معظم الحركات الإصلاحية أيًّا كانت مسمياتها تمر بمراحل نشأة وتكوين وولادة غالباً ماتكون قيصرية ومتعسرة وحضانة مرهقة، وقد تكون الرضاعه طبيعية أو صناعية على حسب الأفكار والمبادئ والآيدلوجيات إن كانت من المجتمع أم من الخارج- أي أجنبية، وقد جاءت الحركة الإسلامية هذا المسمى الخالد الذى كان يهز وجدان المجتمع السودانى لأنها نشأت فى مجتمع طائفى قبلى جهوي، الكلمة للسيدين والزعامة للطائفتين وثالثها اليسار الشيوعى فبدأ الحراك وسط رجال وشباب وفتيان دون سند قبلي أو طائفي أو مادي، بل كان شعارهم «الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا»: هذا سندهم وتلك غايتهم ولا أريد أن أدخل فى التفاصيل والمراحل التى مرت بها الحركة الإسلامية في السودان، فهذا معلوم لكثير من الناس ويحتاج لسرد تاريخي توثيقي وإن بدا ولكنه قليل من كثير، ولا أريد أن أبكي على الأطلال وعلى الماضي التليد والذكريات التي مازال الكثير من إخواني عندما يلتقون يذكرونها بأسى وحزن كانهم يتمنون أن يعودوا كما كانوا أيام شبابهم وقوتهم، فقد كان نهارهم صياماً وليلهم قيام ومجالسهم ذكر وحلقاتهم تلاوة ورحلاتهم أسر وملاعبهم قوة وفرقهم جوالة وعشاؤهم بوش وإفطارهم عدس وتجوالهم كداري وصرفهم «ملاليم» وليس «مليارات». وكان الطلاب يوفرون من مصروفهم المدرسي لتسيير البرامج الأسبوعية من كتائب قرانية وإفطارات الصيام وللرحلات وللمعسكرات.. أما الدورات الرياضية والمنتديات فكانوا يذهبون لرجال الأعمال من الأخوان وهم برغم قلتهم كانوا يدفعون بسخاء، ولكن أي رجال أعمال كانوا فلا يذهب ذهنك بعيداً وتتصورهم من الرأسمالية وأصحاب الأرصده والعقارات، بل كانوا أصحاب حرف ومهن يدوية من ورش حدادة ونجارة وأفران ومحلات الأقمشة وترزية ومكتبات، أذكر منهم للتاريخ وليعلم إخوتى الممسكين بالنشاط الطلابى والشبابى والمجتمعى كيف كنا وكيف هم الآن وهم الأعمام كمال نقدالله وسليم على أحمد ومحمود الشبلي والطيب بشير وعبد الرحيم مكاوي وإبراهيم عمر وشاذروان وصادق مصطفى عطاالله والخير العوض والشيخ عبد الباسط وعبدالله الخضر كمبال وياسين البخيت والعم خوجلى والد الأخ حسين فبرغم أنصاريته، ولكنه كان ينفحنا ببعض الريالات وحسين يتبسم فقد كان أنصارياً في جلبابه أخوانياً في جيبه، وياحليل الدوحة كانت دعوة فصارت دولة كانوا مؤتلفين فأصبحوا مختلفين كانوا متحابين متعاونين يشتاق أحدهم لأخيه وإخوانه إن غاب عنهم يوماً أو بضع ساعات لأن الحب كان فى الله والأخوة صادقة والإيمان قوي والقلوب طاهرة والنفوس أبية والجوارح عفيفة.. أين هذا الآن أيها الاخوان، كان همكم التجنيد لا الرصيد كان شغلكم للآخرة وليس للدنيا، سؤال يتبادر في أذهان الكثيرين ولا يجدون له إجابة شافية ولا رداً مقنعاً من الذي دفن الحركة الإسلامية وهى حية تتنفس وتتحرك؟ من المسؤول حتى يحاسب على فعلته وجريمته؟ وياليتهم تمسكوا بالقليل الذى بقي من تلك التركة ومن ذلك الإرث الجهادي التاريخي الحركي الدعوي، ولكنهم انشقوا واختلفوا وتنافروا وتناكروا وتلاعنوا فأصبحوا مؤتمرين وطائفتين وفريقين وحزبين كل تدعى الأصالة والريادة «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات». الاخوان الدنيا زائلة والكراسي دائرة والصولجان خداع فعودوا لرشدكم إن كان فيكم رشيد وعودوا لعقولكم إن كان فيكم عاقل هل هذا يرضيكم، فالكثيرون تجمدوا فأصبحوا بلا حراك والبعض حيارى أصابتهم الدهشة مما سمعوا ورأوا.. نحن لا نطلب المستحيل فالمحال هو ما أنتم عليه يامن نلتم نصيبكم من الدنيا اجعلوا لآخرتكم حظاً.. وفى ختام هذا المقال اقترح وأناشد أخوان السبعينات من الطلاب وغيرهم الذين أصبحوا الآن شيباً وآباء وأجداد أن يتنادوا فى تجمع واحد في رحلة خلوية جامعة يركبون البصات ويتركون وراء ظهرانيهم ألقابهم ومناصبهم وسياراتهم المظلله وحرسهم الخاص دون أجندة سياسية ومسميات حزبية ويذهبون لمكان يذكرهم يوم أن كانوا إخوانا متجردين فقراء من الدنيا والدرهم، ولكنهم كانوا أغنياء بدعوتهم وعقيدتهم ويبدأ التجمع بما كان سابقاً من تلاوة للقرآن أو دراسة حديث وتعارف وتعيين أمير ومزاولة الأنشطة الرياضية من جري وكرة قدم وسباحة علهم يتطهرون من ما أصابهم من رهق الحياة وزينتها وتفاخرها.. وأنا على يقين أنهم سيعودون وعيونهم تفيض من الدمع، وقد يجهشون بالبكاء وقد تعاهدوا أن يعودوا كما كانوا أول مرة إخواناً متحابين متعاونين متناصحين وحينها سيحدث الإنقلاب الحقيقي في السودان فهل من مجيب.