لا تختلف كثيراً قدسية أماكن إقامة العدل (المحاكم والنيابات العامة) عموماً عن أماكن العبادة، فالعدل هو في جوهره عبادة لأن الله سبحانه وتعالى أمر به في الآية الكريمة الآمرة (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). ولا يساور أحداً الشك في أن المحاكم وأجهزة العدالة السودانية بصفة عامة، لها تجربة تاريخية مطولة جديرة بالاحترام والتقدير، يكفيها فقط- على سبيل الاستدلال- أنها ظلت ترفد دول الخليج والعديد من الدول العربية الأخرى، بكوادر قضائية وقانونية راسخة التجربة، ندية العطاء والذكاء. ومما يحمد لمولانا جلال الدين محمد عثمان رئيس القضاء، أنه بذل جهوداً جبارة ومضنية لتحسين بيئة العمل في المحاكم، وأصبحت دور العدالة بمبانيها اللامعة النظيفة والمزودة بأسباب الراحة والخدمات المتوفرة عنواناً طيباً لمكانة العدل وقداسته، كما انتشرت مجمعات المحاكم في أنحاء السودان المختلفة حتى لا يتكبد المتقاضون المشاق ويعانون الأمرين. غير أن هذا الصرح الشامخ فيه (موضع لبنة) وصورته تشوبها بعض الشوائب تستدعي المعالجة والاستكمال، فهناك ملاحظات عديدة في هذا المنحى نثق تماماً في أن يضعها السيد رئيس القضاء في صدر اهتماماته لما عرف عنه من جدية ومقدرة على معالجة كل ما قد يعتور قضايا العدالة. أولى الملاحظات أن بعض مجمعات المحاكم تضع إعلاناً يطالب المتقاضين بإحضار شهادة سكن لإرفاقها مع عريضة الدعوى، وفي كثير من الأحيان تكون العريضة مستعجلة، فإذا ما عاد المتقاضي أدراجه لاستخراج شهادة السكن قد يجد عنتاً في استخراجها خاصة وأن الجهة التي تستخرجها هي جهة غير مفرّغة ولا تتواجد بصفة مستمرة مما يؤدي إلى تأخر إنفاذ العدالة. نعلم أن شهادة السكن الغرض منها تحديد الاختصاص القضائي ولكن في ذات الوقت يمكن أن تكتفي المحكمة بسؤال المتقاضي فقط ، فإذا تبين لاحقاً أنه كاذب فهذا الأمر يمكن معالجته بالطرق القانونية، وفي حالات أخرى من الممكن أن يكون المتقاضي مقيماً بصفة مؤقتة في فندق، بحيث لا تنطبق عليه صفة السكن ومن ثم لا مجال لإحضار شهادة سكن، فهل يا ترى يمنع من حقه في التقاضي؟ وفي أحيان أخرى قد يكون المتقاضي عابر سبيل في ضيافة أقاربه أو معارفه بشكل مؤقت، فلا يكون أمامه وأمام مضيفيه مضطرين، إلا أن يستخرجوا شهادة سكن بطريقة ما لن تكون قانونية بأي حال من الأحوال. ملاحظة أخرى نقدمها للسيد رئيس القضاء وهي الدخول والخروج والهرج والمرج داخل القاعات في بعض المحاكم أثناء سير ونظر القضايا، ففضلاً عن أن ذلك يقاطع المحكمة ويشوش عليها فهو يشتت تركيز الشهود وقد يفسد عليهم شهادتهم، ومعلوم أن ساحات المحاكم هي مكان للانضباط لابد لمن يدخله أن يصون ويوقر ويحترم العدل والعدالة والقائمين على تطبيقها، ولابد أيضاً لهؤلاء القائمين على تطبيق العدالة أن يراعوا الحفاظ على هيبة المحكمة، فلا يتهاونوا في صون هذه الهيبة، فانضباط المتقاضين يأتي تلقائياً نتيجة انضباط القائمين على تطبيق العدالة من قبل القضاء الجالس والقضاء الواقف وشرطة المحكمة. لماذا لا يتم تخصيص أماكن لجلوس المتقاضين المنتظرين لدورهم، تكون بعيدة عن قاعات المحكمة حتى لا ينعكس الإزعاج والأنس المتبادل وأحياناً الجدل سلباً، على سير عمل المحكمة، وذلك تفادياً للتشويش وتوخياً لتوفير بيئة مواتية صحيحة تساعد القضاة والمحامين على القيام بدورهم على الوجه الأكمل والمطلوب.