برده الى الله والرسول أي الى الكتاب والسنة وليس الى أهواء البشر، قال تعالى: \" يا ايها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر\"، والحكام هم ولاة الأمر الشرعيين، وليسوا مغتصبي السلطة. وفي المحصلة ماذا يسمون هؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوس الناس في الدولة، ويطبق فيها نظام حكم واقتصاد وسياسة خارجية وغيرها من الأنظمة؟! ومن هم ولاة الأمر الذين ذكروا في القرآن والسنة؟! وماذا كان يسمى ابو بكر وعمر وعثمان وعلي عندما كانوا يحكمون الناس؟! فإذا كانوا ليسوا حكاما فماذا يكونون إذن؟! وهل استطاعوا أن يوجدوا هم هذا النظام المتميز في الحكم والإقتصاد والسياسات المختلفة وغيرها؟! ما لهؤلاء الذين يفترون على الله الكذب لا يكادون يفقهون حديثا!!. وكيف يقبل بشر أن يأخذ بتشريع بشر، ونحن نرى أن الثورات قامت على تشريعات البشر، فكيف يقبلون استبدالها بتشريعات بشر أيضا، ومعلوم أن من يشرع من البشر يشرع حسب أهوائه ومصالحه، واتخاذ البشر مشرعين من دون الله هو اتخاذهم آلهة يعبدون من دون الله، كما قال تعالى: \"اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله\"، رُوِيَ عَنْ عُدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لِي: \"يَا عُدَيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ\"، فَطَرَحْتُهُ ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأ:( اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله(حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، قُلْتُ لَهُ : إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُم، فَقَالَ : \" أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ \" ؟ قَالَ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : \" فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ \" والنتيجة أنّ العقيدة الإسلامية كما ينبثق عنها احكام العبادات، ينبثق عنها أيضا نظام حكم ونظام اقتصاد ونظام سياسة خارجية وجميع أنظمة الحياة والدولة والمجتمع، طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم عمليا، في الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها في المدينة، وسار على نهجه الخلفاء الراشدون من بعده، واستمر هذا التطبيق لهذه الأنظمة في جميع عصور الدولة الإسلامية حتى إلغائها من قبل مجرم هذا العصر مصطفى كمال أتاتورك في مطلع القرن الماضي، وما حدث من بعض الإساءات في التطبيق لم يخرج الدولة عن كونها دولة اسلامية، بل بقيت تستمد أحكامها وأنظمتها وقوانينها من الاسلام، وكان الإسلام هو المصدر الوحيد للدولة الإسلامية في جميع تشريعاتها وأنظمتها واحكامها، ولم يُنقل أن حكما واحدا أخذ من غير الإسلام، وها هي كتب الفقه وهي التي تمثل الثروة التشريعية للأمة الإسلامية والدولة الإسلامية زاخرة بالأحكام المستنبطة من أدلتها التفصيلية، ولمن اراد الإطلاع على تفاصيل أنظمة الحكم والاقتصاد وغيرها فعليه بالرجوع الى كتب حزب التحرير التي أفرد لها كتبا خاصة بكل نظام، وضعها نتيجة استقراء واستنباط للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ومما ارشدا اليه من قياس واجماع صحابة فقط، والسنة تشمل السنة القولية والسنة الفعلية وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم.