عبيد الطيب بابكر الجعلي الجموعي الشهم.. الفنان الكبير.. والموظف المرموق المستنير.. وأحد تلاميذ سرور وكرومة الأوفياء الذين نهلوا من موردهم العذب.. فحافظوا على فنون الحقيبة في صورتها الزاهية الجميلة.. وكانوا القنطرة القوية والسليمة التي عبرت عليها الحقيبة بروعتها وسلامتها وسلاستها وصدقها إلى غيرهم من الأجيال.. فلا يذكر الإبداع في الحقيبة إلا ويذكر عبيد الطيب.. لحسن اختياره وجمال تطريبه وتقمصه روح الحقيبة التي نهل من معينها وتشربها من أربابها الذين شرب من كأسهم في باكورة شبابه. وعبيد الطيب لم يقتصر على أداء غناء الحقيبة وتجويده فيه.. بل أسهم مع أبناء جيله التاج مصطفى.. ومحجوب عثمان.. والعاقب.. وعثمان الشفيع.. وعثمان حسين.. وأبو داؤود.. في تطوير فن الغناء الحديث.. وميزته أنه مثل الفنان الكبير الكاشف من الجيل المخضرم الذي شهد وساهم في كلا المرحلتين.. مرحلة الرق.. ومرحلة فن الغناء الحديث.. وأذكر- وما آفة الأخبار إلا رواتها- وأنه قد يحتل كثيرون مواقع ليست لهم وأكبر منهم.. أن أحد مديري البرامج كان يتسلط بلا معرفة في مسار كثير من البرامج التي تعد للتلفزيون- رغم أن الرجل أبعد الناس عن هذا المجال.. وأذكر في إحدى المرات أنني كنت أعد العدة لتسجيل برنامجي «شاعر وفنان».. مع الفنان الكبير عبيد الطيب.. والشاعر الكبير إسماعيل خورشيد.. ونحن ندخل إلى الأستديو انتحى بي مدير البرامج معاتباً على هذه الاستضافة، فغضبت غضباً شديداً «لتدخله» ولم أعلق.. وبدأنا التسجيل.. وسجل الفنان الكبير رائعة عمنا سيد عبد العزيز «يجلي النظر يا صاحي».. فاندهش كل من في الأستديو من هذا الفنان الكبير.. وتساءلوا.. أين كان هذا العملاق طوال هذه السنوات.. ولماذا لم يستضفه التلفزيون.. وفوجئت بعد قليل بمدير البرامج يسرع بمسجله الخاص ويضعه تحت قدمي الفنان الكبير حتى لا تفوته هذه الفرصة.. فكان الفنان الكبير آنذاك يتغنى برائعة خليل فرح «أذكر بقعة أم درمان» والتي تذاع في ذلك الوقت من أم درمان وعبر برنامج «شاعر وفنان».