كل عام ونحن بمنأى عن الفجائع.. كتلك التي اغتالت بهجة الأيام.. وحبست مشاعرنا كالهاء في آخر الآهة.. وجعلتنا نقطة في سطر الأحزان..!! عيدٌ أتى.. فوجدنا قد سكرنا خمرة البعد.. فثملت منا الجوانح.. بعد أن انبت حبل الوصال.. شهر وأيام خلون من ملامحك الوضيئة.. فما عادت الأزهار تزهر.. ولم نعد نعرف طعم الابتسام..!! أخي الحبيب: إن كان فعلك الذي أساء واحداً فأفعالك التي سرت ألوف.. اليوم فقط والناس جذلة بمقدم العيد.. أحسست «بطعم فقدك».. فأنت الأعياد كلها.. ومواسم الفرح.. فينا.. لكم ضحيت لأجلنا.. وكم أرهقت قلبك الكبير الذي لم يحتمل طموحك ولا سعة صدرك.. ولا كثير تسامحك فتوقف عن الخفقان بعد أن كلَّ من «حمل أوجاع الناس وهمومهم..». كنت من أهل المروءة والسماحات.. والطيبة.. كنت كريماً قبل أن تستنال وتعطى بغير سؤال ولا تمتن على أحد..!! من أين لك كل هذا البهاء.. والجمال.. كنت أكبرنا ولكن أكثرنا شباباً.. لم تنل منك الأيام والسنون ألا مزيداً من الرونق والحيوية.. وكأنما أرادت أن تهبك كل شيء قبل أن تسلبك كل شيء»!! أخي سعود: أكتب لك الآن أو عنك يا فقيدنا العزيز.. وأضواء الفجر تفضح سكون الليل.. وصوت آتٍ من بعيد لا استطيع أن أميزه.. لكنه «كالناي ينحب بالعويل وكأنني استمع إلى أحزاني».. شيء خارج دائرة الحس المباشر يهز مفاصلي.. ويمزق أوصالي..! وأنا الذي حرق الحشاشه.. في هواك ممزق الاضلاع.. مطلول النزيف..!! عيدٌ أتى يا أخي.. وأنت هناك ترقد.. حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر.. في مكان موحش.. وأنت تحب الصخب والناس من حولك.. ها أنت قد احكمت أبوابك اليوم ومنعتنا من لقياك.. وقلت لكم في العمر الذي انسرب مني بقية..!! ولا يصلح اليوم أن نلتقي إلا في الأطياف والأحلام..!! قل لي هل يعنينا الشاعر الذي قال: أقبل العيد ولكن ليس في الناس مسرة.. لا أري إلا وجوه كالحات مكفهرة.. كمثل الروض لم تترك بها النكباء زهرة.. وعيوناً دنقت فيها الأماني المستحرة.. فهي حيرى ذاهلات من الذي تهوى وتكره.. وخدود باهتات قد كساها الهم صفرة وشفاهاً تحذر الضحك كأن الضحك جمرة.. ليس للقوم غير شكوى مستمرة قد تساوى عندهم للبأس نفعاً ومضرة!! زاوية أخيرة: لقد فتح العيد في قلبي دهاليز من الأحزان.. سأضم اليوم أبناءك إلى صدري.. محمد.. وحسن.. والصغير علي.. مشاعري تتأجج وأنا أقف على قبرك خاشعة لقد بدت متآلفة هي والسكون..!!