أروع زواج يتحقق حين تقول: أريد أن أعيش مع هذا الإنسان حتى آخر يوم في حياتي، حيث لا تقوى أن تعرف إنساناً غيره ولا تستطيع استبداله، هو فقط ولا أحد غيره، حين يكون الوفاء والإخلاص هما جوهر هذه العلاقة، يعني أنك تزوجته لأنك أحببته، وأحببته لأنك تزوجته. ولعل هذا يثير أول قضية وهي علاقة الحب بالزواج، هل من الضروري أن يسبق الحب الزواج.. أم الحب من الممكن أن يأتي بعد الزواج.. وهل من الضروري ليصبح الزواج رائعاً، أن يكون هناك حُب قد سبق الزواج أم أتى بعده.. ألا يمكن أن يكون هناك زواج ناجح بلا حُب.. زواج بمشاعر حيادية.. زواج بمشاعر أقرب إلى المودة ولكن لا ترقى إلى درجة الحب؟! الزواج يحقق لك أن تعيش مع إنسان من الجنس الآخر، حياة كاملة، حياة فيها أقصى درجات القُرب، إذن أنت اثنان ولست واحداً، إذن هناك إنسان معك، أنت لست وحيداً، إنه انتصار على كل مشاعر الوحدة. وإذا أخذنا الأمر بروح الدُّعابة، فإننا نقول لك تزوج من أجل أن تستيقظ من النوم مبكراً لتجد إنساناً آخر بالقرب منك، وأن يكون أول شيء يصافح أذنيك من الصباح هو صوته وهو يقول لك صباح الخير، ولكن إذا تأملت بصدق في داخلك ستجد أن المعنى الحقيقي للزواج من الممكن أن يتجسد في هذه الدقائق القليلة في الصباح وأنت تنتقل من النوم إلى اليقظة تدريجياً وتعي العالم الخارجي وتنظر بجانبك فتجد إنساناً، أنفاساً، ذاتاً، كياناً، جسداً فيه حياة، حركة، إنساناً أقرب الناس إليك وإلا لما احتل هذا الموقع القريب منك جداً.. وتشعر أنت أيضاً بالحياة تشعر أن هناك إنساناً معك، في أقرب نقطة إليك يتبدد أيَّ إحساس بالوحدة والغربة والاغتراب.. صباح الخير معناها أنني أريد أن أقول لك إنك لست وحيداً.. إنني معك وبك، إنني منك وإليك، وإننا على الطريق الحلو والمر، السهل والصعب، المتعة والمشكلة، الهزل والجد.. هيا بنا ننهض ونبدأ يومنا. إذن لابد أن يكون هناك إنسان ثابت في حياتك، وأن تكون هناك علاقة ثابتة في حياتك. فالزواج هو سبيلك إلى حياة آمنة ومطمئنة، هذا هو شعورك منذ البداية، وحتى إذا كانت نواة الحب الأولى قد تخلقت مع بداية الزواج، فإن هذا سيكون هو نفس شعورك، الرغبة في حياة مستقرة وثابتة ومستمرة وخالدة خلود حياتك، وتلك أحد مصادر السعادة في الزواج، ولا زواج سعيد إلا إذا كان طرفاه يشعران بالاستقرار والاستمرارية، وهذا لا يتحقق إلا إذا كنت أنت الأوحد في حياته وهو الأوحد في حياتك. وبالتالي فإن العلاقات المنحرفة تحمل في طياتها تهديداً بالانفصال، علاقات ليس لها جذور، علاقات عابرة سطحية من الممكن أن تنتهي في لحظة وخاصة إذا فقدت المقوم الذي تقوم عليه وهو إرضاء للشهوة فقط. ولذلك فإدراك هذا المعنى البليغ للزواج، معنى الثبات والاستقرار والاستمرارية، يتطلب إنساناً ناضجاً، الناضج هو الذي يدرك هذا البعد المهم، وهذه الركيزة الأساسية في الزواج لا يدركها طائش أو مستهتر أو أحمق أو غبي أو منحرف أو متبلد الوجدان، الزواج يقضي على مشاعر الخوف والقلق والضياع والعدم واللا شيء. وحياة الزواج ليست سلبية، ولكنها حياة إيجابية بكل المعاني، إنها حياة المواجهة والمشاركة ومواجهة الحياة تعني تبعاتها، مستلزماتها، مشاكلها، صعابها نعني هنا مواجهة المتاعب، مواجهة الآلام مواجهة الصعاب، وهذه من أعظم نعم ومزايا وضروريات الزواج، فالمواجهة تحتاج إلى نُضج، تحتاج إلى إيمان بقيم عليا كالأمانة والصدق والشرف والإخلاص، المواجهة تحتاج إلى إحساس بالمسؤولية، تحتاج إلى إنسان كريم، والكرم صفة جمالية في الشخصية الإنسانية، والكرم لا يتجزأ.. الكرم في كل شيء، في العطاء النفسي الروحي، في العطاء المادي، الكريم لا يفكر لحظة ولا يتردد لحظة وهو يُعطي لمن يحب، إنه عطاء بلا حدود، الزواج يجعلك تتخلى تماماً عن كل آثار الأنانية وآثارالنرجسية التي من الممكن أن تكون قد علقت بك أثناء عزوبيتك. والتعاون بين الزوجين تلقائي وطبيعي، لأن هناك توحداً، ولذا فأنت تشعر في مواجهة المشكلة أن زوجك داخلك، في عقلك وروحك، إنه ليس فقط معك، بل هو أنت، وأنت هو.. لا يوجد ما يُسمى بمشكلة خاصة بك، ومشكلة خاصة به، بل أي مشكلة هي مشكلتكما معاً، فالزواج هو قمة التوحد والذوبان، ذوبان روح في روح، وذوبان جسد في جسد، وذوبان عقل في عقل، وذوبان آمال في آمال، لا طموح منفرد، ولا تطلعات مستقلة، وبالتالي لا مشاكل خاصة. .. ونواصل إن شاء الله