طالعت في بعض صحف الخرطوم الصادرة صباح الاثنين 31/10/2011م خبراً ، إن قوة المُعارضة السودانية تمسكت بخيارها لإسقاط النظام ، وأن التحالف يُنظم صفوفه وإنه مُتفق علي شكل الحكومة بعد سقوط النظام. أسمحوا لي أن يكون مدخلي لحكومة المُعارضة وأقول لهم بوضوح ، إن أي مراقب يجتهد في رصد الشارع السوداني يستطيع أن يقول إن أكثر ما يعطل حلم الذهاب العاجل إلي طريق النهضة هو أننا سمحنا لأنفسنا بانتصار أجواء الصخب الزاعق عل[ي لغة العقل والحوار, مما أدي إلي ذيوع وانتشار لغة الصراخ والسباب بدرجة تقترب بكل أسف من أن تكون عنواناً سيئاً لأغلب ما تتناوله مُعارضتنا في السودان! لو أن أحداً سألني ، ما الذي تتمناه وتحلم من الحكومة الجديدة -حكومة المعارضة- إنجازه لقلت دون تردد إن أمنيتي وأمنية غالبية السودانيين هي القدرة علي رؤية الغد وفق أجندة محددة تسمح بتجدد رهانات الأمل والتفاؤل التي ربما تكون قد توارت أو تراجعت نسبياً تحت وطأة هموم الحاضر. ولا أظن أيضاً أن أحداً يمكن أن يجادل في صحة وجود رغبة شعبية جارفة باتجاه المزيد من الخطوات والإجراءات التي تضع أقدامنا علي طريق النهضة، دون إغفال لاستحقاقات الاجتماعية ليست فقط واجبة بمنطق التكامل وإنما هي استحقاقات ملزمة طبقاً للعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين في منهج الحكم. إنني أحلم بمزيد من الديمقراطية ومزيد من الإصلاح السياسي تحت راية الفهم الصحيح بأنه ليس هناك ما يحول دون إجراء المراجعة وإحداث التصحيح في مسيرة العمل الوطني مرحلة بعد مرحلة وحقبة بعد حقبة مادمنا نلتزم في خطواتنا علي طريق المراجعة والتصحيح بتجنب كل ما يهز استقرار الوطن أو يتصادم ويتعارض مع أحلام التنمية والاستثمار. إنني أحلم باستمرار إحياء مبدأ تكافؤ الفرص وتعميق أجواء الشفافية واستمرار الأخذ بسياسات الحوار تحت مظلة الانتماء الحقيقي للوطن والتمسك بقيم النزاهة والطهارة والشرف. ثم إنني أحلم بمناخ سياسي جديد نتوافق عليه جميعاً شعباً وحكومةً لكي نقول نعم للجدية والانضباط في مواجهة كل أشكال النفاق والرياء والفساد من ناحية وعدم السماح لأحد بادعاء حق التحصن بأي امتيازات تعطل أحكام القضاء من ناحية أخري. وفي اعتقادي أن غالبية شعب السودان يحلم بحقه المشروع في رؤية الغد واستكشاف آفاقه بدلاً من استمرار وإصرار البعض علي لعبة النبش في الماضي التي تضر بأكثر مما تفيد وتستنزف معظم جهودنا وتبدد طاقاتنا. إن الكل يحلم مثلما أحلم بأن نجهد أنفسنا وأن نركز طاقة عقولنا لمواجهة تحديات الحاضر وتأكيد صحة الرهان علي المستقبل من خلال ثقافة سياسية جديدة تتجه بنا نحو تنشيط الاهتمام بعلوم المستقبليات بدلاً من إضاعة الوقت في حرب المذكرات والذكريات! وفي اعتقادي أنه مع التسليم بأن الغد هو ابن الحاضر فإن فرصتنا في الغد هي الأفضل لكي نجعل منه عنواناً للأمل والتفاؤل والاستبشار لكل من ينتمي بصدق لتراب هذا الوطن العظيم. ولأن الإنسان كائن طموح في أغلب الأحيان بطبعه فإن مثل هذه الموجات الاستفزازية المغرية، التي تحرض علي الاستهلاك واقتناء أدوات العصر ومجاراة بعض سلوكياته, تدفع ضعاف النفوس إلي استعجال تغيير أوضاعهم وتوفير موارد دخل إضافية تلبي شهواتهم. وتحت وطأة الإحساس بإلحاح الرغبة في الاقتناء لإشباع النفس تتوافر الأجواء النفسية, التي تبرر الخروج علي القيم والتقاليد, بدعوي أن ما يستطيع الآخرون اقتناءه ينبغي أن يكون له حق مماثل فيه, ومن ثم فإن بلوغ هدف الاقتناء أو التقليد يمكن أن يدوس في طريقه أي ضوابط دنيوية أو أي قيم وتعاليم دينية. أحلم بسريان روح التقاليد الرياضية التي ينبغي أن يتحلي بها الجميع علي اعتبار أن النقاش حول أية قضية أشبه بمباراة لابد فيها من فائز ومهزوم, وأنه متى انتهت المباراة انتهي كل جدل وكل تراشق واستعاد المشاركون روح الوحدة والالتئام التي تجمعهم تحت مظلة العمل الديمقراطي. أحلم بروح تقبل مبدأ الحرية في ظل القانون... فالمعارك الكلامية ينبغي توقعها وتقبلها لأنها ليست خصومة شخصية، وإنما هي إثراء للعملية الديمقراطية, ولكن ما إن يتم التصويت النهائي ينبغي أن تتحد جهود الأقلية والأغلبية معاً علي احترام ما تم الاتفاق عليه, وضمان تنفيذه تنفيذاً دقيقاً وأميناً! وأحلم أن يأخذ زعماء المعارضة الجُدد - هذا الواقع في الاعتبار ، ويكون في مستوى التحدي الذي يواجه الوطن والشعب. وأن يحافظوا على وحدة موقعهم تجاوباً مع وحدة الموقف الشعبي وأن لا يخذلوا هذا الشعب البطل الذي أعطانا ، بكل صراحة ، دروساً في الوحدة الوطنية والصلابة. احلم بأن نتصارح، مهما كلفتنا هذه الصراحة ، وأن نُسمّي الأشياء بأسمائها، فثمرة الصراحة قد تكون علاقات متينة وشفّافة وتعاوناً حقيقياً ، بينما عاقبة الكذب والتكاذب ستكون المزيد من الحقد والانتقام والدمار والخراب للسودان . وأحلم بأن نقف في وجه أية صفقة دولية إقليمية ، أن نوحد صفوفنا كسودانيين ، وأن لا نتبع سياسة المتاريس وأن تقوم الدولة باحتواء وتبنّي جميع أبنائها لقطع الطريق على(رواد الصفقات) -إذا كان هناك من صفقة- وتنفيذها على حساب السودان. وأحلم بأن نسرع في فتح صفحة جديدة بين الحكم والشعب ، لأن أي تأخير يخدم مباشرة كل من يريد أحداث الشرخ داخل المجتمع السوداني بغية نشر بلبلة أمنية وسياسية لا يمكن أن تخدم ألاَّ أعداء السودان والسلام في المنطقة ، هؤلاء يريدون إبقاء الساحة السودانية معرّضة لكل أنواع الخضات خدمة لحسابات إقليمية تتخطى حدود الوطن. أحلم بفك الارتباط بين الملفات الشخصية وتصفية الحسابات وعمليات الابتزاز السياسي والحالة السياسية العامة التي ستؤدي ، إذا استمرت ، إلى انهيار ليس في قدرة أحد أن يتحمله .. فلنعد إلى لغة العقل والحوار وروح الديمقراطية نستلهمها التواضع والتوازن. أحلم بأن نعيش في وطن الحرية ، في وطن آمن بالحرية المطلقة مع احترامنا للقوى السياسية ولمفهومهم للحرية وليتهم يقولوا لنا في أي كتاب يقروا عن الحرية؟- ومن الطبيعي أن يكون في السودان معارضة ومعارضون وأن يكون الاختلاف في الرأي والفكر وأخيراً نتساءل متى المؤتمر الصحفي القادم لكشف شكل التشكيل الوزاري لحكومة المعارضة ! معقولة أنا في حلم ولا علم .